كيف تربي أبناءك - قواعد في التربية (3)

الشيخ أحمد بن ناصر الطيار

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ احترام الطفل وإشعاره بمكانته 2/ خطورة إظهار الخلافات الزوجية أمام الأطفال 3/ الآثار السالبة لغياب الأب عن أطفاله 4/ ضرورة إحسان اختيار أصدقاء الطفل
اهداف الخطبة

اقتباس

لقد مضى الحديث في خُطَبٍ سابقة عن الوسائل الْمُفيدةِ في تربية الأبناء, ولَمَّا كانت تربية الأبناء من أعظم واجبات وهموم الآباء, كان لزاماً أنْ أتوسَّع في الحديثِ عن كيفيَّة تربيتهم, ولا يكون ذلك إلا في خُطَبٍ عديدة, ووسائلَ...

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإنَّ أصدق الحديث كلام الله, وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-, وشرَّ الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.

 

عباد الله: لقد مضى الحديث في خُطَبٍ سابقة عن الوسائل الْمُفيدةِ في تربية الأبناء, ولَمَّا كانت تربية الأبناء من أعظم واجبات وهموم الآباء, كان لزاماً أنْ أتوسَّع في الحديثِ عن كيفيَّة تربيتهم, ولا يكون ذلك إلا في خُطَبٍ عديدة, ووسائلَ مُفيدةٍ مُسْتفيضة.

 

فمن ذلك -معاشر الآباء- أنْ تُعامل ابنك باحترامٍ وتقدير، وأنْ تُشعره بمكانته وقدره عندك, وأن يكون لحضوره قيمةٌ في المجلس, فما هو شعور ابنك تجاهك عندما يَرجع من سفره فتقوم له وتُعانقُه وتُظهر له فقدك إياه؟ وما شعورُه وأنت تستشيره وتأخذُ برأيه؟.

 

أُتِيَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِقَدَحٍ مِن ماء, فَشَرِبَ منه, ثم نظر في وجوه القوم, فإذا عَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ هُوَ أصغرهم, وَالأَشْيَاخُ والكبار عَنْ يَسَارِهِ, فقَالَ: "يَا غُلاَمُ, أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الأَشْيَاخَ؟"؛ لأن السنة أن يدور الشرابُ عن يمين الشارب لا عن يساره.

 

وتأملوا: رسولُ الله وخليلُه وصفيُّه, يطلب الإذن من صبيٍّ صغير, قد لا يتجاوز عشر سنوات!.

 

فَقَالَ الطفل الصغير: "مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللهِ, فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ". متفق عليه.

 

هكذا يعطي -صلى الله عليه وسلم- للصبيِّ قيمته, ويُشعرُه بأهمِّيَّتِه وقدْرِه. وهكذا فلْيكن تعامُلنا مع أبنائنا.

 

دخل رجلٌ لأحد محلات الملابس, يريد أن يشتري لباساً لطفلِه الصغير، الذي لم يتجاوز ست سنوات, لكنَّه لم يُحْضرْ معه طفلَه، فكان حائراً في المقاس, فإذا به يرى في نفس المحل رجلاً معه ابنُه, ويُقاربُه في الطول والسنّ, وقد أُعطي هذا الرجلُ موهبةً في تعامُله مع أبنائه, فتقدم إلى الرجل يستأذنه في أن يقيس اللباس على ابنه, ليتأكد من المقاس، فابتسم الرجل في وجهه وقال: أنا شخصياً لا أُمانع، عليك أن تستأذنه هو, فاستأذنه؛ فوافق على ذلك, يقول: فتعجبتُ من تقدير هذا الأب لولده الصغير.

 

فمن المهم - معاشر الآباء- أنْ نُؤكد لأبنائنا أنَّهم مهمون عندنا, وأنَّ رأيَهم له حظٌّ ومكانةٌ لدينا.

 

ومن مظاهر الاحترام أنْ نُشعِرَهم بأننا نثق بهم، مع شيءٍ من المراقبة والتوجيه, وذلك بتكليفهم بمهامٍ ومسؤوليات لا يقوم بها في العادة إلا الأب.

 

ومن مظاهر الاحترام أيضاً أن لا تمنع الطفل عن الكلام إذا أراد ذلك, وتُسْكته كلَّما همَّ بالحديث والتعبيرِ عن وِجْهَةِ نظره ورأيه، وإياك أن تزجره إذا أراد الجلوس مع الكبار! فينشأ الطفل ضعيفَ الشخصية, غيرَ قادرٍ على التصرف في المواقف الصعبة.

 

فالحبُّ والثقةُ والتفاهمُ والاحترامُ الموزع بين كلِّ الأبناء بعدلٍ وإنصاف سيجعل الحياة الأسريةَ أيسر وأسهل, وأقوى تماسكاً, وأشدّ ترابطاً.

 

ومن ذلك أيضاً ألا يُظهر الوالدان خلافَهما أمام أبنائهما, وإذا أمر الوالد ولده أو نهاه فلا تعترض عليه أمُّه أبداً, والعكس كذلك, فإنْ كان في الأمرِ أو النهي إجحافٌ في حقِّه فلا يكون الاعتراض والنقاشُ أمامه؛ لأنه إن اعترض أحدهما على الآخر أمامه فإنه سيعتقد أنه على حق, وأنه مظلومٌ, ويستقوي بمن دافع عنه على الطرف الآخر.

 

وإظهار الخلافات والْمُشادَّات أمامهم له أثرٌ خطيرٌ أيضاً على تفكيرهم وقناعتهم, فعندما يرى الابن أباه وهو يحتقر أمَّه, ويرفع عليها صوته؛ فإنه يعتبر ذلك الاحتقار والشدة هو الأسلوب الصحيح في التعامل مع المرأة.

