عناصر الخطبة
1/فضائل رمضان 2/ رَمَضَان وَالخَير قرينان 3/ أبواب الخير واستغلالنا لها! 4/ دعوة لانتهاز ما بقي من رمضان 5/ النجاة لأهل الخير 6/ ديننا دين الوسطية 7/ أناس زاغوا عن الوسطية وعاقبتهم 8/ وجوب طاعة ولي الأمر 9/ الأسباب التي دعت إلى ظهور هؤلاء 10/ السبيل إلى الحفاظ على أمن البلاداهداف الخطبة
الترغيب في استغلال رمضان قبل فواته / تحذير الناس من التفجيرات والاغتيالات .اقتباس
أَمَّا وَقَدِ انتَصَفَ رَمَضَانُ أَو كَادَ، أَمَّا وَقَد مَضَى مِنهُ شَطرُهُ أَو قَارَبَ، فَهَلْ سَأَلَ سَائِلٌ مِنَّا نَفسَهُ: أَينَ أَنَا مِنَ الخَيرِ في شَهرِ الخَيرِ؟ هَل كُنتُ مِن طُلاَّبِهِ العَامِلِينَ بِأَسبَابِهِ الدَّاخِلِينَ مَعَ أَبوَابِهِ؟ فَإِن كَانَ كَذَلِكَ فَطُوبى لَهُ، وَإِن كَانَ بِخِلافِ ذَلِكَ فَمَاذَا يَنتَظِرُ؟! أَيَنتَظِرُ أَن يُقَالَ غَدًا العِيدُ وَهُوَ لم يُقَدِّمْ مِنَ الخَيرِ شَيئًا؟! أَيَنتَظِرُ أَن يَخرُجَ الشَّهرُ وَقَد رَغِمَ أَنفُهُ وَلم يُغفَرْ لَهُ؟!
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: صَحَّ عَنهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيلَةٍ مِن شَهرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَت أَبوَابُ النَّارِ فَلَم يُفتَحْ مِنهَا بَابٌ، وَفُتِّحَت أَبوَابُ الجَنَّةِ فَلَم يُغلَقْ مِنهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيرِ أَقبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقصِرْ".
وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَجوَدَ النَّاسِ بِالخَيرِ، وَكَانَ أَجوَدُ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ، وَكَانَ جِبرِيلُ يَلقَاهُ كُلَّ لَيلَةٍ في رَمَضَانَ يَعرِضُ عَلَيهِ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- القُرآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبرِيلُ كَانَ أَجوَدَ بِالخَيرِ مِنَ الرِّيحِ المُرسَلَةِ".
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: رَمَضَانُ وَالخَيرُ قَرِينَانِ؛ فَرَمَضَانُ هُوَ شَهرُ الخَيرِ وَزَمَانُهُ، وَالخَيرُ هُوَ عَمَلُ رَمَضَانَ وَوَظِيفَتُهُ، وَطَالِبُو الخَيرِ هُم أَهلُ رَمَضَانَ، وَرَمَضَانُ هُوَ سُوقُ أَهلِ الخَيرِ وَمَوسِمُهُم، وَمَن وُفِّقَ لِفِعلِ الخَيرِ في رَمَضَانَ وَخَفَّت إِلَيهِ نَفسُهُ فَهُوَ المُوَفَّقُ، وَمَن خُذِلَ عَنِ الخَيرِ فِيهِ وَثَقُلَ عَنهُ وَأَعرَضَ عَن مَوَائِدِهِ فَالظَّنُّ أَنَّهُ لا يُوَفَّقُ لَهُ في غَيرِهِ وَلا يُهدَى لِسَبِيلِهِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لأَنَّ فُرَصَ الخَيرِ في رَمَضَانَ مُهَيَّئَةٌ بِمَا لا تَتَهَيَّأُ في غَيرِهِ؛ فَصَاحِبُ الخَيرِ مُنَادًى بِالإِقبَالِ مُرَحَّبٌ بِهِ، وَصَاحِبُ الشَّرِّ مَطرُودٌ مَقصُورَةٌ خُطَاهُ، وَالشَّيَاطِينُ مُصَفَّدَةٌ وَمَجَارِيهَا مُضَيَّقَةٌ، وَأَبوَابُ النَّارِ مُغَلَّقَةٌ وَأَبوَابُ الجَنَّةِ مُفَتَّحَةٌ، وَالقُرآنُ يُتلَى وَالمُلائِكَةُ مُتَنَزِّلَةٌ، وَالجُمُوعُ مُتَعَبِّدَةٌ وَالأُجُورُ مُضَاعَفَةٌ. وَمَن هُيِّئَ لَهُ كُلُّ هَذَا وَلم تَشتَقْ نَفسُهُ لِلخَيرِ وَلم يَكُنْ لَهُ فِيهِ سَهمٌ فَلْيَتَفَقَّدْ قَلبَهُ فَإِنَّهُ لا قَلبَ لَهُ.
