عناصر الخطبة
1/ الحج واجب على الفور عند الاستطاعة 2/ أحكام في حج المرأة 3/ عظيم ثواب الحج وفضله 4/ تحفيز الأبناء والبنات للحج 5/ الحج تعظيم لأمر الله وامتثال لأوامره 6/ شروط قبول الحج 7/ حكم الحج عن الغير بمال والمساومة في ذلك 8/ وصايا لمن توكل عن الآخرين في الحج 9/ نصائح للحجيج.اهداف الخطبة
اقتباس
ومن العجب أن كثيرا من الآباء يتحمل في سبيل الترفيه عن أبنائه وبناته في الإجازات شيئا كثيرًا، وينفق عليهم نفقات باهظة، ثم بعد ذلك يبخل ويشحّ في الإنفاق عليهم للقيام بهذا الواجب العظيم. ويزداد عجبك من أناس يتحملون المشقة ويبذلون الأموال للذهاب إلى مكة في رمضان ويستأجرون البيوت بالمبالغ الباهظة ثم بعد ذلك يحجمون عن الحج بأبنائهم وبناتهم الذين وجب عليهم، ويحتج بعضهم بشدة الزحام وكثرة التعب، ونحو ذلك. وهل الحج إلى بيت الله الحرام إلا لون من ألوان الجهاد في سبيل الله، ودرب من دروب من دروب الصبر، والاحتساب وتحمل الأذى والمشاق؟!..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن العيش في خلال التقوى أمنة للمسلم من الفتن، وطمأنينة لنفسه وسعادة لا تُحد، فاحرص -رحمك الله- على التخلق بالتقوى، واجتهد في تحقيق معناها بقولك وفعلك وسمتك وهديك، أصلح بها باطنك وظاهرك، رزقني الله وإياكم التقوى وجنبنا أسباب الهلاك والردى.
أيها الإخوة المسلمون: ها هم المسلمون في هذه الأيام يفيدون إلى البقاع الطاهرة ويستعدون للسفر إلى بيت الله الحرام لأداء عبادة من أجل العبادات والقيام بركن من أركان الإسلام ومبانيه العظام، ألا وهو الحج إلى بيت الله الحرام.
هذه الشعيرة العظيمة التي أوجبها الله -عز وجل- على عباده في العمر واحدة، وجعلها ركنًا من أركان الإسلام (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:97].
ويقول -صلى الله عليه وسلم- مبينًا وجوب الحج، وأنه ركن من أركان الإسلام: "بُني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسولُ الله، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام".
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس! إن الله كتب عليكم الحج فحجوا"، فقام رجل فقال: يا رسول ألعامنا هذا أم للأبد؟ فقال: "لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم".
فبادروا أيها الإخوة المسلمون إلى أداء هذا الواجب وهذا الركن العظيم الذي افترضه الله عليكم لتبرأ ذممكم، وتحققوا أمر ربكم، وتلبوا ندائه لكم بالحج إلى بيته الحرام؛ فإن الأصل في وجوب الحج أنه على الفور لمن توفرت فيه شروط الوجوب والصحة، فمن كان بالغًا عاقلاً مستطيعًا بماله وبدنه فليبادر للحج ما دام قادرًا على ذلك قبل أن يُحال بينه وبين ما يريد، وما أكثر عوارض هذا الزمن، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "بادروا بالحج –يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له".
ومن المعلوم أيها الإخوة المسلمون أن المرأة لا يجب عليها الحج إلا إذا توفرت فيها الشروط السابقة، وتجد محرمًا لها يحج معها، وأما إذا لم تجد محرما فإن الحج لا يكون واجبا أداؤه عليها؛ لأنها ممنوعة من السفر إلا بمحرم كما قال -صلى الله عليه وسلم- "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم".
فإن كان لها مال وطمعت في وجود محرم عما قريب، وإلا وكلت بمالها من يحج عنها، وأجزأها ذلك عن حجة الإسلام، وعلى محارمها من زوج أو أب أو أخ أو أبناء أن يتقوا الله -عز وجل- وأن يجتهدوا في الوقوف مع موليتهم لأداء حجها الذي افترض الله -سبحانه وتعالى- عليها، وأن يعلموا أنهم مأجورون بذلك، فمن أعان على خير كان له من الأجر مثل أجر من تبعه.
