مسألتان تعظم الحاجة إليها في هذا الوقت

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ مناسبة مَوْلِدِ نَبِيَّيْنِ كَرِيمَيْنِ 2/ ابتداع البشر بدعوى المحبة 3/ حكم الاحتفال بالمولد النبوي 4/ شبهات وردود 5/ تحريم الاحتفال بأعياد المشركين.
اهداف الخطبة

اقتباس

فَإِنْ قَالُوا: إِنَّنَا نُقِيمُ الْمَوْلِدَ لِنَتَذَكَّرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَقُولُ لَهُمْ: وَهَلْ نَحْنُ نَسِينَا رَسُولَنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنَحْتَاجَ إِلَى عِيدٍ نَتَذَكُّرُهُ فِيهِ! إِنَّنَا نَتَذَكُّرُ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْيَوْمِ عَشَرَاتِ الْمَرَّاتِ، نَتَذَكُّرُهُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقْامَةِ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ،،، وَنَتَذَكُّرُهُ إِذَا تَوَضَّأْنَا وَإِذَا صَلَّيْنَا وَإِذَا أَكَلْنَا وَإِذَا شَرِبْنَا، وَإِذَا دَخَلْنَا بُيُوتَنَا وَإِذَا أَوَيْنَا إِلَى فُرُشِنَا لِأَنَّنَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ نَتَّبِعُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنُطِبَّقَ سُنَّتَهُ، فَهَلْ نَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ إِلَى هَذِهِ الْبِدْعَةِ الْمُحْدَثَةِ؟...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ الذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى مَا قَدَّرَهُ بِحِكْمَتِهِ مِنْ دَقِيقِ الْأَمْرِ وَجِلِّهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ كُلُّهُ، وَلَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَبِيَدِهِ الْخَيْرِ كُلِّهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمُ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَا.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاثْبُتُوا عَلَى دِينِكِمْ، فَإِنِّنَا فِي زَمَانٍ تَمُوجُ فِيهِ الْفِتَنُ مَوْجَاً، وَتَتَابَعُ فِيهِ الْأَحْدَاثُ الْوَاحِدُ بَعْدَ الآخَرِ، وَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ مِنَ الْفِتَنِ , وَذَلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِهَا وَلِكَبِيرِ ضَرَرَهَا، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَعَنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ مَسْأَلَتَانِ كَانَ الْمَفْرُوضُ أَنْ لا نَتَكَلَّمَ عَنْهُمَا، وَكَانَ الاخْتِيَارُ أَنْ نُعْرِضَ عَنْهُمَا، وَلَكِنْ لَمَّا انْتَشَرَ مَا لا يَخْفَاكُمْ مِنْ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ وَصَارَ مَا يَحْدُثُ فِي أَقْصَى الْأَرْضِ يَعْرِفُهُ مَنْ بِأَدْنَاهَا، وَجَبَ بَيَانُ مَا يَحْدُثُ لِيَصِيرَ الْمُؤْمِنُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِ.

 

وَالْحَدَثَانِ هُمَا عِيدَا مَوْلِدِ نَبِيَّيْنِ كَرِيمَيْنِ هُمَا مُحَمَّدُ وَعِيسَى -عَلَيْهِمَا السَّلَامُ-، فَأَمَّا عِيدُ الْمَوْلِدِ النَّبِوِيِّ الْمُحَمَّدِيِّ الْمَزْعُومِ فَيَتَوَلَّاهُ أَهْلُ الْبِدَعِ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا عِيدُ مَوْلِدِ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَيَتَوَلَّاهُ النَّصَارَى، الذِينَ يُسَمَّوْنَ زُورَاً  بِالْمَسِيحِيَّينَ، وَالاسْمُ الصَّحِيحُ لِهُمْ هُوَ النَّصَارَى، وَهَكَذَا سَمَّاهُمْ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَمَّا عِيدُ الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ فَإِنَّهُمْ يُقِيمُونَهُ يَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا مِنْ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَيَتَجَمَّعُونَ فِي الْمَسَاجِدِ وَيَذْكُرُونَ سِيرَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَيَذْكُرُونَ فِيهَا كَثِيرَاً مِنَ الْقِصَص ِوَالْخُرَافَاتِ وَيَقْرَؤُونَ فِيهَا قَصَائِدَ فِي مَدْحِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَفْعَلَهُ.

