عناصر الخطبة
1/ الحاجّة نايفة خنساء فلسطين 2/ ارحم إخوانك واحمد الذي عافاك من البلاء 3/ تدمير مسجدِ الحَرمين في شرق غزَّة 4/ مأساة عائلة البَطْش في غزة 5/ قتل الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة 6/ الجانب الإيجابي في أحداث غزةاهداف الخطبة
اقتباس
إن جسدَ الأمةِ اليومَ قد أنهكتْه الجِراحُ والأدواءُ .. وتناهشَ أعضاءَه كِلابُ الأعداءِ .. فالدُّعاءُ .. الدُّعاءُ .. فإنه جُندٌ من جنودِ السَّماءِ .. وعدَ اللهُ تعالى أهلَه بالوفاءِ.. مشاهدٌ يوميَّةٌ في غزَّةَ الصَّامدةِ .. التي تلفظُ في كُلِّ يومٍ فَلَذةَ أكبادِها .. بقصفٍ مُتواصلٍ من شَرِّ جَارٍ .. صواريخُ حارِقةٌ ولهيبُ نارٍ .. ودُخانٌ يتصاعدُ وبيوتٌ مُدَمَّرةٌ تحتَ الغُبارِ .. وأعينٌ تترقبُ وصِراخُ صِغارٍ.
الخطبة الأولى:
إِنّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَسَيّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاّ اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ .. اَللهُمّ صَلِّ وَسَلّمْ عَلى مُحَمّدٍ وَعَلى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدّين.
(يَا أَيّهَا الّذَيْنَ آمَنُوْا اتّقُوا اللهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوْتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُوْنَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيّهَا النَاسُ اتّقُوْا رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْرًا وَنِسَاءً وَاتّقُوا اللهَ الَذِي تَسَاءَلُوْنَ بِهِ وَاْلأَرْحَام َ إِنّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوْا اتّقُوا اللهَ وَقُوْلُوْا قَوْلاً سَدِيْدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوْبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا) [الأحزاب: 70- 71].
أَمّا بَعْدُ: فَإنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيْثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْىِ هَدْيُ مُحَمّدٍ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-، وَشَرَّ اْلأُمُوْرِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةِ فِي النّارِ.
شَهِدتْ الخَنساءُ القادسيَّةَ ومعُها أربعةُ بَنينَ لها، فَقالتْ لهم أولَ اللَّيلِ: "يا بَنِيَ، إنكم أَسلمتُم وهَاجرتُم مُختارينَ، واللهِ الذي لا إلهَ غيرُه إنَّكم لبَنو رَجلٍ واحدٍ، كما أنَّكم بنو امرأةٍ واحدةٍ، ما خُنتُ أباكم، ولا فَضحتُ خالَكم، ولا هَجَّنتُ حسبَكم، ولا غَيَّرتُ نَسبَكم .. وقد تعلمونَ ما أَعدَّ اللهُ للمسلمينَ من الثَّوابِ الجَزيلِ في حَربِ الكافرينَ ..
واعلموا أنَّ الدَّارَ البَاقيةَ خَيرٌ من الدَّارِ الفَانيةِ، يَقولُ اللهُ عزَّ وجَلَّ: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 200]، فإذا أَصبحتُم غداً -إن شاءَ اللهُ سَالمينَ- فاغْدوا إلى قِتالِ عدوِّكم مُستَبصرينَ، وباللهِ على أعدائِه مُستَنصرينَ .. وإذا رأيتُم الحربَ قد شَمَّرتْ عن ساقِها، واضْطَرمتْ لَظى على سياقِها، وجَلَّلتْ نَاراً على أرواقِها، فتيمَّموا وَطيسَها، وجَالدوا رئيسَها، عِندَ احتدامِ خميسُها، تَظفروا بالغُنْمِ والكَرامةِ، في دَارِ الخُلْدِ والمُقامةِ".
فَخرجَ بَنوها قَابلينَ لنُصحِها، وتَقدموا فقاتلوا وهم يَرتجَِزونَ، وأبلَوا بلاءً حَسَناً، واستُشهِدوا -رَحمَهم اللهُ-، فلما بَلغَها الخَبرُ، قَالتْ: "الحَمدُ للهِ الذي شَرفني بَقتلِهم، وأرجو من رَبي أن يَجمعَني بهم في مُستَقرِ رَحمتِه".
كُنَّا إذا سَمعْنا هَذهِ الأخبارَ، نقولُ هل لا يزالُ يوجدُ مِثلَ هؤلاءِ الأُمَّهاتِ في زمانِنا هذا؟.
