عناصر الخطبة
1/ الحث على المسابقة نحو الجنة 2/ بعض من أوصاف الجنة 3/ صفات أهلها وجمالهم 4/ حفت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات 5/ أعمال موعود صاحبها بالجنة 6/ أعظم نعيم الجنةاهداف الخطبة
اقتباس
قال النووي -رحمه الله-: "ومعنى ذلك أنه لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره، ولا إلى النار إلا بارتكاب الشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب، وصل إلى المحبوب، فهتك حجاب الجنة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد:
أيها الصوام القوام: إنما صام الصائمون، وقام القائمون، وتلا التالون، وذكر الذاكرون، وتعبد المتعبدون؛ لطلب أمر نفيس، أذاب الشوق إليه قلوبهم، وقطع أحشاءهم، فأسهروا ليلهم وأظمؤوا نهارهم، وعزفوا عن الدنيا، وأقبلوا على الآخرة.
ولقد تكاثرت النصوص من الكتاب والسنة والآثار السلفية، التي تحث على ذلك بالمسارعة والمسابقة إليه، فطوبى لمن سبق وفاز، وحسرة وندامة لمن خاب وخسر، ولا يهلك على الله إلا هالك.
قال -جل ذكره-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ)، (وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)، (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)، (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ).
أخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجنة لشجرة، يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها"، وأخرج البخاري من حديث سهل بن سعد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون أو سبعمائة ألف". شك أبو حازم؛ قال: "متماسكون آخذ بعضهم ببعض، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، وجوهم على صورة القمر ليلة البدر".
وأخرج البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تتراءون الكوكب في السماء"، وأخرج البخاري من حديث أنس بن مالك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم في الجنة أو موضع قدم في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما"، وفي رواية البخاري وابن حبان: "لملأت الأرض ريح مسك"، وفي رواية أحمد وابن حبان: "وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب"، وعند البزار: "ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة تشرف على الأرض لذهب ضوء الشمس والقمر".
لا إله إلا الله، كيف ينام طالب دار كهذه، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله تعال: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فاقرؤوا إن شئتم: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)".
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذي يلونهم على أشد كوكبٍ دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعًا في السماء".
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الخيمة درة مجوفة، طولها في السماء ثلاثون ميلاً، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون"، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الجنة لسوقًا، يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثوا في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنًا وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالاً".
أخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يدخل الجنة ينعم لا ييأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه"، وأخرج مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ينادي منادٍ: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا، فذلك قوله -عز وجل-: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ)".
وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قلنا: يا رسول الله: حدثنا عن الجنة ما نبؤها؟! قال: "لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه".
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل.
الخطبة الثانية:
أيها المؤمنون: ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة، لا تدرك إلا برحمة الله تعالى، ورحمة الله -عز وجل- من أسبابها: كثرة العمل الصالح.
فمن أراد الجنة فعليه بالعزوف عن الدنيا، وركوب المكاره في مرضاة الرب سبحانه، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره".
قال النووي -رحمه الله-: "ومعنى ذلك أنه لا يوصل إلى الجنة إلا بارتكاب المكاره، ولا إلى النار إلا بارتكاب الشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب، وصل إلى المحبوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات".
عباد الله، يا من تطلبون الجنة وتهربون من النار: إن ذلك لسهل ميسّر في هذا الشهر الكريم، فأبواب الجنان قد فتحت، وأبواب النيران قد غلقت، ولم يبق منك إلا الإقبال على الكريم المتعال.
خطب عتبة بن عزوان -رضي الله عنه- قال:" إن ما بين المصراعين من أبواب الجنة لمسيرة أربعين عامًا، وليأتين على أبواب الجنة يوم وليس منها باب إلا وهو كظيظ". يعني من الزحام.
أيها المؤمنون: إن هذه الدار التي تعيشون فيها هي تزود للآخرة، فعليكم بعمارة الآخرة وإعداد منازل الآخرة، فمن أراد أرضًا في الجنة فليغرسها ويبني فيها المساكن، وذلك بالأعمال الصالحة، أخرج الإمام أحمد من حديث أبي أيوب مرفوعًا أن غراس الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وأخرج الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة"، أخرج أحمد من حديث عبد الله بن سلام قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام".
ومن الأعمال الموعود صاحبها بالجنة، صلاة الفجر والعصر، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى البردين دخل الجنة".
أخرج ابن أبي شيبة من كلام علي بن أبي طالب موقوفًا عليه قال: وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرًا، حتى انتهوا إلى باب من أبواب الجنة وجدوا عند بابها شجرة تخرج من تحت ساقيها عينان يأتون إحداهما كأنما أمروا بها، فيتطهرون فيها، فتجري عليهم نضرة النعيم، قال: فلا تتغير أبشارهم بعدها أبدًا، ولا تشعث شعورهم أبدًا، كأنما دهنوا، قال: ثم يعمدون إلى الأخرى فيشربون منها، فتذهب ما في بطونهم من أذى وقذى، وتتلقاهم الملائكة فيقولون: سلام عليكم طبتم، فادخلوها خالدين، قال: ويلقى كل غلمان صاحبهم يطيفون به، فعل الولدان بالحميم جاء من الغيبة، يقولون: أبشر قد أعد الله لك من الكرامة كذا، ويسبق غلمان من غلمانه إلى أزواجه من الحور العين، فيقولون: هذا فلان -باسمه في الدنيا- قد أتاكن، قال: فيقلن: أنتم رأيتموه؟! فيقولون: نعم، قال: فيستخفهن الفرح حتى يخرجن إلى أسكفة الباب، قال: ويدخل الجنة، فإذا نمارق مصفوفة، وأكواب موضوعة وزرابي مبثوثة، فيتكئ على أريكة من أرائكه، قال: فينظر إلى تأسيس بنيانه فإذا هو قد أسس على جندل اللؤلؤ بين أصفر وأحمر وأخضر من كل لون، قال: ثم يرفع طرفه إلى سقفه، فلولا أن الله قدره له لألم أن يذهب ببصره، ثم قرأ: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ).
أيها المؤمنون: إن أعظم نعيم الجنة هو النظر إلى وجه الجبار سبحانه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)، أخرج مسلم من حديث صهيب قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله -تبارك وتعالى-: "تريدون شيئًا أزيدكم؟! فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟! ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟! قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم -عز وجل-، ثم تلا هذه الآية: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ).
قال ابن القيم -رحمه الله-:
يا سلعة الرحمن لست رخيصةً *** بل أنت غالية على الكسلان
يا سلعة الرحمن ليـس ينالـها *** في الألف إلا واحد لا اثنان
يا سلعة الرحمن ماذا كفؤهـا *** إلا أولـو التقوى مع الإيمان
يا سلعة الرحمن سوقك كاسد *** بيـن الأراذل سفلة الحيوان
يا سعلة الرحمن أيـن المشتري *** فلقد عرضت بأيسر الأثمان
يا سلعة الرحمن هل من خاطب *** فالمهر قبل الموت ذو إمكان
اللهم إنا نسألك الجنة ونعيمها، ونعوذ بك من سخطك ومن النار، اللهم أتمم علينا نعمتك، واجعلنا مثنين بها عليك.
التعليقات