عناصر الخطبة
1/ ما المقصود بغربة الدين؟ 2/الحكمة من غربة الدين 3/صفات الغرباء وأحوالهم 4/أنواع الغربة وأقسامها 5/الحذر من الدنيا والافتتان بها.اقتباس
إن المؤمن حقاً في الدنيا كالغريب، لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، للناس حال، وله حال، ولذلك نجد هؤلاء الغرباء يتمسكون بالسنة النبوية إذا رغب عنها الناس، ويخلصون التوحيد لله وإن أشرك أكثر الناس، وتراهم لا ينتسبون إلى أحد غير الله تعالى ورسوله...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدًا رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير. اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد:
عباد الله: لما بُعث النبي ودعا الناس إلى الإسلام لم يستجب له في بادئ الأمر إلا الواحد بعد الواحد، وكان المستجيب له خائفًا من عشيرته وقبيلته، يُؤذى غاية الأذى، ويُسَاء إليه بشتى أنواع الإساءة، وينال منه وهو صابر على ذلك في الله -عز وجل-. وكان يعزي أصحابه عن تلك الغربة فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء" [صحيح مسلم 146].
وكان المسلمون إذ ذاك مُستضعفين، يطردون ويشرَّدون كل مشرد، ويهربون بدينهم إلى البلاد النائية، كما هاجروا إلى الحبشة مرتين، ثم هاجروا إلى المدينة، ودخل الناس بعد ذلك في دين الله أفواجًا، وأظهر الله لهم الدين وأتم عليهم النعمة. ثم توفي رسول الله والأمر على ذلك، وأهل الإسلام على غاية من الاستقامة في دينهم، وهم متعاضدون متناصرون، وكانوا على ذلك في زمن أبي بكر وعمر ر-ضي الله عنهما-.
ثم أعمل الشيطان مكائده، وألقى بينهم بأسه، وأفشى فيهم فتنته، فتنة الشهوات والشبهات، ولم تزل هاتان الفتنتان تتزايدان شيئًا فشيئًا، حتى استحكمت مكيدة الشيطان، وأطاعه أكثر الخلق، وكل ذلك مما أخبر النبي بوقوعه.
أيها الإخوة: ولا شك أننا نعيش في عصر صار فيه الإسلام غريبًا، وأمته منهزمة، وأحواله مضطربة، وأعداؤه يتربصون به, وعلى الغرباء -من هذا القبيل- أن يتماسكوا، وأن يعلموا أن الله تعالى اختبرهم بهذه الغربة حتى يؤدوا ما عليهم في إعزاز دينه، ورفع كلمته، وتعمير مساجده، وإحياء حدوده، وحفظ شرائعه، وما إلى ذلك كله مما لابد منه لحماية الإسلام، وهؤلاء بشرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمنزلة الرفيعة، فعن سهل بن سعد الساعدي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء" قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: "الذين يَصلُحون إذا فسد الناس" [سلسلة الأحاديث الصحيحة ، رقم 1273]، فالصالحون في زمن الضلال غرباء، والطائعون في زمن العصيان غرباء، نسأل الله أن يجعلنا من عباده الصالحين.
أيها الإخوة: وقد أمر الله المسلمين أن يأخذوا حذرهم من أزمان الغربة، وأن يكونوا أوفياء لدينهم، ويرشدوا غيرهم لكل ما فيه خير، فقال تعالى: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) [هود: 116]، ففارق كبير بين الغرباء المصلحين وهم قليل وبين المفسدين، وقد مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء الغرباء القليلين، فقال كما روى عبد الله بن المبارك في كتابه [الزهد] عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "طوبى للغرباء" ، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: "ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، ومن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم" [سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم1619].
وأخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الغرباء يحتمون بالمساجد وخاصة الحرمين الشريفين، والمجاورة فيها، ففي ذلك بعد عن الفاسدين وقرب من الصالحين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الإِسْلامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا" [أخرجه مسلم: 146].
عباد الله: والغربة ثلاثة أنواع:
الأولى: غربة الصالحين من عباد الله المحبين له المقربين منه المستمسكين بدينه والعاملين بسُنّة نبيه ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهي الغربة التي مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهلها، وهي الغربة التي تكون في مكان دون مكان، وزمان دون زمان، وبين قوم دون قوم.
وأهل هذه الغربة هم أهل الله حقّاً، فإنهم لم يأووا إلى غير الله، ولم ينتسبوا إلى غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يدعوا إلى غير ما جاء به، فهذه الغربة لا خوف على أهلها لا في الدنيا ولا في الآخرة، فوليهم الله ورسوله والذين آمنوا، وإن عاداهم أكثر الناس وجفوهم، فمن وجد الله فماذا فقد؟! ومن فقد الله ماذا وجد؟!. وقد وصف نبينا -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء الغرباء بقوله: "رُبَّ أشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأبْوَابِ، لَوْ أقْسَمَ عَلَى الله لأبَرَّهُ" [أخرجه مسلم 2622] وذلك لأعمالهم وبرهم وفضلهم، وطاعتهم لربهم -سبحانه-.
