عناصر الخطبة
1/نزول القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- حسب الوقائع والأحداث 2/بعض الآيات المدافعة عن جناب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- 3/ أهمية القرآن والعمل به 4/تعلم القرآن وتعليمه 5/أحاديث نبوية بها قوام أمر الدين والدنيااهداف الخطبة
اقتباس
أيها المؤمنون: هذا هو القرآن على وجه الإجمال، تكلم به رب العزة كلاما يليق بجلاله وعظمته، وأخذه عنه جبريل، وبلغه جبريل نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وبلغنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- القرآن، فأعظم الناس سيرا على الهدي أكثرهم قياما بالقرآن، قال الله: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: 9]. كلما دعتك نفسك إلى الحياة الدنيا وزينتها وزخرفها؛ تذكر...
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وسع الخلائق خيره، ولم يسع الناس غيره، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، نبي سلم الحجر عليه، وحن الجذع إليه، ونبع الماء من بين أصبعيه، فصلى الله وسلم وبارك وأنعم عليه، اللهم وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره، واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: كان القرآن الكريم ينزل على النبي الكريم منجما في 23 عاما، ينزل عليه يأمره ماذا يصنع: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ) [المدثر: 1- 2].
(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) [المزمل: 1- 2].
هذا في أول أيام الدعوة.
ثم يأتي مقام دار الأرقم بن أبي الأرقم -رضي الله عنه وأرضاه- صحابي صغير السن عمره 16 عاما، من بني مخزوم، وبني مخزوم أظهر بيت في مكة، ناصب النبي -صلى الله عليه وسلم- العداوة، منهم الوليد بن المغيرة، منهم أبو جهل، منهم الحارث بن هشام، فلم يكن بخلد أحدهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سيجعل من دار الأرقم، وهو من بني مخزوم موطنا ومكانا يجتمع فيه مع أصحابه، لكن السؤال: ماذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم الصحابة، وهم يومئذ لم يبلغوا أربعين في العدد، ماذا كان يعلمهم؟ كان يتلو عليهم القرآن.
فدار الأرقم بن أبي الأرقم، هي أول دار قرآنية في الإسلام، والجيل الذي خرج يومئذ هو جيل القرآن الأول، ولذلك أكرمهم الله -عز وجل- بما أكرمهم به، حتى عدوا بعد ذلك مهاجرين وأنصارا، نصر الله بهم دينه، وأعز بهم الإسلام، ومكن الله بهم لنبيه -صلى الله عليه وسلم-.
تآمرت قريش عليه، نظروا إلى القرآن فكذبوه، وردوه، وزعموا أنه من عند غير الله، نسبوه إلى العجم، نسبوه إلى اليهود، نسبوه إلى الكذب، قالوا عنه: أنه أساطير الأولين، حتى قام النضر بن الحارث، فكان يجمع ما يأخذه من فارس والروم، ويجلس في أفياء الكعبة، ويقول: أنا أقص عليكم كما يقص عليكم محمد، ما محمد إلا رجل يخرج إلى الرجال ممن أوتوا علما، فيجمع منهم أقوالا، ثم يأتي ويحدثكم بها، فجاء القرآن يرد عليه، قال الله -عز وجل-: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان: 5 - 6].
فرد القرآن عليهم، المستضعفين من الأولين نالهم ما نالهم من الأذى، ما كان أحد يثبتهم، ويدافع عنهم إلا القرآن، يخرج الخباب بن الأرت -رضي الله عنه وأرضاه- وهو يومئذ يعمل حدادا عند الْعَاصِ بن وائل، فخرج إليه يتقاضاه في مال له عند الْعَاصِ بن وائل، فقال له العاص: لا أقاضيك، أي لا أعطيك حقك، حتى تكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم-.
فقال ذلكم الصحابي الجليل المؤمن على رقة حاله، وعلى حاجاته للمال: "لا والله لا أكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، حتى يميتك الله ثم يبعثك" فقال الْعَاصِ مستهزأً: "فدعني حتى أموت ثم أبعث، فأوتي مالا وولدا، ثم أقضيك، فأنزل الله -عز وجل- قوله ردا على الْعَاصِ، وتثبيتا لقلب خباب، ولنبينا -صلى الله عليه وسلم- من قبل: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا) [مريم: 77 - 80].
تجتمع قريش عليه صلى الله عليه وسلم، ويأتمرون على قتله، فيخرج صلى الله عليه وسلم من داره، لا متوشحا سيفا، ولا لابسا درعا، ولا قائما برمح، يخرج إليهم بالقرآن، ويتلو عليهم: (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) [يس: 9].
فيخرج صلى الله عليه وسلم لم ينله أذى -صلوات الله وسلامه عليه-.
ينزل صلى الله عليه وسلم في مدينته الطاهرة المباركة، وينصره الله -جل وعلا- نصرا مؤزرا يوم بدر، ثم يكون يوم أحد، فيأتي عبد الله بن قَمِئَة، فيقتل مصعب بن عمير، وكان فيه شبه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فظن عبد الله بن قَمِئَة، أنه قتل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فشاع في قريش في معسكرهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قتُل، فأنزل الله -عز وجل- بعد ذلك قوله: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) [آل عمران: 144].
