عناصر الخطبة
1/ ثمرات الإيمان عندما يستقر في القلوب 2/ تربية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه على غرس الإيمان 3/ الإيمان يبعث على الثقة واليقين والتفاؤل 4/ كيفية تقوية الإيمان في القلوب 5/ واجبنا نحو أوطاننا 6/ مفاسد كثير من الاحتجاجات السياسية في بلاد المسلمين 7/ ضرورة الوحدة والائتلاف.اهداف الخطبة
اقتباس
كم نحن بحاجة إلى جرعة من إيمان نروي بها صحراء قلوبنا القاحلة، وتلين بها قلوبنا القاسية وتصلح أحوالنا، وتأمن أوطاننا، ويسعد أولادنا وتزدهر أمتنا!! كم نحن بحاجة إلى هذا الإيمان الذي يبث الأمل والتفاؤل في النفوس في وقت أصاب اليأس شريحة عريضة من أبناء هذه الأمة؛ بسب توالي المصائب والابتلاءات، فأثَّر ذلك على حياتنا كأفراد وكدول ومجتمعات، وترك الناس العمل، وكان الإحباط سيد الموقف!!
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحًا لذكره، وسببًا للمزيد من فضله، جعل لكل شيء قدرًا، ولكل قدر أجلاً، ولكل أجل كتابًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تزيد في اليقين، وتثقل الموازين، وتفتح لها أبواب جنةُ رب العالمين.
يا من تُحل بذكره عُقد النوائب والشدائد *** يا من إليه المشتكى وإليه أمر الخلق عائد
أنت العليم لما بليت به وأنت عليه شاهد *** أنت المعز لمن أطاعك والمذلُ لكل جاحد
أنت المنزّه يا بديع الخلق عن ولد ووالد *** يسّر لنا فرجاً قريباً يا إلهي لا تباعد
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله، أمين وحيه، وخاتم رسله، وبشير رحمته صلى الله عليه، وعلى آله مصابيح الدجى، وأصحابه ينابيع الهدى، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله: يقول الله -سبحانه وتعالى-: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة:177].
ما أجمل الإيمان عندما يستقر في القلوب وتستشعره النفوس وتتذوق حلاوته الجوارح ويثمر في واقع الحياة عملاً صالحًا ولسانًا صادقًا وخُلقًا حسنًا وسلوكًا قويمًا.. لذلك كانت تربية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه تقوم على غرس الإيمان في القلوب بتعظيم الله وتمجيده والاعتصام به والتوكل عليه، وحسن عبادته وطلب رضاه؛ لأن في ذلك سلامة للفرد والمجتمع والأمة من أيّ انحراف فكري أو سياسي أو اجتماعي أو تربوي أو أخلاقي؛ لأن الإيمان يوقظ في النفس الخوف من الله ومراقبته، ويبعث في نفس المسلم الضمير الحي المتصل بالله الذي يستطيع من خلاله أن يفرّق به بين الخير والشر والحق والباطل والحلال والحرام والمصلحة والمفسدة، وهذا هو الفلاح قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * والَّذِينَ هُمْ عَنِ الَّلغْوِ مُعْرِضُونَ * والَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِم أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * والَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِم يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون 1 – 11].
يأتي رجلان من المسلمين إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يختصمان في قطعة أرض ليس لأحدٍ منهما بينة، وكل واحدٍ منهما يدّعي أنها له، وقد ارتفعت أصواتهما فقال: "إنكم تختصمون إليّ وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع منكم، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما يقتطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة"(البخاري: 6566)..
عند ذلك تنازل كل واحدٍ منهما عن دعواه فقد حرّك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نفوسهما الإيمان وارتفع بهما إلى مستوى رائع من التربية الوجدانية وبناء الضمير والتهذيب الخلقي؛ فكانت هذه التربية الإيمانية وبناء الضمير حاجزاً لهما عن الظلم والحرام وهو الدافع إلى كل خير.. والله –تعالى- يدعونا إلى الإيمان فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً) [النساء: 136]..
فلا إله إلا الله كلمة عظيمة مِن أجلها خلق الله الخلق، وبعث الرسل، وأنزل الكتب، وخلق الجنة والنار، فكان الإيمان بها وبمقتضياتها من أعظم الواجبات... عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال موسى عليه السلام: يا رب علمني شيئًا أذكرك به وأدعوك به، قال: يا موسى قل: لا إله إلا الله، قال يا رب كل عبادك يقولون هذا، إنما أريد شيئًا تخصني به، قال: يا موسى لو أن السموات السبع والأراضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله" (رواه البخاري).
