عناصر الخطبة
1/فلاح الإنسان بإقباله على ربه 2/التحذير من التولي عن سماع الحق 3/الهداية توفيق من الله واصطفاء 4/من علامات الخسران 5/من علامات الهداية وقبول الحقاقتباس
إن من الخسران من إذا ضُرب في الأرضِ فسادٌ ومنكر هرولت إليه أقدام، وأُنفقت فيه أموال، وتسمرت عليه أبصار؛ فضُيعت الصلاة، واستهين بالحياء، بالحجاب والاختلاط، ولم يكن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقالا، صمٌّ عن الحق لا يسمعونه...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله الكبير المتعال، وله الشكر بالغدو والآصال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شديد المحال، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه، وسلم تسليما مزيدا.
أما بعد: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الحديد: 28].
يا أيها الإنسانُ إنكَ كادحٌ *** إلى الله كدحا ما خلقت لتلعبا
فإن طبتَ سعيًا تلقهُ عنك راضيا *** وان سُؤت سعيا تلقه عنك مغْضَبا
وحولك آفاتُ من الخلق جمةُ *** تَنُوشُك فاحذر أن تُصاب وتعْطبا
لا فوز ولا نجاة، ولا فلاح ولا نجاح، إلا بالإقبال على الله؛ (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)[النور: 52].
امش في مناكب الأرض، وكل من رزق ربك، وابتغ من فضله، ما أخطأك تسلط على الخلق، وإعراض عن الخالق؛ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طه: 124]، امش إلى الله سراعا في طاعاتك وإخباتك؛ ليهرول إليك في خيره ورضاه، وليكن الله تجاهك في أمورك، ومفزعك عند ملماتك، وإليه الحول والقوة عند ضعفك وعجزك، لا تلتجأ لمخلوق فتذل نفسك، ولا تنس ربك فينساك.
ومن فر من بعضِ العباد لبعضهم *** فقد فر من أفعى ليقربَ عقربا
فكن هاربا منهم الى الله وحدَه *** ولم أر غير اللهِ للمرءِ مهربا
لا عز ولا هناء إلا بالإصغاء إلى أمر الله ورسوله؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ)[الأنفال: 20]، طاعة الله ورسوله أن تصغي بكل حواسك، وتهدي إليه بقلبك وإن خالف رغبتك وهواك؛ "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ"
(وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) لا تنشغل بمتجرك وتجارتك، ولا تلهَ بتواصلٍ أو تسرح بمتابعة رياضةٍ وأنت تسمع منادي الإيمان: "حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ".
(وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) لا تتثاقل بنومٍ وتعتذرُ بسهرٍ وأنت تسمع المآذن تخترق الفضاء: "الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ".
(وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) فلا تسمع الحق بأذنك وتعرض عنه بقلبك، أو تنأى عنه بعملك، أو تخالفه بهواك.
(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)[الأنفال: 21]، لا تكونوا كالذين تقرع آذنهم آيات القرآن، ويبلغهم الحق والبيان، والنصح والرشاد فلا يسمعونه سماع تقبل وإذعان، بل سماع نفاق وإدهان، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم؛ (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)[الفرقان: 44].
إن من الخسران من إذا ضُرب في الأرضِ فسادٌ ومنكر هرولت إليه أقدام، وأُنفقت فيه أموال، وتسمرت عليه أبصار؛ فضُيعت الصلاة، واستهين بالحياء، بالحجاب والاختلاط، ولم يكن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقالا، صمٌّ عن الحق لا يسمعونه، بكمٌ عن الخير لا ينطقونه، عميٌ عن المعروف لا يبصرون؛ (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ)[الأنفال: 23].
لا يُعرض عن الحق وقبول النصحِ إلا من عميت بصيرته، فالحق ظاهر لمن ابتغاه، وسبيل النجاة واضح لمن سمع القرآن واهتدى بهداه.
الحقُ أبلجُ والمنجاةُ عن كثبٍ *** والأمرُ للهِ والعقبى لمن صلحا
يا ويح نفسٍ توانت عن مراشدِها *** وطرفُها في عنان الغي قد جمحا
ترجو الخلاصَ ولم تنهج مسالكها *** من باع رشدا بغي قلما ربحا
الهداية والتوفيق ليست بذكاء ولا بمناصب وشهرةٍ وأموال؛ بل هي توفيق من الله واصطفاء، ولجوء لله وكثرة دعاء؛ (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[الأعراف: 178]، (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آل عمران: 8].
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات، فاستغفروه إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على فضله وامتنانه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وآله وأصحابه.
أما بعد: من اهتدى بهدى الله، واستعمل ما وهبه الله من مَلَكاتٍ ومواهبٍ استعمالا رشيدا، واتجه بها اتجاه خير وصلاح، كان مهتديا وفائزا حقا وصدقا؛ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)[الليل: 5 - 7]، ومن أعرض عن ذكر ربه واستعمل ما وهبه الله من مَلَكاتٍ ومواهبٍ استعمالا سفيها، واتجه بها اتجاه شر وفسق وفساد، كان ضالا وخاسرا، (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)[الليل: 8 - 10]، (مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الأعراف: 186].
ولا يمكن أن ينجو المرءُ بصلاحه وعبادته وهو لأسرته وأهل بيته مضيعًا، ولتربيتهم مهملا؛ "وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ"، "مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ؛ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"(متفق عليه).
فاحفظوا أنفسكم وأهليكم يحفظ الله لكم دينكم وإيمانكم، ويوفقكم في دنياكم، ويصلح لكم أخراكم من منزلقات المنكرات.
وأجدر خلق الله بالفوز مؤمن *** إلى الله أدى فرضه وتطوعا
(مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[الأعراف: 178]، (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان: 74].
اللهم اهدنا بهداك، واجعل أعمالنا في رضاك، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح ولاة أمورنا.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد.
التعليقات