وهذه تهيئة للأمة على أن هذا النبي الخاتم -صلوات الله وسلامه عليه- سيأتي عليه أجل كما سيأتي على الناس -صلوات الله وسلامه عليه-.
حج صلى الله عليه وسلم ووقف على ناقته يوم عرفة، فأنزل الله -عز وجل- عليه قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].
فعلم أن الدين تم، وأن مقامه في الناس صلى الله عليه وسلم قليل، فأخذ يودع الناس، ويقول: "لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا".
ثم أفضى صلى الله عليه وسلم إلى ربه، وانتقل إلى المحل الأسمى، والرفيق الأعلى، وانتهى وحي السماء، فلما انتهى وحي السماء، ضجت المدينة يوم ذلك بالبكاء، واحتار الناس في الأمر، إذ لم يكن قبله صلى الله عليه وسلم نبي بين أظهرهم يعلمون، ماذا يصنعون إذا مات؟ فعمر يأبى أن يصدق، وعثمان يتوارى في بيته، فيخرج الناس إلى أبي بكر في السنح، فيخبرونه، فيأتي الصديق الأكبر -رضي الله عنه وأرضاه-، فيكشف وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيتحقق من موته، ويقبله بين عينيه، ويقول: طبت حيا وميتا يا رسول الله".
ثم يخرج إلى الناس بالمسجد، ويصعد المنبر، علم أبو بكر أن الصحابة جيل قرآني لا يحاجون بشيء مثل القرآن، ويعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق" أي من يجادل بالقرآن يصدق عند أهل الإنصاف.
علم أبو بكر هذا، فلم ينسب قولا إلى نفسه، ولم يقل: قرأت في كتاب كذا وكذا، ولم يقل: قال العالم الفلاني، ولا الصحابي الآخر، لم يتحدث بحديث الناس أبداً، علم أن الأمة أمة قرآن، ولا يمكن أن تقتنع إلا بالقرآن، فصعد المنبر، ثم تلا قول الله -عز وجل- (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144].
هنا أذعن الناس، وسلموا، واسترجعوا، وأيقنوا أن نبيهم وسيدهم، وحبيبهم وشفيعهم -صلى الله عليه وسلم- قد أفضى إلى ربه، وأول قائم بالأمر بعد ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- لم تقله قدماه، كأنه لم يسمع هذه الآية من قبل.
أيها المؤمنون: هذا هو القرآن على وجه الإجمال، تكلم به رب العزة كلاما يليق بجلاله وعظمته، وأخذه عنه جبريل، وبلغه جبريل نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وبلغنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- القرآن، فأعظم الناس سيرا على الهدي أكثرهم قياما بالقرآن، قال الله: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: 9].
كلما دعتك نفسك إلى الحياة الدنيا وزينتها وزخرفها: تذكر القرآن، قال الله -عز وجل-: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر: 87 - 88].
كلما قسا قلبك قف بين يدي ربك، واتل الآيات التي عظم الله -عز وجل- فيها ذاته، وأخبر فيها -جل وعلا- عن جليل رحمته، أو جليل نقمته، بذلك يسكن الفؤاد، وتطمئن النفس، وتزهد الروح في الدنيا، ويتعلق القلب بالسماء، وهذا كله لا يمكن أن يؤتى إلا من القرآن، قال الله: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: 21].
قال أهل العلم: (خَاشِعًا) من وعده: (مُّتَصَدِّعًا) من وعيده.
والمراد: أن الله -عز وجل- جعل هذا القرآن حجة عظيمة على خلقه.
جاءَ النبِيّونَ بِالآياتِ فَاِنصَرَمَتْ *** وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ *** زيَّنَهُنَّ جَلالُ العِتقِ وَالقِدَمِ
وإن مما لا يرضاه المؤمن لنفسه: أن يحفظ من أسماء من تعلقوا بطريق من الطرائق، أيا كانت، فنية، أو رياضية، أو غيرها، يحفظ أسماء وأعلام بالمئات، وربما خلا صدره -عياذا بالله- من القرآن.
وإن مما ينبغي أن يصحح مساره في الأمة: أن يكون للأمة عناية عظيمة بكتاب ربها.
وليعلم أهل الأموال: أن خير ما أنفقوا فيه أموالهم طريقين:
الطريق الأول: إطعام الجائعين من المسلمين، فإن إطعام أهل الجوع والمسكنة من المسلمين من أعظم القربات، قال الله في كتابه العظيم يخبر عن ذلك: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) [البلد: 14 - 16].
وقال ربنا عن أهل النار: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ) [الأعراف:50].
قال العلماء: "لو كان أحد يستغني عن الطعام والشراب لشغل أهل النار ما هم فيه عن طلبهم للطعام والشراب".
فإطعام الجوعى من المؤمنين من أعظم القربات.
