عناصر الخطبة
1/العلاقة بين المحبة والفعل 2/وسائل الحصول على حلاوة الإيمان 3/ارتباط المحبة بالطاعة 4/بعض القصص في محبة الصحابة للرسول -صلى الله عليه وسلم- 5/حقيقة محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومقتضياتها ودعوى الناس في ذلكاهداف الخطبة
اقتباس
عباد الله: إن هذه الأجساد التي نحملها والأعضاء التي تحركها لا يكمن أن نسيرها إلا بحسب مشاعرها، فهي للمشاعر تبع، ولا يمكن أن تعرف محبًا لشيء ولا مبغضًا له إلا بفعله تجاهه وموقفه منه، لا بكلامه وإن كثـَّره وزيَّنه، وحلف عليه، ولكن ذلك الفعل والموقف محكوم بمشاعره نحوه، فإن...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1].
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
عباد الله: إن هذه الأجساد التي نحملها والأعضاء التي تحركها لا يكمن أن نسيرها إلا بحسب مشاعرها، فهي للمشاعر تبع، ولا يمكن أن تعرف محبًا لشيء ولا مبغضًا له إلا بفعله تجاهه وموقفه منه، لا بكلامه وإن كثـَّره وزيَّنه، وحلف عليه، ولكن ذلك الفعل والموقف محكوم بمشاعره نحوه، فإن أحبه أقبل عليه أيما إقبال، وإن أبغضه نفر منه كل نفور، وإن لم يجد له في قلبه حبًا ولا بغضًا كان مستويًا عنده قربه وبعده، إن أمكن منه قرب اقترب، وإن حال دونه حائل ابتعد، وقس على هذا التفصيل أعظم أمورك وأحقرها، فما أحببته منها فعلته راغبًا ومشتاقا غير متعتع ولا وانٍ، وما كرهته منها تركته غير مهتم مكروه ولا مبال مهما كانت دواعيه وأسبابه، وما كان منها غير محبوب ولا مكروه، فليس له في قلبك دافع، وليس له فيه مانع، فما تزال تجريه كيفما اتفق، إن تيسر فعلته غير محب ولا كاره، وإن تعسر تركته غير مبال ولا نادم.
وما من شك أن أعظم الأمور وأهمها: الاستجابة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهي ذات وجوه متعددة، من صلاة وزكاة، وصيام وذكر، وقراءة، وترك محرّم، وغير ذلك من أعمال البر، وهو كما قال تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة: 177].
ولكن تلك الأعمال كلها لا يمكن أن تباشرها الأعضاء، وتنشط إليها الأجساد إلا بعدما تكون مُحِبة لها حبًا صادقـًا، ويجعلها في شوق إليها، ورغبة في ممارستها، وتلذذ بصنيعها، وراحة بعد الفراغ منها، انظر إلى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ نجاه الله منه كما يكره أن يقذف في النار".
إن تلك المرتبة العالية "وهي أن يجد المرء حلاوة الإيمان بالله" لابد لها من ثلاثة أمور.
أولها: أن لا يكون شيء مهما عظم أحب إليه من الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- حتى والده وولده والناس أجمعين، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم حين قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".
بل حتى نفس المؤمن، كما قال عليه الصلاة والسلام لعمر حين قال له: يا رسول الله! إنك أحب إلي من كل أحد إلا نفسي؟ فقال: "لا يا عمر حتى نفسك" فقال عمر -رضي الله عنه-: الآن يا رسول الله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر".
والله يقول: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة: 24].
والثانية: أن يحب المرء حبًا صادقاً، لا لأنه جلب له نفعًا ولا دفع عنه ضرًا، ولا لسبب ولا نسب، ولكنه لا يحبه إلا لله أي لما يرى منه من عبادة وصلاح، فيحبه لذلك، والله -تعالى- يقول: "وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ".
وفي السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه".
والثالثة: أن يشعر بأهمية ما هو عليه من الدين والهدى والحق، وأن يكره الخروج منه إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار، بل أعظم من ذلك، فإن المؤمنين الصادقين عرضوا على النار لتحرقهم، أو يتحولوا عن دينهم، فاختاروا أن يرموا في النار، ولا يرجعوا عن دينهم، كما فُعِل بأصحاب الأخدود، وغيرهم.