أيها المؤمنون: عباد الله: كم نحن بحاجة إلى هذا الإيمان في زمن فسدت الكثير من الأخلاق والقيم وحدث الانحراف في كثير من السلوكيات، وضعُفت فيه الأُخوة، وافتقدنا الحب والتآلف.. بل الأدهى من ذلك سُفكت الدماء، وهُتكت الأعراض، واستطال المسلم في عِرض أخيه المسلم وماله ودمه، وأصبحت العصبية الجاهلية بمسمياتها الحزبية والمذهبية والطائفية والمناطقية والقبلية أساسًا للولاء والبراء بين الناس وسببًا للحروب والصراعات، ونتج عن ذلك الظلم والتنازع والعداوة والبغضاء، ودُمرت الأوطان وتفرقت وأُهدرت مقدراتها.
وكان بالإمكان حل جميع هذا المشاكل والصراعات، وكان بالإمكان علاج هذه المشاكل وحل هذه الخلافات وتقليل آثارها إذا استشعرنا جميعاً مسئولياتنا وواجباتنا تجاه ديننا وأخلاقنا ومجتمعاتنا وأوطاننا والطريق إلى ذلك تحقيق الإيمان في القلوب وتقويته وتجديده قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: 55].
فكم نحن بحاجة إلى جرعة من إيمان نروي بها صحراء قلوبنا القاحلة، وتلين بها قلوبنا القاسية وتصلح أحوالنا، وتأمن أوطاننا، ويسعد أولادنا وتزدهر أمتنا، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) [محمد: 2].
سُئل حاتم الأصم: علام بنيت أمرك؟ -أي: كيف بنيت حياتك؟ وما سبب سعادتك واطمئنانك؟- قال على أربع خصال: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي. وعلمت أن عملي لا بقوم به غيري فأنا مشغول به.. وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره.. وعلمت أني لا أخلو من عين الله -عزّ وجلّ- حيث كنت، فأنا أستحي منه.. إنه الإيمان بالله والثقة به واليقين بوعده وموعوده؛ لأن العبد إذا آمن صار في أمان الله، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [الفتح: 4]..
كم نحن بحاجة إلى هذا الإيمان الذي يبث الأمل والتفاؤل في النفوس في وقت أصاب اليأس شريحة عريضة من أبناء هذه الأمة؛ بسب توالي المصائب والابتلاءات، فأثَّر ذلك على حياتنا كأفراد وكدول ومجتمعات، وترك الناس العمل، وكان الإحباط سيد الموقف..
لكن الله -سبحانه وتعالى- يرسل إشارات لهذه الأمة، ويجري أحداثًا تبعث فيها الأمل وإمكانية التغيير والتحول إلى الأفضل بالإيمان والعمل والإرادة والإصرار، وما حدث في فلسطين في غزة من صمود للمقاومة وابتكاراتها وصناعاتها ومواجهاتها للعدو الصهيوني وجيشه المدجج بأقوى الأسلحة الفتاكة رغم الحصار والمؤامرة العالمية والضعف العربي لدليل على ذلك..
فالإيمان يبث الأمل ويصنع التفاؤل والثقة بالله وقدرته وجدت ذلك أم موسى -عليه السلام- عندما أُمرت أن تلقي ولدها وفلذة كبدها في البحر الهائج المتلاطم الأمواج وهو الطفل الرضيع خوفاً من فرعون وجنوده قال تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [القصص:7-9]..
فلما كان حال هذه الأم، وكان هذا إيمانها، وكانت هذه ثقتها بالله ثقتها بالله تتابعت الأحداث وتهيأت الأسباب وعاد الولد إلى حضن أمه قال تعالى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص:13].. لتعلم أن وعد الله حق وأن الله قادر لا يعجزه شيء..
اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً يباشر قلوبنا وتصلح به أحوالنا.. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: إن تقوية الإيمان في القلوب يحتاج إلى نية صادقة وعمل صالح، وذلك بالمحافظة على ما افترضه الله علينا من العبادات والطاعات، وأهمها الصلاة بخضوع وتذلل، وبكثرة الذكر وقراءة القرآن بخشوع وتدبر، وبالنظر في مصير الأمم والمجتمعات بتأمل وتفكر وبمعرفة حقيقة الدنيا، وأنها دار ابتلاء ومحطة سفر، وأن الحياة الحقيقية إنما تكون في الآخرة في جنة تجري من تحتها الأنهار أو نار عذابها شديد وقعرها بعيد ومقامعها من حديد.
وعلينا كذلك أن نتذكر الموت وكربته والقبر ووحشته، والصراط وزلته، والحساب وشدته حتى يقوى إيماننا وتستقيم أخلاقنا قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ) [محمد: 12]..
