عناصر الخطبة
1/ خسائر وأضرار التأخير الفادحة 2/ دراسات مهمة 3/ مظاهر تفشي ظاهرة التأخير والتسويف في المجتمع 4/ من صور التأجيل المؤلمة 5/ علاج ظاهرة التأجيل والتسويفاهداف الخطبة
اقتباس
لقد أثبتت آثار التأخير كيف فعلت بالإنسان الأفاعيل، إن جئت إلى القطاع الصحي ففي عام 2006 ثبت عالميًا من إحدى الجامعات أن 254 شخصًا ممن أجريت عليهم الدراسات ثبت أن أمراضهم تفاقمت بسبب التأخير، سواء تأخير تطوير العمل الصحي أم متابعة العلاج الصحي...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، سبحانه وتعالى عد وقسم الرزق وقدر الأجل، وله الحمد على ما حصل، ونسأله الرزق من فضله وهو يجيب من سأل، سبحانه الكريم حاشاه أن يخيب صاحب الأمل، ونعوذ بالله من العجز والجبن والبخل والفشل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كتب الإحسان على كل شيء، وأمر بالإتقان ونهى عن الخلل، وأبغض الناس الرجل السبهلل.
وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، صلى الله عليه في الأولين، وصلى الله عليه في الآخرين، وصلى الله عليه يوم الدين.
أما بعد:
معاشر من آمن: اتقوا ربكم سرًا وجهرًا، وعظموا أمره كما أمر، وأطيعوه بالسر والعلن: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70، 71].
أيها المسلمون: لا تتأخر.. نكمل مشوارها الذي بدأناه وإياكم.
لقد أثبت الخبراء أن 40% من الناس يتكبدون خسائر مالية بسبب التأخير الذي تقودهم إليه بعض الظروف، فإذا رأينا الهجر المادي الذي يصيب ذلكم الإنسان المتأخر عرفنا سر ذلك الأمر كله.
أذكر يومًا من الأيام استشارني رجل في مساحة أرض كبيرة في منطقتهم وقال: غفر الله لجدي، فقلت: لماذا؟! قال: إن تأخير جدي وتسويفه وتأجيله اضطرنا أن نبيع تلك الأرض الآن بتراكم أوراقها وأمورها وخللها بسعر زهيد، كبدنا من الخسائر المادية الذي لا يعلم أمره إلا الله.
فانظروا إلى أثر التأخير كيف يفعل الأفاعيل، في عام 2007 أثبتت دراسة عالمية أن من 80 إلى 90% من الطلاب الذين يتأخرون دراسيًا أو يتكاسلون عن التخرج أو الذين ضعف أمرهم؛ كل ذلك الأمر كان بسبب التأخير والتسويف والتأجيل.
لقد أثبتت آثار التأخير كيف فعلت بالإنسان الأفاعيل، إن جئت إلى القطاع الصحي ففي عام 2006 ثبت عالميًا من إحدى الجامعات أن 254 شخصًا ممن أجريت عليهم الدراسات ثبت أن أمراضهم تفاقمت بسبب التأخير، سواء تأخير تطوير العمل الصحي أم متابعة العلاج الصحي، لقد ثبت بالإجراء والتجربة والواقع أن عشرات بل مئات بل آلاف المرضى من أسباب تفاقم أمورهم الصحية هو تأخيرهم لعلاجهم ومتابعة صحتهم ومداومتهم على المواعيد.
أيها المسلمون: إن أردنا لهذه الأمة أن تنهض ويزيد نموها الاقتصادي، فقد ثبت أن من أعظم أسباب التأخر الاقتصادي عالميًا هو التأخير، بل ثبت أن الإدارة المتأخرة بسبب ذلكم الموظف الذي دائمًا يكرر عبارة: "بكرة راجعنا، بعد أسبوع راجعنا، موعدنا بعد شهر".