 

وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: إِنَّ مَحَبَّةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْرٌ وَاجِبٌ , وَلَا يَتِمُّ دِينُ الْمَرْءِ حَتَّى يُقِدَّمَ مُحَبَّةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَحَبَّةِ جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:"لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَلَكِنَّ عَلَامَةَ مَحَبَّتِهِ هِيَ اتِّبَاعُهُ وَلَيْسَ الابْتِدَاعُ فِي دِينِهِ وَإِدْخَالِ الْمُحَدَثَاتِ فِي سُنَّتِهِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ)[آل عمران: 31].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَإِنْ قَالُوا: إِنَّنَا نُقِيمُ الْمَوْلِدَ لِنَتَذَكَّرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَقُولُ لَهُمْ: وَهَلْ نَحْنُ نَسِينَا رَسُولَنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنَحْتَاجَ إِلَى عِيدٍ نَتَذَكُّرُهُ فِيهِ! إِنَّنَا نَتَذَكُّرُ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْيَوْمِ عَشَرَاتِ الْمَرَّاتِ، نَتَذَكُّرُهُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقْامَةِ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ،،، وَنَتَذَكُّرُهُ إِذَا تَوَضَّأْنَا وَإِذَا صَلَّيْنَا وَإِذَا أَكَلْنَا وَإِذَا شَرِبْنَا، وَإِذَا دَخَلْنَا بُيُوتَنَا وَإِذَا أَوَيْنَا إِلَى فُرُشِنَا لِأَنَّنَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ نَتَّبِعُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنُطِبَّقَ سُنَّتَهُ، فَهَلْ نَحْتَاجُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ إِلَى هَذِهِ الْبِدْعَةِ الْمُحْدَثَةِ؟

 

فَإِنْ قَالُوا: إِنَّ النَّصَارَى يَقُيمُونَ مَوْلِدَ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَقُّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَفْضَلَ مِنْهُ!

 

فَنَقُولُ: بِئَسْ مَنِ اقْتَدَيْتُمْ بِهِ، أَتْقَتَدُونَ  بِالنَّصَارَى؟ هَذَا أَمْرٌ مُحَرَّمٌ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" (أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ والألباني).

 

فَإِنْ قَالُوا: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِ احْتَفَلَ بِيَوْمِ مَوْلِدِهِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَبُعِثْتُ فِيهِ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

فَنَقُولُ: هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ لا شَكَّ فِيهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُوجَبِهِ وَنَعْمَلُ بِهِ، وَلَكِنْ هَلْ صِيَامُهُ فِي يَوْم الثَّانِي عَشَرَ مِن  رَبِيعٍ الأَوَّلِ كَمَا تَزْعُمونَ؟ أَمْ أَنَّهُ طُوَالَ الْعَامِ؟ إِنَّ صِيَامَ يَوْمِ الاثْنَيْنِ مَشْرُوعٌ وَمُرَغَّبٌ فِيهِ طُوَالَ الْعَامِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَطْ.

 

ثُمَّ نَقُولُ: أَيْنَ إِقَامَةُ الْمَوْلِدِ فِي عَهْدِ النِّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وَهَلْ أَقَامَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- هَذَا الْمَوْلِدَ الْمَزْعُومَ؟ أَوْ أَقَامَهُ التَّابِعُونَ أَوْ تَابِعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ؟ الْجَوَابُ: كَلَّا وَاللهِ لَمْ يَحْدُثْ هَذَا الضَّلَالُ وَتَظْهَرُ هَذِهِ الْبِدْعَةُ إِلَّا بَعْدَ عَامِ 300 مِنَ الْهِجْرَةِ فِي َعَهْدِ الدَّوْلَةِ الْعُبَيْدِيَّةِ الشِّيعِيِّةِ الضَّالِةِ!

 

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَإِيَّاكُمْ وَالْمُحْدَثَاتِ وَالْبِدَعِ وَلَوْ كَثُرَ مَنْ يَفْعَلُهَا تَمَسَّكُوا بِالسُّنَّةِ وَإِنْ قَلْ مَنْ يَتْبَعُهَا، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، الْجَمَاعَةُ مَا وَافَقَ الْحَقُّ وَإِنْ كُنْتَ وَحْدَكَ.

 

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: إِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ أَنْ تَشْتَرِكَ فِي هَذِهِ الْبِدْعَةِ لا مِنْ قَرِيبٍ وَلا مِنْ بَعِيدٍ، فَإِنْ كُنْتَ فِي مُجْتَمَعٍ يُقِيمُونَهَا وَيُقِرِّونَهَا فَانْصَحْ إِنِ اسْتَطَعْتَ, وَإِلَّا فَالْزَمْ بَيْتَكَ وَجَانِبْهُمْ وَعَلَيْكَ بِأَهْلِ بَيْتِكَ وَمَنْ تَحْتَ يَدِكَ.

