عناصر الخطبة
1/التهنئة في العيد تجلب المحبة وتزيد الألفة 2/تعظيم الله لصلة الرحم ووجوب وصلها 3/الحث على الاستغفار والتوبةاقتباس
وفي عصر التقنية الحديثة قامت وسائل الاتصال بدور كبير في تيسير التواصل بين الأهل والأقارب؛ وهذه نعمة نشكر الله عليها. لكن يجب الحذر من اتخاذها الوسيلة الوحيدة للتواصل بين الأهل والأرحام في أيام العيد، فهذا عمل -رغم حُسْنه- ليس كالتواصل المباشر خاصةً للأقارب والأصحاب القريبين...
الخطبة الأولى:
الحمد لله مصرِّف الشهور والأيام، وفَّق مَنْ شاء لطاعته فاستثمرها وقام بحقها خير قيام، والشكر له أن وفَّقَنا لإتمام شهر الصيام، وها نحن في يوم العيد بعد التمام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الفضل والإنعام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد الأنام صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.
أما بعد... (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْحَشْرِ: 18].
تقبَّل اللهُ منا ومنكم، وعيدُكم سعيدٌ مباركٌ، أعاده اللهُ علينا جميعًا وعلى الأمة بالصحة والعافية والتمكين.
التهنئة في العيد تجلب المحبة وتزيد الألفة بين المؤمنين، وهي سُنَّة حسنة كان يفعلها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن محمد بن زياد قال: "كنتُ مع أبي أُمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في العيد، فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض: "تقبل الله منا ومنكم".
وما زالت التهاني بين الناس مستمرة -بحمد الله-، وفي عصر التقنية الحديثة قامت وسائل الاتصال بدور كبير في تيسير التواصل بين الأهل والأقارب؛ وهذه نعمة نشكر الله عليها. لكن يجب الحذر من اتخاذها الوسيلة الوحيدة للتواصل بين الأهل والأرحام في أيام العيد، فهذا عمل -رغم حُسْنه- ليس كالتواصل المباشر خاصةً للأقارب والأصحاب القريبين... إذا لم نتواصل في أيام العيد ونلتقِ وننسَ ما بيننا من خلافات فمتى نلتقي؟ إذا لم يُحَيِّ بعضُنا بعضا ويدعُ بعضُنا لبعض في العيد فمتى يكون ذلك؟
أمَّا صلةُ الرحم فقد عظمها الله، وجعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه"(رواه البخاري ومسلم)، ورغَّب فيها -صلى الله عليه وسلم- فقال: "من أحب أن يبسط له في رزقه، ويُنْسَأَ له في أثره فليصل رحمه" -أي: يؤخَّر له في أَجَله-. (رواه البخاري ومسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: "الرحمُ متعلقةٌ بالعرش تقول: مَنْ وصلني وصله اللهُ، ومن قطعني قطعه اللهُ"(متفقٌ عليه)، وتوعد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاطعَ الرحم فقال: "إِنَّ هَذِهِ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ قَطَعَهَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ"(رواه أحمد والبزار).
وجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصلَ المبغض من الأرحام عملًا جليلا فقال: "أفضلُ الصدقةِ الصدقةُ على ذيِ الرحمِ الكاشِحِ". أَيْ: أفضل الصدقةِ الصدقةُ على ذي الرحم المضمِر للعداوة في باطنه. (رواه الطبراني وابن خزيمة).
وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس الواصل بالمكافئ، وإنما الواصل مَنْ إذا قُطعت رحمُه وصلها"، وقطيعة الرحمن من الفساد في الأرض: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[مُحَمَّدٍ: 22-23]، ومن المؤسف ما نراه مؤخرًا بين الأهل والأقارب من تقاطع وخلافات تمتد لسنوات بينهم لأسباب تافهة؛ فالعيد فرصة للتصالح ومحو ما بالخواطر والتسامح والتصافح.
عباد الله: وكما أن العيد معنًى للتواصل فهو فرصة للفرح والبهجة؛ وذلك من تعظيم شرع الله، مع الأسف تجد أن البعض يفرح بزواج أو مناسبة، وإذا جاءه العيد يقضيه بالنوم ويتململ منه ولا يُظهر فرحتَه، وهذا خطأ؛ فَأَظْهِرُوا الفرحَ -عبادَ الله- ففي هذا اليوم العيد افرحوا، وَأَفْرِحُوا مَنْ حولكم من أهل وولد الفرحَ المشروعَ الخاليَ من المحرمات، وَأَسْعِدُوا الفقراءَ وليشاركوكم فرحتكم بما تستطيعون.
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم ويبارك لنا ولكم بالعيد السعيد.. أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، وفَّق عبادَه للطاعات وأعانهم، وصلَّى اللهُ عليه وسلم وعلى آله وأصحابِه والتابعين لهم بإيمان وإحسان، وسلَّم تسليمًا كثيرا.
أيها الإخوة: أَتْبِعُوا شهرَكم بالتقوى. وعليكم بكثرة الاستغفار فهو من أفضل الأعمال وأيسرها، وقد حثَّ عليه ربُّنا فقال: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 133]، نعم أحبتي... فأسباب المغفرة لا يمكن حصرها بحمد الله.
فالاستغفارُ يُشرع بعد الطاعات حتى لا تعجب النفس بالعمل، يقول ابنُ القيم -رحمه الله-: "وأربابُ العزائمِ والبصائر أشدُّ ما يكونون استغفارًا عقبَ الطاعات؛ لشُهُودِهم تقصيرَهم فيها، وبشَّر رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المكثرينَ من الاستغفار بالسرور والجنة؛ فقَالَ: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرُّهُ صَحِيفَتُهُ فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ".
والاستغفار سببٌ لدفع البلاء والنِّقَم عن العباد والبلاد، ورفع الفتن والمحن عن الأمم والأفراد، لاسيما إذا صدر عن قلوب موقنة، مخلصة لله مؤمنة؛ (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الْأَنْفَالِ: 33]، وقال تعالى.. (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) [النِّسَاءِ: 110].
وما أحوجنا للعودة إلى الله واستغفاره في كل وقت، خصوصًا بوقت تمر به الأمةُ بفتن ومحن، نسأل الله أن يجليها، وخلاف وانتشار للفساد نسأل الله أن يصلحها، ونسأله -جل وعلا- أن يجعلنا من المستغفرين دوما، وأن يلهمنا الاستغفارَ كما نُلْهَم النَّفَس، وأن يرزقنا التوبة النصوح، إنه جواد كريم.
تذكروا -يا عباد الله- الدعاءَ لإخوانكم المسلمين ومصابهم والفتن المحيطة بهم، وكذلك تذكرَّوا جنودنا البواسل، ورجال أمننا وهم يحمون حدودنا وأرضنا ويقفون بوجه عدونا بالخارج والداخل، نسأل الله أن ينصرهم ويردّهم لديارهم وأولادهم سالمينَ غانمينَ، تذكروا نعمًا عظيمة نعيشها فاعرفوا قدرها، واشكروا الله عليها، ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين.
اللهم تقبل منا إنك أنت السميعُ العليم، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم إنا نسألك الثبات على الأمر، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كلِّ بِرٍ، والسلامةَ من كلِّ إثم، والفوزَ بالجنة، والنجاةَ من النار، اللهم ارزقنا الاستقامةَ على دينك، اللهم أَدِمْ علينا نعمةَ الأمن والأمان والسلامةِ والإسلام، اللهم وفِّق ولاةَ أمورِنا لما تُحبُّ وترضى، وأعنهم على البر والتقوى، اللهم زدهم هدىً وصلاحًا وتوفيقا.
التعليقات