أَمَّا وَقَدِ انتَصَفَ رَمَضَانُ أَو كَادَ، أَمَّا وَقَد مَضَى مِنهُ شَطرُهُ أَو قَارَبَ، فَهَلْ سَأَلَ سَائِلٌ مِنَّا نَفسَهُ: أَينَ أَنَا مِنَ الخَيرِ في شَهرِ الخَيرِ؟ هَل كُنتُ مِن طُلاَّبِهِ العَامِلِينَ بِأَسبَابِهِ الدَّاخِلِينَ مَعَ أَبوَابِهِ؟ فَإِن كَانَ كَذَلِكَ فَطُوبى لَهُ، وَإِن كَانَ بِخِلافِ ذَلِكَ فَمَاذَا يَنتَظِرُ؟! أَيَنتَظِرُ أَن يُقَالَ غَدًا العِيدُ وَهُوَ لم يُقَدِّمْ مِنَ الخَيرِ شَيئًا؟! أَيَنتَظِرُ أَن يَخرُجَ الشَّهرُ وَقَد رَغِمَ أَنفُهُ وَلم يُغفَرْ لَهُ؟!
أَلا فَرَحِمَ اللهُ امرَأً حَاسَبَ نَفسَهُ وَقَدِ انتَصَفَ شَهرُهُ، فَنَظَرَ فِيمَا مَضَى وَعَمِلَ لِمَا يَأتي؛ فَإِن كَانَ مُحسِنًا ازدَادَ، وَإِن كَانَ غَيرَ ذَلِكَ رَجَعَ وَلم يَتَمَادَ.
وَتَعَالَوا بِنَا -أَيُّهَا الصَّائِمُونَ- نَستَعرِضْ شَيئًا ممَّا وَرَدَ فِيهِ التَّصرِيحُ مِن رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بِأَنَّهُ مِنَ الخَيرِ؛ لِنَزِنَ أَنفُسَنَا وَنَعرِفَ مَوَاقِعَنَا، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- لِمُعَاذٍ: " أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَبوَابِ الخَيرِ؟ الصَّومُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةٌ تُطفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ في جَوفِ اللَّيلِ; أَلا أُخبِرُكَ بِرَأسِ الأَمرِ وَعَمُودِهِ وَذِروَةِ سَنَامِهِ؟ رَأسُ الأَمرِ الإِسلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ; أَلا أُخبِرُكَ بِمِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ كُفَّ عَلَيكَ هَذَا " -وَأَشَارَ إِلى لِسَانِهِ- قَالَ: يَا نَبيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بما نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ: " ثَكِلَتكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِم إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِم ".
وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "مَن أُعطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفقِ فَقَد أُعطِيَ حَظَّهُ مِنَ الخَيرِ، وَمَن حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفقِ فَقَد حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الخَيرِ".
وَعَن عَبدِاللهِ بنِ أَبي أَوفى -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِني لا أَستَطِيعُ أَن آخُذَ مِنَ القُرآنِ شَيئًا فَعَلِّمْني مَا يُجزِئُني. قَالَ: " قُلْ: سُبحَانَ اللهِ وَالحَمدُ للهِ وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاللهُ أَكبرُ وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا للهِ فَمَاذَا لي؟ قَالَ: "قُلِ: اللَّهُمَّ ارحمْني وَعَافِني وَاهدِني وَارزُقْني" فَقَالَ هَكَذَا بِيَدَيهِ وَقَبَضَهُمَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "أَمَّا هَذَا فَقَد مَلأَ يَدَيهِ مِنَ الخَيرِ".
