عناصر الخطبة
1/كيف تنال محبة الله تعالى؟ 2/علامات محبة اللهاقتباس
وَرَبُّ العَالَمِيْنَ أَعَزُّ وأَكْرَم، وأَجَلُّ وأَعْظَم، مَنْ أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ أَدْرَكَ وَلايَتَه، وَمَنْ أَدْرَكَ وَلايَةَ اللهِ أَدْرَكَ الفَوْز، يُحِبُّ اللهُ عَبْداً، فَلا تَسَلْ عَنْ فَيْضِ إِنْعامِهِ عَلَيْه، يُحِبُّ اللهُ عَبْداً، فَلا تَسَلْ عَنْ جَزِيْلِ إِحسانِهِ إِليه، وَعْدٌ مِنَ اللهَ لَيُكْرِمَنَّهُ، وَعْدٌ مِنَ اللهَ لَيَنْصُرَنَّهُ...
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أيها المسلمون: عَلى قَدْرِ المَطالِبِ تَعْلُو الهِمَم، وعَلى قَدْرِ المَقاماتِ تَتَسامَى العَزائِم، وكُلُّ عَظِيْمٍ في النَّاسِ مُبَجَّل، وكُلُّ كَبِيْرٍ في النَّاسِ مَقْصُود.
إِلى العُظَماءِ تَمِيْلُ النُّفُوسُ، وإِلى الكُبَرَاءِ تَرْنُوا وتَتَزَلَّفْ، ومَنْ نَالَ مِنْ ذَوِيْ السُّلْطانِ حَظْوَةً كَانَ في النَّاسِ مُمَكَّن، ومَنْ نالَ مِنْ ذَوِيْ السُلْطانِ مَحَبَّةً كانَ في النَّاسِ مَغْبُوط؛ (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)، تِلْكَ مَوازِيْنُ البَشَرِ مَعَ كُبَرائِها، مَنْ غَنِمَ مَحَبَةَ الكُبَرَاءِ تَقَلَّبَ فِيْ عِنايَتِهِم.
وَرَبُّ العَالَمِيْنَ أَعَزُّ وأَكْرَم، وأَجَلُّ وأَعْظَم، مَنْ أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ أَدْرَكَ وَلايَتَه، وَمَنْ أَدْرَكَ وَلايَةَ اللهِ أَدْرَكَ الفَوْز، يُحِبُّ اللهُ عَبْداً، فَلا تَسَلْ عَنْ فَيْضِ إِنْعامِهِ عَلَيْه، يُحِبُّ اللهُ عَبْداً، فَلا تَسَلْ عَنْ جَزِيْلِ إِحسانِهِ إِليه، وَعْدٌ مِنَ اللهَ لَيُكْرِمَنَّهُ، وَعْدٌ مِنَ اللهَ لَيَنْصُرَنَّهُ، وَعْدٌ مِنَ اللهَ لَيَرْفَعَنَّه، يُحِبُّ اللهُ عَبْداً فَيَتَوَلَّاه، فَيْؤُثِرُهُ عَلى مَنْ ظَلَمَهُ، ويُنْصُرَهُ على مَنْ عَادَاه، في الحَدِيْثِ القُدْسِيِّ قال اللهُ -جَلَّ جَلالُه-: "مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ"(رَواهُ البُخارِي).
مَالِكُ المُلْك، خَزائِنُهُ مَلأَى، عَطاؤُهُ لا يُحَد، قُوّتُهُ قاهِرَةٌ، أَمْرُهُ لا يُرَدّ، طُوْبَى لِمَنْ كَانَ اللهُ لَهُ ولِيّ، يَفْتَحُ لَهُ مِنْ خَزَائِنِ فَضْلِهِ، ويُنْعِمُ عليهِ مِنْ كَرِيْمِ عَطائِه؛ (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
مَحَبَّةُ اللهِ لِلْعَبْدِ، فَوْزٌ لا يُدانِيْهِ فَوْز؛ قَالَ ابْنُ القَيِمِ -رَحِمَهُ الله-: "مَنْزِلَةُ المَحَبَة، هِيَ المَنْزِلَةُ التِيْ فِيْهَا تَنَافَسَ المُتَنَافِسُوْنَ، وإِلَيْهَا شَخَصَ العَامِلُوْنَ، وإِلى عَلَمِهَا شَمَّرَ السَّابِقُوْنَ، وعَلَيْهَا تَفَانَى المُحِبُّوْنَ، وبِرَوحِ نَسِيْمِهَا تَرَوَّحَ العَابِدُوْنَ، هِيَ قُوْتُ القُلُوْبِ وَغِذَاءُ الأَرْوَاحِ وَقُرَّةُ العُيُوْنِ، هِيَ الحَيَاةُ التِيْ مَنْ حُرِمَهَا فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الأَمْوَاتِ، وَهِيَ النُّوْرِ الذِيْ مَنْ فُقِدَهُ فَهُوَ في بِحَارِ الظُّلُمَات، وَهِيَ الشِّفَاءُ الذِيْ مَنْ عُدِمَهُ حَلَّتْ بِقَلْبِهِ الأَسْقَامُ، وهِيَ اللذَةُ التِيْ مَنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهَا، فَعَيْشُهُ كُلُّهُ هُمُوْمٌ وَآلام، وَهِيَ رُوْحُ الإِيْمَانِ والأَعْمَالِ والمقَامَاتِ وَالأَحْوَالِ ا.هـ
أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ مَنْ أَخْلَصَ للهِ وسَعَى لِمَرْضَاتِه، فأَدَى الفَرائِضَ، وتَزَوَّدَ مِنْ النَوافِلِ، واسْتَكْثَرَ مِنَ القُرُبات؛ "وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ"(رواه البُخاري).
أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ، مَنْ لَزِمَ قِراءَةَ القُرآنِ، وأَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ في سائِرِ الأَوْقَات، في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ قَالَ اللهُ: "أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأَنَا مَعهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فإِنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ"(متلق عليه) وعَبْدٌ يَذْكُرُهُ اللهُ، أَكْرِمْ بِهِ في زُمَرِ المُقَرَّبِيْن.
أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ، مَنْ لَزِمَ التَّقْوَى، يُراقِبُ اللهَ في كُلٍّ حِيْن، يُراقِبُ اللهَ في سِرِّهِ وجَهْرِه، يُراقِبُ اللهَ في عُسْرِهِ ويُسْرِه، يُراقِبُ اللهَ فيما يَأَتِيْ ويَذَرْ؛ (بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).
أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ، مَنْ آمَنْ باللهِ رَباً، وبالإِسلامِ دِيْناً، وبِمُحَمَدٍ -صلى الله عليه وسلم- رَسُولاً، فَاسْتَقامَ عَلى شَرِيْعَتِهِ، واسْتَمْسَكَ بِسُنَّتِهِ، واهْتَدَى بِـهَدْيِه، لا يُقَدِمُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ ورَسُولِه، ولا يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى؛ (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ، مَنْ قَدَّمَ رِضَا اللهِ علَى هَواه، ونَفَرَ مِنْ المَعْصِيَةِ خَوْفاً مِنَ اللهَ، وآثَرَ مَنازِلَ الحَبْسِ والضِّيْقِ، عَلى كُلِّ شَهْوَةٍ لَها في النَّفْسِ مُتْعَةٌ ولَها في النَّفْسِ بَرِيْق؛ (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ).
أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ، مَنْ كانَ سَهْلاً هَيِّناً، سَمْحاً لَيْناً، لا يَفْحَشُ في القَوْلِ، وَلا يَفْجُرُ في الخُصُومَة؛ (لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)؛ قَالَتْ عائِشَةُ -رضي الله عنها- قالَ رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ»(متفق عليه).
أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ، مَنْ قَالَ بالقِسْطِ وَقَامَ بِه، ودَعا إِلى الإِنْصافِ واتَّصَفَ بِه، فَلَمْ يَظْلِمْ، ولَمْ يَجْنَحْ، ولَمْ يَبْخَسْ ولَمْ يُخْسِرْ؛ (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) يُقْسِطُ في حُكْمِهِ وفي تَعامُلِهِ، وفي وِلايَتِهِ وفي إِدارَتِهِ، وفي أَهْلِ بَيْتِه وفي تِجارَتِه؛ عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ عَمْرو بن العاص -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ علَى مَنابِرَ مِن نُورٍ، عن يَمِينِ الرَّحْمَنِ عزَّ وجلَّ - وكِلْتا يَدَيْهِ يَمِينٌ - الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهِمْ وما وَلُوا"(رواه مسلم).
أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ، مَنْ أَمَرَ بالبِرِّ وعَمِلَ بِه، ونَهَى عَن المُنْكَرِ وانْثَنَى عَنْه، والمَقْتُ والذَّمُ والإقْصاءُ، لِمَنْ كانَتْ حَالُهُ تُكَذِّبُ أَقْوالَه، وأٌقْوالُهُ لا تَشْهُدُ لَهُ بِها أَفْعالُه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).
أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ، مُحْسِنٌ يُحْسِنُ في عِبادَتِهِ اللهِ، ويُحْسِنُ في تَعامُلَهُ مَعَ عِبادِ اللهِ، ويِحْسِنُ إِلى عِبادِ اللهِ، ويُحْسِنُ العَمَلَ فيما يَقُومُ بِه (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ، تَوَّابٌ لا يُصِرُّ عَلى ذَنْبْ، مُتَطَهِّرٌ لا يُقِيْمُ عَلى دَنَسْ؛ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).
أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ، صَابِرٌ عَلى الأَقْدارِ لَمْ تَكْسرْهُ المَصائِبُ، صَابِرٌ عَنِ الهَوى لَمْ تُفْسِدْهُ الشَّهَوات، صَابِرٌ على الطاعَةِ لَمْ يضْعُفْ عَنِ العِبادات؛ (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
بارك الله لي ولكم،
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْن، وأَشْهَدُ أَن لا إِله إلا اللهُ ولي الصَّالحِين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رَسُولُ رَبِّ العالَمِيْن، صلى اللهُ وسَلَّم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأَصْحابِهِ أَجْمَعِيْن.