تراكم المواعيد هو الذي جرّنا إلى الإنجاز الضعيف والعمل المتهلهل والرديء في كثير من أحياننا، طالعوا شوارعنا وانظروا إلى طرقاتنا وتأملوا في بنياننا لرأيتم أن التأثير في إنجاز المشاريع ليس عيبًا في الأمانات، وليس العيب في الناس، ولكن العيب والخلل فينا، أن التأخير ثبت علميًا أنه يضطرك إلى إنجاز العمل بأية طريقة كانت، المهم أن تسكن بيتك، المهم أن ينجز الشارع، المهم أن تتوضأ، المهم أن ينجح الطالب، المهم أن يخرج المريض من المستشفى، ودواليك دواليك من القواعد الذهبية من إبليس كيف علمنا إياها.
أهل الاختصاص قالوا كلمة رائعة: "لكي تحقق النجاح في أي عمل كان لابد من البدء بالقيام بالإنجاز وفق الخطط التي تسير عليها في وقتها المحدد، فكل تأخير يقودك إلى الفشل، وكل تأخير في الإنجاز يقودك إلى الخجل، إن الإنسان يذم على العجلة لكن يمدح على الإنجاز".
كان -عليه الصلاة والسلام- يحفز أصحابه، إن جئت إلى العبادات رأيت أن باب العقائد يرغب بأبسط الكلمات، وإن جئت إلى الصلوات والطاعات رأيت العجائب والغرائب، أرأيتم ذلك الذي يؤخر الصلاة!! أرأيتم الذي يفرط في النوافل، أرأيتم الذي يتأخر في الأذكار، أرأيتم الذي يؤخر الكثير من القربات والكثير من الطاعات.
أنا لو سألت فقط الذين أجّلوا الديون وقضاء الديون، ذلك الإنسان الذي تراكمت عليه ديون ثم أجلها سنة وعشر سنوات وعشرين سنة، لو بدأ قضاء الدين بمائة ريال لانقضى الدين، فما الذي أجلك أن يظل عليك عشر سنوات أو عشرين سنة!! كم من إنسان مات فإذا فتشت في الدين رأيت أن الدين من ثلاثين سنة، كم قيمة الدين؟! عشرة آلاف أو عشرين ألفًا، لو كان يسدد كل شهر مائة ريال لانقضى ذلك الدين.
إنه مرض التأجيل، لو رأيتم الكثير من العبادات التي تفوتنا، ناقشت كثيرًا ممن تفوتهم صلاة الفجر، والذين يفوتهم الحج، والذين تفوتهم العمرة، والذين تفوتهم الصدقة، والذين يؤخرون الزكاة، لو رأيتم أن التأجيل يكون السبب، يقول: السنة القادمة، السنة التي بعدها، ثم يمضي عليه العمر وتمضي عليه الحياة وهو لم يفعل من ذلك شيئًا.
المتقاطعون والمتنازعون والمتناحرون تسأل كثيرًا منهم: كيف رضيت أن تقطع أخاك عشر سنوات؟! كيف رضيت أن تقطع أختك خمس سنوات؟! إذا ما ناقشته يقول: "بكرة بروح له، بعد بكره بسلم عليه، يطلع الجمعة الآن من الصلاة ويروح ناحية بيت أخوه ويدور يتردد أسلم ولا ما أسلم، أروح ولا ما أروح!"، تأجيل، هذا التأجيل سبب له قطيعة مع أخيه عشر سنوات وعشرين سنة.
ما الذي جرنا؟! هو التأجيل، لماذا نؤخر التوبة؟! نعلم يقينًا أننا ننتقل إلى الله في أقل من ثوانٍ، لماذا نؤجل منزلتنا في الجنة ببغضنا في الدنيا؟!
إن العبد المؤمن ينبغي عليه أن يخطط لآخرته كما يخطط لدنياه، إن بعضنا لو باع أرضًا بثمن بخس كلما مر عليها إلى أن يبلغ من السن عتيًا، فهو لا يزال يقول لأولاده: هذه الأرض كانت لي، أنا غلطت بعتها رخيصة! تحسر على شيء من الدنيا، بينما تفوتنا بسبب تأخيرنا منازل من الآخرة، تنافس في أبواب الجنة، فلماذا تتأخر؟! تنافس الصالحين فلماذا تتأخر؟!