وَعَن أَبي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: أَوصَاني خَلِيلِي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بِخِصَالٍ مِنَ الخَيرِ: أَوصَاني أَلا أَنظُرَ إِلى مَن هُوَ فَوقِي وَأَن أَنظُرَ إِلى مَن هُوَ دُوني، وَأَوصَاني بِحُبِّ المَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنهُم، وَأَوصَاني أَن أَصِلَ رَحِمِي وَإِن أَدبَرَت، وَأَوصَاني أَلاَّ أَخَافَ في اللهِ لَومَةَ لائِمٍ، وَأَوصَاني أَن أَقُولَ الحَقَّ وَإِن كَانَ مُرًّا، وَأَوصَاني أَن أُكثِرَ مِن لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ فَإِنَّهَا كَنزٌ مِن كُنُوزِ الجَنَّةِ".
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- "حُوسِبَ رَجُلٌ ممَّن كَانَ قَبلَكُم فَلَم يُوجَدْ لَهُ مِنَ الخَيرِ شَيءٌ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ رَجُلاً مُوسِرًا، وَكَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ يَأمُرُ غِلمَانَهُ أَن يَتَجَاوَزُوا عَن المُعسِرِ. فَقَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لِمَلائِكَتِهِ: نَحنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنهُ، تَجَاوَزُوا عَنهُ".
هَذِهِ -مَعشَرَ الصَّائِمِينَ- أَبوَابٌ مِنَ الخَيرِ: صَلاةٌ وَصَومٌ وَقِيَامُ لَيلٍ، وَصَدَقَةٌ وَإِحسَانٌ وَحُبٌّ لِلمَسَاكِينِ، وَرِفقٌ بِالنَّاسِ وَتَجَاوُزٌ عَنِ المُعسِرِينَ، وَصِلَةٌ لِلرَّحِمِ وَرَحمَةٌ، وَكَفٌّ لِلِّسَانِ عَنِ الشَّرِّ وَإِشغَالٌ لَهُ بِالتَّلاوَةِ وَالذِّكرِ، وَقَولٌ لِلحَقِّ وَأَمرٌ بِالمَعرُوفِ وَنَهيٌ عَنِ المُنكَرِ.
فَمَن مِنَّا المُوَفَّقُ الَّذِي جَمَعَهَا كُلَّهَا؟
مَن الَّذِي حَافَظَ عَلَى تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ مَعَ الإِمَامِ مُنذُ دَخَلَ الشَّهرُ؟
مَن الَّذِي صَبَرَ وَصَابَرَ وَرَابَطَ، وَقَامَ مَعَ الإِمَامِ في التَّرَاوِيحِ وَلم يَفُتْهُ القِيَامُ لَيلَةً؟
هَل تَصَدَّقنَا وَفَطَّرنَا الصَّائِمِينَ وَقَدَّمنَا مَا نَستَطِيعُ لِدَعمِ مَشرُوعَاتِ الخَيرِ؟
هَل حَفِظنَا الأَلسِنَةَ مِن قَولِ الزُّورِ وَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالكَذِبِ؟
هَل رَطَّبنَاهَا بِذِكرِ اللهِ وَقِرَاءَةِ القُرآنِ؟
هَل أَكثَرنَا مِنَ التَّسبِيحِ وَالتَّهلِيلِ وَالتَّكبِيرِ وَالتَّحمِيدِ وَحَفِظنَا صِيَامَنَا مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفثِ؟
هَل تَوَاضَعنَا ورَفَقنَا بِمَن نُعَامِلُهُم مِن أَهلٍ وَأَبنَاءٍ وَجِيرَانٍ وَزُمَلاءَ وَعُمَّالٍ وَأُجَرَاءَ؟
هَل تَجَاوَزنَا عَمَّن أَسَاءَ إِلَينَا وَصَفَحنَا وَعَفَونَا؟
هَل عُدنَا إِلى الأَرحَامِ الَمَقطُوعَةِ فَوَصَلنَاهَا طَاعَةً للهِ وَتَخَلُّصًا مِنَ الذَّنبِ وَاللَّعنَةِ؟
المُنكَرَاتُ الَّتي في بُيُوتِنَا وَمِن أَعظَمِهَا القَنَوَاتُ الفَضَائِيَّةُ، هَل تَخَلَّصنَا مِنَهَا وَأَخرَجنَاهَا؟
إِن كُنَّا قَد أَخَذنَا بِهَذِهِ الأَبوَابِ فَهَنِيئًا لَنَا كُلُّ هَذِهِ المَكَاسِبِ مِنَ الخَيرِ، وَإِن تَكُنِ الأُخرَى فَمَا أَتعَسَ حَظَّ البَعِيدِ عَن رَبِّهِ القَاسِي قَلبُهُ!
