عناصر الخطبة
1/ عظيم خلق النبي الكريم وثناء الله عليه 2/ استيقاظ النبي الكريم لصلاة الليل قبل استيقاظه للفجر 3/ وضوء سيد البشر لصلاة الفجر 4/ صلاة النبي عليه الصلاة والسلام لسنة الفجر وفريضته 5/ ذكر النبي لربه بعد صلاة الفجر وسؤاله الصحابة عن الرؤيا 6/ جلوسه صلى الله عليه وسلم في المسجد وسلامه على أهله 7/ سؤال النبي عن أصحابه وزيارته لمرضاهم 8/ حفاظه صلى الله عليه وسلم على صلاة الضحى.اقتباس
وفي أحيان أخرى يبقى في مصلاه -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله حتى ترتفع الشمس ثم يقوم إلى بيته، وقد وردت عدة أحاديث في فضيلة الجلوس بعد الفجر؛ فدعونا في وقفات مختصرة نطل إطلالات نيرة، ونشْرُف بمعرفة لحظات نهارية من يوميات خير البرية، ولنبدأها في ساعات الصباح الباكر..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله..
أما بعد:
فهل لك أن تتعرف على مواقف من عمر شريف أقسم الله به، (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر: 72]، وأثنى على صاحب ذلك العمر؛ فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]، وأنزل الله عليه في أوائل ما أنزل من القرآن، (إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا) [المزمل: 7]؛ فالنهار محل السبح وهو التقلب في هذه الدنيا والتنقل في مصالحها، والسعي في نواحيها، (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [الليل: 4]، وهو المعاش الذي قال الله فيه، (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) [النبأ: 11].
وقال الله عن هذا السبح (طويلا)؛ ففي زمن النهار متسع لأعمال كثيرة، وما فات من عمل الليل؛ فإنه يتدارك في النهار، (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان: 62]؛ قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "عوضاً وخلفاً يقوم أحدهما مقام صاحبه؛ فمن فاته عمل في أحدهما قضاه في الآخر".
وقال قتادة: "فأدوا لله من أعمالكم خيرا في هذا الليل والنهار؛ فإنهما مطيتان يقحمان الناس إلى آجالهم ويقربان كل بعيد ويبليان كل جديد ويجيئان بكل موعود إلى يوم القيامة".
أيها المؤمنون: دعونا في وقفات مختصرة نطل إطلالات نيرة، ونشْرُف بمعرفة لحظات نهارية من يوميات خير البرية، ولنبدأها في ساعات الصباح الباكر، "وبورك لأمتي في بكورها"، ولا تزال أسواق المدينة وأزقتها في غلسها، ولم تطو السماء عن البيوت غسقها وظلمة ليلها، وكأنك بصوت بلال -رضي الله عنه- يؤذن في المسجد النبوي معلنا بداية يوم جديد، داعياً إلى إجابة نداء الله؛ فالصلاة خير من النوم.
ومن أقرب البيوت للمسجد بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فأهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- هم أسعد الناس وأول من يصلهم الأذان المهيب؛ فعلى أي حال هم أصحاب تلك الحجرات في تلك اللحظات المبكرات؟ استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- على جمل الأذان الله أكبر، الله أكبر، وليست هذه الاستيقاظة الأولى، بل سبقتها استيقاظ صلاة الليل: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) [المزمل: 1-2]؛ فهي استيقاظ من نومه الراحة بعد تهجد طويل، (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ) [الإسراء: 79]؛ فكان -صلى الله عليه وسلم- ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه وينام سدسه وقد أخبر -عليه الصلاة والسلام- أن هذا قيام نبي الله داود عليه السلام وهو أفضل القيام.
فإذا أذن لصلاة الفجر توضأ -عليه الصلاة والسلام- لصلاة الفجر، وربما اكتفى بوضوئه الأول؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- تنام عيناه ولا ينام قلبه؛ فأول صلاته بعد أذان الفجر راتبة الفجر ركعتان خفيفتان؛ فسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- تخفيف هاتين الركعتين ولا يزيد عليهما وقد قال في فضلهما، "خير من الدنيا وما فيها"؛ فماذا بين الأذان والإقامة إن كانت زوجته مستيقظة فربما آنسها بحديث أو خبر مختصر، وإلا اضطجع على شقه الأيمن حنى يجتمع الناس في المسجد، ثم بلال يناديه من المسجد الصلاة يا رسول الله؛ فيخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- للصلاة المشهودة صلاة الفجر.
