معالم في التربية النبوية (7) التربية بالموعظة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/مفهوم الموعظة. 2/أصول وأسس التربية بالموعظة. 3/ نماذج لاستخدام الموعظة في التربية. 4/آثار الموعظة في التربية.

اقتباس

إِنَّ الْمَوْعِظَةَ قَدْ تَكُونُ كَلِمَاتٍ مِنْ نُصْحٍ يُوَجَّهُ بِهَا الطِّفْلُ لِلسُّلُوكِ الْقَوِيمِ، وَقَدْ تَكُونُ قِصَّةً لِلِاعْتِبَارِ بِهَا وَأَخْذِ الدُّرُوسِ مِنْهَا، وَقَدْ تَكُونُ حِوَارًا يُقْنَعُ بِهِ الطِّفْلُ بِالتَّصَرُّفِ الصَّحِيحِ، أَوْ بِالْإِقْلَاعِ عَنْ خَطَأٍ يَقَعُ فِيهِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا عِبَادَ اللَّهِ: كُلُّ إِنْسَانٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِحَاجَةٍ إِلَى مَنْ يَعِظُهُ وَيُذَكِّرُهُ، لَكِنَّ حَاجَةَ الصَّغِيرِ لِلتَّذْكِيرِ شَدِيدَةٌ؛ لِأَنَّهُ وِعَاءٌ فَارِغٌ يَنْقُصُهُ الْكَثِيرُ مِنَ التَّعْلِيمِ وَالتَّأْدِيبِ وَالتَّوْجِيهِ، وَكُلَّمَا كَانَتْ تِلْكَ الْمَوْعِظَةُ مُرَاعِيَةً لِآدَابِ الْإِسْلَامِ وَأُصُولِهِ وَمَبَادِئِهِ، مُلْتَزِمَةً بِالْأُسْلُوبِ الْحَسَنِ، كَانَ أَحْرَى أَنْ تُؤْتِيَ أَيْنَعَ الثِّمَارِ وَأَنْجَحَ النَّتَائِجِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْمَوْعِظَةَ هِيَ النُّصْحُ وَالتَّذْكِيرُ، وَيُمْكِنُنَا تَعْرِيفُهَا بِأَنَّهَا: نُصْحُ النَّاسِ وَتَذْكِيرُهُمْ بِالْحَقِّ وَالْخَيْرِ، بِاسْتِخْدَامِ أَسَالِيبِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَغَيْرِهَا مِمَّا تَرِقُّ لَهُ الْقُلُوبُ الْقَاسِيَةُ، وَتَدْمَعُ لَهُ الْعُيُونُ الْجَامِدَةُ، فَتَبْعَثُ سَامِعَهَا عَلَى فِعْلِ الْحَسَنِ وَاجْتِنَابِ الْقَبِيحِ.

 

وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْقُرْآنَ: "مَوْعِظَةً"، فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ)[يُونُسَ: 57]، يَقُولُ الْقُرْطُبِيُّ: "مَوْعِظَةٌ: أَيْ وَعْظٌ، مِنْ رَبِّكُمْ: يَعْنِي الْقُرْآنَ؛ فِيهِ مَوَاعِظُ وَحِكَمٌ"، وَيَقُولُ: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 138]، وَالْمُرَادُ بِالْمَوْعِظَةِ -عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ- هُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ لِتَرْبِيَةِ الصِّغَارِ بِاسْتِخْدَامِ الْمَوْعِظَةِ أُصُولًا وَضَوَابِطَ لَابُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهَا لِتَتَّصِفَ تِلْكَ الْمَوْعِظَةُ بِمَا وَصَفَهَا بِهِ اللَّهُ -تَعَالَى- حِينَ قَالَ: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)[النَّحْلِ: 125]، وَمِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ مَا يَلِي:

إِصْلَاحُ حَالِ النَّفْسِ قَبْلَ وَعْظِ الطِّفْلِ: فَإِنَّكَ إِنْ نَهَيْتَ طِفْلَكَ عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ يَرَاكَ تَفْعَلُهُ فَتَنْتَهُ وَرَبَّيْتَ فِيهِ النِّفَاقَ الْعَمَلِيَّ، وَقَدْ نَعَى اللَّهُ -تَعَالَى- عَلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَائِلًا: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ)[الْبَقَرَةِ: 44]، وَفِي أُسْلُوبٍ أَشَدَّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)[الصَّفِّ: 2-3]، فَلَا يُخَالِفَنَّ فِعْلُكَ قَوْلَكَ خَاصَّةً أَمَامَ طِفْلِكَ فَتَكُونَ فِتْنَةً لَهُ.

