ورضوان من الله أكبر.. من وحي رضا الراعي عن الرعية

مبارك بن عبد العزيز بن صالح الزهراني

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ جمعة وفاء بين راعي البلاد ورعيتها 2/ رضا الرب تعالى عن عبده 3/ رضا الله هو الغاية الكبرى التي يسعى العباد لتحصيلها 4/ استشعار نعم الله سبب في جلب الرضا 5/ من موجبات رضا الله تعالى 6/ جزاء الرضا
اهداف الخطبة

اقتباس

فهلمَّ إلى حديث عن رضا الرب تعالى عن عبده، فهي غاية ملكت قلوب المؤمنين، وأمل استحوذ على نفوس الصادقين، فحرك منهم الجوارح بعد أن أشعل العزم في الجوانح، فنصبوا نصبًا من أجلها، وجاهدوا سعيًا في سبيلها، ما يزنون بها نعيمًا، ولا يعطون بها ثمنًا، إنها غاية رضا الله تعالى عنهم، فقد أخبرنا الله تعالى أن هذه الغاية هي محط أعمال المؤمنين، ومنتهى آمالهم من ربهم ..

 

 

 

 

أيها المسلمون: لقد كانت الجمعةُ الماضيةُ جمعةَ ميعادٍ من خادم الحرمين الشريفين لرعيتِه في هذه البلادِ، فترقبت رعيتُه ميعادَه، وأنصتت له بكل شوقِها وتطلعِها، فكانت جمعةَ الرضا بين الراعي والرعية؛ إذ أرضت الرعيةُ راعيها بثباتها على البيعة ومعاداتها للتظاهرة، فأرضاها راعيها في النوال وأجزل لها العطية، فلله تعالى الحمد، ونسأله أن يديم علينا نعمته.

وإنني لأقولها -وأرجو أن أكون غير حانث فيها ولا مجافٍ للصواب-: إنكم -أيها المسلمون- حين لم تستفزكم التظاهرات ولم تخرجكم الشعارات، لم ترضوا فحسب ولاة أمركم، بل لقد أرضيتم ربكم تعالى في الاستمساك بشريعته وما أمر من طاعة الولاة وعدم الخروج عليهم، فالحمد لله الذي وفقنا لامتثال أمره، وأرضى عنا ولي أمرنا، وصرف عنا السوء، واللهم أرض من أرضانا وزد من أعطانا.

إنَّ هذا المشهد الذي كان في يوم الجمعة الماضية قد أثار في نفسي مشاعر حارة وتأملات عميقة -وكان من بينها مشهد الرضا- فقد نقلني رضا المخلوق عن المخلوق، ورضا العبد عن العبد، إلى رضا الخالق عن المخلوق، والرب عن العبد، وهذا أجل وأكرم، طالما غاب عنا وغبنا عنه.

فقلت: إذا كان هذا عطاء ملك وفيّ سخي، رضي عن شعبه، فكيف بعطاء الله تعالى حين يرضى عن عبده؟! وإذا كانت هذه هي فرحتنا بعطاء ولي أمرنا، فكيف بفرحة العبد المؤمن برضوان الله تعالى؟!

فهلمَّ إلى حديث عن رضا الرب تعالى عن عبده، فهي غاية ملكت قلوب المؤمنين، وأمل استحوذ على نفوس الصادقين، فحرك منهم الجوارح بعد أن أشعل العزم في الجوانح، فنصبوا نصبًا من أجلها، وجاهدوا سعيًا في سبيلها، ما يزنون بها نعيمًا، ولا يعطون بها ثمنًا، إنها غاية رضا الله تعالى عنهم، فقد أخبرنا الله تعالى أن هذه الغاية هي محط أعمال المؤمنين، ومنتهى آمالهم من ربهم، فتراهم يؤمُّون البيت الحرام حجًّا وعمرة ابتغاء رضوان الله: (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا) [المائدة: 2].

وتراهم ينفقون النفقات من أموالهم المحببة إلى أنفسهم طلبًا لتلك المرضات من ربهم: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [البقرة: 265].