فما ظنك بصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما ظنك بصلاة خلفه -صلى الله عليه وسلم-، وقد جعل الله قرة عينه في الصلاة؛ فإذا خرج سويت الصفوف ودخل الناس مصلين خلف إمامهم الأعظم في قراءة مترسلة يقف على رأس كل آية بترتيل خاشع وإطالة غير شاقة على من خلفه فكانت قراءته في الفجر ما بين الستين آية إلى المائة؛ فإذا كان فجر يوم الجمعة قصر القراءة؛ فاكتفى بسورتي السجدة وسورة هل أتى على الإنسان.
وجاء في المسند والسنن عن نعيم بن همار قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: قال الله -عز وجل-: "يا ابن آدم لا تعجزن عن أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره"؛ قال ابن القيم -رحمه الله-: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "هذه الأربع عندي هي الفجر وسنتها"؛ فإذا قضيت صلاة الفجر؛ استقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بوجهه الشريف ذاكراً ربه، داعياً بما علمه لأمته من أذكار الصباح، وربما سأل عن بعض أصحابه الذين لم يرهم في الصلاة، أو افتقدهم من قبل، وربما وهو في مجلسه وعظ أصحابه وذكرهم بما يعينهم على أنفسهم من غير إطالة ولا إكثار مخافة السآمة؛ فعن العرباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد صلاة الفجر موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، حتى قال رجل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع".
وقال مرة لأصحابه، "من رأى منكم رؤيا فليقصها عليَّ أعْبُرَها له"، وربما بادرهم هو -صلى الله عليه وسلم- برؤيا رآها فيقصها عليهم ويعبرها لهم.
وفي أحيان أخرى يبقى في مصلاه -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله حتى ترتفع الشمس ثم يقوم إلى بيته، وقد وردت عدة أحاديث في فضيلة الجلوس بعد الفجر.
وفي بعضها زيادة صلاة ركعتين؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" (رواه الترمذي).
خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن صلى الفجر وبقي ما شاء الله أن يبقى في المسجد حتى طلعت الشمس حسناء؛ فكان يمر على حجر زوجاته يسلم عليهن ويدعو لهن ولا يطيل المكث وهو القائل خيركم خيركم لأهله، وربما سأل أهل بيته هل عندكم شيء؛ يريد -عليه الصلاة والسلام- طعاماً يأكله؛ فإن كان لديهم شيء من تمر أو أقط أو لبن قدم له؛ فأكل وحمد الله وأثنى عليه، وربما قالوا له: ما عندنا شيء؛ فيقول: إني إذا صائم.
ما أطيب معاشرته لأهله -صلى الله عليه وسلم-، لا يتكلف معدوماً، ولا يعيب موجوداً؛ فماذا عن يوميات نبينا -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك، وما حظ أصحابه وعموم أمته من ساعات يومه؛ إذا أتم -صلى الله عليه وسلم- مروره على أهله ربما عاد إلى المسجد فيجد النفر من أصحابه ربما قلوا وربما كثروا على حسب فراغهم وشؤون حياتهم؛ فكيف بك في مجلس زينته النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فكانت أحاديث تلك المجالس أحاديث ودٍّ وتعليم، وتوجيه وتفهيم أحاديث متبادلة ربما كان من ضمنها سؤال لشحذ الأذهان، وتنشيط الحاضرين، سأل مرة أصحابه عن الشجرة التي تشبه المؤمن؛ فلم يعرفوها، حتى قال لهم: إنها النخلة!
وحذرهم مرة عن شهادة الزور حتى كان متكئاً فجلس؛ فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور! فما زال يكررها، وحدَّث أصحابه يوماً عن رجل من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع؛ فقال الله له: ألست فيما شئت من النعيم؟ قال بلى يا رب، ولكني أحب الزرع ! قال: فأذن له ربه فزرع فاستوى زرعه؛ فكان كأمثال الجبال! فقال الله له: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء ! فقال أعرابي: يا رسول الله لا تجده إلا أنصارياً أو مهاجرياً فإنهم أصحاب زرع وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع ! فضحك من في المجلس وضحك النبي -صلى الله عليه وسلم-".