ومن العجيب أيها الإخوة المسلمون: أن كثيرًا من الأولياء كالأزواج أو الآباء أو الإخوة أو الأبناء إذا دعتهم موليتهم للحج معهم لأداء حج الفريضة تعللوا بعلل واهية، فكثير منهم يقول: لست مستعدًّا للحج هذا العام، أو لا أشتهي للحج أو لا تشتاق نفسي للحج هذا العام، أو يسوّف لأعوام قادمة ولا يدري أن ذلك الحج الواجب على موليته هو ركن من أركان الإسلام ينبغي عليه أن يساعدها، وأن يقف معها لأداء ما افترضه الله -سبحانه وتعالى- عليها، وهو مأجور مثاب في كل الأحوال.
أيها الإخوة المسلمون: إذا كان المسلم مطالبًا بالإكثار من الطاعات والعبادات ليزداد إيمانه وتعظم حسناته وتكفر خطيئاته؛ فإن من الطاعات التي ينبغي التزود منها: الحج إلى بيت الله الحرام، وقد جاء في النصوص النبوية ما يدل على عظيم ثواب الحج: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة".
وقد جاء في بعض الآثار: "إن عبدا صححت له جسمه، ووسعت له في رزقه، لا يفد إليّ كل خمس سنين لمحرومٌ".
وإن مما ينبغي التنبيه عليه: التأكيد على أهمية تحفيز الأبناء والبنات الذين وجب عليهم الحج وتوفرت فيهم شروطه.
ولتعلم أيها الولي أن ما تنفقه في هذا السبيل من أعظم وجوه النفقة الذي يُرجى قبولها ويعظم أجرها وثوابها عند الله -عز وجل-.
ومن العجب أن كثيرا من الآباء يتحمل في سبيل الترفيه عن أبنائه وبناته في الإجازات شيئا كثيرًا، وينفق عليهم نفقات باهظة، ثم بعد ذلك يبخل ويشحّ في الإنفاق عليهم للقيام بهذا الواجب العظيم.
ويزداد عجبك من أناس يتحملون المشقة ويبذلون الأموال للذهاب إلى مكة في رمضان ويستأجرون البيوت بالمبالغ الباهظة ثم بعد ذلك يحجمون عن الحج بأبنائهم وبناتهم الذين وجب عليهم ،ويحتج بعضهم بشدة الزحام وكثرة التعب، ونحو ذلك.
وهل الحج إلى بيت الله الحرام إلا لون من ألوان الجهاد في سبيل الله، ودرب من دروب من دروب الصبر، والاحتساب وتحمل الأذى والمشاق؟!
فاحرص أيها الأخ المسلم على تحفيز أبنائك وبناتك، واعلم أن من خير ما تقدمه لهم: عونهم ومساعدتهم على القيام بما أوجبه الله عليهم: "ومن جهَّز حاجًّا يرجى له أن يكون له مثل أجره".
أيها الإخوة المسلمون: إذا كان لكل شيء حقيقة؛ فإن من أوضح وأجلّ حقائق الحج تمام الخضوع لأمر الله، وكمال التسليم والانقياد لمراد الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- دون تردد أو شك ودون اعتراض أو مناقشة.
يخلع المسلم ملابسه المخيط امتثالاً لأمر الله، ويحرم من مكان معين امتثالاً لأمر الله، ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، ويحلق أو يقصر؛ كل ذلك امتثالاً لأمر الله -عز وجل- يقبّل الحجر، ويمسح الركن اليماني، ويطوف سبعة أشواط لا ثمانية، ويسعى سبعة أشواط لا ستة كل ذلك امتثالاً لأمر الله -عز وجل-، يبيت بمنى ويذهب إلى عرفات ويرجع إلى مزدلفة، ويبيت بها ويرمي الجمار، ويذبح النسك؛ كل ذلك امتثالا لأمر الله.
