عناصر الخطبة
1/ أسباب زوال النعم وحلول النقم 2/ من أعظم مظاهر الانحراف في حياة الأفراد والشعوب والمجتمعات 3/ مخاطر انحراف القلوب وغفلتها وقسوتها 4/ حياة القلوب في الاستجابة لأمر الله ورسوله 5/ فضل رقة القلب وسلامة الصدر للمسلمين 6/ من أعظم أسباب ضيق الصدر 7/ سوء أحوال المسلمين وكثرة التنازع فيما بينهم.اهداف الخطبة
اقتباس
إن رقة القلب وسلامة الصدر نعمة من أجل النعم وأعظمها، وما من قلب يُحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعوداً بعذاب الله.. لقد أصبحنا في زمن نهتم بالمظاهر والصور والأشكال، ولم نهتم بالجواهر والمقاصد والنيات.. لم نهتم بعمل القلوب وسلامتها، ولم نمدها بالزاد الإيماني الذي يحييها من غفلتها، ويقوّم اعوجاجها.. لقد كثرت ذنوبنا ومعاصينا وضعف إيماننا، وساءت الكثير من أخلاقنا، وفقدنا الكثير من معاني الأخوة، وتعلقت نفوسنا بالدنيا وشهواتها، .. بل ضاقت قلوبنا على بعضنا البعض في كثير من بلاد المسلمين، فكثرت الخلافات وزادت البغضاء والشحناء، وقامت الحروب والصراعات،..
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحًا لذكره، وسببًا للمزيد من فضله، جعل لكل شيء قدرًا، ولكل قدر أجلاً، ولكل أجل كتابًا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تزيد في اليقين، وتثقل الموازين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أمين وحيه، وخاتم رسله، وبشير رحمته، ونذير نقمته، بعثه بالنور المضي، والبرهان الجلي، فأظهر به الشرائع المجهولة، وقمع به البدع المدخولة، وبيّن به الأحكام المفصولة..
يا بائعاً في أرض طيبة عنبراً *** بجوار أحمد لا تبيع العنبرا
إن الصلاة على النبي وآله *** يشدو بها من شاء أن يتعطرا
صلوا على خير البرية تغنموا *** عشرًا يصلّيها المليك الأعظمَ
صلى الله عليه، وعلى آله مصابيح الدجى، وأصحابه ينابيع الهدى، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
عباد الله: ما تزال الأمم والشعوب والأفراد في سعادة وعزةٍ ومنعة وقوة وتمكين ما دام سيرهم على منهج الله؛ مستفيدين من دروس التأريخ وأحداث الزمان، آخذين بأسباب الحياة الطيبة متسلحين بالقيم والفضائل والأخلاق، فإذا ظهر الانحراف عن هذا الطريق أذن الله بتبدل الأحوال وتغير الظروف وزوال النعم وحلول العذاب ونزول الفتن والمصائب قال تعالى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40].
وقال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ) [الأنعام: 6]..
وإن من أهم وأعظم مظاهر الانحراف في حياة الأفراد والشعوب والمجتمعات.. انحراف القلوب عن الحق والخير والصلاح عندما تتعرض للشبهات والشهوات وحب الدنيا وزينتها، وتغتر بطول الأمل فتفسد هذه القلوب فلا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً، فتكون سبباً للشقاء والتعاسة في الحياة الدنيا والآخرة.
وما يحدث اليوم من صراعات ونزاعات وحروب واختلافات وتنافس وضيق وقلق وهموم ما هو إلا نتيجة لانحراف القلوب وغفلتها وقسوتها، والله -عز وجل- أمرنا أن ندعوه بأن يثبت القلوب بعد الهدى (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8]..
وبيَّن -سبحانه وتعالى- أن حياة القلوب في الاستجابة لأمر الله ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال: 24]..
وانظروا إلى خطورة انحراف القلوب وأثر ذلك على الحياة قال تعالى (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [القلم: 17 – 33].
هذه قصة أصحاب الحديقة والبستان المثمر والمنظر البديع والخير الوفير ذكرها الله في القرآن ليعتبر المعتبرون فهل تساءل أحدنا لماذا عاجلهم الله بالعقوبة؟ ولماذا أحرق حديقتهم ودمر زرعهم وأهلك أموالهم؟ لقد أخبرنا -سبحانه وتعالى- أن السبب هو أنهم أضمروا في قلوبهم الشر والبخل والخبث والمكر ومنع ما كان للفقراء والمساكين من حق... فسبحان الله مجرد الإضمار في القلب والنية لعمل المنكر وفساد المقصد سبب للهلاك في الدنيا فكيف بمن يفعل ذلك بل ويمارس المنكر ويرتكب المحرمات في واقع الحياة...!!
أيها المؤمنون /عباد الله: إن القلوب تتعرض كل يوم للامتحان والابتلاء كما تتعرض الأجساد والدول والشعوب والمجتمعات؛ فأيما قلب ثبت على الحق والخير ولم ينحرف إلى الباطل والشر سواء كان ذلك في الإيمان والصلة بالله أو في العبادات أو في السلوك والأخلاق والمعاملات فذاك قلب المؤمن يجد به سعادة الدنيا والفوز والنجاة في الآخرة.. قال تعالى: (وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران: 154].. وقال سبحانه وتعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) [الحجرات: 3]..
كل يوم.. بل كل لحظة تُمتَحن القلوب بمدى تمسكها بدينها، وإخلاصها لربها وثباتها على الحق.. عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "تُعرَض الفتن على القلوب عرض الحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلب أُشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادّا كالكوز مُجَخيِّا لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه" (رواه مسلم: 1/128-129)..