ثم انظر لترى أن تلك الأمور الثلاثة التي يجد المرء بها حلاوة الإيمان ليس فيها عمل بدني، وإنما هي كلها مشاعر في قلب العبد والأمة، فما معك منها؟!
غير إن وجود تلك المشاعر ليس بالأمر الهين، بل دونه خرط القتاد، وشيب الغراب، إلا لمن منَّ الله به عليه.
ثم إن المقصود من تلك المشاعر هو ما يتبعها من العمل بمقتضاها، والاستجابة التامة، هو دليل وجودها في قلب العبد، أو الأمة.
أما الادعاء والكلام المجرد، فمركب سهل، وكل يركبه، وكم زعم المنافقون أنهم يحبون الله ورسوله، وكم حلفوا على ذلك، ولكن دليل الصدق هو العمل والاتباع، كما قال تعالى في آية المحنة التي امتحن بها من يدّعون محبة الله: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 31 - 32].
وبقدر محبتك لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- تكون استجابتك ومحبتك لتنفيذ ما أمر به الله أو رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وما تفريطك في بعض ما أمر به أو رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلا لنقص في محبتك لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- علمت ذلك أو لم تعلم، فتلك هي الحقيقة دون أدنى نظر إلى ما تدّعيه من المحبة ادّعاءً، فمن أحب الله ورسوله أطاع الله ورسوله ومن نقصت محبته نقصت طاعته: "إن المحب لمن يحب مطيع".
فمن أحب الله ورسوله، أحب الصلاة؛ لأن الله يحب منه أن يصلي، وأحب الاستغفار؛ لأن الله يحب منه أن يستغفر، وأحب الذكر والقرآن؛ لأن الله يحب منه أن يذكر ويقرأ.
ومن أحب الله ورسوله، أبغض الزنا؛ لأن الله يبغضه، وأبغض الربا والفحش والمعازف والملاهي، وسائر المحرمات؛ لأن هذا عبد محب، فهو ينظر ما يحبه مولاه فيحبه، وما يبغضه مولاه فيبغضه.
وهكذا كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم، لقد كانت محبتهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضربًا من العجب؛ لأنهم يعلمون ما خصه الله به من الفضائل العظام، وما كان عليه من الخلق العظيم.
وحسبك أن تعلم وجهًا واحدًا مما اختصه الله به من الفضائل، انظر إلى اجتماعات الناس الكبرى، حين يجتمعون في مناسباتهم وأعيادهم، وكل يرى في نفسه من الكبراء والوزراء والأمراء والزعماء أنه مهم، وأن حضوره ذو بال، وغيابه خسران على أهل الاحتفال، مع أنه في زمن محدود، وجمع معدود، وهنيئا حين ذاك لمن لا يجد هذا في نفسه تواضعًا، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذلك الموقف العظيم، والجمع العميم، يوم يجمع الله الأولين والآخرين، سيكون الشافع المشفع، حين يقول أولياء الله المصطفون: "نفسي نفسي" فيقول عليه الصلاة والسلام: "أنا لها" فأي شرف بعد هذا، وأي كرامة فوق هذا، ومع ذلك ومع أنه أعظم المخلوقين شرفـًا، وأعلاهم منزلة، فهو أكثرهم تواضعًا، وأشدهم حياءً، حتى كان يصغي الإناء للهرة لتشرب، فلا يرفعه حتى تروى، وتستتبعه الأَمَةُ والمسكين، فيتبعهما إلى حيث يريدان، وكان لا ينزع يده من يد من سلم عليه، حتى يكوه المُسَلّم هو الذي ينزع يده، فانظر كيف جمع الله له المكارم من أطرافها، بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه، ولذا فإن محبته تختلف باختلاف معرفة قدره وخُلُقِه، وقد عرف ذلك صحابته والتابعون، فأحبوه أعظم الحب وأصدقه.