وربما استقبل في مجلسه هذا من يحضره من المحتاجين؛ فيحث أصحابه على الصدقة عليهم وربما خطب في ذلك حتى يجتمع بين يديه الطعام الكثير.
وكان في مجلسه هذا كأحد أصحابه ليس له زي خاص، و لم يرتفع عنهم بكرسي أو دكه وربما دخل الغريب عليهم وهم جلوس؛ فيقول: أين محمد ؟ أو أيكم ابن عبد المطلب ؟ وربما أهدي للنبي -صلى الله عليه وسلم- طعام وهو مع أصحابه فيأكلون جميعاً، قال سمرة بن جندب -رضي الله عنه- بينما نحن عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أتي بقصعة طعام قال فأكل وأكل القوم فلم يزل القوم يتناوبون القعود على هذه القصعة إلى قريب الظهر؛ فقال رجل هل كانت تمد من الطعام ؟ قال أما من الأرض فلا ! إلا أن تكون تمد من السماء ! ولبناته وأصحابه الآخرين جانب من زياراته ولطفه؛ فيذهب إلى بيت فاطمة بنته؛ فيسألها عن حالها وعن أولادها فيأخذهم ويقبلهم ويدعو لهم، وسألها مرة عن زوجها علي -رضي الله عنه- وكان بينها وبينه شيء من الخلاف الأسري؛ فذهب إليه فوجده نائما في المسجد؛ فجعل يمسح التراب الذي علق به ويقول: "قم أبا التراب؛ فكانت أحب كناه له -رضي الله عنه-".
وزار مرة الصحابي عتبان بن مالك ليصلي في بيته؛ فصلى في بيته وطعم من طعامه، ثم استجمع عجبك وإعجابك حينما مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- في طريقه يوماً بشاب يسلخ شاة ولم يكن يحسن السلخ؛ فأراه عليه الصلاة كيف يصنع في سلخها ؟ بعد أن أدخل يده بين الجلد واللحم، وذهب هو وثلاثة من أصحابه لعيادة سعد بن عباده وقد اشتكى حتى غشي عليه.
وقال جابر: مرضت؛ فعادني النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه أبو بكر ماشيين، وصلى الظهر وقال لبعض أصحابه اذهبوا بنا نصلح بين أهل قباء على إثر خلاف بلغه عنهم وقال لبلال: "إذا حضرت صلاة العصر فمر أبا بكر فليصل بالناس".
وذهب مرة إلى طرف المدينة ليقسم ميراث بنات سعد بن الربيع حتى تأخر عندهم؛ فصلى الظهر والعصر هناك، وكان يطيب خاطر أصحابه في إجابة دعوتهم وإدخال السرور عليهم دعاه رجل بعد العصر؛ فقال يا رسول الله: "إنا نريد أن ننحر جزوراً ونحب أن تحضرها؛ فانطلق إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- مع بعض أصحابه فوجدهم ينتظرونه!"؛ فنحرت الجزور، ثم قطعت ثم طبخ منها؛ فأكلوا قبل أن تغيب الشمس، (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4].
الخطبة الثانية:
الحمد لله..
عباد الله: ما سمعتموه هو جانب من يومياته مع أهله وأصحابه؛ بتألف أصحابه، ويتودد إليهم، وله مع ربه في نهاره سبح آخر وسر عجيب؛ ففي صحيح مسلم عن عائشة قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله".
وفي الصحيحين عن أم هانئ: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى يوم الفتح ثمان ركعات"، وذلك ضحى.
وكان يستحب تأخير صلاة الضحى إلى ارتفاع النهار وقبل مجيء وقت النهي وذلك قبيل وقت الزوال بنحو عشر دقائق؛ فصلاة الضحى في هذا الوقت أفضل؛ ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنه رأى قوما يصلون من الضحى في مسجد قباء فقال: "أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " صلاة الأوابين حين ترمض الفصال"، وذلك حين يشتد حر النهار؛ فتجد فصال الإبل حرارة الرمضاء.
أيها المسلمون: هذه وقفات ما تركنا أكثر مما نقلنا ولعل في ذكرها حافزاً في البحث عن تتمتها ومدارسة بقيتها، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21].
فاللهم وفقنا لعمارة أوقاتنا في طاعتك، واستعملنا في مرضاتك.
التعليقات