 

وعندما ترى البنت أمها وهي تتعالى على أبيها, وتسيء معاملته, وتصرخ في وجهه؛ فإنه يستقر في مُخيِّلتها أن الأسلوب الصحيح في التعامل مع الرجل هو التعالي عليه, والحزم معه, وعدم اللين والتنازل عن رغباتها لأجله.

 

ومن ذلك أيضاً الجلوسُ مع الأبناء والحديثُ معهم, فحينها يشعر الأبناءُ بِمَودَّةٍ تجاه والدِيْهم, وكثيرٌ من الآباء لا يُخصص وقتاً كافياً للجلوس معهم، وإذا قُدِّر له الجلوسُ فدون برامج هادفةٍ، وحواراتٍ صادقةٍ, بل بأحاديث مُمِلَّةٍ أو تافِهةٍ, وعتاباتٍ مُنفِّرةٍ, وتوجيهاتٍ مُتكرِّرةٍ.

 

والأطفال الذين لا يُكلمهم آباؤُهم إلا نادراً ينشؤون أقلَّ ثقةً بالنفس من الذين تعودوا الحديث والكلام والحوار الهادئ معهم, ولا تكون عندهم القدرة والجرأة على الحديث, وإبداء الرأي, والدفاع عن نفسه بثقةٍ وأسلوبٍ حسنٍ إذا اتُّهم أحدُهم بشيءٍ هو بريءٌ منه.

 

والْمشكلة أنَّ كثيراً من الآباء والأمهات مَشْغولون خارج المنزل, ويمكثون طويلاً خارجه، مما يُسبب الضياع والانحراف لهم, وقلَّةَ -وربما انْعدام- الْمودَّة والألفة بين الآباء والأبناء, فبعض الآباء مشغولٌ بالتكسب والتجارة، ولو عاتبت أحدهم على إهماله احْتج بأنه إنما يفعل ذلك لأجلهم, ويتعب لراحتهم!.

 

وبعضهم كثير السفر والرحلة, ويغيب عنهم مُدةً طويلة, إما دعوةً أو تجارةً أو نزهةً.

 

وبعضهم ديدنه الجلوس مع الأصحاب في الاستراحات وغيرها.

 

والأخطر من ذلك –كما يقول الشيخ محمد الحمد في التقصير في تربية الأبناء- إهمال البيت الأول إذا بنى الأب بزوجة جديدة، وسكن معها بمسكن جديد؛ فكم من الناس من يهمل بيته الأول إذا بنى بزوجة جديدة، فيَضَيع الأولاد ويتشردون؛ بسبب انشغال والدهم وبعدِه عنهم. اهـ.

 

نسأل الله تعالى أنْ يُصلح أبناءنا, وأنْ يُعيننا على أداء الأمانةِ الواجبةِ لهم؛ إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ الصالحين, وأشهد أن محمدًا عبده ورسولُه النبيُّ الأمين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين. 

 

 أما بعد: أيها المسلمون: ومن أعظم الوسائل النافعةِ في تربيتهم أنْ نختار لهم أحسن صديق, حينها, يزول عنَّا من عناءِ التربية نصف الطريق.

 

ولا ينبغي للأب الحريص على صلاح أبنائه أنْ يتساهل بنوع الصديق لهم في مرحلة الطفولة، فقد يصاحبون مَنْ يَبْدَأُ الطفلُ خُطُواتِ الانْحِرافِ الأُولى بصُحبتهم.

 

واعلم -يا رعاك الله- أنَّ الصديق لولدك قد يهدم ما بنيتَه طِوال حياتك، ويمحو صحيفةً رسمتَها بعرق جبينك.

 

قال إبراهيم الحربي -رحمه الله-: جَنِّبوا أولادكم قرناء السوء, قبل أن تصبغوهم في البلاء, كما يصبغ الثوب.

 

وقال أيضاً -رحمه الله-: أول فساد الصبيان بعضهم من بعض.

 

ومن المعلوم أنَّ العلاقات والصداقات التي يقيمها الطفل, تكون قصيرةً وضعيفةً, لكن كلما تقدَّم في السن, فإنها تصبح طويلةً ومتينةً, فينبغي للآباء أن يحسنوا اختيار الأصدقاء لأبنائهم, مُنذُ نشأتِهم وطُفولتِهم.

 

فكن صديقاً لأصدقائه, ووفِّرْ لهم مكاناً يستمتعون به, ويكون قريباً من نظرك.

 

ولا تُكثر عليه الأسئلة عن أصدقائه, وعن الأوقات التي قضاها معهم, فإن ذلك سينفره منك, ولن تخرج بكبير فائدة, فهو بالتأكيد لن يُخبرك بكلِّ شيء. 

 

ولكنْ؛ تعرَّف على أصدقائه من خلال لقائك بهم, فإنْ رأيت فيهم صلاحاً وخيراً فقرِّبهم وأكرمهم, وإنْ رأيت فيهم فساداً وانحرافاً فاحرص على إبعاده عنهم, بإقناعه بأنهم لا يصلحون له, وأشغله بالذهاب معك عن مُجالستهم, وعوِّضه عنهم بأصدقاءٍ صالحين.

 

(رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) [الفرقان:74].

 

رَبنا أَوْزِعْنا أَنْ نشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَينا وَعَلى والِدِينا, وَأَنْ نعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ, وَأَدْخِلْنا بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ.

 

 

 

كيف تربي أبناءك – قواعد في التربية (1)

كيف تربي أبناءك – قواعد في التربية (2)

كيف تربي أبناءك - قواعد في التربية (4)

كيف تربي أبناءك - قواعد في التربية (5)

 

 

 

 

 

المرفقات
كيف تربي أبناءك؟ قواعد في التربية 3.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life