 

وَمِنْهَا: الرِّفْقُ فِي الْمَوْعِظَةِ: فَـ"إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَأَوْلَادُكَ هُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِرِفْقِكَ بِهِمْ، وَأَعْظَمُ حَاجَةً إِلَيْهِ مِنْكَ؛ وَلَكَ -أَيُّهَا الْمُرَبِّي الْكَرِيمُ- فِي رَسُولِ اللَّهِ قُدْوَةٌ حَسَنَةٌ؛ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ؛ "فَيَجِيءُ الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ فَيَرْكَبُ ظَهْرَهُ فَيُطِيلُ السُّجُودَ، فَيُقَالُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَطَلْتَ السُّجُودَ فَيَقُولُ: ارْتَحَلَنِي ابْنِي؛ فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ".

 

وَمِنْهَا: تَخَوُّلُ الطِّفْلِ بِالْمَوْعِظَةِ وَعَدَمُ إِمْلَالِهِ بِكَثْرَتِهَا: فَإِنَّ ذَلِكَ أَدْعَى لِانْتِفَاعِهِ بِهَا؛ كَمَا هُوَ هَدْيُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ؟ قَالَ: "أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَوَّلُنَا بِهَا، مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: الْغَضَبُ الْمُنْضَبِطُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ: فَمَعَ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الرِّفْقُ فَإِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ بَعْضِ الْغَضَبِ فِي مَوْعِظَةِ الطِّفْلِ إِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ قَبِيحٌ مُتَعَمِّدًا ذَلِكَ... وَلَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَغْضَبُ أَحْيَانًا فِي مَوْعِظَتِهِ إِذَا اسْتَدْعَى الْأَمْرُ ذَلِكَ، وَالنَّمَاذِجُ عَلَى ذَلِكَ مُتَعَدِّدَةٌ، فَلَوْ رَأَيْتَ غَضَبَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ لِمُعَاذٍ حِينَ أَطَالَ فِي صَلَاتِهِ بِالنَّاسِ: "يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ!"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، أَوْ عَايَنْتَ غَضَبَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ لِأُسَامَةَ -حِبِّهِ وَابْنِ حِبِّهِ- عِنْدَمَا قَتَلَ مَنْ نَطَقَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ: "يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ!"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)... وَلَا نَقُولُ بِمِثْلِ هَذَا الْغَضَبِ مَعَ طِفْلٍ صَغِيرٍ مَهْمَا أَخْطَأَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْغَضَبُ فِي وَعْظِهِ بِقَدْرِ ضَعْفِهِ وَرِقَّةِ قَلْبِهِ وَرَهَافَةِ حِسِّهِ؛ فَيَكُونُ أَقَلُّ دَرَجَاتِ الْغَضَبِ كَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَتَرْكِ الْمِزَاحِ مَعَهُ، أَوْ بِكَلِمَاتٍ تُعَبِّرُ عَنِ الْغَضَبِ أَوَ غَيْرِ ذَلِكَ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَالْمَوْعِظَةُ قَدْ تَكُونُ كَلِمَاتٍ مِنْ نُصْحٍ يُوَجَّهُ بِهَا الطِّفْلُ لِلسُّلُوكِ الْقَوِيمِ، وَقَدْ تَكُونُ قِصَّةً لِلِاعْتِبَارِ بِهَا وَأَخْذِ الدُّرُوسِ مِنْهَا، وَقَدْ تَكُونُ حِوَارًا يُقْنَعُ بِهِ الطِّفْلُ بِالتَّصَرُّفِ الصَّحِيحِ، أَوْ بِالْإِقْلَاعِ عَنْ خَطَأٍ يَقَعُ فِيهِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ "ضَرْبِ الْأَمْثَالِ" الَّتِي تُقَرَّبُ بِهَا الْمَعَانِي إِلَى ذِهْنِهِ الصَّغِيرِ.

