عناصر الخطبة
1/عظمة الله تعالى وطلاقة قدرته 2/الكون كله بيد الله وطوع أمره 3/ قدرة باهرة وسطوة قاهرة 4/زلزال المغرب وإعصار ليبيا 5/كيف يتعامل العاقل مع الشدائد والمحن؟ 6/موقف المؤمن من مصائب وآلام المسلمين.اقتباس
لا يفلت من قبضته شيء.. عزيزٌ لا يُغالَب، قويٌّ لا يُقْهَر.. قدرتُه باهرةٌ، وسطوتهُ قاهرةٌ.. يُري عبادَهُ -جل جلاله- شيئاً من قدرتهِ، فيتحركُ جزءُ من الأرضِ بإذنهِ، أو يهيجُ البحرَ بأمرهِ فتُصبحُ الشواهقُ ركامًا، والأجسادُ أشلاءَ، والعمارُ خرابًا..
الخطبةُ الأولَى:
الحمدُ للهِ كم فينا لخالقنا *** مواهبُ ليس يُحْصِي شُكرَها أحدُ
وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له عظيمٌ في ربوبيتهِ، عظيمٌ في ألوهيتِه، عظيمٌ في أسمائهِ وصفاتهِ، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[الزمر: 62- 63].
لكلِّ خطبٍ مهمٍّ حسبيَ اللهُ *** أرجو بهِ الأمنَ مما كنتُ أخشاهُ
وأستغيثُ بهِ في كلِّ نائبـةٍ *** وما ملاذيَ في الدارينِ إلا اللهُ
(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)[التغابن: 11]، ما يجري في هذا الكونِ إلا بتقديرِ اللهِ وعلمِهِ وقدَرِه، فَإِذَا قضى أمراً فلا رادَّ لقضائهِ ولا مُعقِّب لحكمهِ (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[البقرة: 117]، (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[الأعراف: 54].
ما تتحركُ ذرةٌ إلا بإذنهِ (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[الأنعام: 59]؛ لا تحِجبُ سماءٌ عن علمهِ سماءً، ولا أَرضُ أرضًا (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)[المجادلة: 1]؛ قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: "تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتِ الْمُجَادِلَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَشْكُو زَوْجَهَا، فَكَانَ يَخْفَى عَلَيَّ كَلَامُهَا، وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ"(أخرجه البخاري).
حَكِيمٌ فِي أَمْرِهِ، خَبِيرٌ بِخَلْقِهِ (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)[الأنعام: 73]؛ الذي لا تجرى أحكامُه وقضاياه إلا على مقتضى العلمِ والحكمة (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[الأعراف: 54].
فالله أعظمُ مما جالَ في الفكرِ *** وحكمه في البرايا حكم مقتدرِ
مولى عظيمُ حكيمُ واحدُ صمدُ *** حيُ قديرٌ مريدُ فاطرُ الفطرِ
هو الله -جل جلاله-: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ)[الرعد:9]؛ تعالى قدْره وعظُم شأْنه، واستعلى على سواهُ في ذاته وصفاته وأفعاله (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)[سبأ: 23]؛ الْعَلِيُّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، عليٌّ بذاتِه وصفاتِه وقهرهِ وسلطانه.
لا يفلت من قبضته شيء (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى)[طه: 6]
عزيزٌ لا يُغالَب، قويٌّ لا يُقْهَر..
الغالبُ القهارُ فوق عباده *** من ذا يكيد الغالبَ القهارا؟
(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)[الأنعام: 18]؛ قدرتُه باهرةٌ، وسطوتهُ قاهرةٌ.. يُري عبادَهُ -جل جلاله- شيئاً من قدرتهِ، فيتحركُ جزءُ من الأرضِ بإذنهِ، أو يهيجُ البحرَ بأمرهِ فتُصبحُ الشواهقُ ركامًا، والأجسادُ أشلاءَ، والعمارُ خرابًا..
فترى الديارَ على الديارِ أكبَّها *** وترى الجبالَ على الجبالَ أمالها
وترى أعاصيرَ المياهِ أثارَها *** حرباً تسددُ للكبودِ نِبالهـا
فلربَّ دارٍ زجها في هـوةٍ *** فمحـا مبانيهــا وأقبر آلهــا
وترى بها القتلى هنا وهناك قد *** طمسَ الترابُ على الثرى أشكالهَا
بينا قضوا في النومِ زلفةَ ليلهم *** في دورِهم متفيئين ظلالهَا
إذ طافَ بالبلوى عليهمُ طائفٌ *** خسفَ الديارَ وعجلَ استئصالها
دوّت دوي الرعدِ ثم تدكدكت *** بالآهلين وأخرجت أثقالها
إنّ القيامةَ بالوبالِ نذيرةٌ *** عفوًا فإنا لا نطيقُ وبالها
والله أرحمُ راحمِ سبحانَه *** وسعَ الخلائقَ رحمةً وأنالها
شكرًا لمن أولى الضحايا منةً *** ترضى ومد يدًا لها فأطالها
شكرًا لمن آوى اليتامى واعتنى *** بحياتها فاسترجعت آمالها
غفرانـك اللهــم إنا أمـةٌ *** رزْحى يحملُها الهوى أحمالها
فارفُق بأمةِ مصطفاكَ محمدٍ *** واجعل إلى كنفِ السلامِ مآلها
المؤمنُ الفطن يلجأ لربه في السراء والضراء (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[غافر:65]؛ فهو الذي (يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)[فاطر: 41].