 

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالِمَينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَي نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْأَمْرَ الثَّانِي الذِي نَتَكَلَّمُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ هُوَ التَّحْذِيرُ مِنْ عِيدِ مِيلَادِ نَبِيِّ اللهِ عِيسَى -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، الذِي يُقِيمُهُ النَّصَارَى فِي آخِرِ السَّنَةِ الْمِيلادِيَّةِ، وَنَظَرَاً لاخْتِلَاطِ هَؤُلاءِ النَّصَارَى بِكَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَوُصُولِ إِعْلَامِهِمْ إِلَى بُيُوتِنَا، بَلْ وَمَعَ الأَسَفِ وُجُودِ كَثِيرٍ مِنْ أَوْلادِنَا فِي بِلَادِهِمْ بِحِجَّةِ الدِّرَاسَةِ أَوِ السِّيَاحَةِ، وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى، فَنَظَرَاً لِذَلِكَ لا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اعْتِقَادَنَا فِي عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- هُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[آل عمران: 59]، لَكِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِلَا أُمٍّ وَلا أَبٍ.

 

 وَأَمَّا عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَخَلَقَهُ اللهُ مِنْ أَمٍّ بِلَا أَبٍ، وَنَعْتَقِدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، أَعْطَاهُ اللهَ كِتَابَهَ الْإِنْجِيلَ، وَلَكِنْ لِمَّا حَاوَلَ الْيَهُودُ قَتْلَهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ فِي السَّمَاءِ وَسَوْفَ يَنْزِلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حَكَمَاً مُقْسِطَاً، وَنُزُولُهُ مِنَ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا إِقَامَةُ عِيدِ مِيلَادِ لَهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي آخِرِ السَّنَةِ فَهُوَ مِنَ الضَّلَالَةِ التِي يَقُومُ بِهِ النَّصَارَى، وَيَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ دِينَاً عِنْدَهُمْ، وَعَلَيْهِ فَلا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِي احْتِفَالاتِهِمْ، بَلْ وَلا يَحْضُرُهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ رِضَاً بِمَا يَصْنَعُونَ، وَكَذَلِكَ فَلا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُهَنِّأَهُمْ بِهَذَا الْعِيدِ وَلا يُهْدِي لَهُمْ وَلا يَقْبَلُ هَدِيَّتَهُمْ لِأَنَّهُ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا تَحْذِيرُ إِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا الْحَدَثِ، خَاصَّةً مَنْ كَانَ لَهُ قَرِيبٌ فِي بِلَادِ الْغَرْبِ.

 

وَلَكِنْ لَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّنَا لا نَدْعُوهُمْ إِلَى الِإْسَلَامِ مَتَّى سَنَحَتْ الْفُرْصَةُ لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ قُدْرَةٌ، سَوَاءً بِنَفْسِكِ أَوْ بِإِعْطَائِهِمُ الْكُتُبَ التِي فِيهَا بَيَانُ الدِّينِ الصَّحِيحِ وَدَعْوَتُهُمْ بِالْكَلِمَةِ الطَّيَّبَةِ وَالْأُسْلُوبِ الْحَسَنِ، لَعَلَ اللهَ أَنْ يَهْدِيَهُمْ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ).

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشَّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرْ أَعْدَاءَ الدِّينِ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيِّ أَمْرِنَا لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ وَفِقْ جَمِيعَ وُلَاةِ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَمَلِ بِكِتَابِكَ وَاتِّبَاعِ شَرْعِكَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ.

 

 اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي ِفيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَياةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلا تَحْرِمْنَا، وَأَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَلَيْنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ نَاوَءَنَا، وَوَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ سِرَّنَا وَعَلانِيَتَنَا، وَظَاهِرَنَا وَبَاطِنَنَا، اللَّهُمَّ تَوَلَّ أَمْرَنَا، اللَّهُمَّ اهْدِنَا سُبَلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ.

 

 اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ إِيمَانَاً صَادِقَاً وَعِلْمَاً نَاِفعَاً، وَعَمَلَاً صَالِحَاً مُتَقَبَّلاً، وَرِزْقَاً حَلَالاً وَاسِعَاً، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِينِّا مُحَمِّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

 

المرفقات
مسألتان تعظم الحاجة إليها في هذا الوقت.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life