ورأينا واللهِ بأعيُنِنا .. وسمعْنا بآذانِنا أُمَّهاتِنا في غزَّةَ .. كيف يودِّعونَ أبناءَهم بُكلِّ صبرٍ وثباتٍ .. فهذه إحداهنَّ صامدةً مُحتَسبةً تقولُ لابنِها الذي قُتلَ في رَبيعِ عُمُرِه وهو في الكَفنِ: (يُمَّه .. رحتْ لنصيبَك .. اللهَ يجعلْ قبرَك روضةً من رياضِ الجنَّةِ .. اللهَ يجعلْك تشفعْ لنا .. اللهَ يرضى عليك قَدْ ما تعبتْ عليك .. اللهَ يزوجَك من الحُورِ العِينِ .. إنا للهِ وإنا إليه راجعونَ .. في أمانِ اللهِ .. يُمَّه .. إحنا الفلسطينيين هيك أمرُ اللهِ تَم علينا .. الحمدُ للهِ .. استشهِدوا في حُبِّ اللهِ)، فنسألَ اللهَ تعالى أن يتقبَّلَه وإخوانَه في الشُّهداءِ .. وأن يجعلَهم لأهليهم شُفعاءُ.
هذه مشاهدٌ يوميَّةٌ في غزَّةَ الصَّامدةِ .. التي تلفظُ في كُلِّ يومٍ فَلَذةَ أكبادِها .. بقصفٍ مُتواصلٍ من شَرِّ جَارٍ .. صواريخُ حارِقةٌ ولهيبُ نارٍ .. ودُخانٌ يتصاعدُ وبيوتٌ مُدَمَّرةٌ تحتَ الغُبارِ .. وأعينٌ تترقبُ وصِراخُ صِغارٍ.
فإذا اجتمعتْ أنتَ وأحبابُك وأبناؤكَ في أمنٍ وأمانٍ على سُفرةِ الإفطارِ وقدْ حَوَتْ من كلِ صِنفٍ كريمٍ .. فتذَّكرْ الحاجَّةَ نايفةَ وهي امرأةٌ عجوزٌ في مدينةِ رَفَحٍ بقِطاعِ غزَّةَ .. جلَستْ على مائدةِ إفطارِها بعدَ يومٍ طَويلٍ من الصِّيامِ .. ومعَ أذانِ المغربِ .. بعدَ أن قالتْ: بسمِ اللهِ ورفعتْ مِلعقتَها إلى فَمِها .. وإذا بصاروخِ الخائنِ اليَهوديِّ يضربُ بيتَها .. فتسقطُ اليَّدُ على الأرضِ وفيها المِلعقةُ .. وتصعدُ الرُّوحُ إلى السَّماءِ .. وكأنَّ اللهَ تعالى أَبى إلّا أن تتناولَ هذه العجوزُ الصَّابرةُ إفطارَها -إن شاءَ اللهُ- في جَنَّاتِ النَّعيمِ .. يطوفُ عليها الوِلدانُ المُخلدونَ .. بإفطارٍ خيرٍ من إفطارِ أهلِها .. (وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ) [الواقعة: 20- 21]، فنسألَ اللهَ تعالى أن يتقبَّلَها في الشُّهداءِ.
وإذا كُنتَ تخرجُ من مسجدِك آمناً قد صليتَ التَّراويحَ وحُزتَ على أجرِ قيامِ ليلةٍ كما قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَام حتَّى يَنْصَرِفْ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ" .. فإخوانٌ لك قد صَلَّوا في مسجدِ الحَرمينِ في شرقِ غزَّةَ تحتَ أصواتِ الطَّائراتِ الحربيَّةِ، وتحتَ أصواتِ قَذفِ الصَّواريخِ المدَوَّيةِ ..
ثُمَّ لمَّا انتهتْ الصَّلاةُ وأرادوا الرجوعَ إلى بُيُوتِهم .. وإذا بصاروخٍ أطلقَه غادرٌ يَهوديٌ .. يُصيبُ المَسجدَ فينهدِمُ على مَن فيه منَ المُصلِّينَ .. مُسَبِّباً مَجزرةً مُروِّعةً .. قُتلَ فيها سبعةَ عشرَ فلسطينياً وأُصيبَ العديدُ بجروحٍ من الذينَ خَرجوا من منازلِهم للصَّلاةِ في مِثلِ هذا الخوفِ وتحتَ هذا القَصفِ إلى (بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور: 37- 39] ..
فإذا كانَ من لا تُلهيه التِّجارةُ والبيعُ عن إقامِ الصَّلاةِ له أجرٌ عظيمٌ .. فكيفَ بمنْ لا تُلهيه الصواريخُ والقنابِلُ ولا الموتُ عن الصَّلاةِ في بيتٍ من بُيوتِ اللهِ الكريمِ؟!