وفي ذلك -أيها الإخوة المسلمون- تعويد للنفس وتربية لها على التسليم المطلق لمراد الله ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم- وتنشئة للنفس على المبادرة بالتزام أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- في جميع الأحوال والأزمنة والأمكنة بطواعية وإذلال ورغبة ويقين دون أدنى تردد أو اعتراض؛ وذلك كله امتثالاً لقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب:36].
يقول الله -عز وجل- (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء:65]، إنه الانقياد التام والاستجابة السريعة وتفويض الأمر إلى الله -عز وجل- في كل أمر من أمور الحياة.
إخوة الإسلام: إن على كل مَن أراد قبول حجه منه أن يستحضر جملة من الأمور؛ أولها تحقيق الإخلاص لله -عز وجل-، وتجريد النية من جميع المقاصد الدنيئة والبواعث الرديئة، بل يكون القصد أولا وآخرًا طلب وجه الله وكسب رضاه وتحصيل محبته وتوحيده لا شريك له (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة:5].
وكما يحرص المسلم على تحقيق الإخلاص لله رب العالمين يحرص على تحقيق المتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم- في حجه ومناسكه؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- بيَّن أمور الحج؛ صغيرها وكبيرها، بيّن مناسك الحج بيانا شافيا وافيا بفعله وهديه وقوله وأمره -صلى الله عليه وسلم-.
وكان كثيرا ما يقول في حجة الوداع بعد أداء كل نُسُك: "خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا".
فحري بك أيها المسلم أن تحرص أن يكون حجك مطابقًا لهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولن يتأتى لك ذلك إلا إذا حرصت على تعلم مناسك الحج وسننه وآدابه على يد من يوثق بعلمه وأمانته، وما أشكل عليك أمر من الأمور فاستفتِ أهل العلم الموثوق بعلمهم وديانتهم؛ فإن كثيرا من الناس -وللأسف الشديد- يفتي بعضهم بعضا وهم عوام أو أشباه عوام "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم".
وإذا كان في منطق الحياة وعرف البشر أن من احتاج إلى بناء منزل مثلاً حرص على استشارة المهندس، ومن اشتكى علة ذهب لاستشارة الطبيب، وقد يتكبد في سبيل ذلك المشاق والصعاب، فكذلك أمور الدين والشريعة يجب ألا تُؤخذ وتتلقى إلا على أيدي أهل العلم، وهم -ولله الحمد- كثرة وإن كنا نتمنى من المسئولين أن يكثروا منهم في موسم الحج ليكونوا بالمئات ليعم نفعهم ويتم الوصول إليهم دون أدنى مشقة أو تعب.
ومن الأمور التي ينبغي التنبيه عليها أن كثيرا من الناس في هذه الأزمنة يأخذون أحكام حجهم من مواقع التواصل الاجتماعي، وهو أمر لا شك له إيجابيات وسلبيات، فإذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي مواقع معروفة يقوم عليها ويشرف عليها جهات معتبرة أو أشخاص معتبرون معرفون بعلمهم وديانتهم فلا حرج من الرجوع إلى هذه المواقع في الاستفسار أو أخذ أحكام الدين والحج منها.
وأما إذا كانت تلك المواقع مواقع مجهولة لا يُعرف القائمون عليها أو معروف القائمون عليها بأنهم من أهل الأهواء والبدع فإنه يحرم على المسلم أخذ دينه من هذه المواقع أو الرجوع إليها لتبين ما أشكل عليه في أمر دينه وحجه ونسكه.
ومن الأمور التي ينبغي أن يحرص عليها الحاج: استثمار الأيام والليالي التي يقضيها في المشاعر ويعلم أن المناسك كلها إنما شُرعت من أجل تحقيق ذكر الله، فكن ذاكرا لربك على الدوام ذاكرا له بقلبك مستحضرا عظمته وجلاله وكماله وعظيم قدرته ومراقبته لعباده واطلاعه على أحوالهم، كن ذاكرا لله بلسانك بالأذكار الشرعية مع الحرص على مواطأة القلب لذلك، كن ذاكرا لله بجوارحك وحواسك، أكثر من ذلك كله ومن جميع ألون الخير والإحسان وأكثر من تجديد التوبة والإنابة وسؤال الله المغفرة والرحمة والتوفيق لصالح الأعمال والأقوال.
