عناصر الخطبة
1/جمال الحج ومشاعره الفياضة 2/الشوق للحج عظيم على القلب، ومن لم يدركه تعوض منه بعشر ذي الحجة 3/من معاني الحج وصوره الجميلة.اقتباس
ومن لم يتسنى له اللحاق مع ركب الحجاج فإن الله -جل جلاله- جوادُ كريم، وعطاءه جزيل، وكرمه عميم، قد هيئ أيامًا عشرًا عظامًا، هي أيام عشر ذي الحجة، ينال المتعبد فيها والساعي في وجوه الخير أجرًا عظيمًا وفوزًا كبيرًا قال من لا ينطق عن الهوى...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، كتب العزة للمسلمين بالإسلام، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره على جزيل الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.
الحج موكب الإسلام ومظهره، ولباب حسه وجوهره، وموسمه الحرام أشهره.. مشهده العظيم،، ونديه الكريم ..
الحج ركن الإسلام، وفيه تعظيم لشعائر الرحمن.
هنيئاً لمن حج بيت الهدى *** وحطَّ عن النفس أوزارها
بيت الله المعظم هو ملتقى جموع المسلمين، وقبلة أهل الإسلام، تتوجه إليه القلوب والأبدان، ويفد إليه الحجاج والعمار رجالاً ونساءً: ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ).
الحج أمنية كل مسلم، وأنس كل مؤمن، وبُلغة كل منقطع لربه.. تتقطع القلوب اشتياقً إليه، وتحتفي الأقدام مشيا إلى عرصاته، وتبح الحناجر تلبية لدعوته (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).
أَرى الناسَ أَصنافاً وَمِن كُلِّ بُقعَةٍ *** إِلَيكَ اِنتَهَوا مِن غُربَةٍ وَشَتاتِ
تَساوَوا فَلا الأَنسابُ فيها تَفاوُتٌ *** لَدَيكَ وَلا الأَقدارُ مُختَلِفاتِ
لا تلام النفوس وهي تتلهف أخباره، وتلهث لبلوغه، وتدفع الغالي والنفيس من أجل الحصول للوصول إليه ..
فكم لذة كم فرحة لطوافه *** فلله ما أحلى الطواف وأهناه
فواشوقنا نحو الطواف وطيبه *** فذلك شوق لا يعبر معناه
الحج مع مشقته مرغوب، ومع نصبه محبوب ..
الحج جماله ببساطته، وبهائه بقلة الكلفة فيه. كانت أَسْمَاءَ بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- كُلَّمَا مَرَّتْ بِالحَجُونِ تَقُولُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَا هُنَا، وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ، قَلِيلٌ ظَهْرُنَا قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا، فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ، وَالزُّبَيْرُ، فَلَمَّا مَسَحْنَا البَيْتَ أَحْلَلْنَا ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنَ العَشِيِّ بِالحَجِّ"(متفق عليه).
هناك بين الحطيم وزمزم، وعلى ثرى مزدلفة وعرفات، تعود الذكريات، حين مشى عليها أطهر نفسٍ أحرمت، وأزكى روحٍ هتفت يُعلن التوحيد ويكسر الوثن والإلحاد.
كأنني برسول الله مرتدياً *** ملابس الطهر بين الناس كالقمر
ملبياً رافعاً كفيه في وجل *** للـــــه في ثوبِ أوّابٍ ومفتقــــــر
وقام في عرفات الله ممتطياً *** قصواءه يا له من موقف نضِـــــر
يشدو بخطبته العصماء زاكيةً *** كالشهد كالسلسبيل العذب كالدرر
مجلياً روعة الإسلام في جملٍ *** من رائع من بديع القول مختصـــر
داعٍ إلى العدل والتقوى وأن بها *** تفاضل الناس لا بالجنس والصـــور
يا ليتني كنت بين القوم إذ حضروا *** مُمَتَّعُ القلب والأسمــــــاع والبصـــر
أقبِّل الكف كف الجود كم بذلت *** سحّاء بالخير مثل السلسل الهدر
أُسّر بالمشي وإن طال المسير بنا *** وما انقضى من لقاء المصطفى وطري
أي قلب لا يتقطع اشتياقا لتلك الربوع، وذاك الرضاب، وفضائله تقرع الآذان، وتشق الأسماع من كلام سيد الأنام عليه -الصلاة والسلام-: "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، "الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ"(متفق عليهما).
ومن تمنى بصدق بلوغ تلك المشاعر العظام، وترقرقت محاجره متلهفاً
ياحبذا الحج وأيامُ مِنَى *** ومُصلّانا وتقبيلُ الحجر
ولم يستطع لذلك سبيلاً لمرض ألم وبه وأقعده عن المسير، أو لقلة ذات اليد ولم يستطع لغلاء أسعاره فإن الله يعذره (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)، ويبلغه بكرمه أجره "إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا، مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ" شاركوكم الأجر.(متفق عليه).
وفي مسند الإمام أحمد "مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَعْمَلُ بِهِ فِي مَالِهِ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ مَالِ هَذَا، عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ " قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ"، "وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِيهِ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ، وَرَجُلٌ لَمْ يُؤْتِهِ اللهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ مِثْلُ هَذَا، عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ"، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ".
ولكن الخسران والحرمان أن يُهدر الإنسانُ الأموالَ في تنزهٍ وسياحةٍ وتوسعٍ، ثم يُحجمُ عن الحجِ ويرى نفسَه مع غيرِ المستطيعين.
ومن لم يتسنى له اللحاق مع ركب الحجاج فإن الله -جل جلاله- جوادُ كريم، وعطاءه جزيل، وكرمه عميم، قد هيئ أيامًا عشرًا عظامًا، هي أيام عشر ذي الحجة، ينال المتعبد فيها والساعي في وجوه الخير أجرًا عظيمًا وفوزًا كبيرًا قال من لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم-: "مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ العشر" قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: "وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ"(أخرجه البخاري).
اللهم وفقنا لطاعتك وابعدنا عن معصيتك، واصرف عنا غضبك وسخطك، ونستغفرك اللهم من ذنوبنا، إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف امره وعصاه، وصلى الله وسلم على خير خلق الله؛ أما بعد:
الحج فرصة لمن ناله ووصل لتلك الرحاب الطاهرة الآمنة الوادعة، لاكتمال ركن الإسلام، ومحط لمحي الأوزار، وبلغة لهدم جاهلية الإنسان وتجديد الإيمان.. وفي صحيح مسلم قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعَمْرٍو بْنَ الْعَاصِ -رضي الله عنه-: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟" وتحقيق ذلك في قوله -سبحانه-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ).
من فرض الحج أن نتعلم مناسكه، والحج كما حج المصطفى شعاره لعل خفاً يقع على خف، وليحفظ بصره، وليمسك لسانه إلا من ذكر الله وما والاه.
الحج إخلاص وطاعة وإنابة، لا مباهاة ورياءً وتصوير، قال أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: حَجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَحْلٍ، رَثٍّ، وَقَطِيفَةٍ لَا تُسَاوِي أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لَا رِيَاءَ فِيهَا، وَلَا سُمْعَةَ".
الحج دعاء وإخبات، ورجاء مع حسن اتباع ثم ليبشر بعدها بكرم الله وعطائه وقبوله فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا ..
اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وعقيدتنا وبلادنا، اللهم من اراد بنا أو بالحجاج والمسلمين سوءا أو فتنة فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره وارح المسلمين من شره .
التعليقات