عناصر الخطبة
1/ التعجيل بتجهيز الميت ودفنه 2/ الحكمة من ذلك 3/ الصلاة على القبر لمن فاتته الجنازة 4/ نقل الميت من بلد لآخر 5/ حكم صلاة الجنازة 6/ صفتهااهداف الخطبة
اقتباس
اعلموا أن الموت هو الخطب الأفظع، والأمر الأشنع، والكأس التي طعمها أكره وأبشع، إن يومَه يومٌ عظيم، ولحظته من أشدِ اللحظات وأصعبها، أسأل الله بمنه وكرمه أن يهون علينا سكرته وغمرته.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمً) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: أيها الإخوة: اعلموا أن الموت هو الخطب الأفظع، والأمر الأشنع، والكأس التي طعمها أكره وأبشع، إن يومَه يومٌ عظيم، ولحظته من أشدِ اللحظات وأصعبها، أسأل الله بمنه وكرمه أن يهون علينا سكرته وغمرته.
أيها الإخوة: من أحكام الجنائز التي ينبغي العلم بها مشروعية الإسراع في تجهيز الميت من تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ونقله إلى قبره، فعَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحٍ، أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ الْبَرَاءِ، مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُهُ، فَقَالَ: "إِنِّي لَا أَرَى طَلْحَةَ إِلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ فَآذِنُونِي بِهِ وَعَجِّلُوا فَإِنَّهُ، لَا يَنْبَغِي لِجِيفَةِ مُسْلِمٍ أَنْ تُحْبَسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَهْلِهِ" رواه أبو داود والطبراني في الكبير وحسنه بعض أهل العلم، وقال ابن حجر: ورواه الطبراني في الكبير وقال الهيثمي في مجمع الزوائد وإسناده حسن.
وعَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "ثَلاَثَةٌ يَا عَلِىُّ لاَ تُؤَخِّرْهُنَّ: الصلاةُ إِذَا آنَتْ، وَالْجَنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ، وَالأَيِّمُ إِذَا وَجَدَتْ كُفُؤًا" رواه أحمد والترمذي.
وهذه الأحاديث -وإن كان فيها مقال- فهي تدل على مشروعية التعجيل بالميت والإسراع في تجهيزه.
وتشهد لها أحاديث الإسراع بالجنازة، قاله ابن القيم وغيره؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ" رواه البخاري.
قال ابن حجر -رحمه الله-: وفيه استحباب المبادرة إلى دفن الميت؛ لكن بعد أن يتحقق أنه مات.
وقال شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله- معلقًا على هذا الحديث: إذا كان الإسراع في التشييع مطلوبًا مع ما فيه من المشقة على المشيعين، فالإسراع في التجهيز من باب أولى.
وقال أيضًا: أسرعوا بها: أي في تجهيزها وتشييعها ودفنها لا تؤخروها، ويستفاد من هذا الحديث أنه يسن الإسراع بالجنازة وألا تؤخر، وما يفعله بعض الناس اليوم إذا مات الميت قالوا: انتظِروا حتى يقدم أهله من كل فج، وبعضهم ربما كان في أوربا أو في أمريكا، وربما طال ذلك يوماً أو يومين، فهذا جناية على الميت، وعصيان لأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وإذا جاء أهله وقد دفن يصلون على قبره فالأمر واسع والحمد لله، وإذا تأخر دفنه حتى يأتوا؛ ماذا ينفعه من ذلك؟ إنه لا ينفعه إلا الدعاء له بالصلاة عليه، وهذا حاصل إذا صلوا عليه في قبره، ولا وجه لهذا الحبس إطلاقا.
وقال -رحمه الله-: والميت إذا مات فإما أن يكون صالحاً وإما أن يكون سوى ذلك، فإن كان صالحاً فإن حبسه حيلولة بينه وبين ما أعده له الله من النعيم في قبره؛ لأنه ينتقل من الدنيا إلى خير منها وإلى أفضل؛ لأنه حين احتضاره ومنازعته الموت يبشر، يقال لروحه: "أبشِري برحمة من الله ورضوان"؛ فيشتاق لهذه البشرى؛ فيجب أن يعجل به، فإذا حبس كان في هذا شيء من الجناية عليه والحيلولة بينه وبين ما أعده الله له من النعيم.
وإن كان غير صالح -والعياذ بالله- فإنه لا ينبغي أن يكون بيننا، وينبغي أن نسارع بالتخلص منه، ولهذا قَالَ رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟! يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ" رواه البخاري.
وقال -رحمه الله- :وإذا حبسناه -أي الميت- عما أعد الله له من النعيم صار في هذا جناية عليه مع مخالفة السنة، وأصبحت الآن الجنازة كأنها عرس ينتظر به القادم حتى يحضر، أما إذا أخر مثلًا لساعة أو ساعتين أو نحوهما من أجل كثرة الجمع فلا بأس بذلك، كما لو مات بأول النهار وأخرناه إلى الظهر ليحضر الناس، أو إلى صلاة الجمعة إذا كان في صباح الجمعة ليكثر المصلون عليه، فهذا لا بأس به؛ لأنه تأخير يسير لمصلحة الميت.