 

وَدَعُونَا نَسْتَعْرِضْ نَمَاذِجَ لِلتَّرْبِيَةِ بِالْمَوْعِظَةِ مِنْ هَدْيِ قُدْوَةِ الْمُرَبِّينَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فَهَذَا شَابٌّ يَأْتِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَأْذِنُهُ فِي أَنْ يَرْتَكِبَ فَاحِشَةَ الزِّنَا، قَائِلًا فِي غَيْرِ مُوَارَبَةٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ مَهْ، فَأَمَّا سَيِّدُ الْمُرَبِّينَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: "ادْنُهْ"، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟" قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟" قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟" قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ"، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ"، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

وَهَذَا نَمُوذَجٌ آخَرُ؛ مَوْعِظَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِابْنِ عَبَّاسٍ بِغَرَضِ تَعْلِيمِهِ وَتَرْبِيَتِهِ عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ، قَائِلًا لَهُ بَعْدَ أَنْ أَرْدَفَهُ خَلْفَهُ: "يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)، فَكَانَ بَعْدَ ذَا حَبْرَ الْأُمَّةِ وَتُرْجُمَانَ الْقُرْآنِ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ لِلْمَوْعِظَةِ شَأْنًا جَلِيلًا وَأَثَرًا عَظِيمًا فِي قُلُوبِ النَّاسِ عَامَّةً، وَفِي نُفُوسِ النَّشْءِ خَاصَّةً، وَإِنَّكَ لَتُدْرِكُ عِظَمَ مَا تَتْرُكُهُ الْمَوْعِظَةُ مِنْ أَثَرٍ فِي كَلِمَاتِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ إِذْ يَقُولُ: "وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ..."(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

 

وَالْمَوْعِظَةُ أَعْظَمُ أَثَرًا عَلَى الْأَطْفَالِ مِنْهَا عَلَى الْكِبَارِ إِذَا رُوعِيَتْ ضَوَابِطُهَا وَأُصُولُهَا... وَتَعَالَوْا بِنَا -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- نَتَتَبَّعْ هَذَا الْأَثَرَ فِي كُلِّ شَابٍّ أَوْ غُلَامٍ وَعَظَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ سَمِعْنَا فِي آخِرِ حَدِيثِ الشَّابِّ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ فِي الزِّنَا قَوْلَ الرَّاوِي: "فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

 

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ حِينَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"، يَقُولُ عُمَرُ نَفْسُهُ: "فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طُعْمَتِي بَعْدُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِقَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ، بَعْدَ ذَلِكَ، لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَهَذِهِ مَوْعِظَةٌ أَثَّرَتْ فِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَيَّمَا تَأْثِيرٍ؛ فَكَانَ يَذْكُرُهَا قَائِلًا: "مَا وَعَظَنِي أَحَدٌ أَحْسَنَ مِمَّا وَعَظَنِي طَاوُسٌ، كَتَبَ إِلَيَّ: اسْتَعِنْ بِأَهْلِ الْخَيْرِ يَكُنْ عَمَلُكَ خَيْرًا كُلُّهُ، وَلَا تَسْتَعِنْ بِأَهْلِ الشَّرِّ فَيَكُنْ عَمَلُكَ شَرًّا كُلُّهُ"(أَوْرَدَهُ الدِّينَوَرِيُّ فِي الْمُجَالَسَةِ).

 

أَيُّهَا الْمُرَبُّونَ: فَلْنَقْتَدِي بِالْأُسْلُوبِ الْقُرْآنِيِّ وَالْهَدْيِ النَّبَوِيِّ فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِنَا لِنُصْلِحَ بِهِ خَطَأً، وَنُقَوِّمَ بِهِ اعْوِجَاجًا، وَنُثَبِّتَ بِهِ ضَعْفًا.

 

فَاللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا وَاعِظًا مِنْ قُلُوبِنَا، وَانْفَعْنَا بِمَوَاعِظِ إِخْوَانِنَا وَعُلَمَائِنَا.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ:56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات
QORch84j8BRgIHrGsMXR2BiZqVbXep7797uz28Vc.doc
9iifgBvB4CwLrJxozHUCPSXLvdc22eER4zzIyX6n.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life