وَمَعَ هَذَا فَمَا زَالَ البَابُ مَفتُوحًا وَالفُرصَةُ مُوَاتِيَةً، وَاللهُ يَتُوبُ عَلَى مَن تَابَ وَيَقبَلُ مَن أَنَابَ؛ فَلْنَتَّقِ اللهَ وَلَنَنظِمْ أَنفُسَنَا في سِلكِ الخَيرِيَّةِ، وَلْنَلحَقْ بِرَكبِ أَهلِ الخَيرِ، وَلْنَكُنْ مِن مَفَاتِيحِهِ وَمُعَلِّمِيهِ وَالدَّالِّينَ عَلَيهِ، وَلْنَتَعَاوَنْ عَلَى الخَيرِ وَلْتَكُنْ مِنَّا أُمَّةٌ تَدعُو إِلَيهِ؛ فَإِنَّهُ لا نَجَاةَ إِلاَّ لأَهلِ الخَيرِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: " يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَانَ في قَلبِهِ مِنَ الخَيرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَانَ في قَلبِهِ مِنَ الخَيرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَكَانَ في قَلبِهِ مِنَ الخَيرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً ".
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "إِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلخَيرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلخَيرِ، فَطُوبى لِمَن جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيرِ عَلَى يَدَيهِ، وَوَيلٌ لِمَن جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيهِ".
وَقَالَ: "إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهلَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ حَتى النَّملَةَ في جُحرِهَا وَحتى الحَوتَ، لَيُصَلُّّونَ عَلَى معُلَِّمِ النَّاسِ الخَيرَ" وَقَالَ: "الدَّالُّ عَلَى الخَيرِ كَفَاعِلِهِ" وَقَالَ: "مَن سَنَّ خَيرًا فَاستُنَّ بِهِ كَانَ لَهُ أَجرُهُ وَمِثلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ غَيرَ مُنقِصٍ مِن أُجُورِهِم شَيئًا".
وَأَمَّا مَن ثَقُلَ عَنِ الخَيرِ أَو صُدَّ عَنهُ لِمَانِعٍ أَو حَبَسَهُ حَابِسٌ فَلا أَقَلَّ مِن أَن يُحِبَّ أَهلَ الخَيرِ وَيَكُفَّ شَرَّهُ وَأَذَاهُ، فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجرًا؛ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: رَأَيتُ أَصحَابَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَرِحُوا بِشَيءٍ لم أَرَهُم فَرِحُوا بِشَيءٍ أَشَدَّ مِنهُ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ الرَّجُلَ عَلَى العَمَلِ مِنَ الخَيرِ يَعمَلُ بِهِ وَلا يَعمَلُ بِمِثلِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "المَرءُ مَعَ مَن أَحَبَّ" وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "عَلَى كُلِّ مُسلَمٍ صَدَقَةٌ، فَإِن لم يَجِدْ فَيَعمَلُ بَيِدِهِ فَيَنفَعُ نَفسَهُ وَيَتَصَدَّقُ، فَإِن لم يَستَطِعْ فَيُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلهُوفَ، فَإِن لم يَفعَلْ فَيَأمُرُ بِالخَيرِ، فَإِن لم يَفعَلْ فَيُمسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ".
لَقَد كَانَ مِن دُعَاءِ حَبِيبِنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي عَلَّمَهُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا- أَن تَقُولَ: "اللَّهُمَّ إِني أَسأَلُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمتُ مِنهُ وَمَا لم أَعلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمتُ مِنهُ وَمَا لم أَعلَمْ".
