عناصر الخطبة
1/تأملات في نعمة المال 2/قواعد التعامل مع المال 3/دروس من الحجر الصحي 4/التوكل على الله في الأرزاق والأقوات.اقتباس
لَقدْ تَعْلَّمْنَا مِن الحَجْرِ بِسبَبِ الوَبَاءِ أَنَّنا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَخَلَّى عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الكَمَالِيَّاتِ، وَأَنْ نَقُومَ بِعَدَدٍ مِن المِهَنِ والأعْمَالِ بِأيدِينَا، وَهَذا مِنْ أعْظَمِ قَوَاعِدِ التَّعَامُلِ مَعَ المَالِ: ألا وَهُو الاقْتِصَادُ َالتَّوَسُّطُ فِي الإنْفَاقِ..
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ مُقَسِّمِ الأَرزَاقِ، أَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ أَمَرَ بِالاعْتِدَالِ فِي الإِنْفَاقِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ.
أَمَّا بَعدُ: فَيَا عِبَادَ اللهِ اتَّقُوا اللهَ -تَعالى-، واشْكُرُوهُ على مَا أمَدَّكُم بالنِّعَمِ مِنْ صِحَّةٍ وَأمْوَالٍ، وَأمْنٍ وَأمَانٍ، وَصَدَقَ اللهُ العَظِيمُ: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)[النحل:53].
ألا وَإنَّ مِنْ أَعْظَمِها، نِعْمَةُ المَالِ الذي هُوَ زِينَةُ الحَيَاةِ وَعَصَبُها، وَعَلَيهِ تَقُومُ مَصَالِحُ النَّاسِ. فَأَنْتَ -أيُّها المُؤمِنُ- مَسْؤُولٌ عَنْ مَالِكَ مِنْ أَينَ اكتَسَبْتَهُ وَفِيمَ أَنْفَقْتَهُ؟ وَهَذَا الشُّعُورُ سَيَجْعَلُكَ تُفَكِّرُ كَثِيرَاً قَبْلَ أخْذِ المَالِ أو بَذْلِهِ، وَتُحْسِنُ التَّخْطِيطَ لِحَيَاتِكَ وَمُسْتَقْبَلِ أمْرِكَ.
عِبَادَ اللهِ: مِنْ أوضَحِ مَعَالِمِ دِينِنَا أنْ نُؤمِنَ أَنَّ الأَرْزَاقَ بِيَدِ اللهِ -تَعَالَى- وَحْدَهُ، فَهُوَ القَائِلُ -سُبْحَانَهُ-: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا)[هود:6]. قَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "جَمِيعُ مَا دَبَّ عَلى وَجْهِ الأَرْضِ، مِنْ آدَمِيٍّ، أَو حَيَوَانٍ بَرِّيٍ أَو بَحْرِيٍّ، فَاللهُ تَكَفَّلَ بِأَرْزَاقِهِم وَأَقْوَاتِهِم، فَرِزْقُهُمْ عَلَى اللهِ -تَعالى-". وَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ الصَّحِيحِ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رَوى عَن اللهِ -تَبارَكَ وَتَعالى- فَقَالَ: "يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ".
إخْوانِي: وَمِنْ قَوَاعِدِ التَّعَامُلِ مَعَ المَالِ: أنْ نَحْذَرَ مِنْ أنْ تَتَعَلَّقَ قُلُوبُنَا بِأَرْزَاقِنَا؛ وَنَنْسَى حَقَّ اللهِ عَلينَا، فَلَرُبَّمَا امْتَدَّتْ أَيْدِينَا إلى مَا لا يَحِلُّ لَنَا؛ فَنَكُونُ كَمَنْ يَأْكُلُ وَلا يَشْبَعُ، وَيجْمَعُ وَلا يَنْتَفِعُ. قَالَ اللهُ -تَعَالى-: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[القصص:77]؛ أي: فَابْتَغِ بالأمْوَالِ مَا عِنْدَ اللهِ، وَلا تَقْصِرْها عَلَى نَيْلِ الشَّهَوَاتِ، فَاللهُ لَمْ يَأْمُرْكَ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِكَ وَتْبَقَى ضَائِعَاً، بَل أَنْفِقْ لآخِرَتِكَ، وَاسْتَمْتِع بِدُنْياكَ اسْتِمْتَاعَاً لا يَثْلُمُ دِينَكَ، وَلا يَضُرُّ بِآخِرَتِكَ، وَأَحْسِنْ إلى عِبَادِ اللهِ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ بِالأَمْوَالِ، وَاحْذَرْ مِن التَّكَبُّرِ وَالعَمَلِ بِمَعَاصِي اللهِ، فَاللَّهُ -تَعالى- لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، بَلْ يُعَاقِبُهُم أَشَدَّ العُقُوبَةِ والنَّكَالِ.