عباد الله: إن المؤمن حقاً في الدنيا كالغريب، لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، للناس حال، وله حال، ولذلك يجد هؤلاء الغرباء يتمسكون بالسنة النبوية إذا رغب عنها الناس، ويخلصون التوحيد لله وإن أشرك أكثر الناس، وتراهم لا ينتسبون إلى أحد غير الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد أخبر -عليه الصلاة والسلام- أنه سوف: "يأتي على الناس زمان، القابض على دينه كالقابض على الجمر" [أخرجه أبو داود 4341 وانظر: السلسلة الصحيحة للألباني 494].
أيها المسلمون: والغرباء المتمسكون بدينهم هم القابضون على الجمر حقّاً، وأكثر الناس بل كلهم لائم لهم مستغرب لهم، فلغربتهم بين الناس يعدونهم أهل شذوذ واختلاف، ولذلك وُصُفوا بأنهم النُّزَّاعُ من القبائل، أفراد من قبائل شتى وبلاد مختلفة، تغربوا عن قبائلهم وعن بلادهم فراراً بدينهم، وإعلاء لكلمة ربهم، فطوبى لهؤلاء الغرباء الذين يَصْلحون إذا فسد الناس، ويُصْلحون ما أفسد الناس: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) [الأحزاب: 39].
أيها المسلمون: وإذا صار الإسلام الحقيقي غريبًا فإن أهله يكونون غرباء أشد الغربة عن الناس، واستمع معي -أخي الكريم- إلى ما وصف به الإمام ابن القيم -رحمه الله- هؤلاء الغرباء، فاسمع معي سمعك الله الخير في الدنيا والآخرة، يقول الإمام: "فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلّتهم في الناس جداً سُمُّوا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات -يقصد الصفات الفاضلة والنعوت الجليلة- فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة -الذين يميزونها من الأهواء والبدع- منهم غرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة. ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً، فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين".
وأضاف -رحمه الله- في وصف هؤلاء الغرباء فقال: "ومن صفات هؤلاء الغرباء -الذين غبطهم النبي -صلى الله عليه وسلم- التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس وترك ما أحدثوه، وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا شيخ، ولا طريقة، ولا مذهب، ولا طائفة. بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده. وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقاً وأكثر الناس، بل كلهم لائم لهم. فلغربتهم بين هذا الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم.
فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطن نفسه على ذمّ الجهال وأهل البدع فيه وطعنهم عليه وازدرائهم به، وتنفير الناس عنه، وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من الكفار يفعلونه مع متبوعه وإمامه -صلى الله عليه وسلم-، فأما إن دعاهم إلى ذلك، وقدح فيما هم عليه, فهناك تقوم قيامتهم ويبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل. فهو غريب في دينه لفساد أديانهم، غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع، غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم" مدراج السالكين [3 / 194-201].
واعلم -أخي الكريم- أن أهل الإسلام في الناس غرباء, والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء, وأهل العلم في المؤمنين غرباء, وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع غرباء, والداعون إليها، الصابرون على أذى المخالفين أشد هؤلاء غربة.
فما أشد حال أهل هذه الغربة؟ فالواحد من هؤلاء الغرباء غريب في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من الناس مساعداً ولا معيناً فهو عالمٌ بدينه بين جهال، صاحب سُنّة بين أهل بدعة، داعٍ إلى الله ورسوله بين دعاة أهل الأهواء والبدع، وآمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر!! والمنكر لديهم معروف!! والهدى ضلالة!! والضلالة هدى!! نسأل الله العفو والعافية.
أيها الإخوة: ومن أنواع الغربة -وهو النوع الثاني لها-: غربة مذمومة، وهي غربة أهل الباطل وأهل الفجور بين أهل الحق، فهي غربة بين حزب الله المفلحين. وهذا كان في الزمان الأول زمان قوة الدين وانتشار الإسلام، في القرون الفاضلة, كان أحدهم يستخفي بفجوره، بخلاف أيامنا، والله المستعان.
والغربة الثالثة -أيها الإخوة- غربة مشتركة بين الناس جميعهم، فإن الناس كلهم في هذه الدار غرباء، فإنها ليست لهم بدار مقام، ولا هي الدار التي خُلقوا لها، كما بيّن ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ" [أخرجه البخاري 6416].
وتأمل معي -يا عبد الله- يقول له: "كن في الدنيا كأنك غريب" أرأيتَ الغريبَ الذي نزل في بلدة ليس له زوجة، ولا ولد، ولا والدة، ولا أحباب ولا أصحاب، ولا أصدقاء، ليس له دار، ولا قصر، ولا مزرعة ولا بستان، يريد -صلى الله عليه وسلم- من ابن عمر ومن المسلم أن يكون هكذا.
أرأيت الغريب المضطهد، الذي لا يُنظَر إليه بعين الرأفة والرحمة بين قوم غرباء، يرون أنه نزل ليرتحل؟! يريد -صلى الله عليه وسلم- من ابن عمر ومنا أن نكون ذلك.
أرأيتَ الغريبَ الذي لا يدري متى يرتحل، لا يعرف البلدة، ولا يعرف في البلدة معروفاً؟ غريبٌ من الخلان في كل بلدة إذا عَظُمَ المطلوبُ قلَّ المُساعِدُ, وتأمل: "كن في الدنيا كأنك غريب" أرأيت هذه الدنيا، إنها دنيا، ويكفي أنه اشتق اسمها من الدنو، أو من الدناءة، من الدنوِّ: من قرب تصَرُّمِها وانتهائها ولقائنا بالله -عزَّ وجلَّ-: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [هود:15-16] هذه الدنيا يريد -صلى الله عليه وسلم- منا أن نكون فيها غرباء.
فلا تركن -أيها الغريب- إلى الدنيا ولا تطمئن فيها، لأنك على جناح سفر منها إلى وطن إقامتك وهو الآخرة، كالغريب لا يستقر في دار الغربة، ولا يسكن إليها، بل لا يزال مشتاقاً إلى وطنه عازماً على السفر إليه.
أرى طالب الدنيا وإن طال عمره *** ونال من الدنيا سروراً وأنعما
كبانٍ بنـى بنيانه فأقـامه *** فلما اسـتوى ما قـد بناه تهـدما
اللهم نجنا من الغربة، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم إنا بحاجة ماسة إلى رحمتك، وعفوك، وبرك، وكرمك، اللهم احشرنا في زمرة المقربين. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله العلي الأعلى الكامل في الأسماء الحسنى والصفات العليا, رب السماوات ورب الأرض ورب الآخرة والأولى, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله: ومن أشد أنواع الغربة: غربة أهل السنة بين الجهال، يوم تجد المسلم البصير يتمسك ويعمل بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كل شيء؛ في المعتقد، وفي السلوك، وفي سائر عمله، كحضور الجمع والجماعات، والمحافظة على الفرائض والنوافل، وفي مضاعفة الحسنات ورفع الدرجات، وفي اللحية، والثوب، والسواك، والهدي الظاهرِ والباطن؛ لأنه ليس في الإسلام قشور، وليس في الإسلام تنافر، كله سنة، وكله يؤخذ جملة، وكله عبادة وشريعة من الله الذي لا إله إلا هو، لكن أهل البدع يأبون إلا أن يجعلوا أهل السنة يَحْيَون معهم غرباء.
واحذروا -أيها الغرباء- من فتن الغرباء، ومن فتنة الشعور بالغربة في البيئة والمجتمع؛ فحين تنقلب المفاهيم يشعر المسلم أنه بإيمانه ودينه وقيمه وأخلاقه غريب, وهنا ينبغي أن يحذر من فتنة النفس والشهوة، وجاذبية الأرض، والرغبة في المتاع والجاه، فعليه أن يستمسك بدينه وألا يبيع دينه وخُلقه وكرامته وأمته.
أيها الإخوة: إن المؤمن الغريب في زمن الغربة يحتاج إلى إيمان عميق وإلى صبر وتحمل وجلد في مواجهة تلك الابتلاءات والفتن والتحديات والمحن، ولهذا نجد أن الله تعالى يندب عباده ويأمرهم أن يستعينوا بالصبر والصلاة؛ فإن ذلك مما يهون الأمر ويسلي النفس ويطمئن القلب كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153].
واعلم -أيها الغريب- أن هذه الغربة سرعان ما تنقضي وتصير إلى وطنك ومنزلك الأول، وإنما الغربة التي لا يُرجى انقطاعها هي الغربة في دار الهوان، حينما يُسحب المرء على وجهه إلى جهنم والعياذ بالله، فيكون بذلك قد فارق وطنه الذي كان قد هيّئ وأُعد له، وأُمر بالتجهيز إليه والقدوم عليه، فأبى إلا الاغتراب عنه ومفارقته له، فتلك غربة لا يرجى إيابها ولا يجبر مصابها؛ فأعظم حنين ينبغي أن يكون إلى وطننا الأول سكن الأبوين ودار الخلد والنعيم، نسأل الله أن يجنبنا مسالك الظالمين، ويدخلنا برحمته في عباده الصالحين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا, ولا مبلغ علمنا, ولا إلى النار مصيرنا, واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا.
التعليقات