عناصر الخطبة
1/ لماذا ينحرف من نشأ في بيئة نقية محافظة ؟ 2/ وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره 3/ لكل إنسان قدرة واختيار لفعل الخير والشر 4/ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا 5/ مفاسد الخوض في القدر ومحاولة علم ما لا تهتدي العقول إلى معرفته 6/ حكم الاحتجاج بالقدر 7/ الفرق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية 8/ أسباب ميل المنحرف عن هدى مجتمعه 9/ أسباب انحراف فرعون وأبي طالب وأبو جهل بعد ظهور الحق.اهداف الخطبة
اقتباس
إن من أسباب ميل المنحرف عن هدى مجتمعه المحافظ: علة في قلبه، هو الذي تسبب في تفاقمها، إما لتفريطه وبُعده عن طاعة الله وعن عباده الصالحين، أو لرياء عشّش في نيته فأفسد عمله، أو لكبر في قلبه لم يطهر قلبه منه بالرغم من قدرته على ذلك ووعيه لخطورة الكبر.. أو لأسباب أخرى هو أدرى بها.. وكل ذلك بمشيئة الله تعالى أي وفق...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ذُكر سؤال فيما مضى: ما الأسباب التي تجعل أناسًا نشئوا في بيئة تجلّ الحياء والستر ويحترم أهلها أحكام الشريعة وأراء العلماء، ما الأسباب التي تجعلهم إذا كبروا يهجرون هذا الخير في بيئتهم ويستنكرون الفضيلة؟
لماذا لم يهتدوا إلى ذلك الخير ولماذا آثروا الباطل عنه؟ لماذا مع أنهم نشئوا في تلك البيئة الطيبة؟ مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري قال: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
ويقول الشاعر:
أما تدري أبانا كل فرع *** يجاري بالخطى من أدبوه
وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه
والآخر يقول:
إن الغصون إذا قوّمتها اعتدلت *** ولا يلين إذا قومته الخشب
لكن مع هذا تجد هؤلاء يتمردون وينحرفون عن سمت مجتمعهم.. فلماذا؟!
معاشر الإخوة: ينبغي في بداية الكلام ونحن نجيب على هذا السؤال أن نعي أمرًا مهمًّا عقديًّا وهو أن قدر الإنسان مبني على عدل وحكمة كما هو شأن السماوات وما بينهما (مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقّ) [الروم: 8] فهما وما بينهما أقامهم رب العالمين على الحق والعدل والإنصاف، فالله تعالى لا يظلم مثقال ذرة مع أنه قادر على أن يظلم جل وعلا، لكنه حرم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرمًا كما جاء في الحديث القدسي: "يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا؛ فلا تظالموا ".
فصفاته العليا أكمل صفات وأعلى صفات وأجل صفات، ومن ثم فإن قدر الإنسان الذي لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالى إنما خلقه وقدره بحكمة وعدل لا يعتريه أدنى ظلم، ومن شك في ذلك فليراجع إيمانه فإنه لا إيمان له.
ففي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود قال: حدثنا صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق "إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ".
فالإنسان حتى لو كان لا يعرف قدره ولا يتيقن استقامته، ولا يدري أشقي هو أم سعيد في علم الله جل وعلا إلا إنه يعرف تمام المعرفة سبيل السعادة وسبيل الشقاء، ويعرف أن له مطلق الحرية في الاختيار، ويعرف أن الله تعالى عدل رحيم سيهديه ويعينه على ما قرر سلوكه بنص القرآن (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [الليل: 5- 10].
فالذي أعطى واتقى وصدق بالحسنى هو العبد، أعطى واتق بمحض اختياره، وكذلك الذي كذب واستغنى لم يرغمه أحد، فكتابة الله للإنسان شقاء أو سعادة إنما هو بعدل تام؛ لأنه أعطى الإنسان مطلق الحرية في الاختيار، وقد جاء هذا المعنى في القرآن في أكثر من آية (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [آل عمران: 117] (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [الأعراف: 160]، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [يونس: 44].
فالله تعالى خلق للإنسان استعدادًا عقليًّا وقدرة لاختيار أي طريق شاء طريق الخير أو طريق الشر كما قال تعالى: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف: 29]، وقال سبحانه (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر: 37] وقوله سبحانه أيضًا (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) [التكوير: 28]، لمن شاء منكم... هذه مشيئة موكولة إلى العبد أي أن العبد يشترك في صنع مصيره اشتراكًا رئيسًا، ولذلك يقول سبحانه: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [آل عمران: 182] إلا إن لله تعالى مشيئة كونية تحيط بمشيئة العبد هذه وتحيط بكل مخلوقات الرب جل وعلا وهي معنى قوله تعالى (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الإنسان: 30]..
