عناصر الخطبة
1/منزلة الصيام في الإسلام وحكمه 2/من سنن رمضان وآداب الصيام.اقتباس
مما يُستحب في هذا الشهر تفطير الصائمين سواء كان الصائم غنيَّاً أو فقيراً, إلا أنَّ الفقير والمسكين أولى وفضيلة تقديمه متقرِّرة؛ فالغني يجد ما يفطر عليه أما الفقير فقد لا يجد, أو يجد ما لا يكفيه لا هو ولا عياله؛ فتفَقّدوا الفقراء من الأرامل واليتامى وغيرهم, وتلمسوا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي فرض علينا صيام رمضان, وسَنَّ لنا قيام ليله, ونحمده أن بلَّغنا هذا الشهر, ونشكره على تيسيره وتوفيقه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله وصفيُّه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً, أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون- واحمدوا الله على ما أنتم فيه من النعم, أمن وأمان ورغد عيش واطمئنان؛ فوجب عليكم الشكر, بفعل ما أمركم الله به واجتناب ما نهاكم عنه, وحاسبوا أنفسكم؛ فإنَّكم مسؤولون عندما لا ينفعكم مال ولا بنون.
معاشر المسلمين: إنَّ صيام رمضان ركن من أركان الإسلام فرضه الله على عباده, وهو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع وغيرها من المفطرات بنية الصيام من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[البقرة: 187]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183]؛ قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "يخبر تعالى بما منَّ به على عباده، بأنه فرض عليهم الصيام، كما فرضه على الأمم السابقة، لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان".
عباد الله: إنَّ للصيام سنناً جدير بالمؤمن فعلها, ومن تلك السنن:
أولاً: أكل السحور ويستحب تأخيره قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً"(متفق عليه)، أما وقت السحور؛ فإنَّه قبل طلوع الفجر الصادق بقليل, عن أنس بن مالك، أنَّ زيد بن ثابت، حدثه: "أنهم تسحروا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-ثم قاموا إلى الصلاة، قلت: كم بينهما؟ قال: قدرُ خمسين أو ستين"؛ يعني آية (متفق عليه).
وكذلك -يا عباد الله- فإنَّ أكلة السحور هي فارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب, فإنَّهم لا يتسحرون, عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: "فصلُ ما بينَ صيامنا وصيامِ أهل الكتاب، أكلةُ السَّحَر" (أخرجه مسلم)، ويستحب أن يكون تمراً, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نِعْمَ سَحُورُ المُؤمِنِ التَّمْرُ" (أخرجه أبو داود وصححه الألباني).
وكذلك فعلى الصائم أن لا يترك السحور ولو بشرب جرعة ماء, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "السُّحُورُ أَكْلَةٌ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ" (أخرجه الإمام أحمد وحسَّنه الألباني).
ثانياً من سنن الصيام: تعجيل الفطر, فيفطر من حين تغرب الشمس مباشرة, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر" (متفق عليه)؛ قال الإمام النووي -رحمه الله-: "فيه الحث على تعجيله بعد تحقق غروب الشمس, ومعناه: لا يزال أمر الأمة منتظماً وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السُنَّة, وإذا أخَّروه كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه".
الثالث: أن يفطر على رطب, فإن لم يجد فعلى تمر, فإن لم يجد فيحسو حسوات من ماء, قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ" (أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني).
الرابع من سنن الصيام: الدعاء عند الفطر؛ فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم-إذا أفطر قال: "ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ" (أخرجه أبو داود والحاكم وحسنه الألباني).
الخامس: استحباب تفطير الصائمين قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" (أخرجه الترمذي وصححه الألباني).
وتفطير الصائمين -يا عباد الله- يكون بما يحصل به المقصود مما لا يكون معه إسراف ولا تبذير؛ فإنَّ البعض توسع في ذلك توسعا كبيرا, وأصبح البعض يتباهى بكثرة أصناف ما يُقدِّم للصائمين من موائد إفطار في المساجد, أو في غيرها, فيبقى منها ما يبقى ولا يؤكل منها إلا القليل, والتوسط مطلوب, بالاقتصار على الكفاية إكراماً للنعمة وشكراً لله عليها.
معاشر المسلمين: ومن السنن في رمضان تأدية صلاة التراويح, سابقوا إليها, ولا يفوتَنَّ أحد منكم فضلها, فإنَّها من قيام الليل, قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (متفق عليه)؛ قال النووي -رحمه الله-: "المراد بقيام رمضان صلاة التراويح واتفق العلماء على استحبابها، والأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة -رضي الله عنهم- واستمر عمل المسلمين عليه؛ لأنَّه من الشعائر الظاهرة"، وقال ابن رجب -رحمه الله-: "المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام وجهاد بالليل على القيام فمن جمع بين هذين الجهادين ووفَّى بحقوقهما وصبر عليهما وُفِّيَ أجرُه بغير حساب".
معاشر المسلمين: مما يُستحب في هذا الشهر تفطير الصائمين سواء كان الصائم غنيَّاً أو فقيراً, إلا أنَّ الفقير والمسكين أولى وفضيلة تقديمه متقرِّرة؛ فالغني يجد ما يفطر عليه أما الفقير فقد لا يجد, أو يجد ما لا يكفيه لا هو ولا عياله, فتفَقّدوا الفقراء من الأرامل واليتامى وغيرهم, وتلمسوا المحتاجين, مُدوا يد العون إليهم, بالطعام والمال.
معاشر المسلمين: من آداب الصيام أن يحفظ الصائم سمعه فلا يسمع به حراماً, وكذلك يحفظ بصره فلا ينظر إلى حرام, وأن يحفظ لسانه ويُمسكه عمَّا حرَّم الله عليه من كل قول يأثم عليه, قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ" (أخرجه الشيخان).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
التعليقات