عناصر الخطبة
1/بعض خيرات وبركات إقامة الصلاة 2/وجوب المحافظة على إقامة الصلاة 3/رسائل ووصايا لكل مفرط في الصلاة 4/بعض أحكام وفقه الصلاة 5/الحال الحسنة للمحافظين على الصلاة في الدنيا والآخرةاقتباس
مَنْ راعى أوقات الصلوات كان أبعد الناس مِنْ مباشَرة القاذورات، وتعاطي المحرَّمات والشبهات، ومَنْ صلَّى صلاةَ الخاشعينَ، تجافَى عن أفعال الخائنينَ للأمانات، فحافِظوا على صلاتكم؛ فهي قُربة تُرقِّيكم، وصِلَةٌ تُقَوِّيكم، وعصمةٌ تَقِيكُم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله القائل: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45]، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، أنعَم على عبادِه بنِعَمِه السابغةِ البالغةِ، فحقَّ أن يُحمد ويُشكَر ويُذكَر، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، نصَح أمتَه ووعَظ وأرشَد وذكَّر، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، صلاة دائمة زاكية ما سعى ساعٍ لرزقه وبكَّر.
أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا اللهَ؛ فالتقوى ركنُ الاستقامةِ، وحصنُ السلامةِ، والحرزُ الحريزُ من مُوجِبات الندامة؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
أيها المسلمون: الصلاة علامة الإيمان، وعصمة الأديان، وطهرة الأبدان، ومذهبة الأحزان، وهي أم الخيرات، ومنبع البركات، ومَجمَع المسرَّات، وقد فرَض اللهُ على العباد المحافظةَ والمداومةَ والمواظبةَ على الصلوات الخمس المفروضات في اليوم والليلة، على الوجه الشرعي المَرضيّ، قال الله -تعالى-: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[الْبَقَرَةِ: 238]، وقال -جلَّ وعزَّ-: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)[الْأَنْعَامِ: 92]، وإنَّما يحافظ عليها مَنْ يُعظِّم أمرَها، ويَعرِف قدرَها، ويرجو أجرَها.
أيها المسلمون: لقد تكرَّر الأمر بإقامة الصلاة في القرآن، تكرارًا كثيرًا؛ دلالةً على عِظَم شأنها وعلوِّ منزلتها، وإقامةُ الصلاةِ أداؤُها بشروطها وأركانها، وسُنَنها وهيئاتها في أوقاتها، ولا تُجزئ مسلمًا صلاةُ فريضةٍ قبلَ وقتِها، ولا يحل له تأخيرها عمدًا عن وقتها، قال -جلَّ وعزَّ-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النِّسَاءِ: 103]، وقال -جلَّ وعزَّ-: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)[الْإِسْرَاءِ: 78]، عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ"(أخرجه مسلم)، وقال مسروق: "لا يحافظُ أحدٌ على الصلوات الخمس، فيُكتب من الغافلين، وفي إفراطهنَّ الهلكة، وإفراطهنّ: إضاعتهنّ عن وقتهنّ".
أيها المسلمون: وقد جاء الترهيبُ الشديدُ، والتخويفُ البالغُ الأكيدُ، والتهديدُ الزاجرُ والوعيدُ، لمن تعمَّد إخراجَ الصلاة المكتوبة عن وقتها، المقدَّر لها شرعًا، فقال -عز وجل-: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)[الْمَاعُونِ: 4-5]، ساهون عنها سهو إهمال، وتغافُل، وتكاسُل، لا يلتفتون إليها، ولا يعبؤون بها، ولا يكترثون بأوقاتها، ولا يبالون سواء صلَّوْا في أوقاتها، أو لم يصلوا فيها، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: "قلت لأبي: يا أبتاه، أرأيت قوله: (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)[الْمَاعُونِ: 5]، أيُّنا لا يسهو؟! أيُّنا لا يحدث نفسه؟! قال: ليس ذلك؛ إنما هو إضاعة الوقت، يلهو حتى يضيع الوقت".
