عناصر الخطبة
1/أدلة كفر اليهود والنصارى 2/لا حظ في الجنة لمن مات مشركاً 3/الإسلام ناسخ لجميع الشرائع السابقة 4/بطلان الدعوة إلى وحدة الأديان السماوية 5/الآثار الخطيرة للدعوة إلى وحدة الأديان 6/حكم الدعوة إلى وحدة الأدياناقتباس
ونشطت هذه الدعوة وامتدت، وتنادى القائلون بها إلى إلغاء الفوارق الدينية بين الناس، فليس هناك مؤمن وكافر، الكل يدخل تحت وحدة الإخاء الإنساني، وينادي أصحاب هذه الدعوة إلى ضرورة طباعة التوراة والإنجيل والقرآن في غلاف...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد: فلو أن شخصاً ثقة أخبر أحدنا بأمر من الأمور التي تهمه في حياته، ألا يصدقه ويأخذ بقوله ويبني على هذه المعلومة في تصرفاته؟ وكلما كان هذا المخبر صادقاً غير متهم في حديثه كان ذلك أقوى لخبره، ولم يتطرق الشك إلى حديثه.
إذا علمنا هذا -أيها المسلمون- فما موقفنا من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا النبي الكريم الصادق الأمين الذي لم يجرب عليه قومه كذباً قبل مبعثه، وكيف يتطرق الشك إلى كلام من أقسم ربه -سبحانه- ووصفه فقال (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم: 1 - 4]؟!.
وإذا علم أحدنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَا يُؤْمِنُ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ؛ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ"(أخرجه مسلم)، فهل يشك أحدنا في صدق هذا الكلام؟ وهل يفهم عاقل أن اليهودي أو النصراني لو مات على يهوديته أو نصرانيته قد يكون من أهل الجنة، وقد بلغه الإسلام فلم يسلم؟! إن هذا محال.
وفوق كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتي كلام رب العالمين الذي لا شك ولا ريب فيه؛ (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا)[النساء: 87]، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا)[النساء: 122]، فإذا سمع المسلم قول ربه -تبارك وتعالى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85]؛ فهل يدور بخلد مسلم شكٌ في ذلك؟ وإذا سمع المسلم قول ربه -تبارك وتعالى-: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)[المائدة: 17]، وقوله -سبحانه-: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ)[المائدة: 73]؛ فهل يشك مسلم في كفر اليهود والنصارى بعد ذلك؟ لا، وربي.
وإن هذا الأمر العظيم متقرر لدى عوام المسلمين قبل علمائهم، ومنذ أن بزغت شمس الإسلام أعلنها النبي -صلى الله عليه وسلم- صريحة، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال لما أنزلت هذه الآية: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)[الشعراء: 214]، دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قريشا فاجتمعوا، فعم وخص فقال: "يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، يا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤيٍّ! أنقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بن كَعْبٍ! أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَاف! أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي هاشم! أنقذوا أنفسكم من النار، يَا بني عبد المطلب! انقذوا أنفسكم من النار، يَا فَاطِمَةُ! أنْقِذي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ؛ فَإنِّي لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيئاً"؛ فلا محاباة في دين الله، والله سبحانه لا يغفر أن يشرك به، وفي صحيح مسلم عن أنس أن رجلا قال يا رسول الله! أين أبي؟ قال: في النار فلما قفى دعاه، فقال: "إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ"، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ... فَيَقُولُ: إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ! إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللهُ -تَعَالَى-: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ".
وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اسْتَأْذَنْتُ رَبِّى فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي"، وذلك لأنها ماتت على الكفر، فالدين لا محاباة فيه، والنصوص القطعية من الكتاب والسنة جزمت بذلك، وأنه لا حظ في الجنة لمن مات مشركاً بعد أن بلغه الإسلام، سواء مات يهودياً أو نصرانياً أو وثنياً؛ فالدين عند الله هو الإسلام، ولا دين سواه، وقد نُهي النبي -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنون أن يستغفروا للمشركين وإن كانوا أولي قربى، كما قال -تعالى-: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)[التوبة: 113].
والإسلام لا يدخل فيه إلا من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهذا الإسلام الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- قد نسخ جميع الشرائع السابقة وأبطلها، فمن آمن به وصدَّقه فقد آمن بالله ورسله، ومن كفر به فقد كفر بالله ورسله، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا)[النساء: 150، 151].
إذا علمنا ذلك وتحققنا منه -أيها المؤمنون-، فالواجب أن نحمد الله -تعالى- كثيراً على نعمة الإسلام، وأن نسأله -سبحانه- الثبات على الإسلام حتى الممات، كما نؤمن بأن أي كلام يطرح هنا أو هناك يخالف هذه القواعد القطعية المسلَّمة فلا قبول له، ومن تلك الدعاوى التي تخالف العقل والدين وما فطر عليه المسلمون، دعوى من يقول: "إن اليهودية والنصرانية والإسلام كلها طرق تؤدي إلى الله".