والطريق الأخرى: الإنفاق على دور القرآن، وعلى كل من يعنى بالقرآن، تعلما، أو تعليما، أو غير ذلك، مما يعود على أمة الإسلام نفعه، ويعود على شباب المسلمين، أن يجعلهم أشد حرصا، وأمثل طريقة، بالتوجه إلى كتاب ربهم.
جعلني الله وإياكم ممن يستمتع القول، فيتبع أحسنه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد:
عباد الله: فكما أن القرآن مصدر التشريع الأول في الأمة، فإن سنته صلى الله عليه وسلم لا تنفك أبداً عن القرآن، ومحال على مؤمن أن يفقه القرآن، من غير أن يتلمس سيرته، وهديه وسنته -صلوات الله وسلامه عليه-.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أحاديث كثر، بهنَّ قوام أمر الدين، وأمر الدنيا، ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: قال: "قال الله -عز وجل-: "ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى عَمَلَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ".
فهذا الحديث يخبر به صلى الله عليه وسلم عن رب العزة أن هؤلاء الثلاثة خصمهم الله -عزوجل- يوم القيامة، ومن ذا الذي يقدر على الله؟!.
فالأول منهم: رجل يعطي العهد والمواثيق لله -تبارك وتعالى- فيطمئن إليه السامع، ويستريح إلى قوله المتلقي، ولا يظن أن به فجورا أو غدرا، والله -عز وجل- أخبر عن الأبوين آدم وحواء، أن الذي جعلهما يصدقان إبليس: أن إبليس أقسم لهما بالله، وكان يظنان أن أحدا يجرؤ على أن يقسم بالله كذا، قال الله -تعالى-: (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف: 21].
وقد كان كاذبا في يمينه، مخالفا في دعواه، فقال الله -عز وجل- هنا في الحديث القدسي: "ورجل أعطى بي ثم غدر" أخذ ما أخذ من العهود والمواثيق التي أعطاها لخصمه، معلقة لله -تبارك اسمه وجل ثناؤه-: "ورجل باع حرا فأكل ثمنه".
وهذا لا يقع في زماننا هذا لانتفاء هذا الأمر كما هو معلوم.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ورجل استعمل أجيرا فاستوفى منه" أي أن العامل قام بالأمر على أكمل وجه وأتمه، ومع ذلك أنكر ذلكم صاحب العمل: أن يعطيه شيئا، قال صلى الله عليه وسلم: "فاستوفى منه" أخذ العمل، ولم يعطه أجره، أي لم يعطه أجر العمل.
والحق الذي لا مرية فيه: أن كثيرا من البيوت، كثيرا من الشركات، كثيرا من المؤسسات -عياذا بالله- تأتي بإخواننا المسلمين من العمالة، أو من غير المسلمين، فتستقدمهم بأموال باهظة، يتكلفونها، ثم إذا اطمأنوا في هذه البلاد، وسكنوا فيها، وقروا، جاء من يبخسهم حقهم، ويمنعهم مالهم، ويشدد عليهم، محتجا أنهم غرباء، وأنهم كانوا مستضعفين في بلادهم، وعليهم أن يحمدوا الله كيف انتقلوا من حال إلى حال!.
وكل ذلك من الإثم العظيم، والظلم المشين، الذي حرمه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، لا يليق بمؤمن، ولا يجوز بمؤمنة من أصحاب البيوت، أو أصحاب الدور، أو من أصحاب الشركات، أو غيرهم، ممن تحتهم أجراء، ليس لهم إلا أن يتقوا الله -عز وجل- فيمن تحت أيديهم.
وما بينهم وما بين أولئك الأجراء من عهود وعقود ومواثيق يجب أن تؤدى على النحو الأتم، والوجه الأكمل.
ولئن استطعت أن تقنع رجل الشرطة، أو قاضي المحكمة بحقك، فإنك لن تنال ذلك، فإن كنت مظلوما حقا فحقك عند رب العزة والجلال، يقول جل ذكره: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47].
وكما علمنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- ما فيه أمر معادنا ومعاشنا، علمنا ما تطمئن إليه قلوبنا، قال صلى الله عليه وسلم وهو آخر حديث ختم به الإمام البخاري صحيحه، قال عليه الصلاة والسلام: "كلمتان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".
تنزيه الله عما يليق به من أعظم القربات في الدنيا والآخرة: (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) [المائدة: 116].
ولما طلب المشركون من النبي -صلى الله عليه وسلم- ما طلبوا، قال الله -عز وجل- معلمه ما يقول لهم: (قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً) [الإسراء: 93].
ولما أسرى الله بسيد الأنبياء وخاتمهم إلى المسجد الأقصى، قال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) [الإسراء: 1].
فتنزيه الله عما لا يليق به قربة عظيمة، وطريق حسن، وذكر مبارك، دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".
ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير، والسراج المنير، ذي الوجه الأنور، والجبين الأزهر، الشافع المشفع في عرصات يوم المحشر: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
التعليقات