فيا مَنْ لم يزل بترك الصلاة معروفًا، وبالمعاصي مشغوفًا، وعن الخير مصروفًا، يا من لا يقرب المساجد إلا هجرًا، ولا يأتي الصلاة إلا دبرًا، تُبْ قبلَ الفوات، وأقلِعْ عن الهفوات، واستدرِكْ قبلَ دفنِكَ في الرفاة، تُبْ إلى مولاكَ قبلَ أن يطوي الموتُ ذِكرَكَ وخبرَكَ، وتمحو يدُ الفناء عينَكَ وأثرَكَ، وقبل أن تعصف رياحُ المنيةِ بروضِكَ القشيبِ، وتهصر يد الردى يانع غصنك الرطيب.
يا لاهيا عن صلاتك: كيف تأمل أن تعيش في حلل المسرة رافلا، ولم تزل في ليلك ونهارك عن الصلاة غافلًا، يرتفع الأذان فوق المآذن، ويعلو شعاع الشمس فوق البيوت والمساكن، وحالك اليوم كحالك بالأمس، لا تستيقظ إلا بعد طلوع الشمس، وتجيء صلاة الفجر، وقد أثقلك عنها ليلك ورقادك، ثم تجيء صلاة الظهر وقد ألهاك عنها عيشك وأزواجك، ثم تجيء صلاة العصر وقد صرفك عنها نفورك وبعادك، وتتوالى الأوقات والصلوات، ويتوالى إعراضك وعنادك، وقد دنت آخرتك وقرب معادك.
يا من ترك الصلاة وأصر، يا من إذا نودي لها أدبر وتولى وفر، يا من على ما يضره قد استمر، يا من أعلن بالمعاصي وأصر، قل لي بربك: لأي يوم أخرت توبتك؟! ولأي حين أجلت أوبتك؟! يا غافلًا ماذا تنتظر؟! يا لاهيا متى تعتبر وتنزجر؟! يا عاصيًا متى تعود إلى مولاك وتعتذر؟! يا من إذا دعي إلى الصلاة تأفَّفَ، يا من إذا مشى الناس إلى المساجد تخلف؟! يا من إذا سمع النداء تمهل وسوف؟! ألا تعتبر بمن رحل من القرناء؟! ألا ترعوي وقد طوى الموت الأحبة والأخلاء؟! فإلى متى تؤخر التوبة وما أنت بمعذور؟! وإلى متى وأنت في الغفلة والقسوة والغرور؟!
أيها المسلمون: تعاهَدُوا أهلكم وأولادكم واستنقِذوهم، وذكِّروهم وأرشِدوهم، ومُرُوهم بأداء الفرائض في أوقاتها، وعِظُوهم وأيقِظُوهم، عن عمر بن شعيب، عن أبيه عن جده قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مُرُوا ألادَكم بالصلاة وهم أبناءُ سبعِ سنينَ، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سنينَ، وفرِّقوا بينهم في المضاجع"(أخرجه أبو داود).
أيها المسلمون: ومَنْ فاتته صلوات مفروضات، ناسيًا أو نائمًا، وجَب عليه قضاؤها؛ فيقضي النائم إذا استيقظ، والناسي إذا ذكَر؛ لحديث أنس -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ نَسِيَ صلاةً أو نام عنها فكفارتُها أن يصليَها إذا ذكَرَها، لا كفارةَ لها إلا ذلك"(مُتفَق عليه)، ويبدأ في القضاء بالصلاة الفائتة؛ الأولى فالأولى.
أيها المسلمون: ومن صلى صلاة فأنقصها ولم يتمها زيد عليها من سبحاته ونوافله وتطوعاته حتى تتم؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة المكتوبة، فإن أتمها، وإلا قيل: انظروا: هل له من تطوع؟! فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك"(رواه أهل السنن)، فأكثروا من صلاة النوافل تقربًا إلى ربكم، وجبرًا لما نقص من صلاتكم، وتتميما لما فات من فريضتكم.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفروه، ويا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، آوى من إلى لطفه أوى، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، داوى بإنعامه من يئس من أسقامه الدوا، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، من اتبعه رشد واهتدى، ومن عصاه ضل وغوى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة تبقى وسلامًا يترى.
أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا اللهَ وراقِبوه وأطيعوه ولا تعصوه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].
