عناصر الخطبة
1/حقيقة اسم الله الواسع وثمرة الإيمان به.اقتباس
وَهُوَ الْوَاسِعُ الْمُطْلَقُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالْكَامِلُ فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ؛ فَلَا يُحْصِي أَحَدٌ ثَنَاءً عَلَيْهِ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ؛ فَمَهْمَا وَصَفَهُ الْوَاصِفُونَ مِنْ خَلْقِهِ؛ فَلَنْ يَبْلُغُوا كُنْهَهُ، وَلَنْ يُحِيطُوا بِهِ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)[الْأَعْرَافِ: 156]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 247].
مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى الَّتِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ بِهَا اسْمُهُ؛ "الْوَاسِعُ"؛ فَرَبُّنَا هُوَ الْوَاسِعُ الْغَنِيُّ -عَزَّ وَجَلَّ- الَّذِي وَسِعَ غِنَاهُ جَمِيعَ عِبَادِهِ، وَسِعَ خَلْقَهُ كُلَّهُمْ بِالْكِفَايَةِ وَالْأَفْضَالِ وَالْجُودِ وَالتَّدْبِيرِ.
وَهُوَ الْوَاسِعُ الْمُطْلَقُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالْكَامِلُ فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، فَلَا يُحْصِي أَحَدٌ ثَنَاءً عَلَيْهِ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، فَمَهْمَا وَصَفَهُ الْوَاصِفُونَ مِنْ خَلْقِهِ فَلَنْ يَبْلُغُوا كُنْهَهُ، وَلَنْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْمًا، وَرَبُّنَا وَسِعَ عِلْمُهُ كُلَّ شَيْءٍ؛ (وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)[الْأَعْرَافِ: 89]، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ؛ فَاللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يَسْمَعُ دَبِيبَ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ.
وَعِلْمُهُ يَشْمَلُ أَسْرَارَ الْقُلُوبِ، وَمَا تُضْمِرُهُ الصُّدُورُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ؛ (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غَافِرٍ: 19]، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 235].
وَرَبُّنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ؛ يَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ تَابَ وَأَنَابَ مَهْمَا بَلَغَتْ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ؛ (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ)[النَّجْمِ: 32].
وَرَبُّنَا الْوَاسِعُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الَّذِي يُوَسِّعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي دِينِهِمْ، وَلَا يُكَلِّفُهُمْ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِمْ؛ (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 115].
وَأَشْهَـدُ أَنَّ اللَّهَ لَا رَبَّ غَيْرُهُ *** كَرِيمٌ رَحِيمٌ يُرْتَجَى وَيُؤَمَّلُ
إِذَا سُئِلَ الْخَيْرَاتِ أَعْطَى جَزِيلَهَا *** وَيَرْفَعُ مَكْرُوهَ الْبَلَا وَيُزَوِّلُ
يَسِحُّ مِنَ الْخَيْرَاتِ سَحًّا عَلَى الْوَرَى *** فَيُغْنِي وَيُقْنِي دَائِمًا وَيُحَوِّلُ
إِذَا أَكْثَرَ الْمُثْنِي عَلَيْهِ مِنَ الثَّنَا *** فَذُوِ الْعَرْشِ أَعْلَى فِي الْجَلَالِ وَأَجْمَلُ
وَمَنْ فَهِمَ اسْمَ اللَّهِ: "الْوَاسِعِ" ذَهَبَ خَوْفُهُ، وَحَلَّتِ الطَّمَأْنِينَةُ فِي قَلْبِهِ، وَفُتِحَ لَهُ بَابُ الْأَمَلِ.
فَذَاكَ الْمُزَارِعُ الَّذِي تَأَخَّرَ عَلَيْهِ وَقْتُ الْحَصَادِ، وَشَحَّ الْمَاءُ، وَتَعَاظَمَتْ حَاجَتَهُ لِلثَّمَرِ؛ لَـمَّا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ؛ نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِرَبِّهِ، وَنَادَى: يَا وَاسِعَ الْعَطَاءِ.. يَا اللَّهُ..
يَا وَاسِعَ الرَّحْمَةِ.. يَا وَاسِعَ الْجُودِ! جُدْ عَلَيَّ مِنْ بَرَكَاتِكِ وَخَيْرَاتِكَ.
