عناصر الخطبة
1/ الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال 2/ سوء معاملة اليهود للأسرى الفلسطينيين 3/ الإحسان للأسرى في شريعة الإسلام 4/ كلمة للأسرى الفلسطينييناهداف الخطبة
اقتباس
لقد حرص الإسلام على الإحسان إلى الأسرى، فقال تعالى في كتابه العزيز: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)، قال ابن عباس: كان أسراهم يومئذ مشركين. ويشهد لهذا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء، كما وضع الإسلام تشريعات للأسرى، حيث وردت نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تحثُّ على معاملة الأسرى معاملة حسنة ...
أيها المسلمون: يوافق اليوم الجمعة السابع عشر من شهر أبريل يوم الأسير الفلسطيني، ويأتي يوم الأسير في هذا العام وقد أمعن الاحتلال بإجراءاته القمعية وممارساته القاسية والبالغة الصعوبة بحقّ أبطالنا الأسرى، حيث وضع العديد منهم في العزل الانفرادي، وتمرّ الذكرى وأحد عشر ألف أسير فلسطيني يقبعون خلف القضبان، لا ذنب لهم سوى حبّهم لوطنهم ومقدّساتهم، ودفاعهم عن أرضهم وعقيدتهم، منهم أربعمائة طفل، وأكثر من سبعين من الأخوات الفضليات، وأكثر من أربعين نائبًا منتخبًا من نواب الشعب الفلسطيني، كما يوجد أكثر من ألف وستمائة أسير يعانون من أمراض مختلفة، وبعضهم حالته حرجة، حيث يعانون من سوء المعاملة والإهمال الطبي المتعمّد، كما استشهد في العام الماضي عدد من الأسرى نتيجة هذا الإهمال، أو جراء الاعتداءات الإسرائيلية عليهم.
إن الإجراءات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي للتضييق على أسرانا البواسل مخالفة لكل الديانات السماوية والأعراف والقوانين الدولية وحقوق الإنسان، فها هم يقلّصون عدد الكتب المسموح بها لكلّ أسير من ثمانية كتب إلى كتاب واحد، كما يمنعون عنهم بعض القنوات الدينية والإخبارية لعزلهم عن محيطهم الفلسطيني والعربي والدولي، كما يعملون على فرض الزيّ البرتقالي عليهم لتشبيههم بالمعتقلين في سجن جوانتانامو ووصفهم بالإرهابيين، مع أنهم أسرى قضية عادلة، كل ذلك لتحطيم معنويات الأسرى والإساءة إليهم.
أيها المسلمون: إن الشعب الفلسطيني الذي قدّم على مدار سنوات الاحتلال منذ عام 1967م وحتى الآن أكثر من ثمانمائة ألف أسير، مطالب اليوم بتفعيل قضية الأسرى البواسل عبر التضامن معهم ومع أسرهم الصابرة.
ونحن نتحدث عن أسرانا البواسل فإننا لم ولن ننسى أسرانا الأبطال من أشقائنا العرب الذين شاركونا رحلة الجهاد والنضال الطويلة، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر نسائم الحرية، ومع ذلك لم تتغير مواقفهم، فلهم منا كل الشكر والتقدير والعرفان، وهم في قلوبنا، وسيبقون كذلك صفحة ناصعة مشرقة في تاريخنا الفلسطيني إن شاء الله.
إن هذه الشريحة العزيزة على قلوبنا قد ضحّت بالغالي والنفيس في سبيل حرية وطننا الغالي فلسطين، وتمسكوا بثوابتهم ومبادئهم، وكان الكثير منهم قادرًا على الخروج من السجن لو تنازل عن ثوابته، فهؤلاء هم الأبطال الغر الميامين.
يذكرني أسرانا البواسل وحبهم لوطنهم وإخلاصهم لقضيتهم بموقف الصحابي الجليل زيد بن الدثنة -رضي الله عنه-، فقد سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: كيف كان حبكم لرسول الله؟! فقال: "والله، إن رسول الله كان أحبّ إلينا من آبائنا وأمهاتنا وفلذات أكبادنا، وكان أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ". وانتشر هذا الحب بين صفوف المؤمنين، وأصبح ديدنهم والعلامة الدالة عليهم والصفة البارزة فيهم، حتى شهد بذلك الحب زعيم مكة حينذاك أبو سفيان بن حرب، والفضل ما شهدت به الأعداء، وقال كلمته المشهورة: والله، ما رأيت أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمد لمحمد. متى قالها؟! ومتى نطق بها؟! حينما جيء بزيد بن الدثنة أسيرًا ليقتل، فقال له أبو سفيان: أناشدك الله يا زيد، أتحب أن تعود معافى لأهلك وولدك وأن يؤتى بمحمد هنا في مكانك ليقتل؟! فغضب زيد أشدّ الغضب وقال: والله، ما أحبّ أن أرجع سالمًا لأهلي وأن يشاك محمد بشوكة في أصبعه. وكما قال الشاعر:
أسرت قريـش مسلمًـا في غزوة *** فمضى بلا وَجَلٍ إلى السيـاف
سألـوه: هل يرضيـك أنك آمن *** ولك النبيّ فِدى من الإجحاف
فأجاب: كلاّ لا سلمتُ من الأذى *** ويصاب أنف مُحمد برعـاف
أيها المسلمون: لقد حرص الإسلام على الإحسان إلى الأسرى، فقال تعالى في كتابه العزيز: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان: 8]، قال ابن عباس: كان أسراهم يومئذ مشركين. ويشهد لهذا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى، فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء، كما وضع الإسلام تشريعات للأسرى، حيث وردت نصوص كثيرة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تحثُّ على معاملة الأسرى معاملة حسنة كما في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأنفال: 70]، فإذا كان المولى سبحانه يَعِدُ الأسرى الذين في قلوبهم خيرٌ بالعفو والمغفرة، فإنَّ المسلمين لا يملكون بعد هذا إلا معاملتهم بأقصى درجة ممكنة من الرحمة والإنسانيَّة.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله.
