عناصر الخطبة
1/على قدر مكانة الضيف يكون الاستقبال 2/مما اختص الله به رمضان من الفضائل 3/مكانة الدعاء في رمضان 4/من آداب الصياماقتباس
جَاءَكمْ ضَيفٌ بالأنباءِ السَّعيدةِ، والأجورِ الأكيدةِ، فَنَهارُه مَغفرةٌ بالصِّيامِ، ولَيلُهُ مَغفرةٌ بالقِيامِ، كَما قَالَ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ، إيمَانًا واحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنبِهِ"، ضَيفٌ يأتينَا مَرَّةً في كُلِّ عَامٍ؛ لِيُكَفِّرَ مَا كَانَ مِنَ الذُّنوبِ والآثامِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: لو قِيلَ لَكَ: أنَّ ضَيفاً كَريماً عِندَهُ مِنَ المَالِ الكَثيرِ، والخَيرِ والوَفيرِ، سَيَزورُكَ في بَيتِكَ بَعدَ أُسبوعٍ، ومَعَهُ مِن الهَدايا والخَيرِ لَكَ ولأهلِكَ جَميعاً، بَلْ حتى لِجِيرانِكَ وأَهلِ مَدينَتِكَ، فَكيفَ سَيَكونُ استِعدَادُكَ أَنتَ وأهلُ بيِتكَ لِهذا الضَّيفِ؟، وكَيفَ سَيَكونُ تَنظيفُ البَيتِ وتَرتِيبُهُ؟، وما هِيَ أَنواعُ الضِّيافةِ التي سَتُقَدِّمونَهَا لَهُ؟، وكَيفَ هِيَ السَّعادةُ والوُجوهُ البَاسِمةُ التي سَتَكونُ في استِقبالِهِ؟.
والآنَ: أَخبِروني عَنْ ضَيفٍ أَرسَلَهُ أَكرَمُ الأكرمينَ، وَجاءَ بالخِيرِ مِن أرحمِ الرَّاحمينَ، فِيهِ فَلاحُ الدِّينِ والدُّنيا، وفِيهِ الفَوزُ بالمَراتِبِ العُليا، يَأتي ومَعَهُ أحسنُ البُشَاراتِ، ويَدخلُ ومَعَهُ أَفضلُ الحَسَناتِ، يَقولُ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ"، فيَا مَرحباً بِضَيفنِا العَزيزِ، مَرحباً بِشَهرِ رَمضانَ.
رَمَضَانُ هَلَّ بِوَافِرِ الخَيرَاتِ *** يُهدِي لَنَا الآمَالَ وَالبَرَكَاتِ
جَاءَكمْ ضَيفٌ بالأنباءِ السَّعيدةِ، والأجورِ الأكيدةِ، فَنَهارُه مَغفرةٌ بالصِّيامِ، ولَيلُهُ مَغفرةٌ بالقِيامِ، كَما قَالَ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ، إيمَانًا واحتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقدَّمَ مِنْ ذَنبِهِ"، ضَيفٌ يأتينَا مَرَّةً في كُلِّ عَامٍ؛ لِيُكَفِّرَ مَا كَانَ مِنَ الذُّنوبِ والآثامِ، كَمَا جَاءَ في الحَديثِ: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ؛ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ"، فيَا مَرحباً بِشَهرِ الغُفرانِ.
رَمَضَانُ يَا شَهرَ الفَضَائلِ والهِمَمْ *** شَهرٌ أَفاضَ بِهِ الإلهُ مِن النِّعَمْ
كَيفَ سَيَكونُ استقبَالُنا لِهَذا الضَّيفِ الثَّمينِ، إذا عَلِمْنَا أنَّ اللهَ قَد أَخفى فِيهِ أَجرَ العَاملينَ، وَجَعلَ الفَرحَةَ فِيهِ فَرحَتينِ، يَقُولُ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قال اللهُ -تعالى-: إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأنَا أجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ"، فيَا مَرحباً بِشَهرِ الخَيرِ والفَرحِ.
لَكَ فِي القُلوبِ مَحبةٌ مَكتوبةٌ *** عَاشَتْ عَلى نَسَمَاتِها الأبدانُ
كَيفَ هُوَ فَرحُنا بِهَذا الضَّيفِ، إذا عَلِمنا أنَّه لا ينسى حُسنَ ضِيافَتِنَا لَهُ بِالصِّيامِ، وأنَّهُ يَأتي يَومَ القِيامةِ شَفِيعاً لِمنَ صَامَ وَقَامَ، ولَا يَتركُ مَن أَكرَمَهُ بالعَمَلِ الصَّالحِ حتى يُدخِلَهُ دَارَ السَّلامِ، جَاءَ في الحَديثِ: "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتهُ النَّومَ بِالَّليْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ"، فيَا مَرحباً بِشَهرِ الصَّومِ والقُرآنِ.
