عناصر الخطبة
1/عظمة الأخلاق النبوية 2/الوفاء والالتزام بالعهود 3/قيم ومبادئ نبوية سامية 4/أهمية تعلّم وتعليم محاسن ومكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.

اقتباس

وهل عرفَتْ البشرية أكرم وأنْزه وأزهد ممن فُتحت له الدنيا، وغنم آلاف الدنانير والدراهم والشاه والإبل، بعد معركة خيبر وحنين، فوزّعها على الناس، ومع ذلك لم يسْتبق لنفسه شيئًا، بل رجع إلى بيوت زوجاته الصغيرة المتواضعة خاوي اليدين، فلم يُغيِّرها ولم يزد عليها، ومات وفي ذمّته دَيْن ليهوديّ

في سيرة النبي كفاية لمن رغب التحلي بمكارم الأخلاق

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله الملك العليم الخلاق، رفعَ شأنَ حُسْنِ التعامل ومكارمِ الأخلاق، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنّ في سيرة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كفايةً لمن رغب في التحلّي بمكارم الأخلاق.

 

والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لم يكسب بحسن أخلاقه قلوب محبِّيه فحسب، بل كسب قلوب أعدائه، فأصبحوا من أشد المدافعين والمناضلين عنه وعن دينه وعقيدته، وذهبت أرواح كثير منهم في سبيل ذلك.

 

وهل عرف العرب والعالم معنى الوفاء والالْتزام بالعهود، إلى درجة أنْ يأتي رجالٌ لنصرة قومهم، والعدوّ أمامهم، وهم أكثر عددًا وعُدَّة، وقد بطشوا بهم وظلموهم أشدّ الظلم، وأخرجوا كثيرًا منهم من بلادهم، فيأبى القائد؛ لأنّ هؤلاء الرجال قد عاهدوا عدوَّهم كُرْهًا على عدم قتالهم؟

 

عرف هذا رجلٌ واحدٌ، هو رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقبل معركة بدر -التي يُواجه فيها أشدّ أعدائه وأعداء أصحابه، الذين قتلوا بعضهم، وبطشوا وعذّبوا كثيرًا منهم أشدّ العذاب، وسحبوهم على الجمر، ووضعوهم تحت نيران الشمس الملتهبة لساعات طويلة، وأخرجوهم من ديارهم وأهليهم- يأتي حذيفة بن اليمان هو وأبوه -رضي الله عنهما-، والمسلمون في أشدّ الحاجة لهما، فقد كانوا أقلّ منهم عددًا وعدَّة، فلمّا عرَض القتالَ معهم رفض النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك!

 

لماذا؟ لأنّ حذيفة -رضي الله عنه- أخبره أوّل ما قابله أنه خرج هو وأبوه إلى مكة قبل معركة بدر، فأخذهم كفار قريش وقالوا لهما: إنكم تريدون محمدًا، فقالا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منهما عهدَ الله وميثاقَه لينصرفُنّ إلى المدينة ولا يُقاتلان معه، فلذلك رفض الغدرَ ونقضَ الميثاق، وقال لهما: "انصرفا، نَفِي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم".

 

مع أنها أُخذا كرهًا، وعاهدَا الظالمين المجرمين تحت الإكراه والإجبار، وما خرج هؤلاء الظلمةُ المجرمون القتلةُ إلا لطمس التوحيد، واجْتثاث الإسلام، ونحر نبيِّ الأمةِ -صلوات الله وسلامُه عليه-، وتدميرِ دولته!

 

وهل سمِعَتْ بحاكم يتعرّض لأكثرَ من سبع محاولات اغتيال، ويعفو ويُسامح في كلّها؟

حصل هذا لنبيّنا -صلى الله عليه وسلم-، وفي إحداها باشَر المجرم الجريمة بتسميم طعامه، فهو الذي بُعث رحمةً للعالمين.

 

وهل عرفَتْ معنى الشفقة والرحمة والعطف وسلامة الصدر من الحقد، إلى درجة أنْ يُكفِّن أحدَ أعدى أعدائه المتظاهرين بالإسلام نفاقًا، الذي أشاع بأن زوجته الطاهرة قد زنت، وقال: ليُخْرِجن من المدينة الأعزُّ -يعني نفسه- الأذلَّ – يعني النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ويصلي عليه!

فقال عمر -رضي الله عنه-: أما قال الله -تعالى-: (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)[التوبة: 80]؟

فقال: لو أعلم أني إن زدْتُ على السبعين غُفِر له: لزدت عليها.

فصلى عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله -تعالى-: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا)[التوبة: 84].

 

وهل عرفَتْ أكرم وأنْزه وأزهد ممن فُتحت له الدنيا، وغنم آلاف الدنانير والدراهم والشاه والإبل، بعد معركة خيبر وحنين، فوزّعها على الناس، ومع ذلك لم يسْتبق لنفسه شيئًا، بل رجع إلى بيوت زوجاته الصغيرة المتواضعة خاوي اليدين، فلم يُغيِّرها ولم يزد عليها، ومات وفي ذمّته دَيْن ليهوديّ على طعام اقترضه منه ليُطْعِم أهله! قالت عائشة -رضي الله عنها-: "توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير".

 

فأين نجد مثل هذه القيم والمبادئ؟

لا نجدها والله إلا في دين الإسلام الحنيف، وأخلاقِ النبيّ الخاتم الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-، وأخلاقِ أصحابه وأتباعه.

 

جعلنا الله منهم، وجمعنا بهم في الفردوس الأعلى من الجنة، إنه سميعٌ قريب مجيب.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده:

 

أما بعد: معاشر المسلمين: لقد كان للعرب أخلاقٌ حسنة ورديئة، ولو كانت أخلاقهم كلّها حسنة لَمَا استطاعوا أن يؤثِّروا في الناس هذا التأثير؛ وذلك لأنّ الإسلام صبغ على أخلاقهم صبغة فيها نور وروح تأسر القلوب، وتأخذ بالألباب.

 

ولو جُمعت محاسن أخلاق الأمم والشعوب كلّها: لَكان ما جاء به الإسلام أشمل وأحسن وأكمل وأقوى تأثيرًا منها.

 

وإلا فمثل هذا النبيّ الكريم -صلى الله عليه وسلم-، الذي استطاع -بعد توفيق الله- بأخلاقه وحكمته ولطفه أن يصنع مثل هؤلاء الرجال العظماء، هل يسوغ لنا أن نجهل سيرته، ولا نهتمّ بتعلّم وتعليم محاسن ومكارم أخلاقه وتعامله؟

 

نسأل الله -تعالى- أن ينفعنا بما سمعنا، وأنْ يُعلّمنا ما ينفعنا، إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى، وإمام الورى؛ فقد أمركم بذلك -جل وعلا- فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات، اللهم فرِّج همومهم، واقض ديونهم، وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)؛ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life