فَأَلِحُّوا عَلَى اللهِ بِالدُّعَاءِ؛ فَإِنَّكُم في شَهرِ قَبُولِ الدُّعَاءِ، وَاسأَلُوهُ أَن يَدُلَّكُم عَلَى سُبُلِ الخَيرِ الظَاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، وَأَن يُوَفِّقَكُم لِعَاجِلِهِ وَآجِلِهِ. وَافعَلُوا الأَسبَابَ الَّتي تُعَينُكُم عَلَيهِ وَبَادِرُوا وَلا تَتَأَخَّرُوا؛ فَإِنَّهُ مَا عَلَى المَرءِ إِلاَّ أَن يَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَيَبدَأَ الخُطوَةَ الأُولى في أَيِّ طَرِيقٍ مِن طُرُقِ الخَيرِ وَيُعَوِّدَ نَفسَهُ إِيَّاهُ شَيئًا فَشَيئًا؛ لِيَجِدَ نَفسَهُ بَعدَ ذَلِكَ وَقَد صَارَ الخَيرُ جُزءًا مِن حَيَاتِهِ، أَمَّا أَن يُحجِمَ وَيَتَرَدَّدَ، وَيُجَانِبَ أَهلَ الخَيرِ أَو يَحتَقِرَ جُهُودَهُم أَو يَستَهزِئَ بهم - فَمَا أَسوَأَ حَظَّهُ حَينَئِذٍ! قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "إِنما العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ وَإِنما الحِلمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَن يَتَحَرَّ الخَيرَ يُعطَهُ، وَمَن يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ" وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: " الخَيرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ".
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَسَارِعُوا وَسَابِقُوا؛ فَإِنَّ الخَيرَ مُستَمِرٌّ لِمَن أَرَادَهُ وَطَلَبَهُ، وَيَومَ العِيدِ هُوَ يَومُ الجَوَائِزِ، عَن أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَت: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَن نُخرِجَ ذَوَاتِ الخُدُورِ يَومَ العِيدِ. قِيلَ: فَالحُيَّضُ؟ قَالَ: "لَيَشهَدنَ الخَيرَ وَدَعوَةَ المُسلِمِينَ".
أَلا فَلا يَحرِمَنَّ أَحَدٌ نَفسَهُ، فَإِنَّ المَحرُومَ مَن حُرِمَ خيرًا لم تُحرَمْهُ حَتى الحُيَّضُ، وَلا يَهلِكُ عَلَى اللهِ إِلاَّ هَالِكٌ "وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتنَتَهُ فَلَن تَملِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيئًا".
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (وَلْتَكُنْ مِنكُم أُمَّةٌ يَدعُونَ إِلى الخَيرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاختَلَفُوا مِن بَعدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 104-108]
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا) [الطلاق: 2].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: دِينُنَا دِينُ الوَسَطِيَّةِ الحَقُّ، لا إِفرَاطَ فِيهِ وَلا تَفرِيطَ، وَلا تَشَدُّدَ وَلا تَسَاهُلَ، وَلا غُلُوَّ وَلا جَفَاءَ، وَالمُسلِمُونَ أُمَّةٌ وَسَطٌ خِيَارٌ عُدُولٌ، جُنِّبُوا السُّبُلَ المُتَفَرِّقَةَ وَهُدُوا إِلى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ (وَكَذَلِكَ جَعَلنَاكُم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شَهِيدًا) [البقرة: 143]. (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153].
إِلاَّ أَنَّ الأُمَّةَ عَلَى مَرِّ عُصُورِهَا -وَبَقَدَرٍ مِنَ اللهِ- بُلِيَت بِمَن زَاغُوا فَأَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُم، فَرَّطَ كَثِيرٌ مِنهُم في الدِّينِ وَأَهمَلُوا الشَّرِيعَةَ، وَتَسَاهَلُوا في الطَّاعَاتِ وَاستَسَاغُوا المُنكَرَاتِ، وَأَفرَطَ آخَرُونَ وَحَمَلَتهُمُ الغَيرَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى تَجَاوُزِ المَشرُوعِ، وَأَخَذَت بهمُ الحَمَاسَةُ غَيرُ المُنضَبِطَةِ فَتَعَدَّوا حُدُودَهُم، فَغَلَوا في دِينِهِم وَشَدَّدُوا عَلَى أَنفُسِهِم وَكَلَّفُوهَا مَا لا تُطِيقُ، فَشَدَّدَ اللهُ عَلَيهِم وَغُلِبُوا، وَضَلُّوا عَنِ الحَقِّ وَهَلَكُوا.
