عناصر الخطبة
1/عوامل نجاح الصحابة في حمل الإسلام 2/مهزلة توزيع المسؤوليات 3/إمكانية نصرة الدين إذا اقتدينا بهم 4/ أهمية الاجتماع لخدمة الإسلام 5/التطاول على الصحابة الكرام 6/الرافضة والمسلسلات المزورة 7/ توالي النوازل والابتلاءات والتبشير بقرب نصر اللهاهداف الخطبة
اقتباس
وإن من أولويات ما تجبُ دراسته هو تأمل عوامل النجاح التي من خلالها تمكن الصحابةَ من حمل الإسلام إلى العالمِ, ونشر الدين في أصقاع المعمورة, حتى وصلت خيولُ المسلمين إلى أطراف الصين شرقاً, وقرعت أبواب فرنسا الصليبية غرباً, فما سر نجاحهم يا ترى؟ كيف نجحوا في بلوغ غاياتهم وتحقيق أهدافهم, وكيف أسعدوا البشرية بنور الوحيين الشريفين، وخلصوا الإنسانية من جحيم الجاهلية ونتنها
أما بعد:
أيها المسلمون: لقد عُزلت هذه الأمة طويلاً عن دراسة تاريخ أسلافها, وأفلح خصومها في إحداث فجوةٍ سحيقةٍ بين ماضيها وحاضرها؛ لتظل غارقةً في نومها.
واليوم وقد بدأت الأمة تستيقظُ من غفلتها, وتستردُ شيئاً من عافيتها, فقد آن الأوان أن تعيد دراستها لتاريخها المجيد, وتتأمل منهج الأصحابِ في صناعةِ ذلك المجدِ الفقيد؛ لتأخذَ العبرةَ وتستلهم الفكرةَ وتكرر المحاولة, فلن يصلح حالُ آخر الأمة إلا بما صلح به حالُ أولها, لم لا.
وإن من أولويات ما تجبُ دراسته هو تأمل عوامل النجاح التي من خلالها تمكن الصحابةَ من حمل الإسلام إلى العالمِ, ونشر الدين في أصقاع المعمورة, حتى وصلت خيولُ المسلمين إلى أطراف الصين شرقاً, وقرعت أبواب فرنسا الصليبية غرباً, فما سر نجاحهم يا ترى؟ كيف نجحوا في بلوغ غاياتهم وتحقيق أهدافهم, وكيف أسعدوا البشرية بنور الوحيين الشريفين وخلصوا الإنسانية من جحيم الجاهلية ونتنها.
أيها المسلمون: إن ثمة عوامل متعددة وأسباباً مهمة أفرزت ذلك النجاح الباهر وحققت ذلك الإنجاز المعجزة, يقف على رأسها قوة العزيمة وصلابة الإرادة.
هذه مدينة النبي صلى الله عليه وسلم تموج وتضطرب, حيث ذهلت النفوس, وحارت العقول, وتشنجت الأعصاب, وذهب الحزم والصواب, وقد أشعل ذلك الإعلان المهيب وأشعل الفتنة, فارتدت القبائل عن الإسلام, وعطلت الجمعة فلم تعد تقام إلا في مكة والمدينة, في مثل هذه الفتنة العمياء, ومواجهة المرتدين بحزمٍ بأس نادرين.
فيأتيه أعقل الناس وأشدهم بأساً في دين الله, يأتيه عمر فيقول: "يا خليفة رسول الله كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله, فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله, كيف تقاتلهم يا خليفة رسول الله؟
فيجيبه الصديق بلغة الواثق ومنطق المطمئن, والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة, والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه.
إنها العزيمة الحديدية والإرادة الفولاذية, التي لا تصلح السياسة إلا بها, لقد كان الصديق بدهائه الخارق, يدرك أن أي إبطاءٍ في تأديب المرتدين الساخرين من شرائع الإسلام, الراغبين في خلخلة وحدةِ الأمة من خلال تصرفاتهم اللامسؤولة, كان يدرك أن أي إبطاءٍ في تأديب هؤلاء, كفيل بإحداث انهيار مدمر, وشرخ خارق في صرح الإسلام.