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من العجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال، إذا رأيتم ذلك رأيتم أن السبب من مثل هذا الأمر هو التأجيل.
زرت مرة بل مرات بعض السجون، أسأل بعض السجناء: إنك في بلد إذا حفظت القرآن سقطت عليك نصف المحكومية!! فإذا به يؤجل ثم يؤجل ثم يؤجل، فإذا به يرى أن عشر سنوات والعشرين سنة مضت عليه وكان هو جالسًا فارغًا سبهللاً، التأجيل هو الذي قاده إلى ذلك.
لو رأيتم -كما ذكرت في الأسبوع الماضي- الذين أخروا إنجازهم في حياتهم لرأيتم الأعاجيب والغرائب.
معاشر الأحبة: إن من صور التأجيل المؤلمة التي ينبغي أن يتداركها الآباء قبل الأبناء هي الوصية الشرعية، إن الذي يؤخر الوصية الشرعية يجر على نفسه وعلى أبنائه الويل والثبور، إن بعض الأبناء يؤخرون بيتًا لا تجد قيمته مائة ألف، ثم يكبر إخوانهم الصغار، ثم تكبر المشاكل معهم، ثم تتفاقم الحياة إلى قطيعة وإلى تدابر، بينما لو قُسِّمت التركة من أول لحظة وبينت الأمور من أول دقيقة لكان الأبناء والإخوان على أتم الوضوح، إنه التأخير الذي قادنا إلى الخلاف وقادنا إلى النزاع، وأوقع بيننا التشاجر.
تأخير النصيحة وتأجيلها عشرات السنوات جعل كثيرًا من الشباب ينحرفون، وكثيرًا من الأبناء ينجرون إلى طريق الغواية والهواية، كم من شاب كنت تراه في العشر السنوات يحتاج منك النصيحة!! أبعدما بلغ الثلاثين فكرت الآن أن تناصحه لكي يغير مساره السلبي!! أين أنت منهم عندما كان عمره عشر سنوات وخمس عشرة سنة!!
إن بعض الآباء الذين أجلوا مفاتحة أبنائهم في بعض الأمور والمواضيع وأخروا وأجلوا النصيحة للابن، أبعدما كبر الابن وبلغ العشرين والثلاثين جئت تفتح معه موضوع المخدرات وموضوع المسكرات وموضوع الانحراف؟! أين أنت عنه أيام ما كان في الخامسة عشرة؟! أين الموقف الإيجابي؟! لماذا هذا التأخير؟!
إن بعض بناتنا اليوم لو جئنا إلى بداية خلع الحجاب والتكشف وأموره لرأيتم أنه التأخير في التوجيه والتأخير في التربية هو الذي قادنا إلى ذلك كله.
أيها المسلمون: التأخير هو الدليل على ضعف الإرادة والتراخي مع النفس، مكاتبنا عشوائية، حياتنا فوضوية، مواعيدنا فوضوية، لقاءاتنا فوضوية، لا نحدد وقتًا، إذا جئت للمناسبات والزوجات لا نعرف الدقة في المواعيد، لماذا لا نغير المسار؟!
أنا أكثركم أخطاءً، وأكثر واحد منكم زلات، إذًا لماذا لا نصلح؟! لماذا لا نتغير؟! إلى متى لا نحترم مواعيد الناس؟! إلى متى لا نقدم مناسبات الناس، إلى متى أوقات الناس مهدرة، تجد الإنسان يعزم المائة والمائتين لا يحدد لهم وقت عشائه ولا وقت غدائه، ثم يتأخر الناس إلى وقت العصر لا يتغدون، والساعة الحادية عشرة لا يتعشون، لماذا هذا التأخير؟! إنه التراخي في احترام مواعيد الناس.
