عناصر الخطبة
1/اختصاص الله لهذه الأمة بيوم الجمعة 2/يوم الجمعة ومنزلته ومكانته في الإسلام 3/ما يجب على المسلمين تجاه يوم الجمعة.اقتباس
تُجِلُّ الأُمَمُ أَيَّامَهَا، وتَتَفَرَّغُ فيها مِنْ بَعْضِ مَشاغِلِها، وأَمَةُ الإِسْلامِ يَومُها أَجَلُّ، وتَوْقِيْرُها لَهُ أَوْلَى، وأَشْهَرُ وأَظْهَرُ عِبادَةٍ شَرَعَها اللهُ لِعبادِهِ المُؤْمِنِيْنَ في يَومِ الجُمُعَةِ، صَلاتُها...
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أَيُّها المُسْلِمُون: شَرِيْعَةٌ تَسْمُو على كُلِّ شَرِيْعَة، ومَنْهَجٌ يَعْلُو على كُلِّ مَنْهَجٍ، ودِيْنٌ مُهَيْمِنٌ عَلى كُلِّ دِيْن، شَرِيْعَةٌ ارْتَضاها اللهِ لِعبادِهِ فأَكْمَلَها لَهُم أَوْضَحَها وبَيَّنَها، وفَصَّلَها وجَلَّاها، دِيْنٌ مِنَ اللهِ كَمُلَ، ونِعْمَةٌ مِنَ اللهِ تَمَّتْ، ودِيْنٌ مِنَ اللهِ ارْتُضِيْ؛ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا).
شَرِيْعَةٌ مَنْ هُدِيَ إِلَيْها هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيْم، تَاهَتْ أُمَمُ الأَرْضِ وضَلَّتْ، ومَالَتْ عَنِ الحَقِّ وزَلَّتْ، وهُدِيَتْ أُمَةُ الإِسْلامِ إِلى الحَقِّ المُبِيْن؛ (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
وفي كُلِّ مَنْزِلَةٍ مِنْ مَنازِلِ التَشْرِيْعِ تَتَجَلَّى هِدايَةُ اللهِ لِهذهِ الأُمَةِ وإِكْرامُهُ لَها، يَهْدِيهَا لأَكْرَمِ المَقَاماتِ، ويُرْشِدُها لأَوْضَحِ السُبُل.
لِكُلِّ أُمَةٍ يَومٌ مَشْهُودٌ تَصْطَفِيْهِ، تُجِلُّهُ وتُعَظِّمُه، وتُمَيِّزُهُ وتَجْتَبِيه؛ فاخْتَلَفَتِ الأُمَمُ في أَيَّامِها، فَكانَ لليَهُودِ يَومُ السَّبْتِ، وكَانَ للنَّصَارَى يَومُ الأَحَدِ؛ فَجاءَ اللهُ بِهذهِ الأُمَةِ، وهَدَاهَا لِأَكْرَمِ يَومٍ ضَلَّتْ عَنْهُ تِلْكَ الأُمَم، هَداها لِيَومِ الجُمُعَةِ، وهُوَ خَيْرُ يُومٍ طَلَعَتْ عليهِ الشَّمْس؛ عَنْ حذيْفَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ قال: "أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الجُمُعَةِ مَن كَانَ قَبْلَنا، فَكانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وكانَ لِلنَّصارَى يَوْمُ الأحَدِ، فَجاءَ اللَّهُ بنا فَهَدانا اللَّهُ لِيَومِ الجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الجُمُعَةَ، والسَّبْتَ، والأحَدَ، وكَذلكَ هُمْ تَبَعٌ لنا يَومَ القِيامَةِ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِن أهْلِ الدُّنْيا، والأوَّلُونَ يَومَ القِيامَةِ، المَقْضِيُّ لهمْ قَبْلَ الخَلائِقِ"(رواه مسلم).
يَومُ الجُمُعَةِ يَومٌ عَظِيْمٌ لا كَسَائِرِ الأَيام فِيهِ وَقَعَتْ وقَائِعُ جِسامٌ، وفِيهِ سَتَقَعُ أَحْداثٌ عِظَام، وهُوَ اليَومُ المُقَدَّمُ على سَائِرِ الأَيام؛ عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "خَيْرُ يَومٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وفيهِ أُخْرِجَ مِنْها، ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا في يَومِ الجُمُعَةِ"(رواه مسلم).
تِلْكَ فَضَائِلُ لِيَومِ الجُمُعَةِ ظَاهِرَةٌ، وإِخْراجُ آدَمَ مِن الجَنَّةِ لَمْ يَكُنْ طَرداً لَهُ مِنْها، كَما طُرِدَ مِنْها إِبْلِيْسُ، وإِنَّما لِيُسْتَخْلَفَ في الأَرضِ إِلى أَجَل؛ (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ)، وسَيَعُودُ إِلى الجَنَّةِ في زُمَرِ المُقَرَّبِيْن مِنْ ذُرِّيَّتِه، أُهْبِطَ آدَمُ -عليه السلام- إِلى الأَرْضِ مُسْتَخْلَفَاً فيها، ولِيَكُونَ لَهُ فيها نَسْلٌ وذُرِّيَةٌ، يَصْطَفِي اللهُ مِنْهُم نَبِيِّينَ وصِدِّيْقِيْنَ وشُهداءَ وصَالحِيْن، أُخْرِجَ آدَمُ -عليه السلام- مِنْ الجَنَّةِ وسَيَعُود، وأَخْرِجَ ِإِبْلِيْسُ مِنْها ولَنْ يَعَود؛ (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ).
وقِيامُ السَّاعَةِ في يَومِ الجُمُعَةِ فَضِيْلَةٌ لذلكَ اليَوم؛ فَما مِنْ مُؤْمِنٍ يُبَشَّرُ بِرَحْمَةِ اللهِ إِلا وقِيامُ السَّاعَةِ خَيْرٌ لَه، وَفِيْ القَبْرِ يَقُوُلُ المُؤْمِنُ: "رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي"، ويَومٌ تَقُومُ فيهِ السَّاعُةُ، فِيهِ للمُؤْمِنِيْنَ أَعْظَمُ بُشْرَى؛ (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ).
يَومُ الجُمُعةِ يَومٌ شَرَعَ اللهُ فيه لِعبادِهِ المُؤْمِنِينَ أَعْمالاً يَتَقَرَّبُونَ بِها إِليهِ تُضاعَفُ لَهُم فيها الأُجُورُ، وتُرْفَعُ لَهُمْ فِيْها الدَرَجات، ولَمْ يَزَلِ المُسْلِمُونَ مُنذُ عَهْدِ الرِسالَةِ يُجِلُّونَ يَومَ الجُمُعَةِ ويُعَظِّمُونَه، يَتَخَفَّفُونَ فيهِ مِنْ مَشَاغِلِ الحَياة، ليُقْبِلُوا عَلى عِباداتٍ شُرِعَتْ فيهِ لَهُم؛ قَالَ ابْنُ القَيِّمِ -رحمه الله-: "إِنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي يُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَفَرَّغَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ، وَلَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ مَزِيَّةٌ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ، وَاجِبَةٍ وَمُسْتَحَبَّةٍ؛ فَاللَّهُ -سُبْحَانَهُ- جَعَلَ لِأَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ يَوْمًا يَتَفَرَّغُونَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ، وَيَتَخَلَّوْنَ فِيهِ عَنْ أَشْغَالِ الدُّنْيَا، فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِبَادَةٍ، وَهُوَ فِي الْأَيَّامِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ فِي الشُّهُورِ" ا.ه.
تُجِلُّ الأُمَمُ أَيَّامَهَا، وتَتَفَرَّغُ فيها مِنْ بَعْضِ مَشاغِلِها، وأَمَةُ الإِسْلامِ يَومُها أَجَلُّ، وتَوْقِيْرُها لَهُ أَوْلَى، وأَشْهَرُ وأَظْهَرُ عِبادَةٍ شَرَعَها اللهُ لِعبادِهِ المُؤْمِنِيْنَ في يَومِ الجُمُعَةِ، صَلاتُها.
صَلاةُ الجُمُعَةِ لَها مَقامُ عَظِيْمٌ، يَجْتَمِعُ لَها المُسْلِمُونَ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الله، يَسْتَمِعُونَ فيهِ إِلى ذِكْرِ اللهِ، يُذَكَّرُ فِيهِ غَافِلُهُم، ويُوعَظُ فيه مُعْرِضُهُم، ويعَلّمُ فيهِ جَاهِلُهُم، ويُرْشَدُ فيه حَائِرُهُم.
