عناصر الخطبة
1/ أهمية الرؤيا المنامية 2/ من رؤى الأنبياء 3/ مكانة الرؤيا الشرعية 4/ أنواع الرؤى 5/ اهتمام النبي الكريم بها 6/ الفرق بين الرؤيا والحلم 7/ آداب يفعلها من رأى في منامه شيئاً 8/ رؤية النبي الكريم في المنام 9/ آداب التعامل مع الرؤى وتعبيرهااقتباس
حسبك من أهمية الرؤيا أن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قول الله- تبارك وتعالى -: (لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياة الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)، وقال: "هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، يقلب الله الليلَ والنهار، إن في ذلك لعبرةً لأولى الأبصار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالمُ الغيب والشهادة الملكِ الجبار، بيده الخير ومنه الخير وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين، وخاتم النبيين، وإمام المتقين، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون: واحفظوا حدوده يَحْفَظكم، واذكروه يذكركم، وأوفوا بعهده يوفِ بعهدكم، واستقيموا على طاعته يسعدكم؛ فإن الفلاح والنجاة مرهونٌ بتقوى الله وطاعته، ومراقبته ومحبته، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالاقتداء بالرسول محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ولزوم سنته.
أيها المسلمون: فُطرتِ النفوسُ على حب الاستطلاع ومحاولةِ معرفةِ الغيبِ المنتظر والغد المؤمَّل؛ ولهذا فُتن البعض بالذهاب إلى الكهان والمنجمين يلتمسون منهم كشفَ ما غُيّب، وإظهار ما حُجب، وهيهات أن يستطيعوا ذلك! فالغيب لله وحده: (عَالِمُ الغيْبِ فلا يُظهِرُ علَى غَيْبِهِ أَحَدَاً * إلَّا مَن ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ) [الجن:26-27]، وقال - تعالى -: (قُلْ لا يَعْلمُ مَن فِي السَّمَاواتِ والأرضِ الغيبَ إلا اللهُ) [النمل:65]، ولا يُحَصَّل من يذهبون إليهم إلا بهتاناً وإثماً مبيناً.
وأحياناً قد يَعْلَم الإنسان عن أمور ستجري أو بشاراتٍ ستحصل بطريق الرؤيا التي هي أمثالٌ مضروبةٌ، يضربها الملك الذي قد وكله الله بالرؤيا ليستدل الرائي بما ضُرب له من المثل على نظيره وَيَعْبرَ منه إلى شبهه، وهذا طريق شرعي مهم.
حسبك من أهمية الرؤيا أن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قول الله- تبارك وتعالى -: (لَهُمُ البُشْرَى فِي الحَياة الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)، وقال: "هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له" رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
وهذا إبراهيمُ الخليل -عليه السلام- عزم على ذبح ابنه من أجل رؤيا رآها، وينقادُ إسماعيل -عليه السلام-: (قَال يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرى في المنامِ أَنِّي أذْبَحُكَ فانْظُرْ ماذَا ترى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُني إنْ شَاءَ اللهُ مِن الصَّابِرِينَ) [الصافات:102]. ورؤيا الأنبياء وحي.
رؤيا يوسف -عليه السلام- رؤيا عجيبة، وما رآه ملك مصر وعبّره يوسف من سني القحط والرخاء فيها عبرة وعظه أيضاً.
وهذا رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- رأي ليلةَ غزوةِ بدرٍ الكفار وهم قلّة لتشجيع المؤمنين على القتال كما ذُكر ذلك في سورة الأنفال.
أيها المسلمون: الرؤيا المنامية لها مكانةٌ شرعية وهي أنواع ثلاثة، الناس فيها بين إفراط وتفريط، والمعبّرون كذلك، منهم المتعجّل، ومنهم المتأني، والعالم والجاهل، ومن الناس من طغى عليه جانب الرؤيا فصار كلما رأي في منامه شيئاً ذهب يسأل عنه حتى إذا كان أضغاث أحلام، ولربما سأل عن الرؤى أكثر من سؤاله عن أحكامٍ شرعية عليها مدارُ صحةِ العبادة من فسادها، وكل هذا من الجهل وتلاعب الشيطان.
ولنا -عباد الله- مع هذا الموضوع المهم عدةُ وقفات:
الوقفة الأولى: إن بعض الناس ينظر إلى هذا الموضوع نظرة تهوينٍ وإهمال، وهذا خطأً واضح، فالرؤيا جزءٌ من النبوة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : "الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة" خرجه البخاري وغيره. و"لم يبق من النبوة إلا المبشرات".
