عناصر الخطبة
1/من فضائل نعم الله على بلاد الحرمين الشريفين 2/مواعظ وعبر من الزلازل والكوارث 3/دعم بلاد الحرمين الشريفين للمنكوبين والمصابيناقتباس
إننا في هذه البلاد المباركة؛ المملكة العربيَّة السعوديَّة مع إخواننا في كل الظروف والأحوال، نشاركهم في مشاعرهم، في أفراحهم وأحزانهم وأتراحهم، ولقد تألَّمْنا كثيرًا لأحداث الزلزال والفيضان الذين أصابَا المملكةَ المغربيةَ، ودولةَ ليبيا الشقيقتين...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وعلمنا الحكمة والقرآن، لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، أستزيده حمدًا على نِعَمِه، وأسأله المزيدَ من كرمه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فاتقوا الله -أيها المؤمنون- حقَّ تقواه، وداوِمُوا على تقواه إلى الممات، وإنَّ ممَّا يُعِينُ على التقوى الاجتماع والاعتصام بدين الله -تبارك وتعالى-؛ فإنَّ من أعظم غايات الشريعة الإسلاميَّة الباسقة اجتماع الكلمة، وأُلفة القلوب بين المسلمين؛ فبهما تتحقق مصالحُ الدين والدنيا، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 103].
ونحمد الله -عز وجل- على ما منَّ على هذه البلاد المباركة؛ المملكة العربيَّة السعوديَّة من نِعَم كثيرة، أعظمُها وأجلُّها نعمة التوحيد والإيمان، وكذلك نعمة اجتماع الكلمة ووحدة الصف، التي ما تمَّت إلا بتلاقي القلوب على هَدْي الكتاب والسُّنَّة، على يد جلالة الملك المؤسِّس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله-، الذي أيَّدَه اللهُ ونصرَه ومكَّنَه في أرضه، فوحَّد أطرافَ المملكة العربيَّة السعوديَّة، وجمَع شتاتها، سائرًا على شريعة نبي الرحمة نبينا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا-، فجعل القرآنَ دليلَه، والسنةَ سبيلَه، فأصبح الناس في هذه البلاد، بعد أن كانوا قُوًى متفرقةً في نفوس متناثرة أصبحوا إخوةً متآلفينَ، يتناصرون ويتناصحون، وسار أبناؤه الملوك البررة من بعده على طريقته، إلى هذا العهد الزاهر، عهد القوي الأمين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله-، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، فانتشر الأمن والرخاء، والاستقرار والازدهار، وستبقى هذه البلادُ -بإذن الله-تعالى- جامعة بين الأصالة والمعاصرة على نهج الكتاب والسُّنَّة، متطلعة إلى مستقبل أكثر ازدهارا يتباهى بها بين الأمم؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[النِّسَاءِ: 59]، وفي الحديث المتفق على صحته، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي".
ومِنَ النعم العظيمة على هذه البلاد المبارَكة خدمة الحرمين الشريفين؛ حيث يَشرُف أهلُ هذه البلادِ، وعلى رأسهم ولاةُ أمرِهم بتقديمِ كلِّ ما تتطلبُه عمارةُ الحرمين الشريفين ماديًّا ومعنويًّا؛ حيث يؤدِّي زُوَّار بيت الله الحرام ومسجد رسوله -صلى الله عليه وسلم- شعائرَهم في طمأنينة وراحة وصفاءِ نفسٍ، يقصدُهما الناسُ من كل مكان؛ امتثالًا لقوله -تعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[الْحَجِّ: 26].
ومِنْ نِعَم اللهِ العظيمةِ أيضًا علينا في المملكة العربيَّة السعوديَّة ما منَّ اللهُ -عز وجل- به علينا من البيعة الشرعيَّة لولاة الأمر على الكتاب والسُّنَّة، وانتقال الحُكم بين ملوك هذه البلاد بكلِّ ثقةٍ وطمأنينةٍ ووحدةِ صفٍّ، واجتماعِ كلمةٍ؛ مما يسرُّ الصديقَ ويَغِيظ العدوَّ.
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واشكروا نعمَه، واحذروا نقمَه، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آلِ عِمْرَانَ: 103]، والزموا كتابَ ربِّكم، وتمسَّكوا بسُنَّة نبيِّكم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا-، وأطيعوا ذا أمركم بالمعروف تُوَفَّقُوا وتُسَدَّدُوا وتُنصَرُوا.
اللهمَّ لكَ الحمدُ، ولكَ الشكرُ، كَبَتَّ عدوَّنا، وبسطتَ رزقَنا، وجمعتَ فُرقَتَنا، ووحدتَ صفوفنا خلف قائدنا وإمامنا، اللهمَّ زدنا من فضلك وإحسانك وجودك وكرمك واغفر لنا ولجميع المسلمين، إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد للهِ ربِّ العالمينَ، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون، الحمد لله في السراء والضراء، وأشهد ألا إله إلَّا الله وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبيبنا محمدًا عبده ورسوله، وعلى آله وأصحابه ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وخذوا من دنياكم متاعا وزادا لآخرتكم، وتعرضوا لنفحات ربكم، والتمسوا أسباب النجاة.