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: إن ديننا الإسلامي الحنيف يصون كرامة الإنسان من العدوان، فالإنسان بنيان الله ملعون من هدم بنيانه، لذلك فقد أعطى الإسلام لولي الأمر الحق في أن يعفو عن الأسرى الذين يقعون في أيدي المسلمين إن رأى المصلحة في ذلك: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)، أو يأخذ منهم الفداء إذا احتاج المسلمون ذلك.
ومما يدل على سماحة المسلمين مع أسراهم ما ذكرته كتب السيرة والتاريخ من عفو صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- عن أولئك الذين قتلوا رجال ونساء وأطفال المسلمين في بيت المقدس. هذا الموقف من القائد صلاح الدين الأيوبي ليس جديدًا، فقد تعلم ذلك من رسوله ونبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي خاطب أهل مكة بعد فتحها، وهم الذين طردوه وأصحابه وعذبوهم وأخذوا أموالهم، فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما تظنون أني فاعل بكم؟!"، قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال -صلى الله عليه وسلم- قولته المشهورة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". هذا هو رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، لم يقتل، ولم يعتقل، ولم ينف، لم يهدم بيتًا، لم يصادر أرضًا، لم يقطع طريقًا، لم يمنع ماءً، كما تفعل سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضدّ شعبنا الفلسطيني المرابط وأبنائه الأبطال من الأسرى والمعتقلين.
كما علم النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه بأن من سيطر على أسير وأعطاه عهد الأمان على حياته فلا يجوز له أن يهدر عهد الأمان معه بعد ذلك، لما ورد أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: "من آمن رجلاً على نفسه فقتله فأنا بريء من القاتل".
وبلغت سماحة الإسلام مع الأسرى أن منع التفريق بين الوالدة وولدها في الأسر: "من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة"، بل وطالب الإسلام أتباعه أن يكونوا مؤدبين مع الأسرى: "لا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي"، فكأنهم أفراد من أسرة ذلك المالك والأسير.
أيها المسلمون: لقد قرَّر الإسلام بسماحته أنه يجب على المسلمين إطعام الأسير وعدم تجويعه، وأن يكون الطعام مماثلاً في الجودة والكَمِّيَّة لطعام المسلمين، كما أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بحُسن معاملة الأسرى فقال: "اسْتَوْصُوا بِالأَسْرَى خَيْرًا"، كما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تعذيب وامتهان الأسرى، فقد رأى -صلى الله عليه وسلم- أسرى يهود بني قُرَيْظة موقوفين في العراء في ظهيرة يوم قائظ، فقال مخاطِبًا المسلمين المكلَّفين بحراستهم: "لاَ تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرَّ الشَّمْسِ وَحَرَّ السّلاَحِ، وَقَيِّلُوهُمْ وَاسْقُوهُمْ حَتَّى يَبْرُدُوا".
أيها المسلمون: لقد ضرب أسرانا البواسل أروع الأمثلة في حبهم لوطنهم وعقيدتهم رغم القيد وظلم السجان، فهم يعيشون آلام وآمال شعبهم، حيث جسدوا حقيقة الشعب الفلسطيني بوحدتهم داخل السجون، واتفاقهم على وثيقة الأسرى للوحدة، لذلك نقول لأبناء شعبنا الفلسطيني وقادة الفصائل الأكارم: إن خير تكريم للأسرى هو تلبية نداءاتهم والاستجابة لاستغاثاتهم، بضرورة الوحدة وتنفيذ وثيقتهم التي تم الاتفاق عليها.
وأقول لأسرانا البواسل: نحن في انتظار حريتكم إن شاء الله، لتساهموا في بناء هذا الوطن الغالي، كما ساهمتم في الذود عنه، فالليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر، وإن الفجر آتٍ بإذن الله، (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا).
وفي الختام نقول لكم: يا أسرانا البواسل، ويا قادتنا العظام: أنتم في قلوب كل الفلسطينيين، وسنحافظ على وصيتكم وعهدكم، ولن يخذلكم شعبكم إن شاء الله، وسيحافظ على وحدته وحرمة دمه؛ لأن فلسطين التي ضحيتم من أجلها ستبقى أكبر من الجميع، ولن يهدأ لنا بال، ولن يكون هناك استقرار إلا بخروج آخر أسير منكم، كي تتنفسوا نسائم الحرية، وكي تساهموا في بناء وطننا الغالي الذي ضحيتم جميعًا من أجله.
هذا هو أبسط حق لكم في رقاب أشقائكم وشعبكم الفلسطيني، حيث سيعمل الجميع على إطلاق سراحكم إن شاء الله.
الرحمة لشهدائنا، والحرية لأسرانا، والشفاء لجرحانا، ودعوة من القلب بأن يجمع الله شملنا ويوحد كلمتنا ويؤلف بين قلوبنا، وأن يزيل الغل من صدورنا، اللهم آمين يا رب العالمين.
نسأل الله أن يحرر أسرانا، ويحفظ شعبنا وأمتنا ومقدساتنا من كل سوء...
التعليقات