وبجانبِ المسجدِ منازلُ عائلةِ البَطْشِ .. فإذا كنَّا نظُنُ أن من يفقدُ ثلاثةً أو أربعةً أو خمسةً من عائلتِه إنه أصيبَ بمُصيبةٍ لم يُصبْ بمثلِها أحدٌ .. فعائلةُ البطشِ دُمِرتْ منازلُهم تدميراً .. بصواريخِ العدوِّ .. فَحوَّلتْ المكانَ إلى شَظايا مُتطايرةٍ وغُبارٍ كَثيفٍ ولَحمٍ مُتناثرٍ ودَمٍّ اختلطَ بعضُه ببعضٍ .. وفي ثانيَتينِ فقط تَحولتِ العَائلةُ إلى كَومةِ لحمٍ، ولم تستطعْ فِرقُ الإنقاذِ لَملمةِ الأشلاءِ فوراً ولا إحصاءِ عَددِ الضَّحايا قَبل أن يَتضحَ بعدَ ذلكَ أن ماتَ منهم ثمانيةَ عشرَ نَفسَاً .. رجالاً ونساءً .. صِغاراً وكباراً .. فإنا للهِ وإنا إليه راجعونَ .. اللهم تقبَّلهم من الشُّهداءِ .. وصَبِّرْ من بقيَ منهم.
وإن كُنتَ دخلتَ على أبنائك بالألعابِ وفرِحوا بها فرحةً كبيرةً .. فإن والدَ الطِّفلِ ساهرِ أبو ناموسٍ ذي الأربعِ سنواتٍ .. قد جاءَ لابنِه بلُعبةٍ ليُدخِلَ عليه الفرحُ فبحثَ عنه، فوَجدَه في إحدى مُستشفياتِ قِطاعِ غزَّةَ .. قد أصابتْه يدُ اليَهودِ المُلطَّخةُ بدماءِ الأنبياءِ .. فإذا بالأبِّ يبكي ويُحاولُ إيقاظِه وهو يُردِّدُ: "اصحى بابا جِبتَلَك لُعبة، اصحى بابا جِبتَلَك لُعبة"، وهو لا يَردُّ لأنه أصبحَ جُثَّةً بَريئةً قد رفعَ عينيه إلى السَّماءِ، كأنه يرى وجوهاً أجملُ من وجوهِنا وألعاباً أحسنُ من ألعابِنا .. (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأيِّ ذَنْبٍ قُتلَتْ)، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطَاً وَذُخْراً لِوَالِدَيْهِ، وشَفِيعاً مُجَاباً، اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِيْنَهُمَا، وأعْظِمْ بهِ أُجُورَهُمَا، وألْحِقْهُ بِصَالِحِ المُؤْمِنينَ، واجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إِبْرَاهِيمَ.
حتى ذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ لم يسلموا من بني صُهيونٍ .. فها هم قصفوا جَمعيَّةَ مَبرَّةِ فلسطينَ للمُعوَّقينَ في بَلدةِ بيتِ لاهيا شَمالِ قِطاعِ غَزَّةَ .. فأُصيبَ عَددٌ من المُعاقينَ وماتَ فتاتانِ من ذَوي الاحتياجاتِ الخَاصةِ وهما صائمتانِ .. فجمعَ اللهُ لهما البلاءَ وحُسنَ الخاتمةِ .. صومٌ وبسلاحِ العدوِّ .. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَوَدّ أَهْلُ العَافِيَةِ يَوْمَ القِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ".
تلك هي أحداثُ غزَّةَ اليوميَّةُ .. وهذا هو رمضانُهم .. وذلك هو قيامُهم .. واللهُ المُستعانُ وعليه التُّكلانِ.
يا غَزَةُ احتسبي جِراحَكِ إنني *** لأرى اختلاطَ الفَجرِ بالأَسحارِ
لا تجزعي من منظر السُّحُب التي *** تُخْفي كواكِبَنا عن الأَنْظارِ
سترين تلكَ السُّحْبَ تَنُفُضُ ثوبَها *** يوماً بما نرجو من الأمطارِ
يا غزَّةُ الجُرْحُ المعطَّرُ بالتُّقَى *** لا تيأسي من صَحْوةِ المِليارِ
لا تيأسي من أمةٍ، في رُوحِها *** ما زال يجري مَنْهَجُ المُخْتَارِ
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ العظيمِ في قَدْرِه، العزيزِ في قهْرِه، الجائِدِ على المُجَاهدِ بِنَصْرِه، نحْمَدُهُ على القَضَاءِ حُلْوِه ومُرِّه، ونشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له إقامةً لِذْكْرِهِ، ونشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه المبعوثُ بالبِرِّ إلى الخلْقِ في بَّرِه وبَحْرِه، صلَّى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابِه والتابعينَ لهم بإِحسانٍ ما جاد السحابُ بقطْرِه، وسلَّم تسليماً ..
