عناصر الخطبة
1/عناية الإسلام بالأسرة 2/دور المرأة في استقرار الأسرة ونيل سعادتها 3/مفهوم القوامة وواجباتها والتحذير من سوء استغلالها 4/التحذير من سوء العشرة 5/وجوب طاعة الزوجة لزوجها في غير معصيةاقتباس
الزوجة شريكة الحياة والمسؤوليَّة، وقادرة -بما حبَاها اللهُ من عقل وقلب وعاطفة- أن تُقدِّم رأيًا، وقد حمَّلَها الشرعُ مسؤوليَّةً في إدارة البيت ورعاية الزوج والولد، وهذا يقتضي المشارَكةَ في القرار، وإبداء الرأي، وسماع رأيها واحترامه وتقديره، فإذا اختلَفَا فالقرار الفصل للزوج...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، خلَق الخلقَ وهَدَى، وأمرَهم ونهاهم ولم يتركهم سُدى، ونصَب لهم معالمَ ومنارات وصوى، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، بلَّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ، ونصَح الأمةَ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي سبيل النجاة، وطريق السعادة في الدنيا والآخرة.
الأسرة أساس بناء المجتمع واللَّبِنة الأُولى في كيانه، ولمقامها الرفيع ومكانتها العالية نالت نصيبًا وافرًا من النُّظُم والتشريعات، التي رسَمَت الحقوقَ وحدَّدَت الواجبات، وميزت الاختصاصات بين الزوجين، راعى التشريع الإسلامي ما يُناسِب كلًّا منهم، من جهة قدرته الجسميَّة، وطبيعته النفسيَّة، وما يلائم مُؤهِّلاته وإمكاناته.
ولا يشكُّ عاقلٌ أن كل زوج يَنشُد بناءَ أسرة مطمئنة مستقرة تملِك مقوماتِ الحياةِ الطيبة، ومستقبلًا زاهرًا لأولادهم وأنفسهم ومجتمعهم.
وللمرأة دورها لا يسده غيرها، ولا يملؤه سواها؛ فهي المربية الناصحة، والرأي الحصيف، وهي لزوجها السند المتين، ولأسرتها الركن الركين، والحنان المتدفِّق والرحمة الغامرة، فقدها لا يعوض، بل يهز عرش الأسرة، وغيابها عن أدائها رسالتها لا يضعف الأسرة فحسبُ، بل يزعزع دعائم المجتمع وأركانه.
وجديرٌ بالذِّكْر أنَّه لا يستقيم سيرُ مؤسسةٍ أو شركةٍ أو كيانٍ إلا بقائد يُدِير دفتَها، ويحيط بشؤونها، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النِّسَاءِ: 34]؛ فالقوامةُ ولايةٌ تَمنَح الزوجَ حقَّ القيام على شؤون الأسرة وتدبيرها؛ فهو أمينٌ على الأسرة، يتولَّى أمرَها، يحميها، يقوم على مصالح الزوجة والأولاد؛ بتأمين المأكل والملبس والمسكن والنفقة، يتعهَّد زوجَه وأسرتَه بالتعليم والرعاية؛ فهذه القوامة تشريفٌ للرجل وتكليفٌ، وزيادةُ مسؤولياتٍ وأعباء، ومِنَ الزلل التمردُ على منصب القوامة، ومنازَعة الرجل ما كلَّفَه اللهُ به، ومن الخطأ الأكبر ممارَسة الرجل للقوامة خارجَ إطار الشرع الكريم؛ وكِلَا الأمرينِ يُعرِّضان الأسرةَ والمجتمعَ للتصدع.
ومن الْمُشاهَد أن بعض الرجال يُخطئ في القوامة فَهمًا وسلوكًا؛ فبعضهم يجعلها سيفًا مصلتًا يُمارِس به القهرَ والاستبدادَ والإكراهَ؛ فهو في البيت السيد المطاع الذي لا يُرَدّ له أمرٌ أو نهيٌ، ولا يُناقَش في رأي، وقد يُصدِر قرارًا بشأن الزوجة، يتعلَّق بمصيرها دونَ موافقتها، وقد تُستغَلّ القوامةُ للتقليل من شأن الزوجة وتكليفها ما لا تطيق، أو إيذائها ماديًّا أو معنويًّا أو إهانتها، هذا السلوك يحجم مواهب وقدرات الزوجة، ويسلبها شخصيتها، وقدرتها على المشارَكة في تحمُّل المسؤوليَّة وتربية الأولاد، يحطم روح المبادَرة في محبط الأسرة كلها.
وبعض الأزواج قَصُرَ فَهمُه للقوامة على تأمين الطعام والشراب والمسكن، ولم يستوعِبْ قدرَ المسؤوليَّة وحجمَ الأمانة في القِوامة؛ فقد ترَك الحبلَ على الغارب، وتخلَّى عن المسؤوليَّة الملقاة على كاهله، ونسي أو تناسى أنَّه مسؤول عنها يومَ القيامة، كلُّ همِّه أنَّه يأوي إلى بيته للنوم، وما قبلَ ذلك وبعدَه يتنقَّل خارجَ بيتِه باحثًا عن جَلسة سَمَر، أو مكان لهو ولعب؛ ضاربًا عرضَ الحائط بِتَبَعات هذه القوامةِ، وهذه الممارَسات الخاطئة تُنشئ أُسِرًّا مفكَّكة العُرَى، ضعيفةَ البِنى، سهلة الاختراق والوقوع في حبائل أصحاب النوايا السيئة، والأفكار الهدَّامة.