وَهَذا المعْنى العَظِيمُ بَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِقَولِهِ: "أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ؛ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ"؛ والحديث صَحَّحَهُ الألبَانِيُّ.
فاللهُمَّ قَنِّعْنَا بِما رَزَقْتَنَا، وَأغْنِنَا بِحَلالِكَ عنْ حَرَامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأسْتغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ؛ فَاسْتغْفِرُوهُ، إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ وَأَشهدُ ألَّا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِهِ ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدَّينِ.
أمَّا بعدُ: فَاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ في مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[البقرة:168].
عِبَادَ اللهِ: لَقدْ تَعْلَّمْنَا مِنْ الحَجْرِ بِسبَبِ الوَبَاءِ أَنَّنا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتَخَلَّى عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الكَمَالِيَّاتِ، وَأَنْ نَقُومَ بِعَدَدٍ مِن المِهَنِ والأعْمَالِ بِأيدِينَا، وَهَذا مِنْ أعْظَمِ قَوَاعِدِ التَّعَامُلِ مَعَ المَالِ: ألا وَهُو الاقْتِصَادُ َالتَّوَسُّطُ فِي الإنْفَاقِ؛ كَمَا وَصَفَ اللهُ المُؤْمِنِينَ بِقَولِهِ: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان:67]؛ فَالتَّبْذِيرُ يُهلِكُ المَالَ، وَأَمَّا التَّقْتِيرُ فَيُتْعِبُ النَّفْسَ، وَيَقْطَعُ الصِّـلاتِ، فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا.
عِبَادَ اللهِ: مِن أعظَمِ قَواعِدِ التَّعامُلِ مَعَ المَالِ مَا قَالَهُ اللهُ -تَعَالى-: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ)[النساء:5]؛ فَلا يَجُوزُ لَنا شَرْعَاً أنْ نَجْعَلَ المَالَ مَجَالاً لِعَبَثِ أبْنَاءٍ أو نِسَاءٍ، فَنَحْنُ المُحاسَبُونَ أمَامَ اللهِ وَأمَامَ عِبَادِهِ.
عِبَادَ اللهِ: لَقدْ تَعْلَّمْنَا مِنَ الحَجْرِ بِسبَبِ الوَبَاءِ أَنَّنا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَقْتَصِدَ وَنَقْتَصِرَ في كَثِيرٍ المُنَاسَبَاتِ والحَفَلاتِ بِأنْ تَكُونَ عَائِلِيَّةً مَحْدُودَةً. فَأيُّ مَصْلَحَةٍ مِنْ إقَامَةِ حَفَلاتٍ مُوَسَّعَةٍ قَدْ تَصْحَبُهَا مُخَالَفَاتٌ؟؛ والأَخْطَرُ أَنْ يَكُونَ فِيها الفَسَادُ والإفْسَادُ مُعْلَنَاً. وَفِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافىً إلَّا المُجاهِرُونَ".
يا مُؤمِنُونَ: تَعَلَّقُوا باللهِ في أرْزَاقِكُمْ وَتَوكَّلُوا على اللهِ حَقَّ التَّوكُّلِ وَلا تَهْلَعُوا أو تَجْزَعُوا بارْتِفَاعِ سِعْرٍ هُنا أو هُناكَ؛ فَتَدَابِيرُ الأُمُورِ بِيدِ اللهِ، فَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. وَنَبِيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا".
تَوكلْتُ في رِزْقِي عَلَى اللَّهِ خَالِقِي *** وَأَيقَنْتُ أنَّ اللهَ لا شَكَّ رَازِقِيْ
فَفِي أَيِّ شَيءٍ تَذْهَبُ النَّفْسُ حَسْرَةً *** وَقَدْ قَسَمَ الرَّحْمَنُ رِزْقَ الْخَلاَئِقِ
فَالَّلهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحولُ بِه بَينَنَا وبينَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلُّغُنَا بِه جَنَّتَكَ، الَّلهمَّ لا تَجعلِ الدٌّنيا أكبرَ همِّنا، ولا مَبلَغَ عِلمِنا، ولا إلى النَّارِ مَصِيرَنَا، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، واجمعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَوَفِّقْ ولاةَ أُمُورِنَا لرِضَاكَ، اللَّهُمَّ وَبَارِكْ لَنَا في أَرزَاقِنَا.
اللهمَّ إنَّا نَعُوذُ بكَ من الغَلاءِ والوَبَاءِ والرِّبا وَسُوءَ الفِتَنِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْع الدَّعَواتِ. (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
التعليقات