عناصر الخطبة
1/ القتل بغير حق من أعظم الذنوب والمعاصي 2/ شناعة القتل الصادر عن عقيدة فاسدة 3/ ابتلاء الأمة بمنهج الخوارج وفكر الخوارج 4/ سبل الخوارج في اصطياد الشباب 5/ خطورة تكفير المسلمين بغير حق واستحلال دمائهم 6/ قتلُ أهل التوحيد من أسباب دخول النار 7/ إسقاط العلماء من أعمدة منهج الخوارج 8/ مخاطر الاجتهاد في التعبد مع فساد العقيدة 9/ وصايا للآباء والأمهات.اهداف الخطبة
اقتباس
الخوارج أشد الناس حرصاً على إسقاط علماء السنة وتشويه سمعتهم؛ حتى لا يأخذ الناس عنهم ولاسيما الشباب، فتجدهم يشنّون حملات لا تتوقف على العلماء برميهم بالمداهنة والعمالة والخيانة والجهل بواقع الأمة ونحو ذلك من الأوصاف والتهم المنفرة عنهم. ولهذا يستولون على عقل الشاب فتجده يقتل أنفساً معصومة بناء على فتوى من شخص مجهول لا يدري من هو وجدها في تويتر أو غيره في الوقت الذي يرمي فيه فتاوى العلماء الربانيين التي تنهاه عن مثل هذا الإجرام تحت قدميه لا يبالي بها ولا يلتفت إليها..
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فإن القتل بغير حق من أعظم الذنوب والمعاصي حتى قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من قتل معاهداً لم يَرِح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً" (رواه البخاري).
وهذا الوعيد في حق من قتل نفساً بغير حق سواء لعداوة أو خصومة أو بقصد السرقة أو لغير ذلك من الأسباب، أما إذا كان القتل صادراً عن عقيدة فاسدة، أي: عن اعتقاد كفر المسلم بغير مكفّر شرعي، واستحلال دمه أو استحلال دم المعاهد بغير دليل شرعي كان القتل أشد وأعظم جرماً؛ لأن هذا هو دين الخوارج وهم شرار الخلق وكلاب النار يوم القيامة، وقد توعدهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما لم يتوعد به فرقة أخرى والعياذ بالله.
عباد الله:
إن أمتنا ابتُليت بعقيدة الخوارج ومنهج الخوارج وفكر الخوارج من عهد مبكر؛ فقد بدءوا بسفك دم عثمان ثم عليّ، ثم جمع من الصحابة -رضي الله عنهم-، ثم استمر بلاؤهم وشرهم إلى عصرنا هذا. بل إنه في عصرنا هذا لمّا غلب الجهل واشتد سلطان الهوى وتيسرت سبل التواصل بين الناس اتصالاً حسياً ومعنويا فشا الاغترار بهم والتأثر بشبهاتهم.
أيها الإخوة: إن الخوارج يتصيدون الناس بطرق شتى، ومنها على سبيل المثال:
خداع طائفة من الناس بالشعارات الإسلامية البرّاقة؛ من خلال أسماء تنظيماتهم: كتنظيم قاعدة الجهاد، وتنظيم الدولة الإسلامية، وتنظيم جبهة النصرة، ونحوها من الأسماء، فالجهاد ودولة الإسلام ونصرة دين الله كلها معاني سامية لها تأثير على عواطف من يقف عند الشعار الخارجي، لكنه لا يبحث ولا يمحّص ولا يختبر ما وراء هذه الشعارات من الحقائق والتي يمكن اختصارها في: تكفير المسلمين بغير حق واستحلال دمائهم بغير حق، والدعوة إلى الخروج على ولاة الأمور، وتسليط بأسهم على أهل التوحيد والسنة وكفّ بأسهم عن دول معينة كدولة الرافضة ودولة اليهود.
ومن طرقهم: إثارة جلب تعاطف الناس؛ من خلال إظهارهم الحرص على حقوق الرعية المهضومة المستلبة لذا يكثر حديثهم عن شئون المال وتوزيع الثروة ونحو ذلك. وإمامُهم في هذا هو رأس الخوارج ذو الخويصرة فإن أول اعتراضه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان بشأن سياسته المالية في توزيع غنائم حنين وغيرها.
وهم لا يهمهم الإصلاح ولا أحوال الناس، ولكن يهمهم إثارة ضغائنهم وأحقادهم على ولاة الأمور حتى تشتعل نار الفتن بين الشعوب وحكامها. وإلا فمن أراد الإصلاح فعليه أن يسلك سبيل إمام المصلحين محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث أمر الرعية بالصبر على جور الحكام، وأمر ببذل النصح لهم على وجه السرية حتى لا تكون تلك النصيحة سبباً للفتن.
ومن طرقهم في خداع الشباب: تسميتهم ما يقومون به من الانتحار والفتن والاغتيالات والذبح والحرق جهاداً في سبيل الله، وأن الانضمام إليهم يعني ضمان الشهادة والجنة والحور العين.
فيستجلبون الشباب ولاسيما العصاة منهم بمثل هذا الطرح يقولون له ذهب شبابك وأنت في ترك صلاة وفعل فواحش وغفلة عن الله فَهَلُمّ إلى أقرب طريق إلى الجنة إلى عملية استشهادية؛ فإنك بضغطة زر وخلال لحظة واحدة وإذا بك تشرب الخمور وتضاجع الحور. وتتقلب في أنهار الجنة كيف تشاء.
فيصدقهم بعض الشباب فيشترون الجنة بما جعله الله من أسباب الحرمان من الجنة واستحقاق النار؛ وذلك أنهم يبتدعون في دين الله بسلوك مسلك الخوارج. والبدعةُ من أسباب دخول النار كما في الحديث "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".
ويقتلون أنفسهم. وقتلُ النفس من أسباب دخول النار كما قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [النساء: 29- 30].
ويقتلون المسلمين المصلين. وقتلُ أهل التوحيد من أسباب دخول النار كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إني نُهيت عن قتل المصلين"
ويقتلون الناس غدراً كقتلهم لرجال الأمن وغيرهم. والقتلُ غدرا من أسباب دخول النار كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "الإيمان قَيْدُ الفَتْك؛ لا يَفتكُ مؤمن" أي: لا يقتل غدرا وغيلة.
وينزعون أيديهم من طاعة ولاة أمورهم. وشق العصا ونزع البيعة من أسباب دخول النار كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ".
عباد الله:
إنه لما كان العلم الشرعي هو ما يكشف -بعد توفيق الله- باطل أقوالهم وأفعالهم ؛كان الخوارج أشد الناس حرصاً على إسقاط علماء السنة وتشويه سمعتهم حتى لا يأخذ الناس عنهم ولاسيما الشباب، فتجدهم يشنّون حملات لا تتوقف على العلماء برميهم بالمداهنة والعمالة والخيانة والجهل بواقع الأمة ونحو ذلك من الأوصاف والتهم المنفرة عنهم. ولهذا يستولون على عقل الشاب فتجده يقتل أنفساً معصومة بناء على فتوى من شخص مجهول لا يدري من هو وجدها في تويتر أو غيره في الوقت الذي يرمي فيه فتاوى العلماء الربانيين التي تنهاه عن مثل هذا الإجرام تحت قدميه لا يبالي بها ولا يلتفت إليها.
فعلى شبابنا الحذرَ كلَّ الحذر من هذه التنظيمات الخارجية التكفيرية لا تغتروا بأسمائها ولا بطرحها ولا برموزها فإنهم رؤوس بدعة وضلالة وجهالة، ولا تغتروا بمن يزكيها أو يدافع عنها، سواء صدرت هذه التزكية من داعية أو واعظ أو معلم أو غير ذلك فتزكية الباطل لا تجعله حقاً. وتزكية المبتدع لا تجعله سلفياً ما دام واقعه يكذب تلك التزكية.
نعوذ بالله من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فإن حوادث الاغتيالات لبعض الأهل والأقارب الملبّسة بلباس الدين والجهاد والشرع التي حدثت في الأوقات القريبة الماضية تستوجب منا جميعاً أخذ الحيطة والحذر تجاه أبنائنا وبناتنا ولاسيما في أمرين: أمرِ أصحابهم، وأمرِ المواقع التي يدخلونها في الإنترنت.
فإن الصاحب لا يكفي أن يكون ظاهره الاستقامة حتى تطمئن إليه؛ لأن الاستقامة استقامتان؛ استقامة في ترك الشهوات بحيث يعفي لحيته ويرفع ثوبه عن كعبه ويحافظ على صلاته ونحو ذلك من المظاهر المعلومة.