ذلك الصرح الذي بني بدماء القتلى والشهداء, وسُقي بأنهار من الدموع والبكاء.. إنك لتعجب من موقف أبي بكر وإصراره على قتال المرتدين, ولكنك تعجب أكثر من عزمه -في الوقت نفسه- على إنفاذ جيش أسامة الواقف على أطراف المدينة.
ويقسم -صادقاً- والله لا أُحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لو جرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين, وحتى لو لم يبق في المدينة غيري, هذه العزيمة الخارقة والإرادة الصلبة, سر من أسرار نجاحهم, وعامل من عوامل إبداعهم.
وأما الثاني: فيتضح لك من خلال مشهد ذلك الأعرابي, يوم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا ابن عبد المطلب, أسألك بربك ورب من قبلك ءآلله أرسلك؟ قال: نعم. قال الله أمرك أن نصلي خمس مرات في اليوم والليلة ؟ قال: نعم قال الله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة ؟ قال: نعم. قال الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة فتدفعها للفقراء والمساكين, قال: نعم. قال الأعرابي: آمنت بك يا محمد و بما جئت به, وأنا ضمام بن ثعلبة, وإني رسول من ورائي من قومي".
تأمل رحمك الله: فلقد أعلن ضمام إسلامه في الحال, وأعلن على الفور بأنه سيكون داعية الإسلام في قومه؛ فلم تكن مسافة زمنية تذكر بين تعلم ضمام مبادئ الإسلام, وبين انطلاقته داعياً إلا تلك المبادئ.
لقد شعر بواجبه بداهةً, وحتى قبل أن يتلقى من النبي أمراً أو توجيهاً بضرورة العمل؛ إذ أن ذلك أمرٌ بديهي في حس المؤمن, لا يحتاج إلى تأكيده والإلحاح به.
فالشعور بضرورة العمل ووجوب البلاغ والدعوة أمر منتهي, ومسألة محسومة في حس الصحابة رضي الله عنهم.
إنك لتجد -كما في صحيح البخاري- أن رجلاً مقنعاً بالحديد جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله أسلم أو أقاتل؟ قال بل أسلم ثم قاتل، فأسلم فقاتل حتى قتل".
هذا الرجل يشعر بفطرته ويدرك بجبلته بحتمية العمل وتنتابه رغبة شديدة في الجهاد بالرغم من أن فكرة الإسلام لا زالت مجرد هاجس في ذهنه, لم تترجم بعد إلى إعلان حقيقي, مع هذا يأتي متسائلاً أيسلم أولاً, أم يقاتل أولاً؟
وأما العامل الثالث من عوامل نجاحهم: فهو إيثار ما عند الله وتقديم الآخرة على الفانية, هذا أبو خيثمة يرجع إلى أهله في يوم شديد الحر لافح السمومِ فيجد إمرأتيه في عريش لهما داخل بستان وقد رشت كل واحدة منهما عريشها, وبردت فيه ماءً, وهيأت طعاماً, فلما دخل وقف على باب العريش فنظر إلى زوجتيه ما صنَعَتا له. فقال: "رسول الله في الضح والريح والحر, و أبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء؛ ما هذا بالعدل, ما هذا بالعدل, والله لا أدخل عريشَ واحدةٍ منكما حتى التحق برسول الله صلى الله عليه وسلم". فهيأ زاداً فارتحل عليه لاحقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك.
انظر -يا رعاك الله- كيف يكون الزهد في العرض الزائل والمتاع الرخيص, إيثاراً لما عند الله؟ ماءٌ بارد وطعامٌ مهيأ وزوجة حسناء وروضة غناء, فلا يكترث لشيء منها ولا يلتفت يعبأ بها, ولكن هيئوا لي دابتي, واحزموا لي متاعي, فليس من الإنصاف أن أهنأ بالنعيم ورسول الله في الضح والحر.