فكَمْ شَافِعٍ في ظِلِّكَ الصَّوْمَ بالتُّقَى *** وكَمْ واصِلٍ في أمْنِكَ الليلَ بالذِّكْرِ
وكمْ ساجدٍ لله مِنَّا وراكِعٍ *** يَبِيتُ على شَفْعٍ ويَغْدُو على وِتْرِ
أَقولُ مَا تَسمعونَ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ مِنْ كُلِّ ذَنبٍ، فَاستغفروه إنَّهُ هو الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ حَمدًا يَليقُ بجَلالِ وَجهِهِ وعَظيمِ سُلطانِه، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَه، وأَشهدُ أنَّ محمدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُه، صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عَليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه وأَتباعِه.
أمَا بَعدُ: فَهَنيئاً لَكُم هذا الضَّيفَ، الذي قَد جَعَلَ اللهُ -تَعَالى- للدُّعاءِ فِيهِ مَنزِلةً عَجيبةً، وَجَعلَ الاستِجابةَ فِيهِ أَكِيدةً قَريبةً؛ ولِذلكَ تَقرأُ بِينَ آياتِ صِيامِ رَمَضانَ، قَولَهُ -تَعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة: 186]، وَقالَ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ"، فيَا مَرحباً بِشَهرِ الدُّعاءِ.
إلهي إنَّ شَهَرَ الصَّومِ وَافَى *** وَذَنبي فَوقَ ظَهري كَالغِطَاءِ
فَجُدْ بالعَفوِ يَا رَبَّاهُ إنِّي *** دَعوتُكَ مُخلِصَاً فَاقْبَلْ دُعَائي
وإذا كُنَّا نُنَظِّفَ بُيُوتَنَا لاستِقبَالِ الضُّيوفِ ونُرَتِّبَ لَهم المَكانَ، فلا بُدَّ أن نُطَّهِرَ قُلوبَنا وألسِنَتنا وأسمَاعَنا لاستِقبالِ رَمضانَ، فَأيامُ الصِّيامِ لَيسَتْ كَغيرِها من الأيامِ، قَالَ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ"، فيَا مَرحباً بِشَهرِ الأخلاقِ.
إذا لم يَكُنْ في السَّمْعِ مِنِّي تَصَاونٌ *** وفي بَصري غَضٌ وفي مَنظَري صَمْتُ
فحظّي إِذنْ مِنْ صَومي الجُوعُ والظَّمَا *** وإن قُلْتُ: إنِّي صُمتُ يَومَاً فَمَا صُمْتُ
أيُّها الأحبَّةُ: أَرسلَ اللهُ لَكُم ضَيفاً مُباركاً بِالخَيراتِ، فَأحسِنوا استِقبَالَهُ وإكرامَهُ بالاجتِهادِ والطَّاعاتِ.
اللهمَّ أَعنا عَلى صِيامِ رَمضانَ وقِيامِه إيماناً واحتساباً، واجعلنا فيه من العتقاءِ من النارِ يا أرحمَ الرحمينَ، اللهمَّ لا تَدعْ لنا ذَنباً إلا غَفرتَه، ولا هَماً إلا فرجتَه، ولا دَيناً إلا قضيتَه، ولا مَريضاً إلا شفيتَه، ولا مُبتلىً إلا عَافيتَه، ولا غَائباً إلا رددتَه، ولا ضَالاً إلا هديتَه، ولا عَسيراً إلا يسرتَه، ولا كَرباً إلا نَفستَه، اللهمَّ أَصلحْ أَحوالَ المسلمينَ حُكاماً ومَحكومين، اللهمَّ ألّفْ بينَ قُلوبِ المسلمينَ، وأَصلحْ ذَاتَ بينِهم، واهدِهم سبلَ السلامِ ونجِهم من الظلماتِ إلى النورِ، وانصرهم على عدوِك وعدوِهم يا قويُ يا عزيزُ، اللهم اغفر لموتى المسلمينَ الذينَ شَهدوا لَكَ بالوَحدانيةِ ولنبيكَ بالرسالةِ وماتوا على ذلك، اللهمَّ اغفرْ لهم وارحمهم وعافِهم واعفُ عَنهم ووَسعْ مُدخلَهم وأَكرمْ نُزلَهم واغسلهم بالماءِ والثلجِ والبردِ، ونَقهم من الذنوبِ والخطايا، وارحمنا إذا صِرنا إلى مَا صَاروا إليهِ برَحمتِكَ يَا أَرحمَ الراحمينَ.
التعليقات