عناصر الخطبة
1/تنوُّع العبادات التي تعبَّدَنا الله تعالى بها 2/بعض المنافع والحِكَم من فريضة الحج 3/خيرية وبركة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم 4/بعض صور نصرة النبي صلى الله عليه وسلم والانتصار لهاقتباس
إنَّ أعظمَ النصرةِ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- هو الاقتداء بهديه، والاستنان بسُنَّتِه، ونَشْر فضائله، والتعريف بسيرته، وإذاعة قِيَم الإسلامِ وتعاليمِه، وإن المحاولات الإجرامية للإساءة للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، لن تضرَّ الجنابَ النبويَّ الكريمَ بشيء...
الخطبة الأولى:
الحمد لله القوي المتين، المتفرد بالتدبير والتكوين، الغني عن العالمين أجمعين، فلا تنفعه طاعات المطيعين، ولا تضره معاصي العاصين، خلق الجن والإنس ليعبدوه ويطيعوا أمره ولا يعصوه، وحذَّر العاصين من وبيل عقابه، كما حلَّ بكثير من الماضين، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه وخليله، الصادق الأمين، بعثَه اللهُ رحمةً للعالمينَ، وحُجةً على المعانِدينَ، صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليه دائمًا إلى يوم الدين، وعلى سائر إخوانه من المرسَلينَ والنبيينَ، وعلى آله وأصحابه ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها، وهو خير الوارثين.
أما بعدُ، أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ فإنَّها هي أساس الخير، ومصدر الصلاح.
عبادَ اللهِ: لقد تعبَّدَنا الله العليم الحكيم بأنواع عديدة من العبادات، منها ما هو بدنيّ محض؛ كالصلاة والصيام، ومنها ما هو ماليّ محض كالزكاة وسائر النفقات، وهناك عبادة يقوم العبدُ بأدائها ببدنه، مع إنفاق المال فيها؛ فيقال لها: عبادة ماليَّة وبدنيَّة، ألَا وهي عبادةُ حَجّ بيت الله الحرام، التي يُنفِق فيها الإنسانُ المسلمُ مِنْ أنفَسِ أموالِه، ويُكابِد فيها متاعبَ السفر ومشقته.
عبادَ اللهِ: في هذه الأيام المباركة، يفد المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها إلى بيت الله الحرام؛ لأداء فريضة الحج امتثالًا لأمر الله -عز وجل-، واتِّباعًا لسنة نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-، فإن الحج فريضة من فرائض الدين، يجتمع فيه المسلمون لأداء هذه العبادة، كما أدَّاها رسولُ الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا- ويحصل بهذا التجمعِ منافعُ كثيرةٌ، وتعاوُنٌ على البِرِّ والتقوى، والمسلمون الوافدون إلى بيت الله -عز وجل-، حينَ يَحُسُّون بقربهم من الله -تبارك وتعالى- عند بيته المحرم تصفو أرواحهم، وترقّ قلوبُهم وتخشع لذِكْر الله عندَ هذا المحور الذي يشدُّهم جميعًا؛ إنَّها القِبلة التي يتوجَّهون إليها ويلتفُّون حولَها، يجدون رايتَهم التي يستظلُّون بها، ويسيرون تحتَها ويرجعون إليها؛ إنَّها راية الإيمان: "لا إلهَ إلَّا اللهُ، محمدٌ رسولُ اللهِ".
تلك العقيدةُ التي تتلاشى في ظلها فوارقُ الأجناس، والألوان، واللغات، والأقطار، يجدون قوةَ الوحدة، وفائدةَ التضامُن تحتَ راية الإيمان، وإن الداعي لهذا التجمع قولُه -تعالى-: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)[الْحَجِّ: 27]، والقاعدةُ الأساسيةُ لهذا اللقاء هي قوله -تبارك وتعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[الْحَجِّ: 26]، لا في قليلٍ ولا في كثيرٍ، لا في قولٍ ولا في عملٍ، لا في مسيرةٍ ولا في هُتافاتٍ فارغةٍ، إنما هو تجريدُ القصدِ والعملِ لله -عز وجل-، وتركُ كلِّ ما سواه، فلا يُعبَد إلا اللهُ، ولا يُدعى إلا اللهُ -تبارك وتعالى-، ولا يُذكَر إلا اسمُ الله تهليلًا وتكبيرًا، وتسبيحًا وتحميدًا، وتلبيةً وخضوعًا، في هدوءٍ وخشوعٍ، وسَكِينةٍ ووقارٍ، وفي ذُلٍّ وانكسارٍ، فاتقِ اللهَ أخي المسلم، واعلم أن الله يُراقِبُكَ في جميع أوقاتك، وفي كل أحوالكَ، في ليلِكَ ونهارِكَ؛ فالتَزِمْ جانبَ الأدبِ مع خالقِكَ، والتزِمْ جانبَ الأدبِ في هذه البقاعِ المقدَّسةِ، فلا تَنتَهِكْ حرمتَها بمعصية الله فيها، وقدِّم أمامَكَ عملًا صالحًا، خالصًا لله نقيًا، تجده ذُخرًا ونورًا يوم المعاد، واسأل ربَّكَ التوفيقَ والهدايةَ؛ فإنَّه هو الهادي إلى سواء الصراط.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[الْبَقَرَةِ: 197].