كما أنه ينبغي لك أيها الحاج أن تحرص على النفقة الطيبة لحجك، النفقة الحلال فإن الله طيب لا يقبل من الأعمال كلها إلا ما كان طيبا.
جاء في الآثار أن العبد إذا حج بنفقة حرام ووضع رجله في الرحل، وقال: لبيك اللهم لبيك، ناداه منادٍ لا لبيك ولا سعديك زادك حرام وحجك مردود غير مقبول.
وقد قال القائل:
إذا حججت بمال أصله سحت *** فما حججت ولكن حجت العير
ما يقبل الله إلا كل طيبة *** ما كل من حج بيت الله مبرور
إنه لو لم يكن من شناعة المال الحرام إلا أن صاحبه لا ينتفع به في دنياه إلا في أمور الطاعة والخير، وإن صرفه في أمور أخرى لم يبارك له فيه ويحول هذا المال الحرام بينه وبين إجابة دعائه وفي الآخرة -عياذا بالله- حساب شديد وحسرة وندامة لو لم يكن من شناعة المال الحرام وقبحه إلا هذا لكفى رادعا وواعظا وحاجزا للمسلم عن الإقدام على المال الحرام، فنداء إلى إخواننا الذين تساهلوا بهذا الجانب وأصبح همّ أحدهم أن يجمع المال الحرام من أيّ وجه كان بغضّ النظر عن مشروعية هذا الطريق أو حرمته فالحلال عندهم ما حل في الجيب فقط.
نداؤنا لهم أن يتقوا الله، نداؤنا لهم أن يرحموا أنفسهم ويشفقوا عليها، نداؤنا لهم أن يسعوا للتخلص من هذا المال الحرام، وطرق الحلال بحمد الله كثيرة.
إن كسب الربا والفوائد البنكية حرام وسحت وخبث، إن كسب الرشوة خسة ودناءة وسحت وخبث، إن المال الذي تكسبه من بيع ما حرم الله ورسوله كسب حرام، إن أكل أموال اليتامى ظلما وأكل أموال العمال ظلما والكسب منه كسب حرام.
ألا فلتق الله عباد الله ولنحرص على إسلامنا وصحة أعمالنا واستقامة أخلاقنا وأفعالنا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة:172].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشكره سبحانه وقد فاز من شكر، وأصلي وأسلم على نبيه وخليله الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة الغرر وعلى التابعين من بعدهم ممن اقتفى الأثر وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع جماعة المسلمين ومن شد عنهم شد في النار.
أيها الإخوة المسلمون: إن الحج إلى بيت الله الحرام عبادة من العبادات العظيمة ينبغي أن تُصرَف تقربًا لله -عز وجل-، ومن ثم فلا يجوز للعبد أن يصرفها إلى تكسب مادي يبتغي بها المال.
وإن من المؤسف حقًّا أن كثيرًا من الناس الذي يحجون عن غيرهم إنما يحجون من أجل كسب المال فقط، وهذا حرام عليهم.
فإن العبادات لا يجوز للعبد أن يقصد بها حظا من حظوظ الدنيا ومتاعها الزائل (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [هود:16].
لقد أصبح الحج عند بعض الناس سلعة يساوم عليها؛ حيث تجد الذي تعرض عليه النيابة في الحج يكاثر ويماكس؛ هذه فلوس قليلة، هذه لا تكفي، فلان أعطاني كذا، أو فلان يعطي على الحج كذا، أو نحو ذلك من الكلام الذي يقلب العبادة إلى حرفة وصناعة، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "من حج ليأخذ المال فليس له في الآخرة من خلاق، لكن إذا أخذ الحجة لغرض ديني مثل أن ينفع أخاه المسلم بالحج عنه، أو يقصد زيادة الطاعة والدعاء والذكر في المشاعر فهذا لا بأس به وهي نية سليمة".