أيها الأخ المبارك: ولئن عجبت من زهد أبي خيثمة وإصراره على اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك راكباً بعيره مستقلاً دابته, فأعجب منه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه, حين ركب بعيره لاحقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أيضاً, فيستعصي عليه بعيره, ويصعب عليه قياده, وينطلق ماشياً على قدميه يشق المغاور وحده, تحرقه الشمس ويلفحه السموم, وتسمه الريح, فلما هذا يا صاحب رسول الله؟
أما كان يسعك أن تتعجل عائداً إلى المدينة بعد أن فقدت الظهر, واستعصت عليك دابتك, لما كل هذا العناء؟ لما كل هذا الشقاء؟ لما كل هذا يا صاحب رسول الله؟
إنه الإيثار لما عند الله، والحماسة لهذا الدين، والإخلاص لنصرته, لذا لم يكن استعصاء بعير أبي ذر يحتاج منه إلى مراجعة حساباته؛ لينظر أينطلق إلى تبوك أم يعود إلى المدينة؟
وأمَّا العامل الرابع من عوامل نجاحهم في حمل الإسلام وإبلاغه للناس كافة فهو: شجاعة القلب ورباطة الجأش, لن نذكر خالداً وبسالته, ولا الزبير وصلابته, ولا المقداد وصولته, ولا سعداً وجولاته.
ولكن أسماء المرأة الضعيفة البنية, الكفيفة البصر, نذكر أسماء في موقفها مع الحجاج يوم قتل ابنها وصلبه على جدار الكعبة, فأرسل إليها لتأتي فامتنعت, فأرسل إليها ثانية لتأتي أو لأبعثن من يسحبك من قرونك. فقالت: "لستُ آتيةً وليبعث من يسحبني من قروني", فجاءها الفاجر بنفسه, فدخل عليها فقال كيف رأيتني صنعتُ بعبد الله- يقصد ابنها-؟ قالت: أرى أنك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك. أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أنه سيكون في ثقيف دجال ومبير, فانصرف خاسئاً وهو حسير, أما الدجال فقد عرفناه, وأما المبير فلا أخاله إلا أنت".
تقوله لمن؟ لرجل لا تعرف الرحمة طريقاً إلى قلبه ولا الشفقة سبيلاً إلى فؤاده, وبمثل هذه الشجاعة كانت كلمة الحق ترفرف في العلياء, لا يخاف قائلها في الله لومة لائم.
أيها المسلمون: وإن من أسرار نجاحهم وعوامل انتصارهم: تلك الروح الجماعية في الأداء, فقد كانوا أشبه ما يكونون بفريق عملٍ موحد, لا يجد أحدهم أدنى عضاضة بأن يعمل في أي موقع يوجه إليه, ما دام يشعر بأنه يخدم دينه وعقيدته.
استعمل أبو بكر عمرو بن العاص على صدقات قضاعة, ثم كتب إليه يستنفره إلى الشام, فقال: "إني كنت قد رددتك على العمل الذي ولاكه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك, إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك؟
فكتب إليه عمرو رضي الله عنه, إني سهم من سهام الإسلام, وأنت عبد الله الرامي بها والجامع لها, فانظر أشدها وأخشاها فارم بي فيها".
سبحانك إلهي! أي رجال هؤلاء, إن عمرواً لا يرى نفسه إلا مجرد سهمٍ في كنانة الإسلام, يرمى بالسهم أنى تكون مصلحة الإسلام, وأبلغ من موقف عمرو موقف خالد يوم كتب إليه عمر يأمره بتسليم قيادة الجيش لأبي عبيدة مع أن سيفه لا يزال يقطرُ من دماء الروم، فيسلمها أبا عبيدة بكل تواضع ويعود جندياً بين الجنود؛ بل أسداً ضمن الأسود.
فلم تكن المناصب تحرك شعرةً في رؤوسهم أو تساوي بعرة في نفوسهم, فقد تركوها يتطاحن عليها الفارغون, وطاروا إلى الجنة بمنصب خدمة الإسلام, ولُقبوا بـ (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) [الفرقان:63].
