عناصر الخطبة
1/ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم 2/وقفات مع يوم الاثنين 3/ما رأته أمه عند ولادته 4/ أسماء النبي صلى الله عليه وسلم 5/ختان النبي صلى الله عليه وسلم.اقتباس
وحظُّنا من بعض أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- التسمِّي بها، والتعبُّد بمَعانيها كمحمَّد وأحمد، فلنحرص على التخلُّق بأخلاقه حتى يحمدَنا مَنْ في السَّماء، ومَنْ في الأرض، ولْنَكُنْ رحماءَ بعباد الله، فالرَّاحمون يرحمهم الرحمن....
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
نحمدك ربنا على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة، وآلائك الجسيمة؛ حيث أرسلت إلينا أفضل رسلك، وأنزلت علينا خير كتبك، وشرعت لنا أفضل شرائع دينك، فاللهُمَّ لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرِّضا.
أما بعدُ: أيُّها الإخوة المؤمنون: تحدَّثنا في الخُطبة الماضية عن قصَّة أصحاب الفيل عام مولد الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث وُلدَ خيرُ الهدى في العام الذي عزم فيه أبرهة الحبشي على هدم الكعبَة، واستفدنا من الدروس والعِبَر:
• أن ابتلاء المؤمنين والتدافُع بين الحقِّ والباطل سُنَّتَّانِ إلهيتانِ ماضيتانِ إلى يوم القيامَة.
• وأنَّ في الجاهلية من يُعظِّم شعائر الله، ومنهم من يخونها، وكذلك حال الناس اليومَ.
• وأنَّ عاقبة الخيانة وخيمة كَمَا وقَع لأبي رِغَال.
ووجوب شكر نِعَم الله التي ذكر الله بها قريش وامتَنَّ بهم عليها بضرورة الإيمان بالرسول -صلى الله عليه وسلم-.
ولا يزال حديثُنا مستمرًّا حول حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثةِ، وحديثنا اليومَ عن قِصَّةِ مَولِدِ خَيرِ الْبَرِيَّةِ -صلى الله عليه وسلم-. فما قصة المولِد؟ وما الدروس والعِبَر المستخلصة منها؟ موضوع خطبتنا باختصار.
عباد الله: ذهب عبدالمطلب بابنه عبدالله حتى أتَى وَهْب بْن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ، وهو يومئذٍ سيدُ بني زُهرة نسبًا وشرفًا، فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ، وهي يومئذٍ أفضلُ امرأة في قُريش نسبًا وموضعًا، فدخل بآمنة فحملَت بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم لم يلبث أن مات وهي حامِلٌ بالنبي -صلى الله عليه وسلم- على الصَّحيح خلافًا لمن قال غيرَ ذلك، قال -تعالى-: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)[الضحى: 6].
لَمَّا تم حملُ النبي -صلى الله عليه وسلم- ولدته أمُّه في يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول من عام الفيل.
ولنا وقفات: مع يوم الاثنين في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-: بعد أن وقفنا وقَفات مع عام الفيل الذي وُلِد فيه في الخطبة الماضية يوم الاثنين:
1- هو اليوم الذي وُلِد فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أسلفنا.
2- هو اليوم الذي وُضِعَ فيه الحَجَر الأسود.
3- هو اليوم الذي بُعِث فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-.
4- هو اليوم الذي أُنزِل عليه فيه القرآن.
5- هو اليوم الذي هَاجر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة.
6- هو اليوم الذي دخل فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وكان ذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول. (انظر عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير: 1/ 221).
7- هو اليوم الذي مات فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان ذلك في 12 ربيع الأول سنة 11 هجرية، وقصص هذه الأيام: قصة البعث، ونزول القرآن، ووضع الحجر الأسود، والهجرة إلى المدينة ستأتي معنا بحول الله، ومن أدلة ما سَبق معنا، عن ابن عباس قال: "وُلِد النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين، واستُنبِئ يوم الاثنين، وتُوفِّي يوم الاثنين، وخرج مُهاجرًا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، ورفع الحَجَر الأسود يوم الاثنين"(رواه أحمد في المسند برقم: 2506).
8- يوم الاثنين هو اليوم الذي يخصُّه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصِّيام: وردَ في صَحيح مسلم أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: "سُئِلَ عن صَوْمِ يَومِ الاثْنَيْنِ؟ قالَ: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ"(رواه مسلم: 1162).
ويخصُّه كذلك بالصِّيام مع الخميس؛ لأنَّهما يومان تُعرَض فيهما الأعمال على ربِّ العالمين، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: "يا رسولَ اللهِ، إنكَ تَصُومُ حتى لا تَكادَ تُفطرُ، وتُفطرُ حتى لا تَكادَ أن تَصومَ، إلا يَومَينِ إن دَخلا في صيامِكَ وإلا صُمتَهُما، قالَ: "أيُّ يومينِ؟" قُلتُ: يومَ الاثنينِ ويومَ الخَميسِ، قالَ: "ذانِكَ يومانِ تُعرَضُ فيهما الأعمالُ على رب العالمينَ، فأُحِبُّ أن يُعرَضَ عمَلي وأَنا صائمٌ"(صحيح النسائي: 2357).
فاجتهدوا إخواني في الإكثار من صوم الاثنين اليوم الذي وُلِد فيه حبيبُنا -صلى الله عليه وسلم-، نُحيي فيه سُنَّةَ نبيِّنا، ونتذكَّر بولادته مِيلادَ الهُدَى الذي جاء به، فنتَّبِعه؛ لنَسعد ولا نشقى أبدًا، واجتهِدوا في صَوم الاثنين والخميس نفرح بعرض صحيفتنا على ربِّ العَالمين، وقد قدَّمنا ما ينفعنا بين يدي ربِّنا.