هي مشيئة خاصة بالرب سبحانه لا شأن للعبد بها وليس له أن ينشغل بها، لماذا ليس له ذلك؟ أولاً: لأنه لا يقدر على تصور حِكمتها، فمشيئة الله تعالى فوق مستوى تصور العبد وعقله، وثانيا: لا فائدة له من ذلك.. فالإيمان بالقدر خيره وشره مطلوب.. أما الخوض في القدر ومحاولة علم ما تهتدي العقول إلى معرفته من سر الله في خلقه فهو مذلة الفلاسفة وداء الملحدين أولئك الذين تكبروا على الغيب وعلى خالق الغيب فخاضوا في القدر فسهوا ونسوا أنهم مخلقون وأنهم ضعفاء عاجزون يمرضون ويموتون..
نسوا أنهم خرجوا إلى الدنيا ضعفاء يبكون، خرجوا إليها بغير اختيارهم ولا قدرتهم، لم يختاروا خلقهم ولم يختاروا نسبهم ولم يختاروا خلقتهم ولا لونهم، نسوا هذا كله، وهذا ما ذكَّر به سبحانه وتعالى قائلا (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ *فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار: 6- 7].
ما شاء هو سبحانه لا ما شاء العبد، فمقام العبد ليس كمقام الرب، ومشيئة العبد ليست كمشيئة الرب، فلا يليق للعبد أن يضرب الاحتمالات والأمثال على الغيب المكنون أو القدر المكتوم الذي لا يعلمه إلا الله.. فيقول: لو أن الأمر كذا فلماذا يكون كذا ! أو لأني فعلت كذا فما الفائدة من كذا !! هذه عبارات المرتدين، فعقل الإنسان مهما بلغ ذكاؤه محدود جدًّا وضيق، وعلمه مهما بلغ فهو أقل من القليل..
ولذلك صح في البخاري من حديث أبي بن كعب قوله صلى الله عليه وسلم في قصة موسى والخضر وهي قصة محورها العلم، وفي تلك القصة "فانطلق يمشيان على ساحل البحر فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نَوْل، فلما ركب في السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين، فقال له الخضر: يا موسى والله ما علمي ولا علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر".
وروى النسائي من وجه آخر عن ابن عباس أن الخضر قال لموسى: "أتدري ما يقول هذا الطائر؟ قال: لا، قال يقول: ما علمكم الذي تعلمانه في علم الله إلا في مثل ما أنقص بمنقاري من جميع هذا البحر".
نقطة.. قطرة واحدة إلى جانب البحر كله، فما أُوتي الإنسان من العلم إلا قليلاً، فلا فائدة من الخوض في القدر ومحاولة علم ما لا تهتدي العقول إلى معرفته بل يحرم ذلك، فليس للعبد أن ينشغل بمشيئة الله تعالى وإنما عليه أن ينشغل بمشيئته هو، فليركز عليها فانتفاعه إنما يكون بانشغاله بمشيئته هو لا بمشيئة الله..
فهو يرى بنفسه أنه مُكّن من التصرف ومُكّن من اختيار الطريق، ومُكّن من معرفة الخير والشر، وأُعطي القدرة على فعل الخير أو فعل الشر، لا يرغمه أحد على ما يكره، بل لو أرغمه أحد على الشر إرغامًا يؤدي إلى وقوع الضرر به لو لم يفعل ذلك الشر فليس عليه إثم أصلاً؛ لأن الله تعالى قال: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) [النحل: 106]، إلا أن يكون في فعله ذاك مضرة بمسلم كإزهاق روح أو تعذيبه أو خلافه، فإنه يأثم بذلك حتى لو أُكره، والواجب عليه حين ذاك أن يمتنع ويصبر على الأذى، الحاصل أن المسلم عليه أن ينشغل بما ينفعه.
معاشر الإخوة: احتج سارق على عمر رضي الله عنه بالقدر، احتج ذلك السارق بالقدر أي إنه إنما سرق بقضاء الله وقدره، فقال له عمر: وأن أقطع يدك بقضاء الله وقدره.
ولذلك أقول: إنني أردت أن أبدأ بهذا الكلام أولاً حتى نحذر من تبرئة الضال من ضلاله تجاه القدر، ونقول: إن الله تعالى هو الذي أراد له الضلال إرادة شرعية ولا ذنب له.. فهذا لا يمكن إطلاقًا !!لأن الله تعالى قال (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر: 7].