القوامةُ تكليفٌ، والتكليف مناط به الثواب والعقاب، فإِنْ قام الرجلُ بمهام القوامة فهو مثابٌ، وإذا أهمَلَها وقصَّر فقد عرَّض نفسَه لعقاب الله، وهذا يقتضي تمثُّلَ الزوج سمات القيادة وحِسّ المسؤوليَّة، واستشعار قيمة الأمانة التي رفَعَه اللهُ بها، وحمَّلَه إيَّاها، يُدِير دَفَّةَ هذا الكيان العظيم، بحُكم الشرع، يَستحضِر في المواقف العصيبة الرزانةَ والعقلَ، يتحلَّم في حالات الانفعال، ويتصبَّر في أوقات الهيجان والغضب؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكْملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهُم خلقًا، وخيارُكُم خيارُكُم لنسائِهِم".
تقتضي القوامةُ الحثَّ على طاعة الله، والترغيبَ في شعائر الإسلام؛ من صلاةٍ وصيامٍ، قال الله -تعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)[طه: 132].
ومن القوامة المعاشَرةُ بالمعروف لشريكة الحياة ورديفة العمر، قال الله -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[النِّسَاءِ: 19]، ومن المعاشَرة بالمعروف، حُسن التعامُل، والكلمة الطيبة، وأدب الحوار، عدمُ تحميلها ما لا تطيق، إدخالُ السرور عليها، وجَبرُ ضَعفها، والتغافل عن الإخفاق، والتجاوز عمَّا يُكدِّر الصفوَ، البُعدُ عن الغلظة والفظاظة، والتجمُّل لها، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي".
ومن القوامة ألَّا يُفشِيَ أسرارَها، ولا يُظهِرَ عيوبها، ويَحذَر من سب الزوجة وأهلها أو لعنها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء"(رواه الترمذي)، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه ثم ينشر سرها"(رواه مسلم)، وجماع ذلك كله في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء خيرًا"(رواه البخاري ومسلم).
ومن أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، يتلطف معهم، يوسعهم نفقة، يضاحك نساءه، سابق عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-، كان يتودَّد إليها، يقوم بأمرها وما تحتاج إليه، وفي الصحيح عنها -رضي الله عنها- أنَّها سُئلت ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصنع في البيت؟ قالت: "كان يكون في مهنة أهله".
الشورى مبدأ حث عليه الإسلام، وإحياؤه في الأسرة يعزز قوتها، ويحفز أفرادها على المشارَكة في تحمُّل المسؤوليَّة، قال الله -تعالى-: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا)[الْبَقَرَةِ: 233].
الزوجة شريكة الحياة والمسؤوليَّة، وقادرة -بما حبَاها اللهُ من عقل وقلب وعاطفة- أن تُقدِّم رأيًا، وقد حمَّلَها الشرعُ مسؤوليَّةً في إدارة البيت ورعاية الزوج والولد، وهذا يقتضي المشارَكةَ في القرار، وإبداء الرأي، وسماع رأيها واحترامه وتقديره، فإذا اختلَفَا فالقرار الفصل للزوج، وله حق الطاعة بالمعروف، وليست الطاعة المطلقة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف"(رواه البخاري) ومسلم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أكرم الرجال وسيدهم، يستشير أم سلمة في مسألة تتعلَّق بالأمة، لا بالأسرة فحسبُ، قال الله -تعالى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)[النِّسَاءِ: 34]، ووصف الرجولة يوحي بأهمية أن يكون قائد الأسرة رجلًا يتحلى بصفات الرجولة؛ رجاحة العقل، الحكمة، سعة الصدر، بعد النظر، القدرة على الحوار، استيعاب أفراد الأسرة، ماهرًا في إدارة المشكلات.
ومن مقتضى القوامة الترفُّع عن سفاسف الأمور والترهات وتتبع السقطات، قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفِروه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا يليق بجلاله، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الآمر في ملكوته وسلطانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال الله -تعالى-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)[الْبَقَرَةِ: 282].
وممَّا يجب أن يُعلَم أن من مقتضى القوامة قيامَ الزوجة بواجباتها تجاهَ زوجها؛ ومن تلك الواجبات طاعته بالمعروف، وعدم الخروج إلا بإذنه، وعدم إِذْن الزوجة لأحدٍ يَكرَهُه زوجُها دخولَ بيته، والقيام على شؤون الزوج وأولادهما؛ فشرَفُها ورفعةُ قَدرِها في طاعة زوجها.
ألَا وصلُّوا -عبادَ اللهِ- على رسول الْهُدَى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهم بَارِكْ على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان وعلي، وعن الآل والصحب الكرام، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الكفرَ والكافرينَ، ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مطمئنًا وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول وعمل، اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الغنى والفقر، نسألك نعيمًا لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم إنا نسألك خير المسألة، وخير الدعاء، وخير النجاح، وخير الفلاح، وخير العمل، وخير الدعاء برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا تَدَعْ لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دَينًا إلا قضيتَه، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا مبتلًى إلا عافيتَه، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم احفظ رجال أمننا، واحفظ حدودنا، واحفظنا بحفظك يا ربَّ العالمينَ، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميره يا ربَّ العالمينَ، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم وفِّقْه لهداكَ، واجعل عملَه في رضاكَ يا ربَّ العالمينَ، ووفق ولي عهده لما تحب وترضى يا أرحم الراحمين، ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا أرحم الراحمين.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات