عناصر الخطبة
1/العلم هو الشرف الرفيع 2/نصائح وإرشادات للطلاب 3/خطورة استخدام الجوال أثناء القيادة 4/إجلال المعلم واجباقتباس
وإياكَ وكلَّ مزاح يورِث الضغينةَ أو يُسقط الهيبةَ، وليست العزة في حُسْن البزة، ولكنها في العِلْم والأدب والدِّين، واللسان وزير الإنسان، فإن لم تجد قولا سديدا تقوله، فصمتُكَ عن غير السداد سدادُ، ولا تكن ممَّن يعيب ويعاب، ويُكثر السبابَ، ويطعُن في الأصحاب، ولا تُبد من العيوب ما ستَرَه علَّامُ الغيوب...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أنار لنا بالعلم من بين الشُّبُهات ما أظلَم، ومَنَّ علينا وعلَّمَنا ما لم نكن نعلم، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةً نبلُغ بها دارَ السلام، وأشهدُ أنَّ نبِيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، فضائلُه أشرفُ من غمام، ودلائله أوقرُ من شمام، وشمائله أنوَرُ من بدر التمام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه مقتبِسِي أنواره، وملتمِسِي آثارِه، صلاةً دائمةً ما أشرقت بالبدر الخضراءُ، وتزيَّنت بالقطرِ الغبراءُ.
أما بعدُ فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فالتقوى صلاح القلوب، ومنار الدروب، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
أيها المسلمون: السعي إلى المعاني والمكارم دأبُ المثابرينَ وعادةُ المُجِدِّين، والعلم هو الشرف الرفيع الذي يوقَّر طالِبُه، ويُجَلُّ في العيون صاحِبُه، ومن أحبَّ العلمَ أحاطت به فضائِلُه، وحلَّت بساحته محاسِنُه، قال المزيني: "سمعتُ الشافعيَّ -رضي الله عنه- يقول: مَنْ تعلَّم القرآنَ عظُمَت قيمتُه، ومن نظَر في الفقه نَبُلَ مقدارُه، ومن كتَب الحديث قويت حجتُه، ومن نظر في اللغة رقَّ طبعه، ومن نظَر في الحساب جزُل رأيُه، ومن لم يصُن نفسَه لم ينفعه عِلْمُه".
بِقُوَّةِ الْعِلْمِ تَقْوَى شَوْكَةُ الأُمَمِ *** فَالْحُكْمُ فِي الدَّهْرِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَلَمِ
كَمْ بَيْنَ مَا تَلْفِظُ الأَسْيَافُ مِنْ عَلَقٍ *** وَبَيْنَ مَا تَنْفُثُ الأَقْلامُ مِنْ حِكَمِ
لَوْ أَنْصَفَ النَّاسُ كَانَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمُ *** بِقَطْرَةٍ مِنْ مِدَادٍ لا بِسَفْكِ دَمِ
فَاعْكِفْ عَلَى الْعِلْمِ تَبْلُغْ شَأْوَ مَنْزِلَةٍ *** فِي الْفَضْلِ مَحْفُوفَةٍ بِالْعِزِّ وَالْكَرَمِ
العلم في الفتنة يحرصك، وفي الوحشة يؤنسك، وعلى أَسِرَّة العز يُجْلِسُكَ.
أيها المسلمون: لقد أطلَّت السَّنَةُ الدراسيةُ الجديدةُ، وقريبا تَفتح المدارسُ والجامعاتُ أبوابَها، وتستقبل بالحُبِّ والترحيبِ طُلَّابَها، وتلك بعض الوصايا للطلبة والطالبات بهذه المناسبة الجليلة.
أيها الطلاب: عودوا إلى مقاعد العلم بالرغبة والانشراح والانبساط، والعزيمة والجِدِّ، وترفَّعُوا عن خمول الضِّعَة، ومهانة النقص والتفريط والكسل
الجَدُّ في الجِدِّ والحرمانُ في الكسل *** فانصب تُصِبْ عن قريبٍ غايةَ الأملِ
إن الفتى مَنْ بماضي الحزم متَّصِفٌ *** وما تعوَّد نقص القول والعمل
مَنْ ضيَّع الحزمَ لم يظفر بحاجته *** وَمَنْ رمَى بسهام العُجْب لم يَنَلِ
قد يُدرك الحازمُ ذو الرأي الْمُنَى *** بطاعةِ الحزمِ وعصيانِ الهوى
أيها الطلبة: بَاكِرُوا وبادِرُوا إلى الحضور إلى المقاعد الدراسية، وإيَّاكم والتأخرَ والتقهقرَ، فإن التبكيرَ بركةٌ ورزقٌ ونجاحٌ وتوفيقٌ، روى الترمذيُّ عن صخر الغامدي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم بارِكْ لأمتي في بكورها"، قال: وكان إذا بعَث سريةً أو جيشًا بعثَهُم أولَ النهارِ، وكان صخرٌ رَجُلًا تاجرا، وكان إذا بعَث تجارةً بعثهم أول النهار، فأثرى وكَثُرَ مالُه، ولا تتحقق بركة اليوم إلا بإدراك صلاة الفجر، فإن صلاة الفجر نسيم اليوم وربيعه، وتصبَّحُوا وتحصَّنُوا بالأذكار والأوراد النبوية، التي تُضفي على الروح أُنْسًا، وعلى القلب فرحا، وعلى البدن قوةً ونشاطًا، وحِرْزًا وحفظا، ومن أعطى نفسَه حظَّها من الدَّعة والخمول، واعتاد التأخرَ والنومَ عن وظيفته، ومدرسته وحصته الدراسية فقد ضاع هدفُه وعَظُم أسفُه، ومَنْ لَزِمَ الرقادَ عدم المراد، ومن نام كسلُه خاب أملُه، والمهمل الكسول يعيش شقيًّا، ويبقى مقصيًّا، ومن صبر ظفر، وبالصبر تُفتح المغاليقُ، وينزل التوفيقُ، ونوم الصبحة؛ أي النوم بعد صلاة الفجر مباح، إلا إذا أدَّى إلى تضييع واجب، ونوم القيلولة وهو نوم الظهيرة مستحبٌّ؛ لحديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قِيلُوا فإنَّ الشياطينَ لا تَقِيلُ"(أخرجه أبو نعيم)، ولأن القيلولة تعيد شحن نشاط الدماغ والبدن، وتعين على المذاكرة وأداء ما وجَب بهمة وقوة ونشاط، واحذروا السهرَ؛ فإنه جهد وثُكْل وآفة، يُفسد المزاجَ ويُنهك القُوَى، ويُتعب القلبَ والجسدَ، فلا تغالِب إغفاءةَ عينيكَ، وَنَمْ أولَ الليلِ وأَرِحْ كَاتِبَيْكَ، ولا تُرهق كلَّ صباح والديك، وكم رأينا مَنْ أضاع وظيفتَه أو ترَك دراستَه أو أهمل أولادَه وعائلتَه بسبب السهر المحرَّم المذموم، مع رفقة السوء الْمُغْوِية الْمُضِلَّة.
أيها الطالب: احرص على الأدب والنزاهة والطهارة، واحترام المعلم والتزام النظام، والمحافظة على المقارِّ التعليمية والمقررات المدرسية، واتقِ اللهَ؛ فإن الله لا يخفى عليه الضميرُ، ولا يعزُب عنه قطميرٌ، واجعل العلمَ عُدَّتَكَ، والأدبَ حَمِيَّتَكَ، وكن أكملَ الناس أدبًا، وأشدَّهم تواضُعًا، وأكثَرَهم نزاهةً وتديُّنًا، وأقلَّهم طيشًا وغضبًا، وصاحب الأخيارَ، وتباعَد عن الأشرار، لا تقربنهم، ولا تأمننهم، ولا تخالطنهم، ولا تجالسنهم، فلا تجلس إلى أهل الدنايا، فلا تجلس إلى أهل الدنايا؛ فإن خلائق السفهاء تعدي، وشر الناس من لا يبالي أن يراه الناس مسيئًا، ومَنْ أحبَّ المكارمَ اجتنب المحارمَ، ولا تُرسل طرفَكَ، ولا تحدَّ بصرَكَ إلى الناس، فالعيونُ مصائدُ الشيطانِ، ومَنْ أرسَل طرفَه لَقِيَ حتفَه، وإياكَ ومواقفَ الريب ومظانِّ التُّهم، وإياكَ وما يُعتَذَر منه، واعتذر لغيركَ، فمن كثُر اعتذارُه قلَّ عِذَارُه.
إنَّ السعيدَ له من غيره عِظَةٌ *** وفي التجارب تحكيم ومعتَبَر
وإياكَ وكلَّ مزاح يورِث الضغينةَ أو يُسقط الهيبةَ، وليست العزة في حُسْن البزة، ولكنها في العِلْم والأدب والدِّين، واللسان وزير الإنسان، فإن لم تجد قولا سديدا تقوله، فصمتُكَ عن غير السداد سدادُ، ولا تكن ممَّن يعيب ويعاب، ويُكثر السبابَ، ويطعُن في الأصحاب، ولا تُبد من العيوب ما ستَرَه علَّامُ الغيوب.
لا تلتمِسْ من مساوي ما ستروا *** فيهتك اللهُ سِرًّا من مساويك
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذُكِرُوا *** ولا تعب أحدا منهم بما فيك
ولا تصاحب كسولا
لا تصحب الكسلانَ في حالاته *** كم صالحٍ بفساد آخَر يفسُد
عَدْوَى البليدِ إلى الجديد سريعة *** والجمر يوضَع في الرماد فيخمُد
وتنشئة الجيل على محاسن الآداب واجب الآباء والأولياء، قال بعض الحكماء: "بادِرُوا بتأديب الأطفال قبل تراكُم الأشغال، وتفرُّق البال".
أيها الطلبة: اسْعَوْا إلى العلم سعيًا، الذي يحقُّ ويليق به، وإياكم والضجرَ والمللَ والسآمةَ، والعجز والانقطاع.
اطْلُبْ وَلَا تَضَّجِرْ مِنْ مَطْلَبٍ *** فَآفَةُ الطَّالِبِ أَنْ يَضْجَرَ
اطلبوا العلم، فمَن طلَب العلمَ قوَّمَه صغيرًا، وقدَّمَه كبيرًا، قال عروة بن الزبير: "يا بَنِيَّ، اطلبوا العلم، فإن تكونوا صغارا لا يحتاج إليكم، فعسى أن تكونوا كبارا لا يُستغنى عنكم".
واحرصوا على المدارس، فالمدارس هي المغارس، ومن فاته الدرسُ فاته الغرسُ، وأديموا النظرَ في الكتُب، ولا تملُّوا من المطالَعة والبحث، والقراءة والتقييد، والمذاكرة والمدارسة والحفظ، قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "ولو قلتُ: إني طالعتُ عشرينَ ألفَ مجلدٍ كان أكثرَ، وأنا بعدُ في الطلب".
أيها الطلاب: الجِدَّ الجِدَّ، بين القماطر والدفاتر، والمحابر والمساطر، حتى تبلغوا غايتكم، قال بعضهم: "ظللتُ أربعين عاما، ما قِلْتُ، ولا بِتُّ، ولا اتكأتُ إلا والكتابُ موضوع على صدري".
وسُئِلَ الإمامُ أحمدُ بن حنبل -رحمه الله تعالى-: "إلى متى تطلُب العلمَ؟ قال: من المحبرة إلى المقبرة".
أيها الطلبة: عليكم بالتأني والتمهُّل والرزانة، وإياكم والإعجالَ في السير، والتهوُّر والخفة والطيش، الذي يجلب الشرَّ ويُوقِع في الندامة والحسرة.
قد يُدرك المتأني بعضَ حاجته *** وقد يكون مع المستعجِل الزَّلَلُ
ومن استخدم الهاتف المحمول أثناء سيره فقد أخطَر الموتَ نفسَه، وأشفى بها على المكروه، وعرَّض غيرَه للهلاك؛ لأن الجوَّال يأخذ باللُّب والشعور، ويُفقده التركيزَ والحضور، ومَنْ صوَّب إلى الجوال عينيه، وأرخى له أذنيه، وخفَّض له رأسه وكتفيه، وانشغل بالمحادَثات والمراسَلات، والتغريدات والمشاهَدات أثناء السير والقيادة، فقد أتى فعلا مجرَّما، وأمرا مُنكَرا، فاجعل ذهنك، واجمع قلبك نحو قصدك ووجهتك وقيادتك، فإن ألحَّ عليكَ خاطِرُكَ أو أصرَّ عليكَ مُهاتِفُكَ فاخرج عن الطريق، وأوقف مركبتك، وأفرغ في الجوال حاجتك، وخذ منه نهمتك، وكفَّ عن المسلمين أذاك وشرَّكَ، من قبل أن يقع المكروه، فيأخذك الأسى والأسف والندم والألم، وتقول: أنساني الجوالُ وأعماني وألهاني، ولا ينفع حينئذ الندمُ، وقد زلَّت بِكَ القدمُ.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله آوى من إلى لطفه أوى، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، داوى بإنعامه مَنْ يئس مِنْ أسقامه الدوا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، من اتبعه كان على الخير والهدى، ومن عصاه كان في الغواية والردى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تبقى وسلامًا يترى.
أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله وراقِبوه وأطِيعوه ولا تعصوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].
أيها الطلاب: إجلال المعلم واجب، واحترامه وتقديره والتواضع له فرض لازب، ومعرفة فضل علمه وشكر جميل فعله من مكارم الشيم، ويتأدَّب الطالبُ في فصله ومع زملائه؛ لأن في ذلك توقيرًا للعلم وأهله، قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "تعلَّموا العلمَ وعلِّموه الناسَ وتعلَّموا له الوقارَ والسَّكِينةَ، وتواضَعُوا لمن تعلمتُم منه، ولمن علمتموه، ولا تكونوا جبابرةَ العلماءِ".
والمعلم من أكابرنا، وتوقير الأكابر من المآثر، فعن عبد الله بن عمر بن العاص -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس منا مَنْ لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا" (أخرجه البخاري في الأدب المفرَد).
قُمْ للمعلم وفِّه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي *** يَبني ويُنشئ أنفسًا وعقولا
سبحانك اللهم خيرَ مُعَلِّمٍ *** علمتَ بالقلم القرونَ الأُولَى
أخرجتَ هذا العقلَ من ظلماته *** وهديتَه النورَ المبينَ سبيلا
أرسلتَ بالتوراة موسى مُرشِدًا *** وابنَ البَتُول فعلَّم الإنجيلا
وفَجَرْتَ ينبوعَ البيانِ محمدًا *** فسقى الحديثَ وناوَل التنزيلَا
وصلُّوا وسلِّموا على أحمد الهادي شفيع الورى طُرًّا، فمن صلى عليه صلاةً واحدةً صلى الله عليه بها عشرا، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الآل والأصحاب، وعنَّا معهم يا كريمُ يا وهَّابُ، اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الشركَ والمشركينَ، ودمر أعداءَ الدين، وعُمَّ بالأمن والرخاء جميعَ أوطان المسلمين، واحفظ بلادَ الحرمينِ الشريفينِ من كيد الكائدين، ومكرِ الماكرينَ، وحسدِ الحاسدينَ، وحقدِ الحاقدينَ يا ربَّ العالمينَ.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لِمَا تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده لِمَا فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين، يا رب العالمين.
اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدودنا وثغورنا، واحفظ رجالَ أمننا واجزهم خيرَ الجزاء يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وارحَمْ موتانا، وانصرنا على مَنْ عادانا يا ربَّ العالمينَ.
اللهم تقبَّل من الحُجَّاج حجَّهم وسعيهم، اللهم تقبل من الحجاج حجهم وسعيهم، ونسكهم، اللهم اجعله حجا مبرورا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا يا رب العالمين.
اللهم ردهم إلى أوطانهم سالمين غانمين يا رب العالمين، اللهم اجعل دعاءنا مسموعا، ونداء مرفوعا، يا كريم يا عظيم يا رحيم.
التعليقات