عناصر الخطبة
1/ الله هو الكبير 2/ معنى تكبير الله 3/ ماذا إذا كبرنا الله حق التكبير؟ 4/ التكبير يملأ ما بين السماء والأرضاقتباس
هو الكبيرُ بذاته، والكبيرُ في صفاته، والكبيرُ في أفعاله. لا أكبرَ ولا أعظمَ منه في ذاته، فكلُّ الخلائقِ في قبضته ويدِه كحَبَّة خَردل في يد إنسان...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحمدُ لله العليِّ العظيم، الكبيرِ المتعال، العزُّ إزاره، والكبرياءُ رداؤه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر وأجلّ، الله أكبر ولله الحمد.
قال الله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]؛ فاللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا.
عبادَ الله: اللهُ هو العليُّ الكبير، الذي لا أكبرَ ولا أعظمَ ولا أجلَّ ولا أعلى منه، سبحانه له الجلال والعَظَمة والكِبرياء كلُّه، قال الله: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [لقمان: 30].
هو الكبيرُ بذاته، والكبيرُ في صفاته، والكبيرُ في أفعاله.
لا أكبرَ ولا أعظمَ منه في ذاته، فكلُّ الخلائقِ في قبضته ويدِه كحَبَّة خَردل في يد إنسان.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: “جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا نَجِدُ: أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّماوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلاَئِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ أَنَا المَلِكُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ؛ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الـحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر: 67]”(رواه البخاري ومسلم).
وهو سبحانه لا أكبرَ ولا أعظمَ منه في صفاته وأفعاله.
فلا أكبرَ منه في مُلكه وغناه، ولا في عِلمه وإحاطته، ولا في قُدرته وقوَّته، ولا في عدله وحُكمه، ولا في سمعه وبصره، ولا في كرمه وإحسانه، ولا في رحمته وعفوه ومغفرته.
له سبحانه من كلِّ كمالٍ أكبرُه وأعظمُه وأوسعُه.
وهو وحدَه المتفرِّدُ بالكِبرياء والعَظَمَةِ والـجَلالِ الكامِل التّامّ من كُلِّ وَجه، قال الله تعالى: (وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الجاثية: 37]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “قال الله عَز وجلَّ: العِزُّ إِزارِي والكِبرِياءُ رِدائي، فَمن نَازعني بِشيءٍ مِنهُما عَذَّبتُه”(رواه مسلم).
عباد الله: لقد أمَرَ اللهُ عبادَه بتكبيره دومًا، فقال: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) [المدثر: 3].
وأكَّد سبحانه على وجوب تكبيره بعد ذكره فريضة الصيام، فقال: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]؛ أي لِيُعَظَّمِ اللهُ في قلوبكم، لِتعرفْ قلوبُكم كِبرياءَ الله، وَلْتُعظِّموه بألسِنتِكُم، بأَنْ تُكبِّروهُ يومَ الفِطر وتصدَحوا بالتّكبير الذي يملأُ جَنَباتِ الأرض، إعلانًا أنَّه لا أكبرَ منه سبحانه، وأنّ كلَّ مَن سِواهُ دونَه.
نكبِّرُه وحدَه، فهو الذي هدانا للإِسلام، وهدانا لشريعتِه الكاملةِ الهادِية.
هَدَانا للصِّيام، الذي به تتزكَّى النُّفوس، وتتّقي به القُلوبُ رَبَّ العالَمين.
عباد الله: وماذا إذَا كبَّرنا اللهَ حقَّ التكبير؟
إنّ المؤمنَ إذا ملأ كبرياءُ الله قلبَه، فسيوحِّدُ الله، ولن يرى إلهًا حقًّا إلّا ربَّ العالمين.
إنّ أولئِكَ الذين جعَلوا لله شَريكًا، أو ولَدًا، أو عِدْلًا، أو مَثيلًا، لم يُكبِّروا الله، قال الله تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء: 111].
إنّهم على الحقيقةِ لم يجِدوا كبيرًا أعظمَ ولا أجلَّ من الله، ولكن كما قال ربّنا العليم بذاتِ الصّدور: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ) [غافر: 56].
لقد لقي النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عديَّ بن حاتم قبلَ أن يُسلم، وكان على النَّصرانية، فقال له: “مَا يُفِرُّكَ أَنْ تَقُولَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟ فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إِلَهٍ سِوَى اللهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا تَفِرُّ أَنْ تَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَتَعْلَمُ شَيْئًا أَكْبَرُ مِنَ اللهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ”(رواه الترمذي).
إنّ المؤمنَ متى عَظُمَ جلالُ اللهِ في صدره، وكبّر الله حقًّا، فَلَن يَدِينَ بالطَّاعةِ إلا لله وحده، ولن يخضعَ ولن ينقادَ إلا لله وحدَه، ولن يُقدِّم حكمَ أحدٍ عليه، مهمَا زعم الخلقُ كِبَرَه، فسَيَضَعُه في موضعِه، إنّه مربوبٌ صَغير، وإنَّ المتفرِّد بالـحُكم هو اللهُ العَلِيُّ الكَبير، الذي قال: (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) [غافر: 12].