فجدّدوا إيمانكم، واسألوا الله الثبات على دينه، والاستقامة على شريعته لتجدوا حياة طيبة وراحة نفسية، وأمنًا وأمانًا، وخيرًا وبركات متتابعة ونعمًا ظاهرة وباطنة، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يونس: 96]، وقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].. بالإيمان تتآلف القلوب وتقوى الروابط وتصل الأرحام وبه تحفظ الدماء والأعراض، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدّقُوا) [النساء 92].. فصاحب الإيمان يخاف الله فيأمنه الناس، ويأمنه المجتمع؛ لأن رقابة الله أعظم من رقابة البشر.
عباد الله: إنه ينبغي أن لا نكون أضحوكة بين الأمم ونحن نحمل رسالة الإسلام، ونقتدي بخير الأنام محمد -صلى الله عليه وسلم-، فنسيء إلى ديننا بسوء أعمالنا وتصرفاتنا، ومن يتأمل وينظر واقع الدول والمجتمعات والشعوب يجد أن بلاد المسلمين أكثرها مشاكل وصراعات وسفك للدماء وحروب وضعف وتأخر علمي واقتصادي.. ليس لأننا مسلمين، ولكن لأننا لم نطبّق الإسلام بصدق، ولم نتعامل به كسلوك في الحياة كما فعل آباؤنا وأجدادنا الذين نشروا عدلاً وأقاموا حضارة وبنوا عزاً ومجداً عندما صدقوا مع الله وصدقوا مع خلقه..
حتى الخلافات السياسية في بلاد العالم تُحَلّ بالحوار وبالانتخابات والبرلمانات والقوانين.. فهل سمعتم أو وجدتم قبيلة أو حزبًا في فرنسا أو بريطانيا قطعت الطريق بسبب مطالب سياسية؟! هل وجدتم قبيلة أو حزبًا في سويسرا أو ألمانيا دمّر أبراج الكهرباء ليطالب بإصلاحات سياسية؟! وهل وجدتم حزبًا أو قبيلة أو فئة من الناس في أي دولة غربية في أوروبا أو أمريكا أو الصين وكوريا واليابان تريد أن تسيطر على الكل وتلغي الجميع في الوطن الواحد أو تريد الوصول للسلطة والحكم عن طريق القوة والعنف والقتل والتدمير؟!
وهل يوجد في العالم جماعات متناحرة يذبح بعضها بعضاً إلا في بلاد المسلمين بسبب ضعف الإيمان وفساد المعتقد وسوء التفكير.. لقد تجاوز العالم كل هذه الأمور وتربت شعوبهم على ثقافة الحوار والتسامح والتنافس عبر البرامج والخطط والانتخابات فازدهرت دولهم وتطورت بلدانهم ومهما كانت خلافاتهم، فإنهم لا يعجزون في البحث عن حلول لها؛ فقد علمتهم الحياة والحوادث والصراعات والحروب السابقة الكثير من الدروس فتجنبوها حفاظاً على بلدانهم..
فهل نعجز نحن أهل الإسلام وعندنا القرآن وسنة النبي العدنان -صلى الله عليه وسلم-.. لا والله نستطيع أن نتعايش في الوطن الواحد، ونستطيع أن نحل مشاكلنا مهما كانت، ونستطيع أن نبني بلادنا وأمتنا، وأن ننهض بها تحت أيّ ظروف، ونستطيع أن نتآلف ويقبل بعضنا بعضًا، ونتسامح ويعفوا بعضنا عن بعض..
نستطيع ذلك متى قوي إيماننا وغلبنا مصالح أمتنا وأمرنا المعروف ونهينا عن المنكر وقام الجميع بدوره حكامًا ورعية، علماء وقادة أحزاب، إعلاميين ومؤسسات تربوية، رجالاً ونساءً.. فالأوطان تتسع للجميع والأوطان تحتاج إلى جهود الجميع..
فعودوا إلى دينكم وحكموا عقولكم وانشروا الحب وازرعوا الأمل وصفوا قلوبكم من الضغائن والأحقاد فالدنيا لا تستحق هذا العناء وتذكروا الآخرة ووقوفكم بين يدي ربكم وأحسنوا العمل ليحسن الله لكم الجزاء قال تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) [النساء: 124]..
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرِنا.. وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا.. وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا.. واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير.. ونسألك إيماناً صادقاً ويقيناً خالصاً وتوبة نصوح تغفر بها ذنوبنا وتصلح بها أحوالنا يا رب العالمين ... وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
التعليقات