عناصر الخطبة
1/معنى الهجرة وفضلها 2/أنواع الهجرة 3/الفرار من الذنوب وهجرها 4/هجرة القلوب 5/أهمية التفكر في الإعانة على الهجرة 6/تحري الأوقات والأحوال المناسبة للتفكر 7/الاتعاظ والاعتبار بسرعة مرور الأيام والأعواماهداف الخطبة
اقتباس
نريد أن نتكلم عن هجرة القلب من حال الضيق والقلق بالمعصية إلى حال السعة والطمأنينة بالطاعة.
نريد أن نتكلم عن هجرة القلب من ظلام الغفلة إلى أنوار اليقظة، ومن دار العناد والإصرار
إلى دار الخضوع والإذعان. نريد أن نتكلم عن هجرة القلب، هجرة صادقة بلا نية عودة، هجرة تائب منيب. وهو جانب من معاني كلام ابن القيم -رحمه الله- حول أهم ما يقطع به المؤمن منازل سفره إلى الله، وأفضل ما ينفق فيه بقية عمره، حين قال: "يهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته، ومن عبودية غيره إلى عبوديته، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
مع اقتراب نهاية عام هجري، واستقبال آخر جديد، وبعد استعراض بعض الأمنيات التي تدور في القلب في المرة الماضية، نريد اليوم تسليط الضوء على بعض المفاهيم؛ مفاهيم الهجرة النبوية.
الهجرة في اللغة، تعني ترك شيء إلى آخر.
والهجرة أيضا تأتي بمعنى: الانتقال من حال إلى حال، أو من بلد إلى بلد.
أما الهجرة شرعا: فهي الانتقال من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام.
وهي التي رتب القرآن عليها الأجر: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[البقرة: 218].
وقال جل وعلا: (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) [آل عمران: 195].
ولقد عظم قدر الهجرة في مرحلة من مراحل الإسلام، حتى أصبحت سر نجاة الفارين بدينهم، خوف الفتنة.
وأصبحت محل تقريع لمن فرطوا فيها، فاستحقوا العقاب والعذاب: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا)[النساء: 97].
وأصبحت الهجرة درجة عالية قدمت المهاجرين على سائر الصحابة، قال سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 100].
واليوم -إن شاء الله- نريد أن نتكلم عن الهجرة، بمعنى الانتقال من حال إلى حال، لا سيما وقد قال عليه الصلاة والسلام: "لا هجرة بعد فتح مكة "[صح ذلك في البخاري].
وفي السنن، قال صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية".
أي نية صالحة للجهاد في سبيل الله.
وذلك بأن ينوي الإنسان بجهاده أن تكون كلمة الله هي العليا.
ولقد صح أنه صلى الله عليه وسلم سئل: يا رسول الله أي الهجرة أفضل؟ قال: أن تهجر ما كره ربك.
ثم قال: الهجرة هجرتان: هجرة الحاضر، وهجرة البادي.
فأما البادي، فيجيب إذا دعي، ويطيع إذا أمر.
وأما الحاضر، فهو أعظمهم بلية، وأفضلهما أجرا".
ولا شك -أيها الإخوة: أنه لولا هجرة قلوب الصحابة إلى الله، لما هاجرت أجسادهم.
وكما قيل: "لولا هجرة قلوبهم من الشرك إلى الإيمان ما تبعتها أجسادهم بالهجرة من دار الفتنة، إلى دار الأمان".
يقول طبيب القلوب الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "الهجرة: هجرتان، هجرة بالجسم من بلد إلى بلد، وهذه أحكامها معلومة، وليس المراد الكلام فيها، وهجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه هي المقصودة هنا، وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعة لها".
إذاً نحن نريد أن نتكلم عن هجرة من نوع آخر لا تنقطع عن المؤمن، حتى قيام الساعة.
هجرة بمعنى الانتقال من حال إلى حال.
نريد أن نتكلم عن هجرة القلب من حال الضيق والقلق بالمعصية إلى حال السعة والطمأنينة بالطاعة.
نريد أن نتكلم عن هجرة القلب من ظلام الغفلة إلى أنوار اليقظة، ومن دار العناد والإصرار
إلى دار الخضوع والإذعان.
نريد أن نتكلم عن هجرة القلب، هجرة صادقة بلا نية عودة، هجرة تائب منيب.
وهو جانب من معاني كلام ابن القيم -رحمه الله- حول أهم ما يقطع به المؤمن منازل سفره إلى الله، وأفضل ما ينفق فيه بقية عمره، حين قال: "يهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته، ومن عبودية غيره إلى عبوديته، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه، والتوكل عليه، ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له، والذل له، والاستكانة له، إلى دعاء ربه، وسؤاله، والخضوع له، والذل والاستكانة له".
