عناصر الخطبة
1/قدر الرجال على قدر أعمالهم 2/عظم خلق النبي -صلى الله عليه وسلم- 3/اتصاف النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتواضع وتوصية جبريل له بذلك 4/إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- عن علو مكانته ونفي الفخر عنه 5/كراهية النبي -صلى الله عليه وسلم- لتفضيله على الأنبياءِ -عليهم السلام- 6/ صور من تواضعه عليه الصلاة والسلام /تواضع النبي -صلى الله عليه وسلم- سجية 7/تواضع النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الانتصارات والفتوحات 8/حسن تعامله صلى الله لعيه وسلم مع المذنبين 9/وجوب قراءة سيرته صلى الله عليه وسلماهداف الخطبة
اقتباس
أيها المسلمون: لقد كان التواضعُ سجيةً للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وما كان يتكلفه، أو يتصنعه أمام الناس، خلاف حالِ أهل الشرف والرياسة الذين يُظهرون التواضع وقلوبُهم متكبرة، والله -جل وعلا- يقول: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)[غافر: 35]. فكان في أعظم المجامع يخطب، والكل منصتٌ لقوله؛ ولم يزده ذلك إلا تواضعا إلى تواضعه. وفي مواقف النصر والفتوح التي يكون فيها فخر القادة وعلوهم، ولا يقدر على التواضع فيها إلا أقلُّ الرجال، ما حُفِظَ عن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه...
أما بعد:
عباد الله:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيها المسلمون: تُعرَفُ أقدارُ الرجالِ بأعمالهم، ويُقاسُ كبارُ الناسِ بأوصافهم، ولا يبقى للعبد بعد موته إلا عملُه، ولا يذكُرُهُ الناسُ إلا بوصفِه، فإن كان من أهل الخيرِ وأعمالِ البر؛ أثنى الناسُ عليه بما يعلمون من حاله، وإن كان غير ذلك ذكروه بما يستحق، والمؤمنون شهداء الله –تعالى- في الأرض.
ونبينا -صلى الله عليه وسلم-: قد كُلِّف من الأعمال أشقَّهَا وأشرفَهَا، وحازَ من الأخلاقِ أعلاها وأكملها، حُمِّل أعظم رسالة، فحَمَلَها وبلَّغَهَا، وأُوذِيَ في سبيلها فما وهنت عزيمتُه، ولا لانَتْ عريكتُه.
وأما الأخلاقُ فيكفيه ثناءُ الله عليه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم: 4].
وكان خلقه القرآن.
اتصف صلى الله عليه وسلم بالتواضُعِ، وخَفْضِ الجناح، ولين الجانب؛ امتثالاً لأمر الله -تعالى-: (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ)[الحجر: 88].
وقوله: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ)[الشعراء: 214-215].
وأوصاه جبريل -عليه السلام-: بالتواضع؛ كما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جلس جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فنظر إلى السماء فإذا ملك ينزل فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذُ يومِ خُلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد، أرْسَلَني إليك ربُّك قال: أفمَلَكًا نبيًّا يجعلُكَ أو عبدًا رسولاً؟ قال جبريل: تواضع لربك يا محمد، قال: "بل عبدًا رسولاً".
ولقد أنعم الله -تعالى-: عليه بمنزلةٍ ما بلغها ملَكٌ مقرَّبٌ، ولا نبي مرسل، فكان سيِّدُ البشر، وأفضلُ الخلق، وخاتَمُ الرسل، وكان إذا أخبر عن منزلته تلك يقْرِنُ إخباره بها بنفي الفخر؛ تواضُعاً لله -تعالى-، وإزراءً بنفسه الشريفة، عن ابن عباسٍ -رضي الله عنه-: أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا لَهُ دَعْوَةٌ قَدْ تَنَجَّزَهَا فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي قَدْ اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي، وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلَا فَخْرَ..."[الحديث].
ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام: أنه كَرِهَ أن يُفضَّلَ على الأنبياءِ -عليهم السلام- مع أنه سيدُهُم وخاتَمُهم وأفضلُهم، فقال صلى الله عليه وسلم: "مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى".