أيها المسلمون: إننا اليوم في مرحلةٍ ينبغي أن نتجاوز فيها مهزلة توزيع المسئوليات وتقسيم الواجبات على الآخرين, في مقابل الفرجة التامة والعزلة الكاملة؛ فإن ثمة أقواماً يجيدون اللوم وإلقاء التبعة على الآخرين, أما هم فقد حازوا شهادة براءةٍ وصكوك غفرانٍ؛ فلا عليهم بعد ذلك أن يقبعوا في جحورهم ويركنوا في زواياهم دون عمل شيء لخدمة الإسلام.
لقد حقق أسلافنا المعجزات وقهروا المعضلات بقوة عزائمهم وحسن توكلهم وشدة بأسهم وجماعية أدائهم, ونحن اليوم قادرون على إعادة الكرة بإذن الله, وتحقيق المعجزة بحول الله، متى تشبهنا بأولئك الأخيار واقتفينا آثارهم, والله يقول: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47].
إنك -أخي المسلم- بيدك أن تصنع الكثير لتدفع عجلة الصحوة إلى الأمام, من خلال تربية أبنائك, من خلال مناصحة جارك, من خلال دفع كتابٍ أو شريط, من خلال إيصال فكرة إلى محاضر أو خطيب, من خلال القدوة الحسنة والكلمة الطيبة, من خلال الإحسان للآخرين, من خلال تعاهد الأرامل والمساكين وتفقد اليتامى والمحتاجين, من خلال زيارة المريض وإكرام الضيف وإجابة الدعوة.
بيدك أن تصنع الكثير حتى وإن تلبست ببعض المخالفات ووقعت في بعض التجاوزات؛ فحذاري أن تستجيب لنـزغات الشيطان, وحذاري أن يخدعك بمكره الخبيث فيقول لك أنت مقصر, وأنت عاص وأنت تفعل كذا وكذا, وتترك كذا وكذا.
كلا يرحمك الله! بل أنفق من مالك في سبيل الله, وساهم في مشروعات الخير, وإن وقعت في بعض المخالفات؛ فلعل الله بصنيعك هذا يرحم قلبك, ويهديك إلى الهدى والنور, وكن دائم التضرع إلى الله بقبول العمل والتوفيق للتوبة.
يجب أن نكون جميعاً -بلا استثناء- يداً واحدة لخدمة الإسلام, ولا يحقرن أحد نفسه, ولا يلقين بالمسئولية على غيره.. ليبادر إلى إنقاذ هذه الأمة المخدرة, وهذه الإنسانية المعذبة, ما دمنا قادرين على العمل فينا روح الشباب ونخوة الكرام.
ولا تهولك -أخي الكريم- ولا تغرك أيها الحبيب صولة الباطل وجولته وكثافة الشر وكثرته فالله يقول: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُون).
نفعني الله وإياكم بهدي..
الخطبة الثانية
أما بعد:
أيها المسلمون: ذكرنا في الخطبة الأولى طرفاً من أخبار الصحابة رضي الله عنهم، وكيف أن لهم الفضل بعد الله عز وجل في إيصال نور الإسلام إلى البشرية، ثم يأتي من يطعن فيهم ويتكلم فيهم بل يكون دينه سب الصحابة رضي الله عنهم.
أيها المسلمون: إن التطاول على الصحابة رضي الله عنهم والجرأة في تنقُّصهم، سنّة الزنادقة وأهل الأهواء قديماً وحديثاً.
واللافت للنظر أن هذه الجرأة ازدادت حدّتها في الآونة الأخيرة بشكل يثير الاستغراب، تارةً باسم النقد التاريخي، وتارةً ثانية باسم البحث العلمي، وتارةً ثالثة تحت عنوان: حرية الفكر!
والجديد في هذا السياق أمران:
الأول: أن الرافضة راحوا يؤزّون بعض أهل الأهواء من العلمانيين والليبراليين وخاصة بعض أُغَيْلِمَة الصحافة لمثل هذه المرتقيات الصعبة، ويستثيرونهم لافتعال ذلك النقد المزعوم دون تحقيق علمي أو دراسة موضوعية، وصدق المولى جلَّ وعلا: (وَإخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُون).