عقودنا لا تعرف الوضوح، فلذلك أصبنا بالتأخير، لا نعرف انضباطًا حتى في تعاملاتنا المادية وأمورنا، لماذا كل هذا؟! لماذا لا نصحو من هذه الغفلة التي قادتنا إلى خسائر، فتور الهمة، خور العزيمة، التهاون مع النفس، هو الذي قادنا إلى ذلك كله: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)، (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً)، غُرْفَةً بسيطة أثرت في تقسيم الجيش؟! نعم، إنك لو طبقت مراقبة رجلين أو صديقين أو زميلين ما السبب لنجاح هذا وفشل هذا!! لرأيت أن من الأسباب التأخير.
نعم إن التسويف قاتل، طول الأمل، نسيان النجاح، نسيان تحقيق الفلاح في الحياة، إنه ابتلاء لا يعلم أمره إلا الله.
أيها المسلمون: إن تحقيق النجاح المنشود في أي مجال كان إن كان مجالاً عالميًا أو دوليًا فإن الدول تستطيع أن تصنع النجاح كم كنا نسمع ولا نزال نسمع عن كثير من المشاريع التي لم تلاقِ النور، ما السبب في ذلك؟! ما الذي قاد هذه المشاريع إلى أنها لا تنفذ إلى الآن؟! نعيش بطالة نفسية وبطالة عقلية وبطالة فكرية وبطالبة اجتماعية، لماذا؟! لماذا أصحاب الأسر يؤجلون ويؤخرون؟! كم كثير من أسرنا في هذا البلد وغيرها من البلاد تطمح أن تنشئ لها مشاريع أسرية لكنها لم تلاقِ أرض الواقع!! السبب هو التأجيل، ذلكم التأجيل ماذا قادنا؟! ماذا حققنا من نجاحات اجتماعية وأسرية؟! إذ المنادي ينادينا كل يوم قائلاً: حي على الفلاح، إذًا حي على النجاح، يكررها عليك خمس مرات حتى لا تؤجل ولا تؤخر: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا, أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا...". أم ماذا تنتظر؟!
أيها المسلمون: إن الشباب الذي يعيش على أريكة التأجيل لا ينجح في حياته ولا يتطور في مستقبله ولا يتحرك أمله.
باقٍ عليك وقت يا ولدي، بدري عليك للزواج يا بنتي. هذه الكلمات التي ينبغي أن نخلعها من معجم الحياة، هذه الكلمات التي ينبغي لنا أن نحاربها وأن نقاتلها.
إن كثيرًا من الشباب الذين تخرجوا من الثانوية ثم جلسوا، أو الجامعة ثم جلسوا، ولم يباشروا حياتهم العملية كان السبب هو التأجيل الذي قادهم إلى كل ذلك.
إن الإنسان اليوم لابد عليه أن يدرك أن التسويف آفة من الآفات المعادية للنجاح، ولذلك يقول أحد علماء النفس: "إن في وسع الإنسان أن يتخلص من عادة التأجيل التي تمتص طاقته وأحاسيسه ووقته".
إن بعض الناس تتعجب منه، تقول: ما مشروعك؟! بعد التقاعد أبني بيتًا للعيال، فإذا به شتت أبناءه، فترى عنده من الخير يموت ثم يتشاجرون عليه ولم يبادر أن يبني لهم بيتًا، كل ذلك من التأجيل، ينتظر ساعات التقاعد حتى يحصد المال السريع، فإذا بذلك المال يذهب هباءً منثورًا لا يًرى له أثرًا، وتقع خلافات بين أبنائه.
أنا لا أقول هذا الكلام جزافًا، بل أقول هذا الكلام نصيحة مليئة بالمحبة، وأنت في قوتك ونشاطك خطط ورتب جدولك ورتب مستقبل حياتك، أيكون التأجيل من سوء تدبير الوقت وكسل الحياة وكسل التفكير، إن بعض الذين يجلسون في المقاهي أو الاستراحات أو الذي فتح له بسطة عند بيته أو استراحة أو مجلسًا يجلس ساعة وساعتين وثلاث ساعات لا تجد عنده خمس دقائق يخطط فيها!
النبي -صلى الله عليه وسلم- يبيّن لنا حياتنا فيقول -عليه الصلاة والسلام- مبينًا أن المؤمن كيّس فطن لحياته ومستقبله وتفكيره وإبداعه، وربنا تعالى يقول: (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ).