ولما قال له رجل: يا خير البرية، قال صلى الله عليه وسلم: "ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ -عليه السلام-".
وكان عليه الصلاة والسلام متواضعًا في لباسه، فكان يلبس ما تيسر من اللباس، ولو شاء صلى الله عليه وسلم للبس الديباج والحرير، كما كان متواضعا في مركبه، فما كان يأنف من ركوب البغال والحمير، ولو شاء لركب أصيلات الخيل، وربما أردف بعض أزواجه أو أصحابه خلفه، وإذا تلقَّاهُ الصبيانُ أردفهم معه على دابته، وهذا من أبين الدلائل على تواضعه عليه الصلاة والسلام.
ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام: أنه كان يأبى أن يسير سيرة الملوك، أو يتخلق بأخلاق الأغنياء، أو يتزيَّا بزِيِّ أهلِ الدنيا.
ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام: أنه كان يعمل في بيته ومع أهله أعمالاً يأنف منها كثير من الرجال، سُئلت عائشةُ -رضي الله عنها-: "ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصنع في البيت؟" قالت: "كان يكون في مهنة أهله، فإذا سمع الأذان خرج".
وعن عروة بن الزبير: أنه قال لعائشة: يا أم المؤمنين، أيُّ شيء كان يصنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا كان عندك؟ قالت: ما يفعل أحدكم في مهنة أهله، يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويرقع دلوه.
وفي رواية قالت -رضي الله عنها-: "كان بشرًا من البشر يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه".
ومن شدة تواضعه صلى الله عليه وسلم: أنه لم يكن يتميز على أصحابه بملبس، أو مركب، أو مجلس؛ كما هي عادة الكبراء والأثرياء، فإذا جاء الغريب لم يعرفه من بينهم حتى يسأل عنه.
ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام: أنه يكره أن يقوم الناس له كما هو شأن أهل الدنيا، قال أنس -رضي الله عنه-: "ما كان شخصٌ أحبَّ إليهم رؤيةً من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيتِهِ لذلك".
ومن تواضعه عليه الصلاة والسلام: أنه يجيب دعوة من دعاه ولو كان فقيرا، ويقبل من الطعام ما كان يسيرا، وما كان يغضب من دعوة يراها أقلَّ من حقه، كما هو حال كثير من الوجهاء والأغنياء.
بل قال صلى الله عليه وسلم: "لو دعيتُ إلى ذراعٍ أو كُرَاعٍ لأجبت، ولو أُهديَ إليَّ ذراعٌ أو كُرَاعٌ لقبِلت".
وكان صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه -رضي الله عنهم- على ذلك، فيقول لهم: "إذا دعيتم إلى كُراع فأجيبوا".
ولم يكن صلى الله عليه وسلم يأنف من الضعفة والمساكين، ولا يتبرم من ذوي الحاجات، بل يستمع إليهم، ويقضي حاجاتهم، فيجيبَ السائل، ويُعلِّمَ الجاهل، ويدلَّ التائه، ويتصدقَ على الفقير، وما يرد أحدًا قصَدَهُ في حاجة.
عن أنس -رضي الله عنه-: أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله، إن لي إليك حاجة؟ فقال: "يَا أُمَّ فُلاَنٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِىَ لَكِ حَاجَتَكِ".
فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا.
هذه إشارات سريعة ولمحات خاطفة من تواضعه صلى الله عليه وسلم، وإلا فأخبار تواضعه كثيرة، وما حُفظ عنه عليه الصلاة والسلام: أنه تكبَّر على أحد، أو فاخر بنفسه أو مكانته، وقد نال أعلى المنازل، وحظِيَ عند ربه بأكبر المقامات، فهو صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، واللواء المعقود، وأُسريَ به إلى السموات العُلى حتى بلغ سدرة المنتهى، وبلغ مقاماً لم يبلغه مخلوقٌ قبله ولا بعده، وكلَّمَهُ الله جل جلاله بلا واسطة، وأنعم عليه بالمعجزات، وأيده بالآيات، وما حكا شيئا من ذلك على وجه الفخر أو المدح لنفسه صلى الله عليه وسلم، ولا تعالى به على الناس، بل كان التواضُعُ صفتَه، وخفْضُ الجناح سمتَه صلى الله عليه وسلم.