صَلاةٌ مَهِيْبَةٌ، تَحْضُرُها المَلائِكَةُ، فَيَقِفُونَ عَلى أَبُوابِ المَسَاجِدِ يَكُتُبُونَ مَنْ حَضَرُوا، يَكْتُبُونَ الأَولَ فَالأَولِ؛ عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ وقَفَتِ المَلَائِكَةُ علَى بَابِ المَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الأوَّلَ فَالأوَّلَ، ومَثَلُ المُهَجِّرِ -أَيْ المُبَكِّرِ في الحُضُورِ ــكَمَثَلِ الذي يُهْدِي بَدَنَةً- أَي كَمَثَلِ الذي يَتَصَدَّقُ بِبَدَنَةٍ وهِيَ الواحِدَةُ مِنَ الإِبِل ــثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإمَامُــ أَيْ دَخَلَ لِصَلاةِ الجُمُعَةِ ــطَوَوْا صُحُفَهُمْ، ويَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"(رواه البخاري ومسلم).
فَأَعْظَمُ النَّاسِ في هَذِهِ الصَّلاةِ أَجْراً، أَسْبقُهُم إِليها مَجِيِئاً، وأَحْسَنُهُم فِيْها أَدَباً، وأَوْفَقُهُم فيها للسُّنَة؛ عن أبي سَعيدٍ الخدريِّ -رَضِيَ اللهُ عنه- قال: أَشهدُ على رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّه قال: "الغُسلُ يومَ الجُمُعةِ وَاجِبٌ -أَيْ مُتَأَكِدُ الاسْتِحبابِ على كُلِّ مُحْتَلِمٍ -أَي على كُلِّ بالِغٍ- وَأَنْ يَستنَّ -أَيْ يسْتاكَ بِالسِّواكِ- وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إنْ وَجَد"(رواه البخاري ومسلم).
وعَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الجُمُعةَ فاستمَعَ وأَنْصَتَ، غُفِرَ له ما بَينَه وبينَ الجُمُعةِ وزيادةُ ثلاثةِ أيَّامٍ، ومَن مسَّ الحَصَى فقدْ لغَا"(رواه مسلم)،"ومَنْ مَسَّ الحَصا فَقَدْ لَغا"، مَنْ تَشَاغَلَ بِشَيءٍ يَصْرِفُهُ عَنْ حُسْنِ الاسْتِماعِ لِلخًطْبَةِ فَقَدْ لَغا، ومُطالَعَةُ الهواتِفِ أَثْناءَ الخُطْبَةِ، أَو الحَدِيْثُ أَثْناءَها، أَعْظَمُ إِشْغالاً للنَّفْسِ مِنْ مُجَرَّدِ مَسّ الحَصا، ومَنْ لَغا، لَمْ يُدْرِكَ ثَوابَ وأَجْرَ الجُمُعَةِ، وإِنَّما يُدْرِكُ أَجْرَ مَنْ صَلَّاها ظُهْراً.
فَضَائِلُ لِلْجُمُعَةِ، يْدْرِكُها مَنْ قَوِيَ إِيْمانُهُ، وعَلَتْ هِمَّتُهُ، ويَتَأَخَرُ عَنْها مَنْ تَوانَى، أَو تَكَاسَلَ، أَو رَقَد؛ (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).
بارك الله ،،
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً؛ أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.
أيها المسلمون: إِنَّ تَعْظِيْمَ يَومِ الجُمُعَةِ، تَعْظِيْمٌ لِما أَمَرَ اللهُ بِتَعْظِيْمِه؛ (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)، يَومُ الجُمُعَةِ، يَومُ جِدٍّ لا يَومُ كَسَل، ويَومُ عِبادَةٍ لا يَومُ غَفْلَة، ويَومُ إَقْبالٍ لا يَومُ تَفْرِيط، يَومٌ يَتَحَرَّرُ فيهِ المُسْلِمُ مِنْ كَثِيْرٍ مِنْ مَشاغِلِ الحَياةِ، لِيَسْتَكثِرَ فيهِ من عَمَلِ الصَّالحَات، لا يَبْتَدِعُ المُسْلِمُ في يَومِ الجُمُعَةِ عِباداتٍ لَمْ تُشْرَعْ، وإِنَّما يُسارِعُ إِلى عَمَلِ عِبادَاتٍ فيهِ قَدْ شُرِعَتْ.