وَذَاكَ الْعَقِيمُ رَضَّتْهُ الْأَيَّامُ، وَأَتْعَبَتْهُ الْآلَامُ، وَاشْتَاقَ إِلَى طِفْلٍ يُلَاعِبُهُ وَيَمْلَأُ حَيَاتَهُ، وَتَأَخَّرَ الْحَمْلُ أَوْ فُجِعَ بِقَوْلِ الْبَشِرِ: عَقِيمٌ، وَبَيْنَمَا يَحْدُثُ ذَلِكَ وَالْحُزْنُ يَعُمُّ؛ تَسْتَيْقِظُ فِي دَاخِلِهِ حَيَاةٌ أُخْرَى بِتَذَكُّرِهِ بِأَنَّ اللَّهَ الْوَاسِعَ الْكَرِيمَ الْجَوَادَ، لَا يَرُدُّ سَائِلًا مُوقِنًا بِالْإِجَابَةِ؛ فَيُنَادِي: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)[آلِ عِمْرَانَ: 38]، (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 89-90].
وَكَذَا الْمَرِيضُ آهَاتُهُ يَسْمَعُهَا اللَّهُ، وَآلَامُهُ يَعْلَمُهَا اللَّهُ، فَإِذَا تَذَكَّرَ وَاسِعَ الْعَطَاءِ، وَهُوَ الشَّافِي وَالْكَافِي لِعِبَادِهِ نَادَى: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 83].
فَيَكْشِفُ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- الْهَمَّ، وَيُزِيلُ الْغَمَّ، وَيَدُبُّ الشِّفَاءُ.. إِنَّهُ اللَّهُ الْوَاسِعُ -عَزَّ وَجَلَّ-.
تَتَزَاحَمُ الْهُمُومَ فِي قَلْبِ الْمَدِينِ حَتَّى مَا يَظُنُّ أَنَّ لَهَا كَاشِفَةً، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَلَى قَلْبِهِ، وَيُلْجِئُهُ إِلَيْهِ، وَهُنَا يَلُوذُ بِجَنَابِ وَاسِعِ الْعَطَاءِ وَالْجُودِ وَالْكَرَمِ؛ فَيُنَادِي: يَا قَاضِيَ الْحَاجَاتِ، يَا وَاسِعَ الْعَطَاءِ: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[النَّمْلِ: 62] فَيَقْضِي اللَّهُ الدَّيْنَ، وَيَرْزُقُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَتَظْهَرُ الِابْتِسَامَةُ، وَيَهْدَأُ الْقَلْبُ، وَتَسْكَنُ النَّفْسُ؛ (قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ)[الْأَنْعَامِ: 64].
تَحِلُّ الْمُعْضِلَةُ بِالْعَالِمِ، وَتُشْكِلُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ؛ فَيَتِيهُ عَنِ الصَّوَابِ، وَيَعِزُّ عَلَيْهِ الْجَوَابُ، وَهُنَا يُمَرِّغُ أَنْفَهُ فِي التُّرَابِ مُنَادِيًا وَمُسْتَجْدِيًا: يَا وَاسِعَ الْعَطَاءِ.. يَا وَاسِعَ الْعِلْمِ.. يَا مُعَلِّمَ إِبْرَاهِيمَ عَلِّمْنِي.. يَا مُفَهِّمَ سُلَيْمَانَ فَهِّمْنِي. فَيَأَتِي التَّوْفِيقُ، وَتُحَلُّ الْمَغَالِيقُ مِنَ الْوَاسِعِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
يَخْتَلِفُ الزَّوْجَانِ، وَيَنْقَطِعُ الْحَبْلُ، وَتَنْقَطِعُ أَوَاصِرُ الْمَحَبَّةِ، وَتَضِيقُ بِهِمَا الْحَالُ بَعْدَ الطَّلَاقِ؛ فَيَلْجَآنِ إِلَى اللَّهِ الْوَاسِعِ، فَيُبْدِلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَيْرًا مِنَ الْآخَرِ؛ (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)[النِّسَاءِ: 130].
يَخْشَى الْمَرْءُ مِنَ الْإِنْفَاقِ، وَيَخَافُ مِنَ الْفَقْرِ؛ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ الشَّيْطَانَ وَسْوَسَ فِي صَدْرِهِ بِالشَّرِّ وَالْفَقْرِ، وَدَعَاهُ إِلَى الْبُخْلِ وَعَدَمِ الْإِنْفَاقِ؛ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 268].