وَإِنَّ مِن أُولَئِكَ مَا ظَهَرَ في الأَزمِنَةِ المُتَأَخِّرَةِ مِن شَبَابٍ حُدَثَاءِ الأَسنَانِ سُفَهَاءِ الأَحلامِ، تَرَكُوا مَحَاضِنَ العِلمِ وَلم يَنهَلُوا مِن بُحُورِهِ، وَوَقَعُوا في ثَمَائِلِ الشُّبُهَاتِ الضَّحلَةِ وَأَقَامُوا عَلَيهَا، عَمَدُوا إِلى أَهلِ الإِسلامِ فَقَتَلُوهُم، وَقَصَدُوا إِلى وُلاةِ أُمُورِهِم فَحَارَبُوهُم، وَبَلَوا مُجتَمَعَاتِهِم بِتَفجِيرَاتٍ رَوَّعَتِ الآمِنِينَ، وَأَبَاحُوا لأَنفُسِهِم اغتِيَالاتٍ أَزهَقَت أَروَاحَ المُسَالِمِينَ، مُتَعَامِينَ عَنِ النُّصُوصِ الَّتي جَاءَت بِالأَمرِ بِالتَّيسِيرِ وَالنَّهيِ عَنِ الغُلُوِّ في الدِّينِ، وَوُجُوبِ طَاعَةِ وَليِّ الأَمرِ مَا أَقَامَ الصَّلاةَ وَلم يُظهِرْ كُفرًا بَوَاحًا، مُتَغَافِلِينَ عَن حُرمَةِ دِمَاءِ المُسلِمِينَ وَمَا وَرَدَ مِنَ الوَعِيدِ فِيمَن سَفَكَ دَمَ مُسلِمٍ بِغَيرِ حَقٍّ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: " إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسرٌ، وَلَن يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ " وَقَالَ: " بَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا " وَقَالَ: " إِيَّاكُم وَالغُلُوَّ في الدِّينِ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَن كَانَ قَبَلَكُم بِالغُلُوِّ في الدِّينِ " وَقَالَ: " هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ ".
وَقَالَ سُبحَانَهُ -آمِرًا بِطَاعَةِ وُلاةِ الأَمرِ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأَمرِ مِنكُم) [النساء: 59]. وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: " اِسمَعْ وَأَطِعْ في عُسرِكَ وَيُسرِكَ وَمَنشَطِكَ وَمَكرَهِكَ وَأَثَرَهٍ عَلَيكَ، وَإِن أَكَلُوا مَالَكَ وَضَرَبُوا ظَهرَكَ ".
وَقَالَ -تَعَالى-: (وَمَن يَقتُلْ مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93] وَقَالَ تَعَالى -في وَصفِ عِبَادِ الرَّحمَنِ-: (وَالَّذِينَ لا يَدعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَلا يَزنُونَ وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ يَلقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُدْ فِيهِ مُهَانًا) [الفرقان: 68-69]
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: " لا يَزَالُ المُسلِمُ في فُسحَةٍ مِن دِينِهِ مَا لم يُصِبْ دَمًا حَرَامًا " وَقَالَ: " مَن قَتَلَ نَفسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بها في بَطنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ".
وَإِنَّ فِيمَا يَفعَلُهُ هَؤُلاءِ المَفتُونُونَ من تَفجِيرَاتٍ فَضلاً عَمَّا تُحدِثُهُ مِن قَتلٍ لِنُفُوسٍ مَعصُومَةٍ وَمَا يَنتُجُ عَنهَا مِن دَمَارٍ، إِنَّ فِيهَا تَروِيعًا لِلآمِنِينَ وَإِفزَاعًا لِلمُطمَئِنِّينَ، وَقَد نَهَى -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَن تَروِيعِ المُسلِمِ فَقَالَ: " لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَن يُرَوِّعَ مُسلِمًا ".