أما بعد: وإن كانَ ذلك هو الجانبُ المُحزنُ في أحداثِ غزَّةَ .. فإن الجانبَ الإيجابي ومما يَشرحُ الصَّدرَ .. ويجعلُنا نرى بوادرَ النَّصرِ، هو ما يقومُ به إخوانُنا في غزَّةَ من امتثالِ أمرِ اللهِ -تعالى- حينَ قالَ: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال: 60].
فها هم قاموا بتصنيعِ صواريخ مُتنوعةٍ مَحليَّةِ الصُّنعِ .. ومُضادٍ للطائراتِ .. وطائراتٍ دونَ طيَّارٍ .. وإذا رأيتَهم يحملونَ شعارَ الإسلامِ، لا شعارَ العُروبةِ، ولا شِعارَ القوميَّةِ، الذي ما فلحَ ولن يُفلحَ أبداً، حتى الصَّلاةَ أقاموها تحتَ الماءِ في منظرٍ يُفرحُ أهلُ الإسلامِ، ويُغيظُ أعداءُ الدِّينِ، حينَها ستتذكَّرُ قولَه –تعالى-: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 249].
عبادَ اللهِ .. إن إخوانَنا في كلِّ مكانٍ يحتاجونَ إلى دُعاءِنا .. خاصةً في هذا الشَّهرِ المُباركِ .. فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" .. وإن جسدَ الأمةِ اليومَ قد أنهكتْه الجِراحُ والأدواءُ .. وتناهشَ أعضاءَه كِلابُ الأعداءِ .. فالدُّعاءُ .. الدُّعاءُ .. فإنه جُندٌ من جنودِ السَّماءِ .. وعدَ اللهُ تعالى أهلَه بالوفاءِ.
أو ما ترى في الشامِ حِلْفاً ظالماً *** يمحو الديارَ ويمسحُ الآثارا؟
أوَ ما ترى اليمنَ الذي لعِبتْ به *** كفُّ التآمرِ والخِداعِ جِهارا؟
أوَ ما ترى ثَوبَ العِراقِ ممزّقاً *** أو ما تُشاهدُ دَمعَه المِدرارا؟
أو ما ترى مأساةَ غزّةِ هاشمٍ *** والقصفَ يُشعلُ ليلَها ونهارا؟
أما العدوُّ فلن يطولَ مُقامُه *** في أرضِنا مهما سطا وأغارا
لن يَهزمَ الأعداءُ، مهما أجلَبوا *** جيشاً يخافُ الواحدَ القهّارا
اللَّهُمَّ إِنَّ بِإِخْوانِنا الْمَنْكُوبِينَ فِي غَزَّةَ مِنَ البَلاَءِ مَا لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ أَنْتَ، وَإِنَّ بِنا مِنَ الوَهَنِ وَالتَّقْصِيرِ مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ، إِلَهَنا إِلَى مَنْ نَشْتَكِي وَأَنْتَ الكَرِيمُ القَادِر، أَمْ بِمَنْ نَسْتَنْصِرُ وَأَنْتَ المَوْلَى النَّاصِر، أَمْ بِمَنْ نَسْتَغِيثُ وَأَنْتَ المَوْلَى القَاهِر.
اللَّهُمَّ يا مَنْ بِيَدِهِ مَفاتِيحُ الفَرَجِ فَرِّجْ عَنْ إِخْوانِنا وَاكْشِفْ ما بِهِمْ مِنْ غمَّةٍ، اللَّهُمَّ يا عَزِيزُ يا جَبَّارُ يا قَاهِرُ يا قَادِرُ يا مُهَيْمِنُ يا مَنْ لاَ يُعْجِزُه شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّماءِ، أَنْزِلْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ عَلَى اليَهُودِ الصَّهَايِنَةِ، اللَّهُمَّ يا مَنْ بِيَدِهِ مَقَالِيدُ الأُمُورِ، يا مَنْ يُغَيِّرُ وَلاَ يَتَغَيَّرُ قَدْ اشْتاقَتْ أُنْفُسُنا إِلَى عِزَّةِ الإِسْلاَمِ، فَنَسْأَلُكَ نَصْراً تُعِزُّ بِهِ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ وَتٌذِلُّ بِهِ البَاطِلَ وَأَهْلَهُ .. يا ربَّ العالمينَ.
التعليقات