ولذلك بيّن الله تلاعب بعض الكفار بمعنى القدر بقوله تعالى: (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ) فأوكلوا شركهم إلى مشيئة الله، فماذا رد عليهم قال: (مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الزخرف: 20].
فالله لا يريد من عباده أن ينحرفوا عن دينه ولا أن يكفروا به بل يريد منهم أن يشكروه ويوحدوه، هذه الإرادة هي إرادة الله الشرعية التي يحاسب عليه فيثيب أو يعاقب والتي جعل أمرها في الإنسان في نطاق قدرته إن شاء وافقها الإنسان فكسب وإن شاء خالفها فخسر..
ومع ذلك فإن لله تعالى كما ذكرت آنفًا إرادة أخرى لا يتخلف عنها شيء في هذا الوجود، الإرادة الكونية، المشيئة الكونية فكل ما يحدث في هذا الوجود هو محض إرادته الكونية، وهذا مقتضى ربوبيته جل وعلا ومصداق صفاته؛ لأنه مالك الملك والمهيمن، وهو تعالى إنما يخبرنا عن مشيئته الكونية هذه، لا لأجل البحث في تفاصيلها ودقائقها...لا، ولا من أجل تعليق تقصيرنا عليها..لا، إنما يخبرنا بها جل وعلا حتى يستقر اعتقادنا بهيمنته ونزداد يقينًا بأنه مالك الملك سبحانه وتعالى.
وهنا نأتي أيها الإخوة إلى مسألة مهمة وهي أن الله تعالى يشاء انحراف العبد مشيئة كونية لا شرعية، كما في قوله تعالى (مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأنعام: 39]، لكن هل في مشيئته هذه ظلم للعبد؟ حاشا لله، فإنه أعدل العادلين جل وعلا وأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، لا يرغم أحدًا من عباده على معصية وإنما مشيئته تعالى سنن يسير وفقها الكون كله..
ولذلك نقول: إن من أسباب ميل المنحرف عن هدى مجتمعه المحافظ علة في قلبه، هو الذي تسبب في تفاقمها، إما لتفريطه وبُعده عن طاعة الله وعن عباده الصالحين، أو لرياء عشش في نيته فأفسد عمله، أو لكبر في قلبه لم يطهر قلبه منه بالرغم من قدرته على ذلك ووعيه لخطورة الكبر.. أو لأسباب أخرى هو أدرى بها.. وكل ذلك بمشيئة الله تعالى أي وفق سنته..
أسأل الله تعالى لي ولكم أن نحيى على هداه وأن نموت على هداه، والله المستعان وعليه التكلان.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فعن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنه من أهل النار".
فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبدًا، قال فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجُرح الرجل جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أشهد أنك رسول الله" قال: "وما ذاك"؟ قال: "الرجل الذي ذكرت آنفًا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك فقلت: أنا لكم به فخرجت في طلبه حتى جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: "إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة" رواه مسلم، نسأل الله حسن الختام.
هذا الرجل الذي أبلى بلاءً حسنًا في القتال لم يظلمه الله تعالى بل هو الذي ظلم نفسه، قال الخطيب البغدادي: كان قزمان الظفري من المنافقين، وذكر ابن الجوزي أنه قد تخلف يوم أحد فعيّره النساء وقلن له: قد خرج الرجال ما أنت إلا امرأة فلحق بالمسلمين حتى صار في الصف الأول، فكان أول من رمى بسهم ثم صار إلى السيف ففعل العجائب فلما انكشف المسلمون – أي لما فروا في أحد- كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار يا آل أوس، قاتلوا على الأحساب، ثم أقلقته الجراح فقتل نفسه.
إذًا كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار.."
ما الذي جعل فرعون يصر على الضلال مع علمه ويقينه بصدق موسى؟ جحود وكبر في قلبه..
ما الذي جعل أبا طالب لا يستجيب لحبيبه وابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم؟ فخره وافتخاره بدين أجداده.
ما الذي دعا قابيل إلى قتل أخيه هابيل؟ حسد في قلبه..
وقس على ذلك إنها سنة الله تعالى، ولهذا ينبغي أن نحذر حذرًا شديدًا ونحن نسمع أو نرى ضلال بعض الناس اليوم، نحذر ونسأل الله الثبات على الحق، ونعلم أننا لسنا في مأمن وهو ما يقودنا إلى مراجعة صادقة، أسأل الله تعالى أن يوفر لها لقاء آخر.
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 7].
التعليقات