عناصر الخطبة
1/تكفُّل الله بنَصْر هذا الدين إلى يوم القيامة 2/شروط انتصار الأمة وتمكينها 3/أهمية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 4/من أعظم الأمن إنكار المنكر بحسب القدرة 5/جملةَ منكراتٍ نقدر غالبًا على إنكارها بألسنتنا والنصح لفاعلها.اقتباس
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ليس كلمةً يطلقها المرء في الموقف العارض، ولكنها يجب أن تكون مؤسساتٍ تقومُ، وبرامجَ تنظَّم، وكتبًا تطبع، وإعلامًا حرًّا نزيهًا، ومحاضنَ آمنة، وحِلَقًا ودُورًا للقرآن، وأقلامًا ومنابر، وممانعةً لكل فكر مشبوه، أو دعوات دخيلة..
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا. مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].
أما بعد: فإن "الله قد تكفَّل بنَصْر هذا الدين إلى يوم القيامة، وبظهورِه على الدين كلِّه، وشهد بذلك، وكفى بالله شهيدًا.. وهذه الفتن والقلاقل، وإن كانت مُؤلمةً للقلوب، فما هي إلاّ كالدواء الذي يُسقَاه المريضُ ليحصل له القوة والشِفاءُ"(جامع المسائل لابن تيمية - ت: عزير شمس: 5/292).
وقد بَشَّرْ نبينا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ"(مسند أحمد: 21222)؛ ولكن ليتحقق لنا التمكين في الأرض فلابد من تحقيق ما في قول ربنا -تعالى-: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[الحج: 41]، فما أعظمها من آيات وكأنها نزلت الساعة لهذه الأحداث الراهنة!
فيوم يعلمُ اللهُ من أحوال المؤمنين أنهم إذا مَلكوا انتشرت الصلوات، وأُدِّيت الزكوات، وعلا صوت المعروف، وخَفَتَ صوت المنكر فلنترقب النصر والتمكين.
ونحن مأمورون بتحقيق الأسباب الممكنة، بدءًا من استصلاح النفس والأسرة، ثم باقي المجتمع، وما لم نَقدر عليه فإننا معذورون أمام الله فيه.
واللهُ قد دلَّنا على ما ندرأ به الخطرَ عن أنفسنا وأعراضِنا، وجعل ذلك مناطَ الفلاح، وهل يُعْدَلُ بالفلاح شيء؟! (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 104]، وبأولئك المفلحين يدفع اللهُ باطلَ المفسدين، ليُزهقوا زاهقَ باطلهم، وبنور إنكارهم يطفئُ الله نارَهم (كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ)[المائدة: 64].
قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَىِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا"(سنن أبى داود: 4338).
أيها المؤمنون: إن قيام كل فرد في المجتمع بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من دلائل توفيقه وخيريته، وهو يصنع له ولمجتمعه ضمانًا وأمانًا من العقوبات, واستمطارًا لسيل الرحمات: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ)[التوبة: 71].
لكنَّ هذه الشعيرة ليست في السوق والشارع فحسب؛ بل يجب أن تبدأ من البيت الذي يُنَشَّأ فيه الفتى والفتاة، ليُغَذَّوا بالغيرة والحياء، وحينها يفطنون لكيد الأعداء الألدّاء: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التحريم: 6].
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ليس كلمةً يطلقها المرء في الموقف العارض، ولكنها يجب أن تكون مؤسساتٍ تقومُ، وبرامجَ تنظَّم، وكتبًا تطبع، وإعلامًا حرًّا نزيهًا، ومحاضنَ آمنة، وحِلَقًا ودُورًا للقرآن، وأقلامًا ومنابر، وممانعةً لكل فكر مشبوه، أو دعوات دخيلة.
ومن جميل ما يُذْكَر فيُشْكَر؛ ذلكم المؤتمرُ الوطنيُ لمنهج السلفِ الصالحِ في الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، ودورِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ في تعزيزه، والذي أُقيم هذا الأسبوع. ذلك أن هذه الشعيرة قررتها الشريعة الغراء، ونادَى بها ولاة أمرنا من العلماء والأمراء، ولا يوجد دولة في العالم جعلت للحسبة رئاسة وموظفين إلا هذه الدولة المباركة.
ألا وإننا في بلادنا لمحسودون ومحارَبون في دفاعنا عن أعراضنا، ولنعلم أنه لن يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلَح أوَّلَها، فلا نلتفت لافترائهم وظلمهم: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)[الشعراء: 227].
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..
وبعدُ: نعم؛ كلَّنا رجل أمن، ومن أعظم الأمن إنكار المنكر بحسب القدرة، فمن لم يَقدِر على الإنكار بيده فلينكر بلسانه، ومن لم يقدر بلسانه فلا عذر له أن ينكر بقلبه.
إن ثمة منكراتٍ انتشرت في مجامعنا ومجالسنا وأسواقِنا بسبب سكوتِنا وخوفِنا، فلنُنكر برفق بما نقدر، ولا يخوِّفْنا الشيطانُ من النصح لإخواننا.
وإليكم الآن جملةَ منكراتٍ نقدر غالبًا على إنكارها بألسنتنا، والنصح لفاعلها.
الأول: نصح الذين نراهم يسرقون من صلاتهم: قَالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ أَسْوَأَ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ صَلاَتَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَسْرِقُهَا؟ قَالَ: لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهَا، وَلاَ سُجُودَهَا"(مسند أحمد ط الرسالة: 11532).
ومن المنكرات المنتشرة: الغش في السلع والبيوع، وسبيل الإنكار المقدورِ عليه إرسال بلاغ عبر تطبيق وزارة التجارة.
ومن المنكرات: سماع الغناء والذي إن انتشر فيُخشى أن يقع ما أخبر به الصادق المصدوق-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من "خَسْفٍ وَمَسْخٍ وَقَذْفٍ"(رواه الترمذي رقم 2212).
ومما زاد البلاء في عصرنا دخول الموسيقى في الألعاب والجوالات والمقاطع، وأكثرِ هذه الشيلات التي أوهم بعض المسلمين نفسه أنها ليست غناءً.
ومن المنكرات التي لا تكاد تُنكَر: الغيبة، كأن يذكر عيوبه أو يقلده على سبيل التهكم أو الإضحاك. ويجب على من كان حاضرًا أن يدافع عن أخيه المغتاب قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ"(سنن الترمذي: 1931).
ومن المنكرات الشنيعة: لعن المؤمن، ولعن من لا يستحق اللعن كالدواب والسيارة والريح، بل وربما لعنوا أنفسهم وأولادهم؛ قَالَ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ". (صحيح البخاري: 6047، وصحيح مسلم: 316).
نسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يعيذنا من منكرات الأخلاق، والأعمال والأهواء، وأن يصلحنا وشبابنا ونساءَنا، وأن يحفظ ولاة أمرنا قادة هذه البلاد، وأن يوحد صفوفنا، ويجمع كلمتنا. ونسأله أن يزيد جهاز الهيئات مكانة وتمكينًا.
التعليقات