ويعلمُ المسلمُ دوماً أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، ولو اجتمعت الخلائق على أن يردوا قضاء الله أو يوقفوا أمره لَمْ يَقْدِرُوا دفعه (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا)[الإسراء: 68].
فَإِذَا سَأَلْتَ فَاسَأل اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الصبر عواقبه محمودة، وما قدَّره الله كائن, فالعاقل يقابل الشدائد والمحن بالرضا والتسليم، ويلتجئ إلى ربه ويرجع إليه لينال ثواب الصبر، ويظفر بتدبير الأمر..
إِذا عَقَدَ القَضاءُ عَلَيكَ أَمراً *** فَلَيسَ يَحُلُّهُ إِلا القَضاءُ
والآمنُ يشكرُ ربه على الطيباتِ من الرزق، والسلامةِ من الأخطار ، والخيرِ المدرار ..
والمسلمُ اليقظ يتقي ربه في كل حين وآن، فيحافظ على الفرائضِ والواجبات، ويبتعد عن المعاصي والمنكرات، ويؤدي الحقوق ويحذر العقوق، فلا يدري متى يفجأه الأجل، وينقطع عنه الأمل .. أمراضُ وأسقام، وحوادثُ وأخطار، ومِحَنُ وزلزال وطوفان، أو موتُ على الفراش..
كم غافلٍ عن حِياضِ الموْتِ في لَعبٍ *** يُمسِي وَيُصْبحُ رَكّاباً لِما هَوِيَا
يـا رُبَّ بـاكٍ علَى ميتٍ وباكيةٍ *** لمْ يلبَثَا بعدَ ذاكَ الميتِ أنْ بُكِيَا
ورُبَّ ناعٍ نَعَـى حيناً أحبَّتـهُ *** ما زالَ يَنعى إلى أن قيلَ قد نُعيَا
يا أيها الناس جميعًا (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ)[الشورى: 47]، (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)[هود: 90].
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى.
أَمَّا بَعْدُ: فالمؤمن يملك قلبًا حيًّا يهتم للمسلمين، ويحزن لما يصيبهم من البلاء والمحن والظلم والمسغبة "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا همٍ، وَلَا حَزَنٍ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ"(أخرجه مسلم).
يا ربّ ما أقربَ منكَ الفرجا *** أنتَ الرجاءُ وإليكَ الملتجا
يملك المسلم لإخوانه إنفاقًا ولو بالقليل "تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ".
يملك المؤمنُ لسانًا لا يفتر عن الدعاء بأن يغيث المسلمين ويرفع عنهم الضرَ البلاء.. قال أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- بعث النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- سَبْعِينَ رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ، فَقُتِلوا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا الْمَكَانَ، قال أنس: "فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَزِنَ حُزْنًا قَطُّ أَشَدَّ مِنْهُ، وقَنَتَ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ"(متفق عليه).
هذا هو المنهج: الإحساس والشعور بالجسد الواحد، وحمل الهمّ للإسلام والمسلمين.
إن الأجيال برجالها ونسائها، بحاجةٍ إلى إحياء الضمائر وإدراك لأيّ شيءٍ نحيا ونسعى (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون: 115]، "ولن تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ".
إن أكبر نجاحات الأعداء على اختلاف مِلَلهم أن يخدّروا مشاعر المسلمين ويميتوا الأحاسيس، ويبثوا الخنا والفحش عبر كل تطبيق ودعاية وبرنامج..
إن على كلِ مسلمٍ يرجو الله والدار الآخرة أن يحمي سمعه وبصره وأهل بيته من هذه البرامج التي إثمها أكبر من نفعها، وأن يربأ بنفسه أن لا يكون له همُ ولا همه..
ومن يكن همه في العيش مأكله *** فالموت أولى له من عِيشة الكدر
اللهم كن للمستضعفين والمتضررين والمشردين من المسلمين عونًا ونصيرًا ..
اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا..
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد..
التعليقات