وإن الحديث عن محبتهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآحاده ضرب من العجب، كما تقدم، وخليق أن يفرد بخطبة خاصة، ولكننا نكتفي بذكر مواقف معدودة، لنرى كيف كانت محبتهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا خبيب بن عدي -رضي الله عنه- مصلوبًا على خشبة القتل عند قريش، يقولون له: "أتحب أنك سالم في أهلك وأن محمدًا مكانك؟ فيقول: والله ما أحب أني سالم في أهلي وتصيب محمدًا شوكة!".
إنه لا يجعل قتله كفاء لقتله، ولكنه يرى موته هو أهون عليه من أن يصاب رسول الله بأدنى أذى حتى الشوكة!.
وتلك أم سُلَيْم حين قال عندها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعلت تسلت العرق عن جنبه الشريف في قارورة معها، فاستيقظ بفعلها، فقال: "ما تصنعين يا أم سليم؟" قالت: "عرقك يا رسول الله نجعله في طيبنا".
ويقول سهيل بن عمرو: "لقد دخلت على الملوك وكسرى وقيصر فما رأيت أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمدٍ محمدًا -صلى الله عليه وسلم-".
وقد كان هو صلى الله عليه وسلم يحبهم أيضًا: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح: 29].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ذي الفضل المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، سيد المرسلين وخير الأولين والآخرين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على رسوله المصطفى، فقال جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا".
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين، وتابعي التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إن محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليست نفلاً يتنفل به المسلم أو المسلمة، ولكنها شرط للإيمان، فلا إيمان للعبد إلا بها، كما قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".
وكلما زادت محبته صلى الله عليه وسلم في قلب عبد كان أتم لإيمانه، حتى يجد بذلك حلاوة الإيمان، كما تقدم معنا من قوله عليه الصلاة والسلام: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان..." الحديث.
غير أن القلوب غيوب فلا يعلم ما بها إلا الله -تعالى-، ولا دليل عليه إلا بالعمل، فمن كان أكثر طاعة لله ورسوله، فهو أكثر حبًا لله ولرسوله، حتى يصدق حبه، فتكمل استجابته، ومن كان أقل طاعة فهو أقل حبًا، حتى تعدم المحبة، فتعدم الاستجابة، وإن قال بلسانه ما قال وحلف على مزاعمه، فإن القول بلا عمل يصدقه من أبطل الباطل، فكيف بقول يخالفه فعل قائله.
إياك ثم إياك أن تغرك الأقوال وأنت ترى الأفعال، أما قال الحق -تبارك وتعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) [البقرة: 204].
فما دليل شدة خصومته وعداوته مع أنه قوله معجب؟
الدليل أنه: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ)[البقرة: 205].
فالدليل على كذب قوله ما تراه من فعله أنه يفسد في الأرض، ويهلك الحرث والنسل، بل لا يقبل مجرد كلمة خير تقال له، فإذا قيل له: اتق الله اعتز بإثمه وباطله، وأصر عليه: (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة: 206].
إن الناس ربما اتفقت أقوالهم في الخير والجمال، ولكن العبرة في الأفعال: (وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ) [العنكبوت: 11].
ألم يقل المنافقون: آمنا بالله وبالرسول؟ أوَلم يقولوا: سمعنا وأطعنا؟ أولم يقولوا: نشهد إنك لرسول الله؟ أتظن أن أولئك انتهوا وليس لهم في الناس أمثال أو تظن أن المنافقين انقطعوا في هذا الزمان؟! (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور: 47 - 52].
فأين محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممن يدعيها بلسانه، فإذا دعي إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أعرض وتثاقل، وإذا سمع: "حي الصلاة، حي الفلاح" لم يجب بلسانه، ولا ببدنه.
وإذا قيل له: إن الله حرم هذا، من قول أو فعل، قال مستنكراً: كل شيء حرام؟ كل شيء حرام؟ لا تريدون أن نتكلم ولا نجلس ولا نفرح؟ فهل ترى ذلك صادقـًا فيما يدعيه؟! وما دليل صدقه من كذبه؟
تعصي الإله وأنت تزعم حبه *** هذا لعمري في القياس بديع
لو كن حبك صادقًا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع
اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
التعليقات