أيها الإخوة : لقد كان الناس إلى وقت قريب لا ينتظرون بمن مات الصبح إلى الظهر بل يجهزونه ويصلون عليه قبل الظهر أخذًا بالأمر بالتعجيل، فما بالنا الآن نؤخر هذا التأخير الكثير مع ما يسره الله تعالى لنا في هذه الأيام من سهولة الاتصال بمن في البلد؟ أما من هم خارج البلد فلا يؤخر تجهيز الميت ودفنه من أجلهم، والأمر -ولله الحمد- فيه سعة، فإذا حضر الغائب يذهب إلى المقبرة ويصلي على الميت في قبره، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد روى البخاري ومسلم واللفظ لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَفَقَدَهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَسَأَلَ عَنْهَا فَقَالُوا: مَاتَت، قَالَ: "أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟"، قَالَ: فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، فَقَالَ: "دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِا"، فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ".
والعجيب أن كثيرًا من الناس لا يهتم بالصلاة على القبر إذا فاتته الصلاة على الميت، إما جهلًا بالحكم أو عدم اهتمام بالأمر، ففي صحيح مسلم: انْتَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى قَبْرٍ رَطْبٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَصَفُّوا خَلْفَهُ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا.
أيها الإخوة: ومن المسائل المهمة التي يجب التنبه لها نقل جثمان الميت من بلد إلى بلد، وقد سئل شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله- عن ذلك فقال السائل: ما حكم نقل الجنازة مثلاً من مدينة إلى مدينة لكي يكثر الصلاة عليها؟ فأجاب: هذه بدعة ومكروه، إلا لغرض صحيح فيصح، أما لمجرد أن تكون البقعة أفضل أو ما أشبه ذلك، فلا. وكذلك لأجل أن يصلي عليه أهل المدينة الثانية فلا. وأقول: يا إخوان: الإنسان لا ينفعه إلا عمله، والذي ليس عنده عمل لو صلى عليه آلاف الناس لا ينفعونه إلا بمقدار ما ينفعون في الصلاة على غيره. اهـ.
وقال ابن مفلح -رحمه الله- في كتابه الفروع: وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ نَقْلَ الْمَيِّتِ مُطْلَقًا، وَحَرَّمَهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ، وقال: قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَيَجِبُ -أي نقل الميت- لِضَرُورَةٍ، نَحْوُ كَوْنِهِ بِدَارِ حَرْبٍ، أَوْ مَكَان يُخَافُ نَبْشُهُ، وَتَحْرِيقُهُ، أَوْ الْمُثْلَةُ بِهِ، قَالَ: وَإِنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهُ بِدَارِ حَرْبٍ فَالْأَوْلَى تَسْوِيَتُهُ بِالْأَرْضِ، وَإِخْفَاؤُهُ، مَخَافَةَ الْعَدُوِّ.
أيها الإخوة: بعض الإخوة المقيمين -وفقهم الله- إذا توفي لهم قريب أصروا على نقله إلى بلدهم، ويخسرون على نقله أموالاً كثيرة كان الأولى أن يستفيد منها الحي، أو يتصدق بها عن الميت، ثم ما في نقله من تأخيرٍ لدفنه وتقديمه للخير إن كان صالحاً، أو بقائه بين أظهر الأحياء إن كان غير ذلك، وكان الأولى إراحتهم منه كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أسأل الله بمنه وكرمه أن يمن علينا بالإيمان الراسخ، والعمل الصالح، وأن يهون علينا الموت وسكرته، وأن يجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، إنه جواد كريم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق الخلق فأحصاهم عددًا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام الهدى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم المبارك ثم اهتدى.
أما بعد: فاتقوا الله أيها الإخوة حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا أسباب سخط الجبار؛ فإن أجسادكم على النار لا تقوى.
أيها الإخوة: والصلاة على الميت فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين وهي حق للميت وفيها خير كثير له، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ "مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ". رواه مسلم.
قال شيخنا محمد بن عثيمين: أي قبل شفاعتهم فيه وهذه بشرى للمؤمن إذا كثر المصلون على جنازته فشفعوا له عند الله أن الله تعالى يشفعهم فيه.
وعَنْ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَوْجَبَ (أي: إلا وجبت له الجنة بشفاعتهم وبدعائهم له). قَالَ: فَكَانَ مَالِكٌ إِذَا اسْتَقَلَّ أَهْلَ الْجَنَازَةِ جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ. رواه أبو داود، قال الألباني: ثابت بشواهده.
أيها الإخوة: وصلاة الجنازة تختلف عن الصلوات المعهودة، وصفتها أن يكبر أربع تكبيرات وهنَّ أركان يكبر الأولى ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي كما يصلى عليه في التشهد وإن صلى على النبي بقوله اللهم صل على محمد كفى، ثم يكبر الثالثة ويدعو بالدعاء المأثور عن النبي إن كان يعرفه، وإن لم يكن يعرفه فبأي دعاء ويخصصه للميت، ثم يكبر الرابعة ويقف قليلًا، ثم يسلم.
وله أن يزيد تكبيرة خامسة، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ زَيْد بن أرقم يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا وَإِنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةٍ خَمْسًا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُكَبِّرُهَا. رواه مسلم.
قال شيخنا محمد بن عثيمين رحمه: الله ولهذا ينبغي للأئمة أحيانًا أن يكبروا على الجنازة خمس مرات إحياء للسنة.
ثم قال: إذا كبرنا خمسًا فماذا نقول بعد الرابعة والخامسة؟ قال: يجعل بعد الثالثة الدعاء العام وبعد الرابعة الدعاء الخاص بالميت، وما بعد الخامسة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ومن فاته شيء من التكبيرات تابع بين التكبيرات ثم سلم، وإن سلم مع الإمام فلا شيء عليه، ولا ينبغي رفع الصوت بالتكبير من المأمومين لأنه خلاف السنة، فالسنة الإسرار بالتكبير،
التعليقات