إنهم ما يأتون من حب ولا بغض ولا ركوع ولا سجود إلا و قد نصبوا رضوان الله تعالى همًّا لهم، وقصدًا لعملهم، وغاية لسعيهم؛ قال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) [الفتح: 29].

إنهم يخرجون من ديارهم مهاجرين، وينخلعون من أموالهم راغبين، كل ذلك ابتغاء رضوان الله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحشر: 8]، بل أعظم من ذلك يقدمون، إنهم يبيعون أنفسهم ليشتروا رضوان الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [البقرة:207]، (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114].

أيها المسلمون: كيف لا نسعى إلى رضوان الله تعالى، ولا نعجل إلى رضا ربنا تعالى، ونحن نجد برد لطفه بنا!! ونذوق كل حين مس رحمته لنا!! وفي كل آن يتنزل علينا برد البر الرباني والود الرحماني من الرحمن سبحانه!!

لقد أيقن أهل الإيمان أن من ذاق يسيرًا من رضا ربه كفاه عما سواه وأغناه عما دونه، وأنساه كل سخط من خلقه، وأنَّ من حُرِمَ رضا ربه فماذا يغني عنه رضا الخلق أجمعين!!

رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الطائف مثخنًا بجراح الجسد، ومثقلاً بانكسار النفس من جراء اللؤم البغيض الذي قابله به أهل الطائف، خرج مدمى العقبين بعد أن دخل إليهم سالمًا صحيحًا، وفارقهم وهو ذاهل الوعي من شديد الصدمة ورمي الحجارة، خرج بكل ذلك الألم بكل ذلك الجهد المثخن، فما كان له من نفسه هم، ولا كان له في مصابه أنّ، لقد كان له في مرضات الله تعالى شغلاً عن آلامه ومصابه، فقال مناجيًا ربه في تلك اللحظة، رافعًا أكف الضراعة: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت عليه السموات والأرض، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك، أو يحل بي غضبك، لك العتبى حتى ترضى".

فأي غاية فوقها، وأي أمل يعلوها، كم نحن بحاجة إلى تحريكها في النفوس، وتجديد العهد بها في القلوب!! هي أول طريق الجنة، ومنتهى نعيم الجنة، ففي حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن ربنا سبحانه ينادي أهل الجنة فيقول: "يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك وسعديك، والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟! فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك!! فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟! فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟! فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا".

ويوم قتل قراء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بئر معونة شر قتلة وسوء غدر، أنزل الله فيهم قرآنًا يخبر بحالهم عند ربهم: "بَلِّغُوا عنا قَوْمَنا أنَّا قد لقينا رَبَّنا فَرَضي عَنَّا ورَضينا عَنْه"، ثم نسخت فرفعت بعدما قرأناه زَمَنًا".

ما أجمل حياتك -أخي المبارك- يوم تحشدها لرضا الله تعالى، وتسخرها بخيرها وضرائها ونعمائها وبؤسها وأنسها في مرضات ربك تعالى، فما تعمل من عمل ولا تسر من سر إلا وأنت تتطلع بها إلى مرضات الله ورضوانه.

والله ما تطيب حياتنا إلاَّ بالشوق إلى مرضاته والحنين إلى رؤيته سبحانه، وتأمل معي -عبد الله- عظيم هذه الغاية؛ لقد جعلها الله تعالى أعلى الفوز وأعظم النعيم الذي وعد به المؤمنين: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة: 119]، وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 72].

بل كل نعيم الجنة ما يذوقه أحدٌ ولا يناله عبدٌ إلا بعد أن يرضى الله تعالى عنه، فمالنا لا نُشَمِرُ لتلك الغاية، ولا نعجل إلى تلك الدرجة العالية.

ولقد بين الله تعالى لنا في كتابه وعلى لسان رسوله أن رضاه عن عبده ليس بالأماني ولا الأمنيات، إنما بعمل ينهجه وطريق مستقيم يسلكه، وصراط غير ذي عوج يستمسك به، فمما أبان لنا أنه سبيل إلى رضوانه وتقواه، فلا افتنان بالدنيا وشهواتها: (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران: 15].

