عناصر الخطبة
1/من نعم الله العظيمة إكمال الدين 2/نعمة الأمن وأهميتها 3/عظم نعمة الوحدة والاجتماع 4/واجباتنا للحفاظ على هذه النعماقتباس
من أعظمِ الواجباتِ تربيةَ أجيالِنا على الحِفاظَ على أمانِ ونماءِ بلادِنا، بحراسةِ حدودِها ووَحدتِها وتوحيدِها، وألا تتنازعَنا الأهواءُ، ولا تتوازَعَنا الأحزابُ، ولنحدثهُم عن الجوعِ والخوفِ والجهلِ والمرضِ الذي أصابَ أجدادَنا قبلَ توحيدِ المملكةِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا بِكِتَابِهِ إلَى سُبُلِ الْهُدَى وَمَنَاهِجِ الصَّوَابِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الْأَرْبَابِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْحِكْمَةِ وَفَصْلِ الْخِطَابِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّم عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ الْمَآبِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْمَلَ لَنَا دِينَنَا، وَأَتَمَّ عَلَيْنَا نِعْمَتَهُ، وَرَضِيَ لَنَا الْإِسْلَامَ دِينًا، وَأَمَرَنَا بأَمْرٍ فَصْلٍ فَقَالَ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام: 153]، وقالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ"(رواهُ أحمدُ).
نعم، صراطُ اللهِ هو شرعُ اللهِ، والبيضاءُ هيَ التوحيدُ فلا شركَ، وهي السنةُ فلا بدعةَ، فهل تحمدُ اللهَ وتدعوهُ أن يثبِتَكَ على اثنتينِ جليلتينِ: أنْ كنتَ مسلماً، وأنْ كنتَ سُنِّياً لا مبتدِعاً؟ ولذا دعا أبوُنا إبراهيمُ -عليهِ السلامُ-: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)[إبراهيم: 35]، فتأملْ كيفَ قرنَ استتبابَ الأمنِ باستقرارِ التوحيدِ؟! فإن إِبْرَاهِيمَ حينما جاءَ قبلَ بناءِ الكعبةِ دعا وقالَ: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا)[البقرة: 126]، فلما بَناها، وصارَ حولَها بلدٌ تَهوِي إليهِ أفئدةُ الناسِ دعا مرةً أخرَى فقالَ: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا)[إبراهيم: 35]، أرأيتمْ كيفَ أن الأمنَ ضرورةٌ قبلَ البناءِ، وضرورةٌ بعدَ البناءِ؟!.
وإنَّ بقاعَنا هذه بقاعٌ مَصونةٌ، أليستْ مُتنزلَ القرآنِ، ومأرِزَ الإيمان،ِ ومهدَ البطولاتِ، وهَبَّةَ الغُيوثاتِ؟ إنها حَرَمُ الإسلامِ، وللحَرَمِ حُرماتُهُ التي لا تُنتهكُ، ولن تكونَ دارَ كفرٍ أبدًا، "وجديرٌ بمواطنَ عُمِرَتْ بالوحيِ والتنزيلِ، وترددَ بها جبريلُ وميكائيلُ، وعَرَجَتْ منها الملائكةُ والروحُ، وضَجتْ عرصاتُها بالتقديسِ والتسبيحِ، واشتملتْ تربتُها على جسدِ سيدِ البشرِ، وانتشرَ عنها دينُ اللهِ وسنةُ رسولهِ؛ جديرٌ بها أن تُعَظَّمَ عرصاتُها، وتُتَنسمَ نفحاتُها"(بتصرف واختصار من: الشفا بتعريف حقوق المصطفى).
وإن اللهَ تفضل علينا بولاةِ أمرٍ يَحكمونَ بالشرعِ، وبعلماءَ يُحْيُونَ السُنةَ؛ فصِرْنَا -بحمدِ اللهِ- ندخلُ مساجدَنا ومقابرَنا، فلا نرَى علائمَ شركيةٍ أو بدعيةٍ: (مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)[يوسف: 38]، فاللهم احفظْنا بالتوحيدِ والسنةِ، واجنُبْنا وبَنِيْنا أن نعبدَ الأصنامَ.
أيُها المسلمونَ: إن مِن جليلِ نعمِ اللهِ علينا أننا نعيشُ في وطنِ الإخاءِ والرخاءِ والسخاءِ؛ (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[القصص: 57]، وإذا رأينَا هذه المظاهراتِ والانقلاباتِ، والهرجَ والقتلَ والتخطُفاتِ؛ فلنذْكرْ قولَ ربِنا: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)[العنكبوت: 67].
