عناصر الخطبة
1/تأملات في قصة عبد الله بن المبارك مع الفقراء 2/مسارعة الصالحين لنفع الناس وتفريج كربهم 3/مساعدة الفقراء والمساكين 4/تفقد الجيران والأقارب المحتاجين.اقتباس
هكذا هو حال الصالحين العارفين يعلمون أن نفع الناس وتفريج كربهم، وسدّ جوع الفقراء والمساكين أفضل عند الله -عز وجل- من كثير من النوافل، فأين هم الذين يتسابقون إلى الخيرات؟ فبعض الناس إذا دُعُوا إلى الإنفاق على...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إخوة الإيمان: خرج العالِم العابد التاجر عبد الله بن المبارك -عليه رحمة الله- في قافلة، وكان هو الذي يُديرها ويُنفق عليها؛ فخرج من مرو إلى مكة؛ ومرو تقع في تركمانستان، خرجوا وساروا أيامًا، فلما انتصفوا الطريق مكثوا في مكان ليستريحوا.
فلما أكلوا وناموا وجاء الصباح وأرادوا الذهاب، كان مع أحدهم طائر قد مات فذهب إلى مزبلة قريبة فرماه، فلما سارت القافلة رأى عبد الله بن المبارك امرأة تأتي إلى هذه المزبلة فأخذت هذا الطائر ولفّته، ثم ذهبت مسرعةً إلى بيتها، فلحقها ثم طرق الباب فخرجت وسألها: لماذا أخذتِ هذا الطائر وقد مات؟، هذه ميتة، فكيف تأكلين الميتة؟
فقالت: أيها الرجل -وهي لا تعرفه، فليس من بلدها- إننا تحل لنا الميتة؛ فقد مرت بنا أيام لم نأكل وأولادي هنا يتضاغون جوعًا، وقد فرحت حينما رأيتكم ألقيتم هذا الطائر، فبكى، وذهب مسرعًا وأحضر لها ما يكفيها وأولادها من الطعام والزاد والشراب.. وَقَالَ لِوَكِيلِهِ: كَمْ مَعَكَ مِنَ النفقة؟ قال: أَلْفُ دِينَارٍ.
فَقَالَ: عُدَّ مِنْهَا عِشْرِينَ دِينَارًا تَكْفِينَا إِلَى مَرْوَ، وَأَعْطِهَا الْبَاقِي. فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ حَجِّنَا فِي هَذَا الْعَامِ، ثُمَّ رَجَعَ. (البداية والنهاية: 10/191).
إخوة الإيمان: هكذا هو حال الصالحين العارفين يعلمون أن نفع الناس وتفريج كربهم، وسدّ جوع الفقراء والمساكين أفضل عند الله -عز وجل- من كثير من النوافل، فأين هم الذين يتسابقون إلى الخيرات؟
فبعض الناس إذا دُعُوا إلى الإنفاق على الفقراء والمساكين والمشاريع الخيرية كتزويج العزاب مثلاً، أو إلى إطعام المحتاجين؛ يتكاسلون ويتخاذلون، أو يظنون أن الله -تعالى- لا يقبل من عباده إلا الصلاة والصيام والحج، ولا يُؤْجَرُون في تفريج الكرب ونفع الناس!!
لا والله؛ فقد جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وخير الناس أنفعهم للناس"(صحيح الجامع 3289)؛ والنبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك أخبرنا بقصة ذلك الرجل الذي خرج يومًا، ونزل بئرًا، ثم شرب من الماء، فلما صعد رأى كلبًا يأكل الثرى من العطش، فنزل وملأ خفه ماءً ثم صعد وسقاه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فَشَكَرَ اللهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ"(متفق عليه)؛ غفر الله ذنوبه يوم أن سقى كلبًا بعد أن كاد أن يموت، ولكنه سابَق وسارَع إلى سَقْيه من هذا البئر.
فكيف بإطعام الفقراء من مالك الخاص الذي تعبت في تحصيله؟ فتُطْعِم إنسانًا كرَّمه الله، وتُطْعِم مُسلمًا موحدًا يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله؛ فهنيئًا لمن يتسابقون في نفع الناس، وفي نفع جيرانهم، وبخاصة الفقراء.