ثم أبان لنا سبحانه أوصاف عباده المتقين وصلاً لا فصلاً، فقال تعالى: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) [آل عمران: 16]، فأقم نفسك على هذه الآيات واتعب ماثلاً أمام هذه الصفات، لتعرف أين أنت منها وأين أنت من رضا الله تعالى.

ومما وعد الله تعالى عليه بالرضوان: السبق في الهجرة والنصرة واتباع صحابة رسول الله؛ فقال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100]، فأين منا النصرة؟! وأين منا الهجرة؟! وأين منا الاتباع؟!

وقال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ) [التوبة: 21].

عباد الله: من موجبات رضا الله عن عبده ولاية المؤمنين وتولي الصالحين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة فرائض الدين وإعلان الطاعة التامة لله ورسوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 71، 72].

المحافظة على الصلاة وأمر الأهل بها موجب من موجبات رضا الله عن العبد؛ قال الله عن إسماعيل -عليه السلام- (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم: 55]، وجماع ذلك كله الإيمان بالله حقًّا والعمل الصالح مع خشية الرب تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [البينة: 8].

السخاء بالنفس وركوب المعاطب والمشاق على أي حال، والرضا بها متى ما وجبت ونادى بها منادي الله ورسوله، موجب للرضوان من الرحمن: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح: 18].

معاداة أهل الكفر ومحادتهم ولو كانوا آباءً أو إخوانًا أو عشيرة، توجب رضوان الله تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة: 22].

بر الوالدين مجلبة لرضا الرب سبحانه؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رضا الرب في رضا الوالدين"، ولن ينال عبد رضا ربه حتى يكون عن ربه رضيًا: "مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي: رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُرْضِيَهُ".

وما لنا لا نرضى عن ربنا سبحانه وهذه أسماعنا من عطائه، وأبصارنا من منته، وأفئدتنا من فضله، وخيراته بعدد أنفاسنا تتنزل علينا، وما لنا أن لا نرضى عن ربنا وقد هدانا لدينه المرضي عنده وخصنا به، فقال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

 

أيها المسلمون: يوم يرضى الله تعالى عن عبده ماذا يكون له من جزاء، وماذا يجني من نوال؟!

يوم يرضى الله تعالى عن عبده يترقى للشفاعة عنده فيمن يحب ممن رضي الرحمن عنهم حتى يشفع في القبيلة: (يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا) [طه: 109]، وبهذا الرضا الرباني ينال العبد شفاعة الملائكة الأبرار: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء: 28]، بهذا الرضا الرباني الجليل يكون العبد محلاً لمرضات الرب فلا يسيئه الله تعالى بما يكره، بل يكره سبحانه مساءته ويعطيه من النعيم والمطالب ما يرضيه وفوق ما يطلب حتى يرضى، ما أعظمه من مقام أن يهتم ربنا برضا عبده: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) [الضحى: 5]، وقال في أبي بكر: (وَلَسَوْفَ يَرْضَى) [الليل: 21]، وقال لأهل الهجرة والجهاد: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) [الحج: 58، 59].

بهذا الرضا الرباني يناديه بالبشر وهو يفارق الحياة الدنيا: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر: 27-30].

عباد الله: ذلكم رضوان الله وتلكم طريقه، ألا لا يلهيننا ما نرى من جميل متاع الدنيا، ولا يخطفن قلوبنا عن ربنا حطام فانٍ وشهوات زائلة ومتاع الغرور، فإن كان ذلك لنكونن عرضة لسخط الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يونس: 7، 8].

فأرضوا الله تعالى برضاكم عنه، اللهم إنا قد رضينا بك ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، اللهم إنا نسألك رضاك، اللهم ارض عنا وأرضنا.
 

 

 

 

 

المرفقات
ورضوان من الله أكبر.. من وحي رضا الراعي عن الرعية.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life