عناصر الخطبة
1/فضائل نبي الله إبراهيم عليه السلام 2/من مواطن القدوة في سيرته 3/حقيقة الحنيفية ومقتضياتها 4/وجوب الاستمساك بالحنيفية السمحة.اقتباس
وهو إمام الحنفاء، ويسميه أهل الكتاب عمود العالَم، وجميع أهل الملل متفقة على تعظيمه وتولّيه ومحبته، وكان خير بنيه سيد ولد آدم محمد -صلى الله عليه وسلم- يجلُّه ويعظِّمه ويبجِّله ويحترمه...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: اعلموا أن الله أمرنا معشـر المسلمين بأمرٍ عظيم؛ ألا وهو اتباع ملة إبراهيم عليه الصلاة والتسليم، (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[آل عمران:95]؛ فمن إبراهيم؟! وما ملته؟! أما إبراهيم؛ فإنه إمام الحنفاء وأبو الأنبياء، إنه أفضل أولي العزم من الرسل، بل أفضل البشر بعد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
إنه الذي قال الله فيه: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[النحل:120-123].
إنه أول مَن يُكْسَى من الخلائق يوم القيامة. إنه إبراهيم الذي وفَّى؛ وفَّى جميع ما شُرِع له فعمل به، كان صدِّيقًا نبيًّا، كان ربه به حفِيًّا، آتاه رشده في صغره وابتعثه رسولاً واتخذه خليلاً في كبره، قال تعالى: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ)[الأنبياء:51].
إنه إبراهيم الذي جاء ربه بقلب سليم، إنه الذي (قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[البقرة:131]، فسلَّم سبحانه عليه فقال: (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[الصافات: 109]، إنه الذي قال الله فيه: (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ)[الصافات:111]، وقال فيه: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ)[هود:75].
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وهو إمام الحنفاء، ويسميه أهل الكتاب عمود العالَم، وجميع أهل الملل متفقة على تعظيمه وتولّيه ومحبته، وكان خير بنيه سيد ولد آدم محمد -صلى الله عليه وسلم- يجلُّه ويعظِّمه ويبجِّله ويحترمه" انتهى كلامه -رحمه الله-.
إنه مُكرِم الضيفان، قال عكرمة -رحمه الله-: "كان إبراهيم -عليه السلام- يُكْنى أبا الضيفان".
إنه مكسِّـر الأوثان قال تعالى عنه: (فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ)[الصافات:91-93]. إنه خليل الرحمن (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)[النساء:125].
إنه الداعي إلى الله كل حياته بكل وسيلة، حاج النمرود المتمرد، (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)[البقرة:258]، ودعا أباه بألطف عبارة وأحسن إشارة، (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)[التوبة:114]؛ (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات:85-87]، قال لهم: (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ)[الأنبياء:66].
ولـمَّا حاجه قومه قال: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ)[الأنعام:80]، ولما صدع بالتوحيد وأمر به ونهى عن الشـرك عاداه قومه وآذوه حتى أُلقي في النار، أرادوا أن ينتصروا فخُذلوا، وأرادوا أن يرتفعوا فاتَّضعوا، وأرادوا أن يغلِبوا فغُلبوا (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ)[الصافات:98]، إنه الذي هجر أعداء الله في ذات الله (وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[العنكبوت:26].
ابتلاه ربه بكلمات فأتمهن فجعله للناس إمامًا، وصلى عليه وعلى آله، وبارك عليه وعلى آله، بوَّأه ربه مكان البيت فرفع قواعده وابنُه إسماعيل، فكان إسماعيل يأتي بالحجارة وهو يبني وهما يقولان: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[البقرة:127]، يبني بيت الله بأمر الله ومع ذلك يلجأ إلى الله أن يقبل منه! فليعلم المغترون.
وعهِد -سبحانه- إليهما بتطهير البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود. إنه إبراهيم الذي أمره ربه أن يؤذن في الناس بالحج فاستجاب فقال: "يا أيها الناس كُتب عليكم الحج إلى البيت العتيق"، قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "فسمعه مَن بين السماء والأرض".
كان يحب هذه الأمة المحمدية ويريد لها الخير ويبلِّغها السلام ويود أن يعلِّمها ما ينفعها، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا: سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ"؛ فجزاه الله عن هذه الأمة خير الجزاء.
عباد الله: إن ملة إبراهيم هي حقيقة الهدى، (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[البقرة:135]، إنها الدين القيِّم والصـراط المستقيم، (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[الأنعام:161]، ولا يرغب عن هذه الملة إلا سفيهٌ عدو نفسه، (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)[البقرة:130].