أيها الإخوة: يقول طلحة بن عبيد الله -رضي الله تعالى عنه-: رأيت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يومًا خرج من بيته مُتخفِّيًا، وذهب إلى بيت قال: فلحقته وقد تملكني العجب، فلما خرج من هذا البيت دخلته بعد أن طرقت بابه، وإذا بعجوز مُقعَدة، فقلت: أيتها المرأة! ما يصنع هذا الرجل عندك -وهو لا يشك به، ولكن يتلمس ما كان يفعل- فقالت: إنه كان يتعهدني منذ كذا وكذا: يطعمني ويسقيني ويخرج الأذى من بيتي؛ فبكى طلحة، وقال: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا طَلْحَةُ! أَعَثَرَاتِ عُمَرَ تَتْبَعُ؟"(حلية الأولياء 1/47).
وخرج يومًا عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- إلى ظاهر المدينة فرأى خيمة فقرب منها وسمع بكاء امرأة، فصرخ فيهم ما عندكم؟ فقالت: إني امرأة جاءني المخاض وليس لي مَن يَعُولني -أي من النساء وعندها زوجها، ولا يعرف كيف يفعل في هذه الحالة-، فذهب من فوره إلى بيته ونادى زوجته أم كلثوم، وقال: أعدِّي ما تحتاج المرأة المخاض، وأخذ من الطعام والشراب ما يكفيهم، وحمله على ظهره بنفسه، فذهب هو وزوجته من؟ أمير المؤمنين، وزوجة أمير المؤمنين ذهبوا بأنفسهم يساعدون هؤلاء الفقراء المساكين.
فذهب ودخلت عندها وبعد لحظات قالت أم كلثوم: بشِّر صاحبك يا أمير المؤمنين بغلام، فارتعد الرجل! أهذا الرجل هو أمير المؤمنين الذي خاضت جيوشه شرقًا وغربًا، الذي هزَّ كسرى وقيصر؟! أهذا هو أمير المؤمنين؟!، فخاف هذا الرجل، وقال: لا عليك لا عليك، ثم أعطاهم ما يحتاجون بعد ذلك. (البداية والنهاية لابن كثير 7/153).
نعم هكذا يفعل العلماء والصالحون الذين تربوا في مدرسة الإسلام التي تُعلّمهم القِيَم والمبادئ، وإكرام الناس ونفع الخلق.
نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا مباركين أينما كنَّا، اللهم اجعلنا من عبادك الذين يُفرِّجون كرب المسلمين يا رب العالمين.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: إن الكريم السخي لا ينتظر من أقاربه أو جيرانه أن يأتوا إليه ويمدوا أيديهم إليه، ويقولون: يا فلان أعطنا فنحن محتاجون، بل السخي الباذل الكريم يتلمس حالات جيرانه وأقاربه، والله لا يليق أن تبيت غنيًّا بين أموالك وأولادك.. عندك الزاد والطعام وزيادة، وتعلم أن هناك من يحتاج، لا يليق بمؤمن أبدًا أن يكون على هذه الحالة.
فبادر أخي المسلم خاصةً في هذه الأيام، واسأل أقاربك وأرسل إليهم رسالة وقل لهم: عندي مال فائض، ولله الحمد، فإذا علمتم أحدًا يحتاج إلى ذلك أو كنتم محتاجين إليه؛ فأخبروني، وأحسنوا لي، فالفضل لكم لا لي.. افعلوا هذا، ولنفعل هذا، وسوف نرى التوفيق وانشراح الصدر والبركة في المال والأهل والذرية.
أيها الإخوة: عندنا ضيوف جاءوا شرقًا وغربًا منهم البَنَّاء والسَّبَّاك وغيرهم، يخدموننا ويساعدوننا؛ فلنحرص على مساعدتهم، فلنتصدق على هؤلاء، ولنقف معهم على شؤون ومصاعب الحياة.
اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين الموفَّقين المُسدَّدين الذين قد رضوا عنك ورضيت عنهم الذين قد رضوا عنك ورضيت عنهم، اللهم اجعلنا من عبادك المسارعين في الخيرات يا رب العالمين يا حي يا قيوم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا يا رب العالمين، اللهم وفِّق ولي أمرنا ونائبه لما تحب وترضى، اللهم اجمع بهم كلمة الإسلام والمسلمين يا رب العالمين.
اللهم تولّ أمر المسلمين، اللهم الطف بهم، اللهم اجمع كلمتهم وانصرهم على من عاداهم يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى من الجنة.
اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، اللهم ارزقنا توبة صادقة قبل الموت، اللهم ارزقنا توبة صادقة قبل الموت، اللهم لا تتوفنا إلا وأنت راضٍ عنا يا سميع الدعاء يا قريب يا ودود يا مجيب يا رب العالمين، يا حي يا قيوم، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التعليقات