أخرج مسلم من حديث ابن عباس، قال: كشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السَّتر ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه، فقال: "اللهم هل بلغت! اللهم هل بلغت! اللهم هل بلغت! إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا يراها العبد الصالح أو ترى له"، والمعنى أن الوحي قد انقطع بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يبقى ما يُعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا.
ولقد كان من اهتمامه -صلى الله عليه وسلم- بالرؤيا أنه يقول لأصحابه بعد صلاة الصبح: "هل رأى أحد منكم رؤيا؟"، كما في الصحيحين، فيعبرها لهم.
الوقفة الثانية: ما يراه الإنسان في منامه ثلاثةَ أقسام: رؤيا صالحة، وحديث نفس، وتحزين شيطان.
يدل على هذا ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الرؤيا ثلاثة: الرؤيا الصالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزينٌ من الشيطان، ورؤيا مما يحدّث المرء نفسه" رواه البخاري ومسلم وهذا لفظه.
وروى ابن ماجة عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويلُ من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يَهُمُّ به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءاً من النبوة".
ومن أهاويل الشيطان: تلاعبُهُ بالإنسان في منامه، فقد ثبت في صحيح مسلم أن أعرابياً جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، رأيتُ في المنام وأن رأسي ضرب فتدحرج فاشتددتُ على أثره، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي: "لا تحدّث الناسَ بتلعّب الشيطان بك في منامك".
قال جابر -رضي الله عنه-: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدُ يخطبُ فقال: "لا يحدثنَّ أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه".
وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الرؤيا من الله والحُلْم من الشيطان" أخرجه مسلم.
قال ابن الأثير: "الرؤيا والحُلْم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء؛ لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن، وغلبَ الحلمُ على ما يراه من الشر والقبيح" اهــ.
الوقفة الثالثة: ما هي الآداب التي يفعلها من رأى في منامه شيئاً؟.
الجواب على هذا: إن رأى خيراً يُفرح به فيستحب له ثلاثةُ آداب: أن يحمد الله عليها، وأن يستبشر بها، وأن يحدث بها من يحب دون من يكره، روى البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها... ".
وروى مسلم: "فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب".
أما الرؤيا المكروهة لها آداب، منها: الاستعاذةُ بالله من شرها، الاستعاذة من الشيطان ثلاثاً مع التتفل عن يساره ثلاثاً، ومن الآداب أن يتحول النائم عن الجنب الذي كان عليه، ومنها أن يصلي ما كتب له، ومن ذلك ألاَّ يحدّث بها أحداً أبداً، فإنها إن شاء الله لا تضره.
وروى الشيخان البخاري ومسلم عن أبي سلمة قال: كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعتُ أبا قتادة يقول: "الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثاً، ولا يحدث بها أحداً؛ فإنها لن تضره".
وروى مسلم عن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق من يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه".
وأخرج البخاري ومسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً، والرؤيا ثلاثة: رؤيا بشرى من الله - عز وجل -، ورؤيا مما يحدث الإنسان نفسه، ورؤيا من تحزين الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدث به وليقم ولْيُصَلِّ"، والمراد باقتراب الزمان: اقتراب الساعة كما قاله أهل العلم.
قال ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: "ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحرّ الصدق، وأكل الحلال، والمحافظة على الأوامر والنواهي، ولينم على طهارة كاملة، مستقبلا القبلة، ويذكر الله حتى تغلبه عينه، فإن رؤياه لا تكذب البتة، وأصدق الرؤيا ما كان بالأسحار، فإنه وقت النزول الإلهي، واقتراب الرحمة والمغفرة، وسكون الشياطين".
أعاذنا الله وإياكم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ووفقنا لهداه. آمين! أكْثِروا من الاستغفار وسؤالِ الله العفو والعافية.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وسلم تسليماً وعلى آله وأصحابه ومن اقتدى بهم واتبع هديهم.
وبعد: فما كلُ ما يراه الإنسان في منامه يَسْأَلُ عنه ليعبَر له، ولا كلُ ما يُرى يكون حقاً، فإن من الرؤى أضغاث أحلام وتلاعب شيطان كما سبق آنفاً، وعليه؛ فليعلم بأن الرؤيا لا تصلح بأن تشرِّع حكماً أو تحل حراماً أو توجب شيئاً أو يسيء أحد الظنَ بمسلم ظاهره العدالة، أو يعتدي عليه لمجرد ما رأى في النوم.