نَعَمْ، ومن النعمِ أننا بمملكتِنا -بحمدِ اللهِ- جماعةٌ واحدةٌ، جماعةُ المسلمينَ تحتَ عَلَمِ التوحيدِ، لا تتوَازَعُهم الفِرَقُ والتفرقاتُ، ولا تتنازَعُهم الأحزابُ والجماعاتُ، يَدينونَ بالبيعةِ والطاعةِ لإمامِهم ووليِ عهدِه إقراراً، ويبذلونَ الدعاءَ لهم سرًا وجهارًا.
أيُها المؤمنونَ المتآخونَ: لنشكر ربنا أن أنعمَ اللهُ على بلادِنا بهذهِ اللحمةِ الوطنيةِ المتماسكةِ، وعافانا اللهُ من فتنةِ؛ (الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)[الروم: 32]، ولنحافظْ على هذا الاجتماعِ من التصدعِ والتفرقِ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على نعمةِ التوحيدِ والسنةِ ببلدِ التوحيدِ والسنةِ، والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ نذيرًا وبشيرًا بالجنةِ.
أما بعدُ: فإن من أعظمِ الواجباتِ تربيةَ أجيالِنا على الحِفاظَ على أمانِ ونماءِ بلادِنا، بحراسةِ حدودِها ووَحدتِها وتوحيدِها، وألا تتنازعَنا الأهواءُ، ولا تتوازَعَنا الأحزابُ، ولنحدثهُم عن الجوعِ والخوفِ والجهلِ والمرضِ الذي أصابَ أجدادَنا قبلَ توحيدِ المملكةِ على يدِ مؤسسِها -رحمهُ اللهُ-.
ولنربِّ أجيالَنا على الثوابِتِ ومكارمِ الأخلاقِ الجليلةِ، والعقيدةِ الراسخةِ، ولنؤكدْ لهم: أن مِن منهجِ أهلِ السنةِ وعقيدتِهِم: أنهم يَدِينونَ بالسمعِ والطاعةِ والبيعةِ لولاةِ أمرِهِم، ويَدْعونَ لهم بالتسديدِ والتوفيقِ، ويعتقدونَ أن تحقيقَ التوحيدِ وتحكيمَ الشرعِ سببٌ للاستخلافِ والتمكينِ ودوامِ الأمنِ؛ (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 55].
ألا فلْتَبقَ بلادُنا المصونةُ حصنًا منيعًا، وجبلاً أشمَّ مُنيفًا، تتحطمُ دونَه كلُ العادياتِ، ولْتَسلمْ مملكتُنا مَنارًا ودارًا وذِمارًا.
فاللهم يا من حَفِظتَ بلادَنا طيلةَ هذهِ القرونِ، وكفيتَها شرَ العادياتِ الكثيراتِ المدبَّراتِ الماكراتِ: اللهم فأدِمْ بفضلِكَ ورحمتِكَ حِفْظَها من كل سوءٍ ومكروهٍ، وأدِمْ عليها نعمةَ الأمن والنماءِ، وإقامةِ التوحيدِ وإحياءِ السُنةِ الغراءِ، ونبذِ التفرقِ والشحناءِ، وعُم أوطانَ المسلمينَ بالسلامِ وبالخيراتِ، وطهِّرْها من البِدعياتِ والشِركياتِ، اللهم واحفظ علينا دينَنا، وأعراضَنا ومقدساتِنا وجنودَنا وحدودَنا، اللهم وبارِك في عمرِ وليِّ أمرِنا ووليِ عهدِه، وزدهم عزًا وبذلاً لنصرةِ الإسلامِ، واجزِهم خيرًا على خدمةِ الحرمين والمسلمينَ وراحةِ رعيتِهم.
اللهم طهرِ المسجدَ الأقصَى وجنباتِهِ من رجسِ يهودَ، وافرُجْ كَرْبَ أهلِ غزةَ، ربَنا لا تجعلْنا فتنةً للقومِ الظالمينَ، وأصلحْ أحوالَنا وأحوالَ المسلمينَ، اللهم باركْ في أرزاقِنا واقضِ ديونَنا، وباركْ في أهلِينا ومَن يلِينا، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ.
اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
التعليقات