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قُولِي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد للهِ ربِّ العالمينَ، أثنى على نبيِّه الكريم في الملأ الأعلى، وأمر باحترامه وإظهار تعظيمه وإجلاله في الملأ الأدنى، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أما بعدُ أيها المسلمون: فليقول الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا، وثبَت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنَّه قال: "مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ عليه بها عَشْرًا"، وقال سهلُ بنُ عبدِ اللهِ: "الصلاة على محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا- أفضل العبادات؛ لأن الله -تعالى- تولاها هو وملائكته، ثم أمَر بها المؤمنينَ، وسائر العبادات ليس كذلك". فاللهم صل وسلَّم تسليمًا على عبدك ورسولك محمد.
فيا لها من رتبة عالية، ويا له من تعظيم وتشريف، لا يُدرَك كُنهُه، تردِّدُه جنباتُ الوجود، وتتجاوب له أرجاءُ الكون، ويُشرِق له ما بين السماء والأرض بثناء المولى -عز وجل-، على عبده ونبيه محمد، صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا.
قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: "هَذِهِ الآيَةُ شَرَّفَ اللَّهُ بِها رَسُولَهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلامُ- حَياتَهُ ومَوْتَهُ، وذَكَرَ مَنزِلَتَهُ مِنهُ، وطَهَّرَ بِها سُوءَ فِعْلِ مَنِ اسْتَصْحَبَ فِي جِهَتِهِ فِكْرَةَ سُوءٍ، أوْ فِي أمْرِ زَوْجاتِهِ ونَحْوَ ذَلِكَ".
أيها المسلمون: إنَّ أعظمَ النصرةِ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- هو الاقتداء بهديه، والاستنان بسُنَّتِه، ونَشْر فضائله، والتعريف بسيرته، وإذاعة قِيَم الإسلامِ وتعاليمِه، وإن المحاولات الإجرامية للإساءة للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، لن تضرَّ الجنابَ النبويَّ الكريمَ بشيء، ولا الدينَ الإسلاميَّ كذلك؛ فقد رفَع اللهُ -عز وجل- لمحمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا- ذِكْرَه، وجعَل الذلَّ والصَّغارَ على مَنْ خالَفَ أمرَه، وفتَح له الفتحَ المبينَ، وعصَمَه من الناس أجمعينَ، وكفَاه المستهزئينَ، والآفات التي كانت سببًا في هلاك أولئك المستهزئين مشهورة في التأريخ، وأعطاه الله -عز وجل- الكوثر، وجعل شانئه هو الأبتر، وإن استنكار المسلمين لهذه الإساءة الإجرامية، يجب أن يكون وفق ما شرعه الله -عز وجل- في كتابه، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا، وأناشد دول العالَم والمنظَّمات الدوليَّة بالتحرك لتجريم الإساءة للأنبياء والرسل، عليهم الصلاة والسلام، فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واجعلوا أعمالكم وأقوالكم خاضعة لأحكام الإسلام، واستقيموا على توحيد الله وطاعته تفلحوا..
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الشركَ والمشركينَ، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنا، وأيِّدْ بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقْه لهُداكَ، واجعل عملَه في رضاكَ، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده لما تحب وترضى، وخُذْ بناصيتهما للبر والتقوى، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين، للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراء إليكَ، أنزِلْ علينا الغيثَ ولا تجعَلْنا من القانطينَ، اللهم اسقِنا وأغِثْنا، اللهم إنا نستغفركَ إنَّكَ كنتَ غفَّارًا، فأرسِلِ السماءَ علينا مدرارًا.
عبادَ اللهِ: إن الله -تبارك وتعالى- أمرَنا بالصلاة والسلام على رسوله فقال قولًا كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا".
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارضَ الله عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، الذين قَضَوْا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة أجمعينَ، وأهل بيته الطاهرين، وعن التابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارضَ عَنَّا معهم بمنكَ وإحسانك يا أرحم الراحمينَ.
اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عَنَّا بذنوبنا فضلك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا، فأرسل السماء علينا مدرارا.
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يَزِدْكُمْ، ولذكرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.
التعليقات