ذكر الشاطبي في الاعتصام: "أن الخليفة المهدي أراد قتل شَرِيك بن عبد الله القاضي، فقال شريك: ولم ذلك يا أمير المؤمنين ودمي عليك حرام؟ قال: لأني رأيتُ في المنام كأني مقبلٌ عليك أكلِّمك وأنتَ تكلمني من قفاك فأرسلت إلى المعبّر فسألته عنها، فقال: هذا رجلٌ يطأُ بساطك وهو يسر خلافك، فقال شريك: يا أمير المؤمنين: إن رؤياك ليست رؤيا يوسف بن يعقوب، وإن دماء المسلمين لا تسفك بالأحلام، فنكّس المهدي رأسه وأشار إليه بيده أن اخرج؛ فانصرف".
وذكر الذهبي عن المروزي: "أن رجلاً صالحاً أُدخل على الإمام أحمد بن حنبل فقال: إن أمي رأت لك مناماً هو كذا وكذا وذكرت الجنة، فقال: يا أخي، إن سهلا بن سلامة كان الناسُ يخبرونه بمثل هذا وخرج إلى سفك الدماء ثم قال: الرؤيا تسرُّ المؤمنَ ولا تغرُّه".
فهل يعي خطورة هذا الأمر من يتناقلون رؤى لم يتأكدوا من صحتها وعدالة ناقليها؟ وأخطر من هؤلاء من يتعمدون الكذب في الرؤيا بأن يقول أحدهم رأيت كذا وما رأى.
فعن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تحلّم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع على حديث قومٍ وهم له كارهون، أو يفرون منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورةً عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ" أخرجه البخاري.
وفيه أيضاً من حديث أبن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مِن أفرى الفرى أن يري عينه مالم تر".
ففي هذين الحديثين وعيدٌ شديد على من يكذب في رؤياه؛ لأنه من الكذب على الله -عز وجل-.
أيها المسلمون: وعلى مَنْ يرون الرؤى الحقيقية ويرغبون في تعبيرها أن يتخيرّوا من يحسن هذا العلم، فليس كل من تصدّر يحسن أن يُعَبِّر، قيل لمالك بن أنس -رحمه الله-: أيعبّر الرؤيا كل أحد؟ قال: أيلعب بالنبوة؟.
وقد أخرج الحاكم من حديث أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الرؤيا تقع على ما لعبّر به، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً أو عالماً" صححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني في الصحيحة.
وفي حديث أبي رزين العقيلي: "الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبّر، فإذا عبرت وقعت"، قال الراوي: وأحسبه قال: "لا يقصها إلا على وادّ أو ذي رأي" ومعنى وادّ، أي: محب أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح.
عباد الله: ومن رأى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- على صفته كما جاءت في السنة والسيرة فقد رآه حقاً، أخرج البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي، ورؤيا المؤمن جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة".
أيها المسلمون: واجبٌ على مَنْ تصدّروا لتعبير الرؤى أن يتقوا الله -عز وجل-، وأن ينصحوا لعباده، وأن يستروا عورات الناس، وأن لا يقولوا ما لا يحسنون، يقول ابن القيم: "المفتى والمعبِّر والطبيب يطلعون من أسرار الناس وعوراتهم على مالا يطلع عليه غيرهم فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره".
وبعض من يتصدّر للتعبير يجزم بكل ما يقول، وربما رفع نفسه على الآخرين، وهذا من المزالق الخطيرة.
وإذا كان الإمام محمد بن سيرين إمام المعبرّين الذي بلغ في العلم والصلاح مبلغاً عظيماً حتى إنه قال عن نفسه: والله ما غشيت امرأةً قط في يقظة ولا منام غير زوجتي، وإني لأرى المرأة في المنام فأتذكر أنها لا تحل لي فأصرف عنها بصري، فقال بعض العلماء: يا ليت عقلي في اليقظة كعقل ابن سيرين في النوم!.
إذا كان هذا ابن سيرين نقل ابن عبد البر أنه كان يُسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيتَ في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيبُ بالظن يخطئ ويصيب.
فكيف بأناسٍ في عصرنا لا تسمع أحدهم وهو يعبّر يقول مرةً واحدة لا أدري! بل يندفع مجيباً، ولربما ترتّب على بعض إجابات هؤلاء مشاكل أسرية وأمورٌ عظيمة.
وختاماً لهذا الموضوع أقول: علينا أن نتقي الله في كل ما نقول وما نعبرّ، وما ننقل، ولنلزم الأوراد الشرعية والأذكار الصباحية والمسائية، ولنحسن إلى الآخرين ما استطعنا يكفينا الله تعالى كل شرٍ يُرى.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم