عناصر الخطبة
1/خطورة انحراف الفكر ومفاسده 2/من محاسن العقيدة الإسلامية 3/تنظيم الإسلام للعلاقة بين الحاكم والمحكوم 4/بيان هيئة كبار العلماء.اقتباس
فِي ظِلِّ العَقِيدَةِ الخَالِصَةِ يَكُونُ الأَمْنُ، وَتُحْفَظُ النُّفُوسُ، وتُصَانُ الأعْرَاضُ والأمْوَالُ، وتَأْمَنُ السُّبُلُ، وتُقَامُ الحُدُودُ, وَتَقُومُ الدَّعْوَةُ إلى الله، وتُعمَرُ المسَاجِدُ, ويَفْشُو المَعْروفُ، ويَقِلُّ المُنْكَرُ ويحْصُلُ الاستِقْرارُ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ أَكْرَمَنَا بِالإيمانِ, وَأَدَامَ عَلينَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ, أَشهد ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحَدَهُ لا شَريكَ لَهُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ, وَأَشهد أنَّ مُحمَّداً عبدُ الله وَرَسُولُهُ خَيرُ الأنَامِ, صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوى, وتَمَسَّكُوا بالعُرْوَةِ الوُثْقى. واسْأَلُوا اللهَ العَافِيةَ مِن كُلِّ عَمَلٍ غَيرِ صَالِحٍ, أو فِكْرٍ غَير ِسَوِيٍّ. فَإنِّنا مُطالَبُونَ بالتَّمسُّكِ بِشَرِيعَتِنَا الغَرَّاءِ وَحِمَايَةِ جَنَابِهَا مِن أَيدِي العَابِثِينَ, وَالغُلاةِ والخَوَارِجِ والرَّوافِضِ المُعْتَدِينَ، أُولئِكَ الذينَ يَتَلاعَبُونَ بِالدِّينِ كَيفَمَا شَاءُوا.
عِبَادَ اللهِ: انحرَافُ الفِكْر ِوعَدَمُ العِلْمِ, سَبِيلُ التَطَرُّفِ والفَسَادِ, وَالهَلاكِ والضَّلال, وَخِيانَةِ العَهْدِ وَالمِيثَاقِ؟ وَاللهُ -تَعَالَى- يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا)[النساء:107]. وَوصيةُ نَبِيِّا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَنَا بِقَولِهِ: "يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ". وَقَولِهِ: "إنَّ اللهَ أمرني بالجماعةِ، وإنَّهُ مَن خَرَجَ مِن الجمَاعَةِ شِبْرًا فقد خَلَعَ رِبْقَةَ الإسلامِ مِن عُنُقِه".
عبادَ اللهِ: عَقِيدَتُنَا بِحَمْدِ اللهِ تَجْمَعُ وَلا تُفَرِّقُ, قَامَتْ على مَبَادِئَ ثَابِتَةٍ, لا تُسَيِّرُهَا الأَهْوَاءُ, إنَّمَا تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. وَنَحْنُ في بَلَدٍ العَقِيدَةِ وَمَأْرِزِ الإيمانِ نَنْطَلِقُ بِإذْنِ اللهِ -تَعَالى- مِنْ عَقِيدَةٍ رَاسِخَةٍ, وَشَرِيعَةٍ خَالِدَةٍ تَنْطَلِقُ مِنْ قَولِ اللهِ -تَعَالى- حيث يرتفع شعار (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آل عمران:103].
إِنَّهُ الدِّينُ لا غَيرَهُ، وَحَّدَ قُلُوبَنَا, وَجَمَعَ شُعُوبَنَا, وَبَنَى تَلاحُمَنَا وَتَرَاحُمَنَا, رَوى الإمَامُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ أنَّ نَبيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".
عبادَ اللهِ: عَقِيدَتُنَا بِحَمْدِ اللهِ أَمَرَتْنَا بِالطَّاعَةِ وَلُزُومِ الجَمَاعَةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ".
دِينُنَا -بِحَمْدِ اللهِ تَعَالى- نَظَّمَ العَلاقَةَ بَينَ الْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِ وَفْقَ مَبَادِئِ الشَّرِيعَةِ الغَرَّاءِ, وَقَوَاعِدِهَا الرَّاسِخَةِ. رَوَى ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّهُ قَالَ: "عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ"(رَواهُ مُسْلِمٌ).
عِبَادَ اللهِ: فِي ظِلِّ العَقِيدَةِ الخَالِصَةِ يَكُونُ الأَمْنُ، وَتُحْفَظُ النُّفُوسُ، وتُصَانُ الأعْرَاضُ والأمْوَالُ، وتَأْمَنُ السُّبُلُ، وتُقَامُ الحُدُودُ, وَتَقُومُ الدَّعْوَةُ إلى الله، وتُعمَرُ المسَاجِدُ, ويَفْشُو المَعْروفُ، ويَقِلُّ المُنْكَرُ ويحْصُلُ الاستِقْرارُ.
ولا يَسْتَقيمُ أمرُ الدِّينِ إلاَّ مَعَ وُجُودِ الأمنِ، فَيَا مُسْلِمُونَ: الزموا غرزَ عُلمَائِكم النَّاصِحينَ، وتَشبَّثوا بِجماعَةِ المُسلمينَ، وطاعَةِ وُلاةِ أُمورِكم المُخلِصينَ، وَتَذَكَّروُا قَولَ اللهِ -تَعَالى-: (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام:153].
فَالَّلهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ إيَمانَاً صَادِقَا وَعَمَلا مُتَقَبَّلا. الَّلهُمَّ املأ قُلُوبَنَا بِحُبِّكَ وَتَعْظِيمِكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. أَقُولُ مَا تَسمَعُونَ، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكم ولِسائِرِ المُسلمينَ من كلِّ ذنبٍّ فاستغفروه، إنَّه هو الغفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ أَعَزَّ مَنْ أَطَاعَهُ، وَأَذَلَّ مَنْ عَصَاهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ومُصطَفَاهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ ومَنْ اهتدَى بِهُداهُ أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ وَأَطِيعُوهُ، فَمَن اتَّقى رَبَّهُ كَتَبَ لَهُ النَّصرَ والتَّمكِينَ.
عبادَ اللهِ: أَصْدَرَتْ هَيئَةُ كِبَارِ العُلَمَاءِ فِي المَمْلَكَةِ قَبْلَ يَومَينِ بَيَانَاً وَرَدَ فِيهِ:
إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- أَمَرَ بِالاجْتِمَاعِ عَلَى الْحَقِّ وَنَهَى عَن التَّفَرُّقِ فَقَالَ: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[الأنعام:159].
وَأَمَرَ العِبَادَ بِاتِّبَاعِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَنَهَاهُمْ عَن السُّبُلِ التي تَصْرِفُ عَن الْحَقِّ، وَذَلِكَ بِالاعْتِصَامِ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، والحَذَرُ مِنْ اتِّبَاعِ الْمَذَاهِبِ الْمُنْحَرِفَةِ عَن الْحَقِّ، فَقَدْ خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، خَطًّا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: "هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيمًا"، ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ، وَشِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: "هَذِهِ السُّبُلُ، لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ"، ثُمَّ قَرَأَ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ)[الأنعام:153].
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ الْمُؤمِنِينَ بِالْجَمَاعَةِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الفُرْقَةِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ بِالْمِرَاءِ فِي دِينِ اللهِ. وَالاعْتِصَامُ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هُوَ سَبِيلُ إِرْضَاءِ اللهِ وَأَسَاسُ اجْتِمَاعِ الكَلِمَةِ، وَالوِقَايَةِ مِنَ الفِتَنِ، فَعُلِمَ مِن هَذَا: أَنَّ كُلَّ مَا يُؤَثِّرُ عَلَى وِحْدَةِ الصَّفِّ حَولَ وُلاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَثِّ شُبَهٍ وَأَفْكَارٍ، أَو تَأْسِيسَ جَمَاعَاتٍ ذَاتَ بَيْعَةٍ وَتَنْظِيمٍ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ بِدَلالَةِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَفِي طَلِيعَةِ هَذِهِ الْجَمَاعَاتِ التي نُحَذِّرُ مِنْهَا جَمَاعَةُ الإخْوَانِ، فَهِيَ جَمَاعَةٌ مُنْحَرِفَةٌ، قَائِمَةٌ عَلى مُنَازَعَةِ وُلاةِ الأَمْرِ وَالخُرُوجِ عَلَى الْحُكَّامِ، وَإثَارَةِ الفِتَنِ فِي الدُّوَلِ، وَزَعْزَعَةِ التَّعَايُشِ فِي الوَطَنِ الوَاحِدِ، وَوَصْفِ الْمُجْتَمَعَاتِ الإسْلامِيَّةِ بِالْجَاهِلِيَّةِ، وَمُنْذُ تَأْسِيسِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا عِنَايَةٌ بِالعَقِيدَةِ ولا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، إِنَّمَا غَايَتُها الوُصُولُ لِلْحُكْمِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ تَأرِيخهَا مَلِيئَاً بِالشُّرُورِ والفِتَنِ، وَمِنْ رَحِمهَا خَرَجَتْ جَمَاعَاتٌ إرْهَابِيَةٌ مُتَطَرِّفَةٌ عَاثَتْ فِي البِلادِ وَالعِبَادِ فَسَادَاً, مِنْ جَرَائِمِ العُنْفِ وَالإرْهَابِ.
مِمَّا تَقَدَّمَ يَتَّضِحُ أَنَّ جَمَاعَةَ الإخْوَانِ جَمَاعَةٌ إرْهَابِيَّةٌ لا تُمَثِّلُ مَنْهَجَ الإسْلامِ، إنَّمَا تَتَّبِعُ أَهْدَافَهَا الْحِزْبِيَّةَ الْمُخَالِفَةَ لِهَدْي دِينِنَا، وَتَتَسَتَّرُ بِالدِّينِ وَتُمَارِسُ مَا يُخَالِفُهُ مِنْ الفُرْقَةِ وَإِثَارِةِ الفِتْنَةِ والإرْهَابِ, فَعَلَى الْجَمِيعِ الْحَذَرُ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ وَعَدَمُ الانْتِمَاءِ إِليهَا أَو التَّعَاطُفُ مَعَهَا" انْتَهَى هَيئَةِ كِبَارِ العُلَمَاءِ.
نسألُ اللهَ أنْ يَحفظَ على بِلادِنا أَمنَها واستقرَارَها، وأنْ يَزِيدَها هُدىً وعَدلاً وتَوفيقاً. اللهمَّ إنَّا نعوذُ بك من الفتنِ ما ظَهَر منها وَمَا بَطَنَ يا ربَّ العالمين.
اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمُسلِمينَ، واكتُب النَّصرَ والتَّمكِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ.اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطَّاعةِ ويُذلُّ فيه أهلُ المعصيةِ ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر يا ربَّ العالمين.
اللهم وفِّق ولاةَ أمورِنَا لِمَا تُحِبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا ربَّ العالمين, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
التعليقات