عبادَ اللهِ: قال الله -تبارك وتعالى-: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)[الْأَنْعَامِ: 43]؛ أي: هلَّا تضرعوا؛ فحثَّ اللهُ عبادَه إذا حلَّت بهم المصائبُ من الأمراض والزلازل والريح العاصفة، أن يتضرَّعوا إليه، ويفتقروا إليه، فيسألوه العونَ، وقد ثبَت عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: أنَّه لَمَّا وقَع الزلزالُ، كتَب إلى عُمَّالِه في البُلدان أن يأمروا المسلمينَ بالتوبة والضراعة والاستغفار.
وهذه الكوارث والآيات نُذُرٌ تُظهِر ضَعفَ البشر، لا يستطيعون ردَّها ولا هم يُنصَرون، ولا هم يُنظَرون؛ لعلهم يَحذَرُون، لعلهم يتقون، لعلهم يتذكرون، لعلهم يرجعون، لعلهم ينتهون.
عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه-، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ كَمَا يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا فِي الرَّأْسِ"(رواه أحمد).
وإننا في هذه البلاد المباركة؛ المملكة العربيَّة السعوديَّة مع إخواننا في كل الظروف والأحوال، نشاركهم في مشاعرهم، في أفراحهم وأحزانهم وأتراحهم، ولقد تألَّمْنا كثيرًا لأحداث الزلزال والفيضان الذين أصابَا المملكةَ المغربيةَ، ودولةَ ليبيا الشقيقتين، فأحدَثَا نقصًا في الأموال والأنفس والثمرات، وشأنُ المؤمنِ عندَ الابتلاءِ الصبرُ والاحتسابُ والتسليمُ؛ لينال بشارةَ الله -سبحانه وتعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[الْبَقَرَةِ: 155-157]، فخالصُ العزاءِ، وصادقُ الدعاءِ والمواساةِ، لأهلنا في المغرب وليبيا.
ولقد وجَّه خادمُ الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسموُّ ولي عهده الأمين، ورئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز -نصرهما الله- لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانيَّة بتسيير جسر جويّ لتقديم المساعَدات الإغاثية المتنوِّعة للشعبين المغربي والليبي الشقيقين، تضامنًا واستشعارًا للأخوة الإسلاميَّة، ولتخفيف معاناتهم، يأتي ذلك امتدادًا لدعم المملكة العربيَّة السعوديَّة المتواصل للدول الشقيقة والصديقة خلالَ مختلف الأزمات والمحن التي تمر بها، فجزاهما الله عَنَّا وعن الإسلام والمسلمين خيرًا، وخيرُ ما نقول، ما قاله عباد الله الصالحون: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم).
اللهُمَّ ارحم ضَعْف إخواننا في المملكة المغربيَّة وفي ليبيا أمام قدرتك، وارحم حاجتهم إليك، وانكسارهم بين يديك، اللهُمَّ هيئ لهم من أمرهم رشدًا، وارزقنا وإياهم والمسلمين توبةً نصوحًا، ورجوعًا إليك صادقًا، اللهمَّ واغفر لموتى الزلزال، وآنس وحشتهم، وتغمدهم برحمتك، وأسكنهم فسيح جناتك، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، وافتح لهم أبوابًا إلى الجنة والنعيم، اللهُمَّ اشف الجرحى والمصابين بشفائك العاجل، وخفف مصابهم وآلامهم، اللهُمَّ اربط على قلوب أهلهم وذويهم، واكفل الصغير، واحفظ الكبير، رب مسهم الضر وأنت أرحم الراحمين، أيها الرحمن الرحيم، مسهم الضر وأنت أرحم الراحمين، اللهُمَّ ارحم رحمة تغنيهم بها عن رحمة من سواك، يا الله.
عبادَ اللهِ: إن الله -تبارك وتعالى- أمرَنا بالصلاة والسلام على رسوله فقال قولًا كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارضَ الله عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، الذين قَضَوْا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة أجمعينَ، وأهل بيته الطاهرين، وعن التابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارضَ عَنَّا معهم بمنكَ وإحسانك يا أرحم الراحمينَ.
اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الشركَ والمشركينَ، اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنا، وأيِّدْ بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهمَّ وفِّقْه لهُداكَ، واجعل عملَه في رضاكَ، اللهمَّ وفِّقْه ووليَّ عهده لما تحب وترضى، وخُذْ بناصيتهما للبر والتقوى، اللهمَّ وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين، للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهمَّ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراء إليكَ، أنزِلْ علينا الغيثَ ولا تجعَلْنا من القانطينَ، اللهمَّ اسقِنا وأغِثْنا، اللهمَّ إنَّا نستغفركَ إنَّكَ كنتَ غفَّارًا، فأرسِلِ السماءَ علينا مدرارًا.
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يَزِدْكُمْ، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.
التعليقات