أَما بعدُ: فاتَّقُوا الله -يا عبادَ اللهِ- لعلكم ترحمون.
أيها المسلمون: أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ، مُتَوَكِّلٌ عَلى اللهِ مُعْتَمِدٌ عليه، فقَلْبُهُ لا يَتَوَجَهُ إِلا إِلى الله، وفُؤَادُهُ لا يَطْمَئِنُ إِلى غَيْرِ الله؛ (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
أَدْرَكَ مَحَبَةَ اللهِ، قَومٌ قَوَّامُونَ بأَمْرِ اللهِ، يَقِفُونَ صَفَّاً لإِعلاءِ كَلِمَةِ الله، لا تَتَفَرَّقُ كَلِمَتُهُم، ولا يَخْتَلِفُ صَفُّهُم، ولا تَتَنافَرُ قُلُوبُهُم، كَالبُنْيانِ شُدَّتْ دَعائِمُه؛ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ).
مُؤْمِنٌ يَسْتَشْعِرُ مَعْنَى مَحَبَّةَ اللهِ، يَسْتَشْعِرُ مَعْنَى الكَرَامَةِ التي يَتَوَشَّحُ بِها مَنْ نالَها، يَسْتَشْعِرُ حَالَ عَبْدٍ يَغْدُو في الحَياةِ ويَرُوح، ويَسْتَيْقِظُ ويَنام، ويُجالِسُ ويُخالِط، واللهُ في عَلْيَائِه يُحِبُّه! أَيُّ شُعُورٍ يَهُزُّ المَشاعِرْ؟! وأَيُّ شُعُورٍ يُرَفْرِفُ في القَلْب؛ قَالَ أَنَسٌ -رَضي َاللهُ عنه-: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِأُبَيٍّ بنِ كَعْب: "إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ، قالَ أُبَيٌّ: آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ؟ قالَ: اللَّهُ سَمَّاكَ لِي، فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي"(رواه البخاري).
(فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي) بُكاءَ مَنْ هَزَّهُ الفَرَحُ وغَشَتْهُ القَشْعَرِيْرَة، بُكاءَ مَنْ اسْتَشْعَرَ مَعْنَى أَنْ يَذْكُرَهُ اللهُ في عَلْيائِهِ ويُسَمِيْهِ باسْمِه، ولا يُلامُ أُبَيٌّ أَنْ بَكَى.
وإِذا أَحَبَّ اللهُ عَبْداً، جَلْجَلَتْ مَحَبَّتُهُ في الملأِ الأَعلى، وَوُضِعَ لَهُ في الأَرْضِ القَبُول؛ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا)؛ عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ -رَضي َاللهُ عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا أحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحْبِبْهُ، فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فيُنَادِي جِبْرِيلُ في أهْلِ السَّمَاءِ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ"(متفق عليه).
وإِذا أَحَبَّ اللهُ عَبْداً، أَعانَهُ عَلى فِعْلِ الطَّاعاتِ، وعَصَمَهُ عَنْ مُقارَفَةِ المُنْكَرات؛ "فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ"(رواه البخاري).
وإِذا أَحَبَّ اللهُ عَبْداً، حَالَ بَيْنَهُ وبَيْنَ المَخاطِرْ، وصَرَفَهُ عَنْ دُرُوبِ المَهالِكِ، ويَسَرَ لَهُ أَسْبابَ النَجاة، فَلَرُبَّما أَقْدَمَ العَبْدُ عَلى الأَمْرِ يُرِيْدُه، وقَلْبُهُ بِهِ مُتَعَلِّقُ، ونَفْسُهُ إِليهِ تَوَّاقَة، فَيَعْلَمُ اللهُ أَنْ عاقِبَةَ هذا الأَمْرِ عليهِ وَبال، فَيَصْرِفُهُ عَنْهُ، ويَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ مُبْتَغاهُ، فَيَظَلُّ العَبْدُ كَارِهاً، وما عَلِمَ أَنَّهُ بِهذا المَنْعِ مَحْبُوبٌ ومَرْحُوم؛ (واللهُ يَعْلَمُ وأَنْتُم لا تَعْلَمُون)، وَلَرُبَّما ابْتَلَى اللهُ عَبْداً بِمُصابٍ يُؤْلِمُهُ، لِيُنِيْلَهُ عاقِبَةً تَسُرُّه، فَيَظَلُّ العَبْدُ كارِهاً، وما عَلِمَ أَنَّهُ بِهذا البَلاءِ مَحْبُوبٌ ومَرْحُوم؛ (واللهُ يَعْلَمُ وأَنْتُم لا تَعْلَمُون).
اللَّهُمَّ امْلأَ قُلُوبَنا بِحُبِّكِ،
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقرِّبُنا إلى حُبِّكَ،
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ تُحِبُهُمْ وَيُحِبُّوْنَكْ،
التعليقات