واستقامة أهم منها وهي الاستقامة على عقيدة السلف الصالح واجتناب البدع والشبهات. فإذا كان الصاحب مصلياً صائماً تالياً لكنه خارجي العقيدة فلا خير فيه، أو كانت الفتاة مصلية صائمة محتشمة ولكنها خارجية تكفيرية فلا خير فيها؛ فهما أخطر على ابنك وابنتك من أصحاب الفواحش مع سلامة عقيدتهم.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- وصف الخوارج بأنهم أهل صلاة عظيمة وأهل صيام عظيم وأهل تلاوة وقرآن، ومع ذلك قال عنهم: "شرار الخلق والخليقة"، وقال عنهم بأنهم: "كلاب النار"، وقال عنهم أنه لو أدركهم لقتلهم. فهذا يدلنا أن الاجتهاد في التعبد مع فساد العقيدة لا ينفع بشيء والعياذ بالله.
ومن فقه السلف ما تضمنته هذه الحكاية فقد جاء رجل، إلى يونس بن عبيد - أحد أئمة السلف الصالح- فقال: يا أبا عبد الله، تنهانا عن مجالسة عمرو - يعني ابن عبيد المعتزلي الضال- وقد دخل عليه ابنك، قال: ابني؟ قال: نعم، فتغيظ الشيخ، قال: فلم أبرح حتى جاء ابنه، فقال: يا بني، قد عرفت رأيي في عمرو، ثم تدخل عليه؟، قال: كان معي فلان، قال: فجعل يعتذر، فقال يونس: "أنهاك عن الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، ولأن تلقى الله -عز وجل- بهن أحب إليَّ من أن تلقاه برأي عمرو وأصحاب عمرو". اهـ.
فهذا الموقف من يونس -رحمه الله- ليس من باب التهوين من الفواحش والمعاصي. لا. بل كلها بلاء وشر ولكن المقصود بيان خطر البدعة وأنها أشر وأشد من المعصية. فيجب الحذرُ منها حذراً أشدَّ وآكد من الحذر من المعصية.
وإن بعض الآباء يحرص أشد الحرص أن لا يدخل أبناؤه أو بناته على المواقع المخلة بالآداب والأخلاق، وهذا واجب يشكرون عليه لكنهم لا يبالون بدخول أبنائهم وبناتهم على مواقع البدع والمبتدعة، ولا يفكرون في ذلك أصلاً، وهذا من الجهل ونقص البصيرة وعدم الإحساس والمبالاة بعظم شأن البدعة وشدة خطرها في الدنيا والآخرة.
فاعتنوا بأبنائكم وربوهم على طاعة الله وطاعة رسوله وعلى توقير ولاة الأمور واحترامهم والدعاء لهم، وإياكم أن يسمعوا منكم القدح والطعن والانتقاد لولاة الأمور، فبعض الآباء يكثر في مجالسه من تشويه صورة الدولة، وإذا انتمى ولده لداعش استغرب وتعجب وهذا من العجائب والغرائب.
حثوا أبناءكم وبناتكم وشجعوهم على الرجوع إلى كبار العلماء كأمثال سماحة المفتي والعلامة صالح الفوزان -حفظهم الله-، وإلى فتاوى اللجنة الدائمة وبيانات هيئة كبار العلماء والإرث المبارك للشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني -رحمهم الله- وأمثالهم من علماء السنة فتراثهم موجود والوصول إليه سهل ميسر والحمد لله.
ربوا أبناءكم وبناتكم على شكر نعمة الله عليهم أن هداهم للإسلام والسنة والتوحيد ومنّ عليهم بالاجتماع والأمان والرخاء وحفظهم من الفتن التي أهلكت غيرهم.
ربوهم وفهموهم ووضحوا لهم أن هذه النعم مرهونة البقاء بشكر الله عليها بالاستقامة على كتابه وسنة نبيه وعقيدة السلف الصالح، فمتى ما غيّروا وبدّلوا، فإن الله سريع العقاب شديد البطش والانتقام. ليس بيننا وبينه سبب ولا نسب إلا بطاعته.
اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبحلمك من غضبك.
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين..
التعليقات