وهذا هو بعينه معنى الفرار إليه، قال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ) [الذاريات: 50].
فالتوحيد المطلوب من العبد، هو الفرار من الله إلى الله.
والحقيقة: أنه مع نهاية العام، وذكر الهجرة، والتأمل في معناها، من هذا الجانب الروحي، فإن كثيرا من الناس لم يهاجروا بعد، وما زالت قلوبهم تنتظر الفرج!.
أتدرون أين ينصرف هم المؤمن إذا استكمل هجرته لله وحده؟
ينصرف بكل قوة إلى شيء واحد إلى رضوان خالقه -جل وعلا-.
ألم يقل موسى -عليه السلام-: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)[طـه: 84]؟.
لا شيء يؤخرني عنك يا رب.
هذه عجلة محمودة.
ولا تكون العجلة محمودة إلا في مواطن الطاعة، صح في السنن أنه صلى الله عليه وسلم: "التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة".
فكم منا عجلته إلى أعمال الآخرة أسرع من عجلته إلى الدنيا؟!.
أما إذا كان إلى الآخرة أسرع، فليحمد الله، وليسأله الثبات.
وأما إذا كان إلى الدنيا أسرع، فإنه لم يستكمل هجرته بعد.
هذه هي الحقيقة بكل بساطة، لقد منع الشوق إلى الله عمير بن الحمام من التأخر، ولو لثوان معدودة، يأكل فيها تمرة أخرى، لما سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول يوم بدر: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض".
فقال: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟
قال: "نعم".
فقال: بخ بخ.
فقال: "ما يحملك على قول بخ بخ؟".
فقال: والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها.
قال: "فإنك من أهلها".
فأخرج تمرات، فجعل يأكل منهن، يتقوى عليهن في المعركة، فقال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، فرمى بالتمرة التي كانت في يده، ثم قاتل حتى قتل.
معاشر الإخوة: خسارة فادحة أن عاما يمر من أعمارنا، دون أن نراجع، دون أن نحاسب، دون أن نتدارك ما فقدناه، وما سنفقده من المكاسب، والمقامات العالية.
ما دامت قلوبنا قابعة في أماكنها خائفة من الهجرة إلى الله؛ فكيف نتغلب على هذا الخوف؟
لعل المقام يسمح بذكر سبب واحد رئيس.
إن مما يعين على كسر الخوف، وهجرة القلب إلى ربه، هجرة كاملة صادقة: التفكر:
يقول سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) [سبأ: 46].
التفكر! أين هي المصلحة الحقيقية؟ أين هي مصلحتك يا مسلم؟ أهي في الرقود أم في الحركة؟ أهي في التأخر أم في التقدم؟ ولماذا التقدم في كل شيء إلا في عمل الآخرة؟
التفكر كذلك في صفات الله الخالق، التفكر الذي يجعل القلب يهتز ويسجد؛ كما قال ابن القيم: قيل لبعض العارفين: أيسجد القلب بين يدي ربه؟ قال: إي والله يسجد بسجدة، لا يرفع رأسه منها إلى يوم القيامة.
فهذا سجود القلب، فشتان بين قلب يبيت عنه ربِّه قد قطع في سفره إليه، بيداءَ الأَكوان، وخرق حجب الطبيعة، ولم يقف عند رسم، ولا سكن إلى علم، حتى دخل على ربِّه في داره، فشاهد عز سلطانه، وعظمة جلاله، وعلو شأْنه، وبهاءَ كماله، وهو مستوٍ على عرشه، يدبِّر أمر عباده، وتصعد إليه شؤون العباد، وتُعْرَض عليه حوائجهم وأعمالهم، فيأْمر فيها بما يشاءُ: (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)[الرحمن: 29].
يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويفك عانيًا، وينصر ضعيفًا، ويجبر كسيرًا، ويغني فقيرًا، ويُميت ويُحيي، ويُسعِد ويُشقى، ويُضل ويهدي، ويٌنْعِم على قوم، ويسلب نعمته عن آخرين، ويعز أَقوامًا، ويذل آخرين، ويرفع أَقوامًا، ويضع آخرين، يمينه ملأى لا يغيضها نفقةٌ آناء الليل والنهار، يأمر فيها بما يشاء فينزل الأمر من عنده نافذا لا مرد له، فيشاهد الملك الحق قيومًا بنفسه، مَقِّيما لكل ما سواه، غنيًا عن كل من سواه، وكل من سواه فقيرٌ إِليه، وهو الغني الحميد.
أرأيتم ما أنفق منذ خلق الخلق، فإنه لم يغض ما في يمينه، لم ينقص منها شيئا، وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع بكامل العدل والقسط.