أسأل الله -جل وعلا-: أن يهدينا لأحسن الأعمال والأقوال والأخلاق، ويصرف عنا سيئها إنه جواد كريم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العلي العظيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله...
أما بعد:
عباد الله: فاتقوا ربكم، واعرفوا هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم، وتخلقوا بأخلاقه؛ فإنه قُدوتُكُم وأسوتُكُم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21].
أيها المسلمون: لقد كان التواضعُ سجيةً للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وما كان يتكلفه، أو يتصنعه أمام الناس، خلاف حالِ أهل الشرف والرياسة الذين يُظهرون التواضع وقلوبُهم متكبرة، والله -جل وعلا- يقول: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)[غافر: 35].
فكان في أعظم المجامع يخطب، والكل منصتٌ لقوله؛ ولم يزده ذلك إلا تواضعا إلى تواضعه.
وفي مواقف النصر والفتوح التي يكون فيها فخر القادة وعلوهم، ولا يقدر على التواضع فيها إلا أقلُّ الرجال، ما حُفِظَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه تعالى، بل يزداد تواضعا إلى تواضعه.
دخل مكةَ يوم الفتح منصوراً مؤزراً وهو مطأطئٌ رأسه تواضعاً لله -تعالى-.
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ"، فَقَالَ لَهُ: "هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ؛ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ".
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم: أنه يُحسن التعامل حتى مع المذنبين، والواقعين في الكبائر، فيرى أنَّهم بعد إقامة الحد الشرعي عليهم تطهروا، فيعاملهم برفق ويتقبلهم، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أُتِىَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، فَقَالَ: "اضْرِبُوهُ" قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَقُولُوا هَكَذَا لاَ تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ".
ولما جاءته امرأةٌ حُبلى من الزنا تريد منه أن يقيم الحد عليها، فبعد أن وضعت حملها، أقيم عليها الحد فَرُجِمَتْ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَصَلَّوْا عَلَيْهَا، فَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّى عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ؟! فقَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ".
ولما جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: إِلَى النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "طَهِّرْنِي مِنَ الزِّنَا"، أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَكَانَ من النَّاسُ من قال لَقَدْ هَلَكَ، لَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، ولكنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: "اسْتَغْفِرُوا لِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ".
وقَالَ: "لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ".
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه-: أنَّ شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، فقال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "ادْنُهْ" فَدَنَا مِنْهُ فَجَلَسَ، فقَالَ له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟" "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟" "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟" "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟" "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟".
وهو يقول: "لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ" والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول له: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ". "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ". "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ". "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ". "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ"
فَوَضَعَ النبي -صلى الله عليه سولم- يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ".
فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.
هكذا كان تواضعُ نبينا -صلى الله عليه وسلم-، يقيم الحدود على الواقعين في المحرمات والكبائر، ويتقبلهم عليه الصلاة والسلام، ويرى أنَّ إقامة الحد، وتنفيذ الحكم الشرعي قد طهره من خطيئته، ويعينه على نفسه لسلوك الصراط المستقيم، وطاعة رب العالمين، كل هذا جعل القلوبَ تمتلئُ بمحبته؛ بل أحبه كثير من الكفار وإن لم يؤمنوا به؛ لِمَا رأوا من حُسنِ أخلاقه، وجميل صفاته، والناس مفطورون على محبة المتواضعين، وعلى بغض المتكبرين.
فواجب على من أنعم الله –تعالى- عليهم بنعمة الجاه أو المال، وجعل حاجة الناس إليهم أن يقرؤوا في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ليتعلموا منه مكارم الأخلاق، وحسن التعامل مع الناس، ولا يحل لذي جاهٍ أن يتكبر على الناس بجاهه، ولا لذي مالٍ أن يرى في نفسه ما لا يرى للناس، فالذي أعطاه قادر على أن يسلبه، ويجعله بعد العز ذليلاً، وبعد الغنى فقيراً.
هذا وصلوا وسلموا على خير البشرية أجمعين، فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين، فقال:(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات
زائر
22-02-2021والله انكم كفو