أيها المسلمون: إن ملة إبراهيم هي التي أُمر نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- باتباعها، (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[النحل:123]، وهي التي أُمرنا معشـر أمته باتباعها، (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[آل عمران:95]، وهل دينٌ أحسن من هذا!! (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)[النساء:125].
ولعظيم هذا الأمر سنَّ لنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أن نذكِّر أنفسنا بهذا الأمر كل يوم؛ وهذا من أسباب الثبات على هذه الملة الحنيفية، فكان -صلى الله عليه وسلم- يقول إذا أصبح: "أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَعَلَى كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا، وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ".
فاللهم ثبتنا عليها، ونعوذ بك من الحور بعد الكور. أقول هذا الذي تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إن ربي غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاعلموا -أيها المسلمون- أنَّ الملة الحنيفية ملة التوحيد والتجريد والتفريد، إنها الإقبال على الله وحده والإعراض عما سواه، فإنَّ الحنَف: هو إقبال القدم وميلها إلى أختها؛ أي هو الميل عن الشيء بالإقبال على غيره، فالحنيف إذًا هو الموحِّد ربه المُفْرِدُ له الذي لا يريد غيره.
عبد الله: إن حقيقة الحنيفية؛ أن تعبد الله مخلصًا له الدين، وبذلك الله أمر الله جميع الناس وخلقهم لها، ولا يقبل من أحد غيرها؛ وهذا حقيقة "لا إله إلا الله"، فهي العروة الوثقى وكلمة التقوى، والكلمة التي جعلها إبراهيم في عقِبه، فإنه -عليه السلام- قد جرَّد توحيد ربه فلم يدعُ معه غيره ولا أشرك به طرفة عين، وتبرأ من كل معبود سواه، وخالف في ذلك القريب والبعيد. إن الحنيفية -عباد الله- تقتضي تمييز الحق من الباطل والهدى من الضلال، وتمييز أهل كلٍ، ثم القيام بما يقتضيه الإيمان بعد هذا؛ فإبراهيم -عليه السلام- قد تبين له الهدى من الضلال فقال لأبيه: (إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[الأنعام:74]، ولما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه.
عباد الله: إن ملة إبراهيم تقتضـي النفرة من الشـرك والبُعد عنه والحذر منه، قال إبراهيم -عليه السلام-: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)[إبراهيم:35]، إنها تقتضـي أن لا تكون من المشـركين، وقد كثُر في القرآن وصف إبراهيم بأنه ما كان من المشـركين، إي والله! ما كان منهم في شيء البتة، ولم يداهنهم، ولو يوافقهم، ولم يشابههم، بل كان مفارقًا لهم ببدنه ومجانبًا لهم بقلبه ولسانه وجوارحه، قال لقومه: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا)[مريم:48]، وقال لهم: (قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ)[الشعراء:75-77].
أيها المسلمون: إن الحنيفية تقتضـي معاداة أعداء الله والبراءة منهم بلا ظلم ولا شطط، قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)[الممتحنة:4].
الحنيفية -عباد الله- تقتضـي الثقة بالله والتوكل عليه وحسن الظن به وإفراده بالحب والخوف والرجاء وعبودية القلب والقالب وسرعة الاستجابة لأمره، فإبراهيم –عليه السلام- الذي هو إمام الحنفاء قد قال: (وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ)[الأنعام:80]، وقال: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)[الحجر:56]، ولما ألقاه قومه في النار التي أَّججوها ما التفت قلبه إلى غير الله، بل امتلأ ثقة بالله وقال: "حسبي الله ونعم الوكيل" فقال الله للنار: (كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[الأنبياء:69].
ولما أمره ربه أن يدَع ابنه الرضيع وزوجه في صحراء مقفرة موحشة لا أنيس بها ولا زاد امتثل بلا تردد، فلما وضعهم حيث أُمر وقفَّى منطلقًا نادته أم إسماعيل من ورائه: إلى من تتركنا؟ قال: "إلى الله"، قالت: رضيت بالله.
ولما ابتُلي البلاء المبين فأمره ربه أن يذبح ابنه فِلْذة كبده لم يتلكأ قط، بل تلَّه للجبين، ووضع وجهه على الأرض، والتقط الشفرة وتهيأ للذبح، ثم تفضل سبحانه ففداه بذبح عظيم.
عباد الله: هذا إبراهيم فاعلموا، وهذه ملته فالزموا، واعلموا أن الصوارف عنها في هذا الزمان كثيرة فاثبتوا.
فاللهم ارزقنا عليها الثبات، واجعل عليها الحياة والممات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم آمنَّا في دورنا، وأصلح ولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم صلِّ على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
التعليقات