ويشاهده كذلك يقسم الأرزاق، ويجزل العطايا، ويمن بفضله على من يشاء من عباده، لا إله إلا هو العزيز الحكيم، سبحانه لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، حجابه النور؛ لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره مِنْ خلقه.
هكذا يتفكر المؤمن في صفات خالقه، وفي قدرة خالقه -جل وعلا-.
وينتقي لذلك الأوقات المناسبة، يتفكر وهو يقرأ القرآن قراءة متأنية، يتفكر في الثلث الأخير من الليل قبيل الفجر، وهو في خلوة إيمانية مع ربه، أو بعد صلاة الفجر، وهو ينتظر ارتفاع الشمس، ويعلم علم اليقين أن أقرب باب يدخل منه العبد إلى ربه هو الاسلام، فلا يرى لنفسه حالا ولا مقاماً ولا سببا يتعلق به، ولا وسيلة منه يمن به، بل يدخل على الله -تعالى- من باب الافتقار، والإفلاس المحض، دخول من كسر الفقر قلبه، والعجز قلبه، وأيقن أن لا حول ولا قوة في حصول أي شيء إلا بالله، وأن لا ملجأ من الله إلا إليه.
هذه المشاعر الرقيقة التي سوف يكتسبها القلب بعد التفكر، قد تعينه -بإذن الله- على الهجرة الصادقة.
هجرة من قيد المعصية إلى حرية الطاعة، هجرة من الجهل المطبق إلى العلم النافع، ومن إغراق الوقت باللهو واللعب إلى معرفة قيمة الوقت والتوازن في استثماره.
هجرة من سوء الخلق إلى حسن الخلق، هجرة من الشح بالمال في سبيل الله إلى طلب بركة المال وزيادته بالإنفاق في سبيله، وهكذا يتابع، حتى يستكمل الهجرة بكل جوانبها.
والله الموفق.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين المتقين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، وصلى الله عليه وعلى صحبه أجمين، وعلى من سار على نهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد أزف رحيل هذا العام، وها هو أمام أعيننا يطوي بساطه، ويقود خيامه، ويشد رحاله.
عام كامل -أيها الإخوة-: قد حوى بين جنبيه حكما وعبرا، وأحداث وعظات.
فلا إله إلا الله، كم شقي فيه من أناس؟ وكم سعد فيه من آخرين؟ كم من طفل قد يتم؟ وكم من امرأة قد ترملت؟ وكم مريض تعافى؟ وسليم في التراب توارى؟ كم من أهل بيت زفوا عروسهم وآخرين شيعوا ميتهم، دار تفرح بمولود، وأخرى تعزى بمفقود، فهل لهذه الأحوال من أثر على قلوبنا؟!
خَلِيْليَّ كَمْ مِن مَيِّتٍ قَدْ حَضرتهُ *** وَلَكِنَّنِي لَمْ أَنْتَفِعْ بِحُضُورِي ِ
وَكَمْ مِن خُطُوبٍ قَدْ طَوَتْنِي كَثَيْرَة *** وَكَمْ مِن أُمُورٍ قَدْ جَرَتْ وَأمُورِ
وَكَمْ مِنْ لَيَالٍ قَدْ أَرَتْنِي عَجَائِبًا *** لَهُنَّ وَأيَّامٍ خَلَتْ وَشُهُورِ
وَمَنْ لَمْ تَزدْهُ السِّنُ مَا عَاشَ عِبْرةً *** فَذَاكَ الَّذِي لاَ يَسْتَضِيءُ بِنُورِ
تختلف رغبات الناس، ويتغاير شعورهم عند انسلاخ العام، فمنهم من يفرح؛ لماذا؟ ومنهم من يحزن لماذا؟ منهم يكون بين ذلك سبيلا.
السجين يفرح بانسلاخ عامه؛ لأن ذلك مما يقرب موعد خروجه وفرجه.
وآخر يفرح بانقضاء العام، ليقبض أجرة مساكن وممتلكات أجرها، أو مساهمة يجني أرباحها.
وآخر يفرح بانقضاء عامه من أجل ترقية وظيفية، أو علاوة سنوية.
وغيرها من المقاصد التي تفتقد إلى المقصد الأسمى، وهو المقصد الأخروي.
فرحوا بقطع الأيام والأعوام دون الاعتبار لعمل يؤهلنا لما سيأتي بعدها من موت، فبرزخ فحساب فثواب أو عقاب.
إنه هو فرح خاسر -أيها الإخوة-: وصاحبه مغبون.
إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً *** فإنما الربح والخسران في العمل
العاقل من اتعظ بأمسه، واجتهد في يومه، واستعد لغده.
والأعوام تترى، ولا بد من نهاية للطريق، فلنكن بأحسن حال: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
أسأل الله أن يهدينا بالحق...
التعليقات