إن على الذين يأخذون النيابة في الحج أن يخلصوا النية لله، وأن تكون نيتهم قضاء وطرهم بالتعبد حول بيت الله الحرام وذكره ودعائه، مع قضاء حاجة إخوانه بالحج عنهم، وأن يبتعدوا عن النوايا الدنية والمقاصد السيئة بقصد التكسب بالمال؛ فإن لم يكن في نفوسهم إلا التكسب بالمال فإنهم لا يحل لهم أخذ النيابة حينئذ، ومتى أخذ العبد النيابة بنية صالحة فالمال الذي يأخذه كله له إلا ما اشترط عليه رد ما بقي، وكذلك يجب عليه أن ينوي العمرة والحج لمن وكل عنه؛ لأن هذا هو المعروف بين الناس ولا يحل لمن أخذ الحجة أن يوكل غيره فيها لا بقليل ولا بكثير إلا برضا من صاحبها الذي أعطاه إياها وثواب الأعمال المتعلقة بالنسك كلها للموكل، كلها لمن وكل، وأما مضاعفة الأجر بالصلاة والطواف الذي يتطوع به خارجا عن النسك وقراءة القرآن فهي لمن حج لا للموكل.
ويجب على الوكيل أن يتقي الله في أداء ما وُكل به ويجتهد في إتمام أعمال النسك القولية والفعلية؛ لأنه أمين على ذلك، ويقول في التلبية: "لبيك عن فلان" فإنه نسيه نواه بقلبه أو قال لبيك عن من أنابني في هذه العمرة أو هذا الحج.
أيها الإخوة المسلمون: إن مما ينبغي التنبيه عليه في هذه الأزمنة التي كثرت فيه أعداد الحجيج إلى بيت الله الحرام، وترتب على ذلك من ازدحام ما لا يخفى؛ أن يعلم المسلم أن طرق الخير كثيرة وأبواب كسب الحسنات متعددة، وعلى هذا فمن سبق له الحج مرارًا إننا نقول له: إنك متى تخلفت عن فعل الحج بنية التوسعة على إخوانك المسلمين واستجابة لأمر ولي الأمر في تنظيم أمر الحج وصرفت نفقة حج التطوع في مجالات الخير المتعددة وما أكثرها؛ فإنه يُرجى لك الأجر الوفير والثواب العظيم الذي قد لا يزيد على ثواب حج التطوع في بعض الصور والأحوال.
ويتأكد الأمر في حق من لديه أمراض قد تزداد مضاعفاتها، وبخاصة في هذا الزمن، ومن باب أولى الأطفال الذين لا يجب عليهم الحج بعدُ.
كما أن من المتعين اتباع التعليمات الصحية التي ترشد إليها الجهات المعنية، فنسأل الله -عز وجل- أن يحفظ المسلمين بحفظه ويكلؤهم برعايته.
أيها الإخوة المسلمون: إن الحج عبادة عظيمة يراد منها تعظيم أمر الله ومزيد ذكره –سبحانه- والإخلاص له سبحانه ومتابعة نبيه -صلى الله عليه وسلم- إلا أن بعض أهل الأهواء والبدع من الرافضة وأمثالهم يأبون إلا أن تُصرف هذه الشعيرة عن مقاصدها العظيمة إلى مقاصد تخدم توجهاتهم المنحرفة ومآربهم السيئة بدعاوى كاذبة وحجج باطلة.
إن العالم كله بحمد الله ليشهد ما تقدمه هذه البلاد كلها حكومة وشعبا من مجهودات عظيمة لخدمة حجاج بيت الله الحرام ابتغاء الأجر والمثوبة، ومع ذلك فإن القائمين على الحج يرون أن من أعظم واجباتهم: رعاية الحجيج، والسهر على مصالحهم، وتجنيب الحج كل ما من شأنه تعكير صفو الحج، وهم يبذلون في سبيل ذلك كل ما يستطيعون. وفَّق الله القائمين على شأن هذا البيت العظيم، وأعان الله رجال الأمن على القيام بمسئوليتهم وزادهم توفيقا وتسديدا وحفظهم، إنه على كل شيء قدير.
هذا واعلموا رحمكم الله أن ربكم -عز وجل- أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته المسبحة بقدسه فقال -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صل وسلم وبارك...
التعليقات