الثاني: تطاول بعض أهل الفنِّ على الصحابة رضي الله عنهم من خلال المسلسلات التاريخية التي هدفها في الظاهر إبراز مآثر المسلمين التاريخية وفي باطنها لمزُ بعض الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم وإسقاط هيبتهم والعبث بتاريخهم!
لقد أدرك علماء الأمة منذ وقـت مبكر أن القدح فـي الصحابة رضي الله عنهم قدحٌ في النبي صلى الله عليه وسلم، وقدحٌ في دين الإسلام، ولهذا اشتدَّ نكيرهم على أولئك المتطاولين، وتواتر تحذيرهم منهم.
وها هو ذا الإمام مالك رحمه الله يقول في الذين يسبون الصحابة رضي الله عنهم: "إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه، حتى يُقال: رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين".
وقد آن الأوان أن نجتهد في الذبِّ عن الصـحابة رضي الله عنهم، ونبرز مآثرهم وسيرهم العطرة، ونقدّمهم قدوات مباركات يهتدي بها من أراد الهداية (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيم).
أيها المسلمون: إن بشائر انتصار الإسلام وانتشاره أصبحت بادية للعيان، متزايدة مع الأيام، بالرغم من كل مظاهر الإحباطات والإخفاقات وعظائم التحديات.
فقد تعهد القادر القاهر سبحانه بنصرة دينه وإعزاز أوليائه فقال عزَّ وجلَّ: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْـمُرْسَلِينَ * إنَّهُمْ لَهُمُ الْـمَنصُورُونَ * وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُون).
وهي غلبة مسنَدة إلى الله ومسنودة بقوة الله كما قال سبحانه: (كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز) ولكن حكمة الله اقتضت أن تكون نصرة الدين مرتبطة بأنصارٍ يُجري الله على أيديهم سننه ويُوفي لأجلهم عهده.
فهكذا شاء الله أن يَبتلي المؤمنين ويُبتلي بهم: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْض) والنوازل والابتلاءات التي تتوالى على الأمة في عصرنا الراهن تتطلب أن ينتدب لها جمهور أكبر من الأنصار.
فضربات الأعداء تتلاحق وخناجرهم تسفك دمنا وحناجرهم تهجو ديننا وسفهاؤهم يتطاولون على حرماتنا ومقدساتنا، ولم تعد الأمة تدري بِمَ تبدأ في التداعي للدفاع والنصرة بعد أن أصبحت كل قضايا الدين تحتاج إلى نصرة.
فعقيدتنا وشريعتنا المستباحة على ألسنة السفهاء والمعطلةُ بسبب الأعداء تحتاج إلى نصرة، ورسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي تطاول عليه أكابر المجرمين وأصاغرهم تتوجب له النصرة.
وأصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم الذين ولغ في سيرتهم الروافض المجرمون قد تعينت للدفاع عن أعراضهم النصرة، وأهلونا المستضعفون في الأرض المستباحون في الروح والدم والعرض في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير والصومال وغيرها هؤلاء يفتقرون إلى المزيد من النصرة.
وإخواننا المجاهدون الذائدون عن الحرمات والمرابطون على الثغور قد أوجبوا باستنصارهم في الدين الكثير من النصرة.
إن كل هذه القضايا المستوجبة للنصرة أصبحت تحتاج من الأمة أن يهب منها الأخيار ليكوِّنوا جيلاً جديداً من الأنصار.
اللهمَّ إنَّا نسألُك إيماناً يُباشرُ قلوبنا، ويقيناً صادقاً، وتوبةً قبلَ الموتِ، وراحةً بعد الموت، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ, والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة ولا فتنةً مضلة.
اللهمَّ زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدين, لا ضاليَن ولا مُضلين, بالمعروف آمرين, وعن المنكر ناهين يا ربَّ العالمين.
ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه إمام المتقين وقائد الغرِّ المحجلين وعلى آلهِ وصحابته أجمعين. وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي.
اللهمَّ آمنا في الأوطانِ والدُور، وأصلحِ الأئمةَ وولاةِ الأمورِ, يا عزيزُ يا غفور سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
التعليقات