عناصر الخطبة
1/شرف تزكية النفس وأقسام الناس فيها 2/سؤال الله تزكية النفس 3/أسباب تزكية النفس وكيفية ذلك 4/معرفة أحوال النفس وصفاتها وأقسامهااقتباس
أيها المؤمنون: إنَّ تزكية النفس مقامٌ شريف، ومطلبٌ عليّ؛ تسعى لتحصيله القلوب الشريفة التي لا تريد لنفسها إلا الرفيع من المعاني، والكريم من الخصال، وتأباه نفوسٌ دسَّاها أصحابها وأخفوها وغمروها بالخسائس والرذائل والقبيحات. ولقد أقسم الله -جل وعلا- في القرآن بآياتٍ باهرات، ومخلوقاتٍ عظيمات، ودلائل متنوعات على النفس المفلحة وغير المفلحة، قال الله -تعالى-: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا) إلى قوله جل وعلا: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشمس: 1-10] أفلح من زكى نفسه بأن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، أحمده سبحانه على أسمائه الحسنى وصفاته العلا، وأحمده جلَّ في علاه على نعمه الكثيرة، وعطاياه الجزيلة، وفضلِه الذي لا يُعدُّ ولا يحصى. وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله -تعالى- وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلم أنَّ ربَّه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون: إنَّ تزكية النفس مقامٌ شريف، ومطلبٌ عليّ؛ تسعى لتحصيله القلوب الشريفة التي لا تريد لنفسها إلا الرفيع من المعاني، والكريم من الخصال، وتأباه نفوسٌ دسَّاها أصحابها وأخفوها وغمروها بالخسائس والرذائل والقبيحات.
ولقد أقسم الله -جل وعلا- في القرآن بآياتٍ باهرات، ومخلوقاتٍ عظيمات، ودلائل متنوعات على النفس المفلحة وغير المفلحة، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا) إلى قوله جل وعلا: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشمس: 1-10]؛ أفلح من زكى نفسه بأن رفعها عن الدنيء والخسيس، وجعلها متصفةً بعالي الخصال، وكريم الصفات، (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) أي غمسها في الرذائل والأمور الحقيرات.
أيها المؤمنون: إن المؤمن يعلم أن نفسه بيد الله، وأن فلاحه وصلاحه منَّة منه جل في علاه؛ ولهذا فإنه لا يطلب صلاح نفسه إلا من جهة ربه الذي بيده أزمَّة الأمور ومقاليد السموات والأرض، قال الله -تعالى-: (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ)[النساء: 49]، وقال الله -تبارك وتعالى-: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ)[النور: 21].
والمؤمن -عباد الله- الباحث عن تزكية نفسه لا يفتر من الدعاء والالحاح على الله -عز وجل- بأن يؤتيه زكاة نفسه، وأن يسلِّمه من ضد ذلك؛ ففي صحيح مسلم من دعاء نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا"، وكان من أكثر دعائه عليه الصلاة والسلام "يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ".
معاشر المؤمنين: والقرآن الكريم هو كتاب التزكية ومنبعها ومعِينها وموردها؛ فلا زكاة تُنال إلا بقراءة القرآن، وحُسن تلاوته، وتمام تدبره، وعقل معانيه، والعمل بما جاء فيه، قال الله -تبارك وتعالى-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ)[آل عمران: 164] أي يزكيهم بتلاوة الآيات، فكلما كان العبد أعظم تلاوةً للقرآن وعنايةً بتدبر كلام الرحمن مجاهدًا نفسه على العمل به كان سالكًا بذلك طريق تزكية نفسه وفلاحها وسعادتها في الدنيا والآخرة (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)[طه: 123] قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "تكفل الله -عز وجل- لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل ولا يشقى".
أيها المؤمنون: ويتطلب هذا المقام -مقامُ تزكية النفس- أن يتخذ المرء لنفسه أسوة يقتدي بها لتزكو نفسه، ولتطيب أعماله، وليبتعد عن الخسيس والرديء، قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21]، فكلما كان المرء عظيم العناية بسيرة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهديه القويم، وسيَر أصحابه الكرام وتابعيهم بإحسان متخذًا من ذلك قدوةً وأسوة كان ذلك أعظم في تزكية نفسه وصلاحها، وبُعدها عن ضد ذلك.
أيها المؤمنون: والتزكية للنفس تتناول أمران: إبعادها عن الخسائس، والأمور الحقيرات، وتحليتها وتجميلها بالطيب من الخصال، والكامل الجميل من الأعمال.
أيها المؤمنون: ومقام التزكية ولا سيما في زماننا هذا الذي تكاثرت فيه الفتن، وتواردت أبواب الشبهات والشهوات يتطلب ممن يريد زكاة نفسه أن يغلق منافذ الشر، وأن يقفل أبواب الفساد لينجو من الهلاك، أما من أرخى لنفسه العِنان وأطلق لها الزمام وتركها ترتع فيما تريد من أهواء وشهوات، ونحو ذلك، فإنه بذلك يدسِّي نفسه، ويحقِّرها ويُبعدها تماما عن التزكية والفلاح.
أيها المؤمنون: نسأل الله -جل في علاه- بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يؤتي نفوسنا أجمعين تقواها، وأن يزكيها فإنه خير من زكاها، هو جل وعلا وليها ومولاها.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أحمد ربي وأشكره على نعمه ومِننه وآلائه، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله ربكم.
عباد الله: ويتطلب هذا المقام -مقام تزكية النفس- أن يكون المرء على معرفة بالنفس وأحوالها وصفاتها، وما يُلمُّ بها من متغيراتٍ تغير من صفاتها؛ ليكون يقظًا مجاهدًا نفسه على ما فيه زكاتها وعلى ما فيه سلامتها من ضد ذلك.
والنفوس كما دل القرآن نفوس ثلاثة: نفس مطمئنة، ونفس لوامة، ونفس أمارة بالسوء؛ وهذه أحوالٌ للنفس بحسب ما يُلِمُّ بها من صفات، والمؤمن الناصح لنفسه يجاهد نفسه مجاهدةً لترتقي إلى هذا المقام العلي؛ مقام الطمأنينة بطاعة الله وذكره واتباع هداه جل في علاه، ويكون حذِرًا من نفسه الأمارة بالسوء التي إن أطاعها أهلكته وأوردته الموارد، وهو متبصِّرٌ في هذا المقام بقول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي. اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك، وأعنه على طاعتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفِّقه وولي عهده لما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا ووالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التعليقات