ما أشدَّ حسَراتِ هؤلاء الذين أطاعوا سادَتَهم وكُبَراءَهم من دون الله! أولئكَ الذينَ قدَّموا أمرَهُم على أمرِه، وحُكْمَهم على حُكمِه، ما أشدَّ حَسرَتَهُم وقد أوردُوهُم النّار! فبِئسَ الوِردُ المورود، حينئذٍ يَعَضُّون أصابعَ النَّدَمِ قائلين: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا) [الأحزاب: 67-68].
إنَّ الـمُؤمِنَ الذي كبَّر اللهَ في قلبِه، وعظَّم جلالَه في صَدرِه، لا يُـمكِنُ أن يشمَخَ بأنفِه، ولا يُطيقَ الكِبْرَ على عِبادِ الله، بل تراهُ أبدًا مُنكَسِرًا بينَ يَدَي مَولاه، متضرِّعًا مُخبتًا خَاشعًا، وكيفَ لا؟ وقَد بلغَهُ قولُ رَسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: “يَطْوِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ. ثُمَّ يَطْوِي الأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟”(رواه مسلم).
ذاك المؤمن المنكسِرُ المخبِتُ لجلال الله تراه وجِلًا خائفًا لا يتعدَّى على الخلق، ولا يرى نفسه كبيرًا عليهم، بل يرى اللهَ أكبرَ من كُلِّ كبير.
ها هو ربُّ العالمينَ يذكِّر الأزواجَ الذين جعلهم قوّامين على النساء أنه العلي الكبير، حتى لا تحمِلَهم القِوامةُ على الظلم، فيقول تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء: 34]
هكذا ختمَ اللهُ الآية، وما أعظمها من مَوعظةٍ لكلِّ من قد يَنسى نفسَه في تعامُلِه مع الـخَلق، فيتعالى ويتكبَّر، ويَغفُلُ عن أنَّ ربَّه فوقَه أعلى وأكبر: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا).
باركَ الله لي ولكُم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحَكيم، وأستغفرُ الله لي ولكُم فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، والصَّلاة والسلام على رسول الله، وعلى آلِه وصحبه ومن والاه.
وبعد: فاللهُ أكبر، اللهُ أكبر، لا إِله إلّا الله، واللهُ أكبر، اللهُ أكبر، وللهِ الحمد.
عباد الله: إنَّ تكبيرَ اللهِ ملحَمةٌ عظمى، وطُوفانُ حياةٍ يُذهب زَبَدَ الباطِل الذي صنعه الناس إفكًا ووهْمًا.
لقَد أوجبَ الله الأذانَ والصلاةَ خمسَ مرّاتٍ في اليوم والليلة، ترى فيهِما سيلًا هادِرًا من تَكبيرِ الله، يَـجتَثُّ الباطلَ من جُذوره، ويقتلعُ الأوهامَ الزائفةَ من أُصولها، ليَخرُجَ العبدُ من صَلاتِه مُنكَسِرًا لرَبِّه، منكِّسًا أوثانَ الجاهليَّةِ تحتَ قدَمِه، تلكَ التي كبَّرها الخلقُ زُورًا وبُـهتانًا.
إنَّ تكبيرَ اللهِ عبوديةٌ تملأُ ما بين السَّماء والأرضِ ثوابًا وفَضلًا، يقول النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: “وَالتَّكْبِيرُ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ”(رواه النسائي).
إخوة الإسلام .. ومعاشر من صَامَ وقَام: هنيئًا لكم عيدُكم، وتقبّل الله طاعاتِكم. عيشوا فرَحَكم بنعمةِ الله الكبير، ولا تنسَوا في فرحِكُمُ المسكينَ والفقير.
أسعِدوا أهلِيكم، وبَرُّوا والدِيكُم، وصِلوا أرحامَكم وذَوِيكُم، ولا تغفُلوا في كلِّ ذلك عن ربِّكم الذي أتمّ نعمتهُ عليكُم، لا تقتَرِفُوا من الآثام ما يمحُو أجورَكم، ولا تُصيبوا من الذنوب ما يُفسِدُ قلوبكم، ولا تنسَوا دائمًا أنَّ اللهَ أكبر.
لا تنسوا إخوانًا لكم يعانون الشدّة واللَّأْواء، فادعُوا لهم، وارجُوا النصر والفرج القريبَ لهم.
اللهم تقبَّل منّا قَليلَ طَاعاتِنَا، واغفِر لنا عظيمَ تقصيرَنا، واختِم بالباقياتِ الصَّالحاتِ أعمالَنا.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين.
التعليقات