اللهم بارك لنا في القرآن، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ذي الفضل والإحسان والكرم والامتنان، والصلاة والسلام على محمد والآل والصحابة والإخوان ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم بإيمان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: إن الشك في القدرات وعدم الثقة بالنفس هي من أسباب الفشل، فكن واثقًا في قدراتك وواثقًا بإدارة وقتك وإدارة حياتك، وإدارة مستقبلك، إن التأخير الذي يعيشه كثير منا سبّب لنا قلقًا من الحياة، وسبب لنا أمراضًا وأوجاعًا وتأجيلاً، فخطط ولا تؤجل.
ولذلك ترى في قصة سليمان من العجائب، وقد قرأتم اليوم قصة ذي القرنين عندما طلب العون والمدد في ذلكم السد: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ)، إنها القوة التي هي ضد التأخير والتأجيل.
أليس النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال رسالة عنوانها: "ثلاثة حق على الله عونهم"، وذكر منهم: "الناكح يريد العفاف".
لا مانع أن تبدأ الزواج بالدين فسوف يغنيك الله؛ لأن الله تعالى قال: (إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ)، لكن أصبحنا نؤجل المهم ونقدم غير المهم، يشتري السيارة -إلى غير ذلك من المشاريع- لكن يؤخر المشاريع المهمة في حياته.
معاشر من آمن: إن علاج التغلب على هذا الداء عدم الاعتذار إلى النفس، مثلما أنت لا تقبل عذر المتأخرين، ومثلما أنت لا تقبل أن يؤخر مواعيدك أحد، ومثلما تصاب بالغضب يومًا من الأيام على الدقيقة والثانية وغيرها، اغضب على نفسك لا تعذرها، لا تعذر نفسك، اخرج من هذا المسجد اليوم وأنت ممسك بمواعيدك وتقاويم التواريخ وتابع حياتك، تابع أوراقك ومواعيدك وأمورك فسوف ترى تراكمًا لا يعلم أمره إلا الله.
لو فتشت في جيبك لرأيت رخصًا وبطاقات وغيرها منتهية لم تجددها إلى الآن، كم من حساب مقفل، بل لو لاحظت مواعيد المستشفيات لك أو لأبنائك أو والديك بعضهم يمر الشهر والشهران والثلاثة لم يذهب، يراجع أو يسجل اسم بنته أو ولده في المواعيد المتأخرة، فيتصل عليه صديقه وزميله: عندك بنت اسمها كذا عندها موعد تطعيم.
كل ذلك من التأخير..
إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، نعم خذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك، فإنك لا تدري ماذا سوف يكون غدًا.
معاشر من آمن: حدد أولويات الحياة، حدد ما ينبغي إنجازه، جدد طاقاتك وكوادرك واهتماماتك، إياك والمثالية في الحياة، لا تكن زيًا في الظاهر لكنك فوضوي في الباطن، بعضنا حريص على انتقاء ملابسه لكنه فوضوي في حياته، رتّب حياتك لا تتأخر على علاج نفسك وأمراضك وأوجاعك وأفكارك، تابع بدقة صحتك، تابع بدقة أوقاتك، حاول أن تحترم نفسك فيحترمك الآخرون، وحاول أن تعطي نفسك الحوافر في عدم التأجيل، فسوف ترى الأمور تسير أمامك.
خذ نفسك بالعزيمة والقوة في كل شيء، ولا تؤجل الأمور ولا تؤخر، فإنك لا تعلم ما يعرض لك كما أخبر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، ولذلك ربنا -سبحانه وتعالى- قال: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133].
وقسّم ربنا فقال: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ)، فأيهم تريد؟! الظالم في مواعيده في تأخيره وتسويفه، أم المقتصد الذي خلط هذا بهذا، أم الذي سابق وأنجز وأتعب من بعده في تنظيم أوقاته وأموره.
ختامًا.. يا من بلغت العشرين والثلاثين والخمسين والسبعين والثمانين: ارجع إلى بيتك اليوم وعالج مرض التأخير.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
التعليقات