لقد أعز الله هذه الأمة ونصرها وأيدها بجنوده وسخر لها كل شيء عندما كانت قلوب أفرادها حكاماً ومحكومين، رجالاً ونساءً.. لا تعرف غير الله ولا تثق إلا به ولا تتوكل إلا عليه ولم يكن فيها حسد ولا بغضاء ولا شحناء، ولا حقد ولا مؤامرات، ولم تضق قلوبهم ببعضهم البعض، قال تعالى يصفهم لنا لنقتدي بهم: (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر: 9]، وقال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً) [الفتح: 29]..
قال إياس بن معاوية بن قرة عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كان أفضلهم عندهم أسلمهم صدراً وأقلهم غيبة"، وقال سفيان بن دينار لأبي بشر أحد السلف الصالحين: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيراً ويؤجرون كثيراً. قال سفيان: ولِمَ ذاك؟ قال أبو بشر: لسلامة صدورهم...
وهذا ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: "إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، وما لي به سائمة".
إن رقة القلب وسلامة الصدر نعمة من أجل النعم وأعظمها، وما من قلب يُحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعوداً بعذاب الله، فقد قال سبحانه: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد 16].. لقد أصبحنا في زمن نهتم بالمظاهر والصور والأشكال، ولم نهتم بالجواهر والمقاصد والنيات.. لم نهتم بعمل القلوب وسلامتها، ولم نمدها بالزاد الإيماني الذي يحييها من غفلتها، ويقوّم اعوجاجها لتستقيم الجوارح والأعمال بعد ذلك، فالقلب هو الملك والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبث جنوده.. قال تعالى: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 45، 46]..
والله لا ينظر إلى الصور والأجساد والمناصب والأموال، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
عباد الله: لقد كثرت ذنوبنا ومعاصينا وضعف إيماننا، وساءت الكثير من أخلاقنا، وفقدنا الكثير من معاني الأخوة، وتعلقت نفوسنا بالدنيا وشهواتها، ونسينا الآخرة، فضاقت قلوبنا وتكدر عيشنا، وزادت همومنا، وتشعبت في هذه الحياة، وقد بيّن رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الأسباب والعلاج والتي تنطلق من القلوب فقال: "مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ" (صححه الألباني السلسلة الصحيحة: 2 / 67)..
قال ابن القيم رحمه الله: "من أعظم أسباب ضيق الصدر: الإعراض عن الله -تعالى-، وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذِكْره، ومحبة سواه؛ فإن مَن أحب شيئاً غير الله عُذِّب به، وسُجن قلبه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه، ولا أكسف بالاً، ولا أنكد عيشاً، ولا أتعب قلباً"(زاد المعاد: 2/22)..
بل ضاقت قلوبنا على بعضنا البعض في كثير من بلاد المسلمين، فكثرت الخلافات وزادت البغضاء والشحناء، وقامت الحروب والصراعات، وسُفكت الدماء، وغاب الحب والتراحم والتعاطف والتعاون بين المسلمين بسبب انحراف القلوب..
ولذلك لما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بخراجها قدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافوا صلاة الفجر مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما انصرف تعرضوا له، فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رآهم، ثم قال: "أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء". قالوا: أجل يا رسول الله، قال: "فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا، كما بُسطت على من كان من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم" (البخاري: 4015)..
لقد كان -صلى الله عليه وسلم- يحثّ أصحابه من الرعيل الأول، وهم في بداية الإسلام على أن يكون تنافسهم على ما عند الله من خير وأجر وثواب، فهو يدرك أن فتنة هذه الأمة ستكون الدنيا، وأن التنافس بين أبنائها عليها والصراع من أجلها ستكون العقبة الكئود والمشكلة الكبرى في حياتهم التي تفرّق جمعهم وتشتت شملهم، وتوقف دورهم الإنساني والحضاري في تعمير الدنيا، وتطوير الحضارات، وتقديم الخير والنفع للبشرية جمعاً وقد ينسون بسبب ذلك دينهم ورسالتهم وأخلاقهم ..
وهذا ما يحدث اليوم في بلاد العرب والمسلمين، فالعالم من حولهم ينعم بالرفاهية والأمن، والعمل والإنتاج، والصناعات والاختراعات، وهم في حروب وصراعات أكلت الأخضر واليابس حتى ضاقت عليهم أوطانهم، فتشردوا في المخيمات لاجئين، أو ماتوا تحت الأنقاض، ودُفنوا أحياء، ولم يعد الإنسان يطيق أخاه، ولم تعد الأوطان المترامية الأطراف ببحارها وأنهارها ووديانها وثرواتها، ومدنها وقراها تتسع لأبنائها بسبب ضيق القلوب وصدق الشاعر إذ يقول:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها *** ولكن قلوب الرجال تضيق
اللهم إنا نسألك إيماناً يباشروا قلوبنا وتقوى تصلح بها أحوالنا.. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
عباد الله: قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:42-45]..
فتضرعوا إلى ربكم، وعودوا إلى رشدكم، واحفظوا دينكم وأوطانكم، واحذروا مزالق الشيطان ودسائس الأعداء، وتآلفوا فيما بينكم، وأكثروا من طرق أبواب السماء بالدعاء والمحافظة على الطاعات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول كلمة الحق والأخذ على يد الظلم وإصلاح ذات البين وبذل المعروف وتقديم النفع.. قال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر 97-99].
وحافظوا على سلامة قلوبكم ففي ذلك النجاة والفوز والفلاح، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفَّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال"(رواه مسلم)..
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، وانزع منها الشقاق والنفاق والحقد، والغل وسوء الأخلاق .. هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.
التعليقات