فَيَتَذَكَّرُ الْمُؤْمِنُ بِأَنَّ اللَّهَ الْوَاسِعَ الْكَرِيمَ قَدْ وَعَدَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِقَوْلِهِ: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[الْبَقَرَةِ: 245].
وَيَتَذَكَّرَ قَوْلَهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 73]؛ فَيُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ، مُقْرِضًا رَبَّهُ، مُتَيَقِّنًا بِالْخَلَفِ مِنَ اللَّهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي الدَّارَيْنِ، فَإِذَا بِالْبَرَكَاتِ وَالرَّحَمَاتِ تَتَنَزَّلُ، وَتَعْظُمُ الْمِنَّةُ مِنَ اللَّهِ الْوَاسِعِ صَاحِبِ الْكَرَمِ وَالْجُودِ.
يَتَذَكَّرُ الْمُؤْمِنُ عَظِيمَ ذَنْبِهِ، وَكَثْرَةَ خَطَئِهِ؛ فَتَهِيجُ عَلَيْهِ أَحْزَانُهُ، وَيَشْتَعِلُ فُؤَادُهُ، وَتَسِيلُ عَيْنَاهُ مِنَ الدَّمْعِ خَوْفًا مِنَ الْجَبَّارِ؛ فَيَتَذَكَّرُ قَوْلَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)[الْأَعْرَافِ: 156]، وَقَوْلَهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ)[النَّجْمِ: 32].
وَهُنَا يُعْلِنُ التَّوْبَةَ وَالْإِنَابَةَ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، رَاجِيًا الدُّخُولَ فِي قَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الْفُرْقَانِ: 70]، مُسْتَشْعِرًا دُعَاءَ الْمَلَائِكَةِ؛ (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)[غَافِرٍ: 7]؛ فَتَغْسِلُ التَّوْبَةُ حُرْقَةَ فُؤَادِهِ، وَلَوْعَةَ نَفْسِهِ، وَيَجْعَلُهُ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مِنَ التَّوَّابِينَ وَمِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ، ثُمَّ يَمُنُّ عَلَيْهِ بِاسْتِقَامَةٍ إِلَى الْمَمَاتِ، ثُمَّ الْمَآلُ إِلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ، ثُمَّ يَسْمَعُ: (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ)[ص: 54].
اللَّهُمَّ أَدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ: رَبُّنَا الْوَاسِعُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الَّذِي وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ جَمِيعَ الْخَلَائِقِ؛ (رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ)[الْأَنْعَامِ: 147].
وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ فِي دِينِهِمْ، وَرَفَعَ الضِّيقَ وَالْحَرَجَ عَنْهُمْ؛ فَخَفَّفَ عَنِ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمُسِنِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ، فَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا)[الْبَقَرَةِ: 233]، وَمَنْ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ؛ فَاللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ وَسَّعَ عَلَى عِبَادِهِ فِيهَا: (وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ)[الزُّمَرِ: 10].
وَأَوْسَعُ عَطَاءٍ يُعْطِيهِ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- خَلْقَهُ هُوَ الصَّبْرُ، صَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهَذَا لَفْظُهُ، وَمُسْلِمٌ).
وَالصَّبْرُ دَاخِلٌ فِي جَمِيعٍ أُمُورِ الْعِبَادَاتِ؛ فَصَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ، وَصَبْرٌ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَصَبْرٌ عَلَى أَقْدَارِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ فَالْحَيَاةُ كُلُّهَا صَبْرٌ إِلَى أَنْ نَلْقَى اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-.
يَا اللَّهُ.. يَا وَاسِعَ الْعَطَاءِ هَبْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا فَوْقَ مَسْأَلَتِهِ؛ فَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
يَا مَنْ يُغِيثُ الْوَرَى مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا *** ارْحَمْ عِبَادًا أَكُفَّ الْفَقْرِ قَدْ بَسَطُوا
عَوَّدْتَهُمَ بَسْطَ أَرْزَاقٍ بِلَا سَبَبٍ *** سِوَى جَمِيلِ رَجَاءٍ نَحْوَهُ انْبَسَطُوا
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
التعليقات