أيها المسلمون: لا تلهينَّكم أموالُكم ولا ألادُكم، ولا تنسينَّكم تجارتُكم وبيوعُكم، ولا تشغلنَّكم أسواقُكم وحوانيتُكم عن أداء الصلاة في مواقيتها، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنَّه رأى قومًا من أهل السوق، حيث نودي بالصلاة، تركوا بياعاتهم، ونهضوا إلى الصلاة، فقال عبدُ اللهِ: هؤلاء مِنَ الذين ذكَر اللهُ في كتابه: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ)[النُّورِ: 37]".
أيها المسلمون: لا تفوتنَّكم مواطنُ الزلفى والحسنات، ولا تصدنكم الصوارف والملهيات، عن مواضع الأجور والنفحات والبركات، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من غدًا إلى المسجد أو راح، أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدًا أو راح"(مُتفَق عليه)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ تطهَّر في بيته، ثم مضى إلى بيت من بيوت الله، ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة"(رواه مسلم)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط"(رواه مسلم).
أيها المسلمون: لقد ذمَّ اللهُ الهلوعَ الجزوعَ المنوعَ، الذي إذا فاضت عليه النعماءُ لم يشكر، وإذا نزل عليه البلاءُ لم يصبر، واستثنى المصلينَ، الذين لا يجزعونَ عندَ البلاء، ولا يمنعونَ عندَ النعماءِ، فقال -جلَّ وعزَّ-: (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ)[الْمَعَارِجِ: 19-23]؛ لأن الصلوات المفروضات هن الزاجرات، تزجرن صاحبهن عن الطبائع الدنية، والأخلاق الردية، وهن الماهيات، تنهين من أقامهن عن المعاصي والفواحش والمنكرات، وتحجزنه عن العدوان على الدماء والأعراض والأموال والممتَلَكات.
ومَنْ راعى أوقات الصلوات كان أبعد الناس مِنْ مباشَرة القاذورات، وتعاطي المحرَّمات والشبهات، ومَنْ صلَّى صلاةَ الخاشعينَ، تجافَى عن أفعال الخائنينَ للأمانات، فحافِظوا على صلاتكم؛ فهي قُربة تُرقِّيكم، وصِلَةٌ تُقَوِّيكم، وعصمةٌ تَقِيكُم.
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورى طُرًّا، فمَنْ صلى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهمَّ صل وسلِّمْ على نبينا وسيدنا محمد، وارض اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، ذوي الشرف الجلي، والقدر العلي؛ أبي بكر وعمر عثمان وعلي، وعن سائر الآل والأصحاب، وعنا معهم يا كريم يا وهاب.
اللهمَّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، اللهمَّ احفظ بلادنا، وبلاد المسلمين، من كيد الكائدين، ومَكْر الماكرينَ، وحقدِ الحاقدينَ، وحسدِ الحاسدينَ، يا ربَّ العالمينَ؛ (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا)[الْبَقَرَةِ: 126].
اللهمَّ وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرَنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهمَّ وفِّقْه ووليَّ عهدِه وسائر ولاة المسلمين لِمَا فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمينَ يا ربَّ العالمينَ.
اللهمَّ اشف مرضانا، وعافِ مبتلانا، وارحَمْ موتانا يا ربَّ العالمين، اللهمَّ واحفظ رجال أمننا، واحفظ جنودنا المرابطين على ثغورنا، واشف جرحاهم، وتقبل موتاهم في الشهداء يا سميع الدعاء.
اللهمَّ انصر إخواننا في فلسطين، على الطغاة المحتلين، وطهر المسجد الأقصى من رجز اليهود الغاصبين، واحفظ أهلنا في فلسطين، واجبر كسرهم، وعجل نصرهم، وأقل عثرتهم، واكشف كربتهم، وفك أسراهم، واشف مرضاهم، وتقبل موتاهم في الشهداء يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ واختم بالسعادة آجالنا، وحقق برحمتك آمالنا، واقرن بالعافية غدونا آصالنا، واجعل إلى جنتك مصيرنا ومآلنا، وتقبل بفضلك أعمالنا، إنك مجيب الدعوات، ومفيض الخيرات، اللهمَّ واجعل دعاءنا مسموعًا، ونداءنا مرفوعًا، يا كريم يا عظيم يا رحيم.
التعليقات