وَإِنَّهُ وَمَعَ استِنكَارِنَا لِهَذِهِ الأَعمَالِ التَّخرِيبِيَّةِ؛ جُملَةً وَتَفصِيلاً، إِلاَّ أَنَّ العَاطِفَةَ يَجِبُ أَلاَّ تَأخُذَنَا فَنَغفَلَ عَن تَلَمُّسِ الأَسبَابِ الَّتي دَعَت إِلى ظُهُورِهِم، أَو نَنجَرِفَ مَعَ مَا زَعَمَهُ المُنَافِقونَ المُتَرَبِّصُونَ، مِن أَنَّ مَنَاهِجَنَا وَمَدَارِسَنَا وَمَسَاجِدَنَا كَانَت هِيَ المُوَلِّدَ لأَمثَالِ هَؤُلاءِ، وَأَنَّ جَمعِيَّاتِنَا الخَيرِيَّةَ وَمُؤَسَّسَاتِنَا الدَّعَوِيَّةَ كَانَت هِيَ الدَّاعِمُ لهم، فَرَاحُوا يُحَارِبُونَ هَذِهِ المُقَدَّرَاتِ بِكُلِّ مَا أُوتُوا، حَتى بَلَغَت بهمُ الحَالُ أَن استَعدَوُا الأَعدَاءَ عَلَى إِخوَانِهِم ممَّن لا صَغِيرَ لهم في مِثلِ هَذِهِ الأُمُورِ وَلا كَبِيرَ.
وَمِن هَذَا المُنطَلَقِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَن نُوقِنَ أَن اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم، وَأَنَّه مَا ظَهَرَ غُلُوٌّ وَتَشَدُّدٌ مِن قَومٍ إِلاَّ بِتَهَاوُنِ أَقوَامٍ وَجَفَائِهِم، وَأَنَّهُ مَا تَزَعزَعَ الأَمنُ في بِلادٍ وَخَرَجَ ِفِيهَا مِثلُ هَؤُلاءِ الغُلاةِ المُتَشَدِّدِينَ، وَلا بَرَزَت فِيهَا الفِتَنُ وَلا ظَهَرَتِ القَلاقِلُ إِلاَّ بِالتَّفرِيطِ في الدِّينِ وَالتَّسَاهُلِ فِيهِ، وَإِظهَارِ المَعَاصِي وَإِعلانِ المُنكَرَاتِ بِلا خَوفٍ وَلا حَيَاءٍ.
وَلِذَا فَإِنَّ مِن أَعظَمِ أَسبَابِ الإِبقَاءِ عَلَى أَمنِ الدِّيَارِ وَمُحَارَبَةِ المُنحَرِفِينَ أَيًّا كَانُوا، أَن نَعُودَ إِلى اللهِ عَودًا صَادِقًا، وَأَن نَتَمَسَّكَ بِدِينِنَا الَّذِي هُوَ مَصدَرُ عِزِّنَا، وَأَن نُشِيعَ التَّنَاصُحَ فِيمَا بَينَنَا بِالطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ، وَأَن نَسعَى في الإِصلاحِ بِالمَنهَجِ الشَّرعِيِّ، آمِرِينَ بِالمَعرُوفِ نَاهِينَ عَنِ المُنكَرِ، دَاعِينَ إِلى اللهِ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَالمُجَادَلَةِ بَالَّتي هِيَ أَحسَنُ. قَالَ سُبحَانَهُ -وَهُوَ أَصدَقُ القَائِلِينَ-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدُونَ) [الأنعام: 82] وَقَالَ: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم في الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدُونَنِي لا يُشرِكُونَ بي شَيئًا وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) [النور: 55] وَيَقُولُ: (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [الحج: 40-41].
وَأَمَّا الأَعدَاءُ في الدَّاخِلِ أَوِ الخَارجِ فَلَيسُوا بِشَيءٍ مَا اتَّقَتِ الأُمَّةُ رَبَّهَا وَصَبَرَت، قَالَ - سُبحَانَهُ-: (وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُم كَيدُهُم شَيئًا إِنَّ اللهَ بمَا يَعمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران: 120].
التعليقات