عباد الله، ويا أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-: قبل عدة سنوات قامت دعوة آثمة نصرها وللأسف بعض المنتسبين إلى الإسلام، مضمونها الدعوة إلى وحدة الأديان السماوية، ورفعوا لهذه الدعوة شعارات برَّاقة خدَّاعة، وهي: الإخاء الديني، والصداقة الإسلامية المسيحية، وتوحيد الأديان الثلاثة، وتحدثوا عن الديانة العالمية، ونشطت هذه الدعوة وامتدت، وتنادى القائلون بها إلى إلغاء الفوارق الدينية بين الناس، فليس هناك مؤمن وكافر، الكل يدخل تحت وحدة الإخاء الإنساني، وينادي أصحاب هذه الدعوة إلى ضرورة طباعة التوراة والإنجيل والقرآن في غلاف واحد، وإلى بناء مسجد وكنيسة ومعبد في مكان واحد!.
ولقد تسربت هذه الدعوة إلى ديار الإسلام، وطاشت بها أحلام، وعملت من أجلها أقلام، وفاهت بتأييدها أفواه، وانطلقت بالدعوة إليها ألسن من بعد أخرى، وعلت الدعوة بها سدَّة المؤتمرات الدولية، وردهات النوادي الرسمية والأهلية، وتكلم بعض المنتسبين إلى الإسلام المنادين بهذه الدعوى الباطلة فقال: "والذين يسرفون في الإلحاح على تميز الإسلام والمسلمين تميزا شاملا مطلقا، محجوجون بنصوص القرآن الكريم التي تصف أنبياء الله بوصف الإسلام"، وقال أيضاً: "وهم محجوجون كذلك بحقيقة وحدة الإنسانية، ووحدة مصدر الأديان السماوية"، ويقول رفيق له في هذا المبدأ الباطل: "والفروق بين المسلمين وأهل الكتاب، ليست من الخطر، بحيث تخرج الكتابيين من إطار الإيمان والتدين بالدين الإلهي"، ويقول آخر: "كيف سيحرم أديسون مخترع النور الكهربائي من الجنة، وقد أضاء العالم كله، حتى مساجد المسلمين باختراعه"، وهل علم هذا الجاهل أن والدي أفضل الخلق -صلى الله عليه وسلم- اللذين ماتا على الكفر هما في النار، ولو كان يشفع لأديسون اختراعه للمصبح الكهربائي لشفع لوالدي محمد -صلى الله عليه وسلم- ولادتهما له، ولكنه الجهل والهوى.
عباد الله: إن لهذه الدعوى المشؤومة التي تنادي بوحدة الأديان آثارًا خطيرة، كفيلة بزعزعة الإسلام في قلوب أهله، ويترتب عليها هدم لقواعد الإسلام ونقض لمبانيه، ومن تلكم الآثار:
أولاً: هدم عقيدة الولاء والبراء عند المسلمين، بل وإزالة شيء اسمه دين من اعتقاد المرء.
ثانياً: تصحيح مذاهب الكافرين والسكوت عليها.
ثالثاً: السماح بالدخول في اليهودية والنصرانية دون أي حرج.
رابعاً: إلغاء الفارق العظيم بين المسلمين وغيرهم، والذي عليه محور الصراع بين الحق والباطل، وجعل دين الإسلام كسائر الأديان المحرَّفة من حيث اتباعه، وأنه لا ميزة له على سائر الأديان.
عباد الله: أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-: إن الدعوة إلى وحدة الأديان، دعوة إلى الكفر الذي لا يكون معه إيمان، قال القاضي عياض: "ولهذا نُكِّفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده، واعتقد كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك"، وقال ابن تيمية: "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوّغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب"، وبنحو ذلك قال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-.
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آل عمران: 8].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فإن الواجب على المسلمين الحذر والتيقظ من مكائد أعدائهم، وليعلم كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، أنه لا وفاق ولا التقاء بين أهل الإسلام وأهل الكتاب من يهود ونصارى إلا بأن يعملوا بقول الله -تعالى-: (قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 64]، وقوله -تعالى-: (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[الأعراف: 158].
اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين، اللهم فقهنا في الدين وعلمنا ما ينفعنا وقنا شر الهوى ومضلات الفتن، اللهم اكف المسلمين شر دعاة الضلالة والغواية، اللهم من أراد بالمسلمين شراً فرد كيده في نحره واكشف ستره يا رب العالمين.
التعليقات