فاللهُمَّ اجعلنا من المتَّبعين لهَدْي نبيِّك، واجعَلنا من الصائمين والصَّائمات، وآخر دعوانا الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وكفى، وصلى الله وسلَّم على عبده المصطفى وآله وصحبه ومن اقتفى.
ثم أمَّا بعد: رأينا في الخطبة الأولى أن ولادة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت يوم الاثنين من شهر ربيع الأول من عام الفيل، وللنبي -صلى الله عليه وسلم- فيه أحداث بارزة، هذا اليوم الذي ينبغي الإكثار فيه من الصِّيام؛ لأنَّ أعمالنا تُعرَض على ربِّ العِباد فيه، وفي الخميس.
عبادَ الله، لَمَّا ولَدته أمُّه رأتْ آياتٍ تدلُّ على عِظَم قَدْره، وأخذته إلى جدِّه عبدالمطلب فسمَّاه محمدًا، وختَنَه في اليوم السَّابع من ولادتِه، ولنا ثلاث وقفات نختم بها خُطْبتَنا:
الوقفة الأولى: ما رأته أمُّه عندَ ولادته: رأت أمُّه كأنَّه خرج منها نورٌ أضاء لها قصور بُصرى بالشام -وبُصرى مدينة الآن في سوريا تبعد بنحو 140 كيلومترًا عن دمشق-، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أنا دَعوةُ إبراهيمَ، وبُشْرىَ عيسَى، رأت أمِّي حين حملت بي كأن نورًا خرج منها أضاءت له قصور بُصرى من أرض الشام"(صحيح الجامع: 2357).
"أنا دعوةُ إبراهيم"؛ حيث دعَا إبراهيم -عليه السلام- ربَّه بأن يبعث في العرب رسولاً منهم، فقال: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[البقرة: 129]، وبَشَّرَ به عيسى ابن مريم -عليه السلام-، فقال: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي)[الصف: 6].
قوله: "رأت أمي حين حملت بي كأن نورًا يخرج منها أضاءت له قصور بُصرى من أرض الشام": اختُلِف في وقت خروج هذا النور، أكان عند الحمل أم عند الولادة؟ وفسَّر ابن رجب هذا النور بأنه إشارة إلى ما يجيء به من النور الذي اهتدى به أهلُ الأرض، وزال به ظلمة الشرك منها، كما قال -تعالى-: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[المائدة: 15، 16].
الوقفة الثانية: مع أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا العَاقِبُ الذي ليس بعده أحد"، وقد سمَّاه الله رؤوفًا رحيمًا "(رواه البخاري: 3532، ومسلم: 2354).
محمَّد؛ أي: محمود، تَحْمَده الخلائق كلُّها، وذكر في أربعة مواضع في القرآن. وهي: 1- (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)[آل عمران: 144]، 2- (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)[الأحزاب: 40]، 3- (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)[محمد: 2]، 4- (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح: 29].
وأحْمَد؛ أي: حَمدُه لربِّه أكثرُ من حمد الحامدين غيرَه، وذكر مرَّة واحدة في القرآن. وهو قوله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ)[الصف: 6].
وورد في الأثر من أسمائه: نبِي الرَّحمة ونبِي التَّوبة؛ أي: جاء بالتوبة والتراحم، والمَاحِي؛ أي: يمحو الله به الكفر، والمُقَفِّي؛ أي: خاتم الأنبياء، والمتوكل، وغيرها.
ولم يصحَّ تسمية يس وطه من أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما هذه الحروف مثل: الم وحم. وحظُّنا من بعض أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- التسمِّي بها، والتعبُّد بمَعانيها كمحمَّد وأحمد، فلنحرص على التخلُّق بأخلاقه حتى يحمدَنا مَنْ في السَّماء، ومَنْ في الأرض، ولْنَكُنْ رحماءَ بعباد الله، فالرَّاحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم مَنْ في السَّماء.
الوقفة الثالثة: مع خِتان النبي -صلى الله عليه وسلم-: وهناك خِلاف هل وُلِد مَختونًا أم ختنه جدُّه عبدالمطلب في اليوم السابع من ولادته على عادة العرب؟ والذي يهمُّنا أساسًا انه اختُتِن -صلى الله عليه وسلم-. وحظُّنا اتِّباع سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهَدْيِه في أبنائِنا باتِّباع قول النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: "خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ -وذكر منها- الخِتان"(رواه مسلم: 257).
والخِتانُ مع ما فيه من فوائد صِحيَّة كحصول الطهارة والنظافة، وتعديل لغريزة الشهوة عند الإنسان، فهو علامة على المِلَّة الإبراهيمية الحنيفية السَّمْحة، وعلامة يتميز بها المُسلم، وقد اختُتن إبراهيم -عليه السَّلام-، وأمر اللهُ نبيَّه باتِّباع مِلَّة إبراهيم -عليه السلام-، فقال -تعالى-: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)[النحل: 123].
فاللَّهُمَّ اجعلنا ممن يتبعون هَدْيَ نبيِّك، واحشرنا في زُمْرته، واسقنا شربةً من حوضه، شربةً لا نَظْمأ بعدها أبدًا، وارزقنا حبَّه وحُبَّ مَنْ يُحِبُّه، والعمل الذي يُبلِّغنا حبَّه، آمين.
التعليقات