وصَلاةُ الجُمُعَةِ مِنْ أَفْضَلِ وأَعْظَمِ ما شُرِعَ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
يَتَهَيأُ المُسْلِمُ لهذه الصَلاةُ، يُبادِرُ إِليها ويَدْنُو مِنَ الإِمام، يَسُدُّ الفُرَجَ في الصَّفِّ ولا يَتَخَطَى رِقابَ المُصَلِّيْن، لا يَغْلِقُ طَرِيْقاً، ولا يُضايِقُ داراً، ولا يُؤْذِيْ بِسيَّارَتِهِ العَابِرِين، يَجْتَهِدُ المُسْلِمُ في أَدائِهِ لِهذهِ الصَلاةِ عَلى أَكْمَلِ وجْهٍ، لِيُدْرِكَ مِنَ الثَوابِ أَعْظَمَ فَضْلٍ، ويَنالَ مَنْ اللهِ أَكْرَمَ جَزاءَ، والوَعِيْدُ لَمَنْ كانَ عَنْ صَلاةِ الجُمُعَةِ يَتَخَلَّف؛ عَنْ عبداللهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: "لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ"(رواه مسلم).
لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ التَخَلُّفِ عَنْ صَلاةِ الجُمُعَةِ، تَهاوُنًا، أَو تكاسُلًا، أَو تَشاغُلاً عَنْها بِمتاعٍ مِنْ متاعِ الدُّنْيا، أَو لَيَخْتَمَنَّ اللهُ عَلى قُلُوبِهِم، يَطْبَعُ عَلَيْها ويَحْجِبُ عَنْها فَضْلَهُ ولُطْفَه، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ، تَسْتَولِيْ عَلِيْهِمُ الغَفْلَةُ فَلا يُفِيْقُونَ إِلا عَلى شَفِيْرِ الحَسْرَةِ، تَسْتَولِيْ عَلِيْهِمُ الغَفْلَةُ فَلا يُفِيْقُونَ إِلى على أَبوابِ النَّدَم.
صَلاةُ الجُمُعَةِ رَكعَتانِ، فَمَنْ لَمْ يُدْرَكْ مَع الإِمامِ رَكْعَةً لَمْ يُدْرِكِ الجُمُعَةَ، ويَجِبُ عليه أَنْ يُتِمَّ الصَلاةَ أَرْبَعاً تَكُونُ لَهُ ظُهْراً؛ قال ابنُ عُثَيْمينٍ -رَحمه الله-: "إِذا جَاءَ الإِنْسانُ والإِمامُ في التَّشَهُدِ الأَخِيْرِ يَومَ الجُمُعَةِ، فَقَدْ فاتَتْهُ الجُمُعَة، فَيَدْخُلُ مَعَ الإِمامِ ويُصَلِّيْ ظُهْراً، لَقَولِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "من أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَلاة"؛ فإِنَّ مَفْهُومَ هَذَا أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِن ذلكَ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكاً للصَّلاةِ..".
ولِيَومِ الجُمُعَةِ خَصائِصُ وسُنَنٌ، حَرِيٌّ بالمُسْلِمِ أَنْ يَتَعَلَّمَها ويَعْمَلَ بِها؛ فَمَنْ تَعَلَّمَ السُنَنَ وبِها عَمِلَ، أَدْرَكَ فَضِيْلَةً ونالَ أَجراً، ولا يَزَالُ العَبْدُ يَتَحَرَّى السُنَنَ حَتَى يُهْدَى، ولا يَزالُ يَسْتَزِيْدُ مِنَ النَوافِلِ حَتَى يَكُونَ مِنَ السَّابِقِيْن، وفي الحَدِيْثِ القُدْسِيَّ: "وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ"(رواه البخاري).
فَمِنْ سُنَنِ يَومِ الجُمُعَةِ أَنْ يَقْرأَ الإِمامُ في صَلاةِ الفَجْرِ سُورَةَ (السَّجْدَة)، وسُورَةَ (الإِنْسان)، ورَدَ ذلكَ في صَحِيْحِ البُخارِي ومُسْلِم.
ومِنْ سُنَنِ يَومِ الجُمُعَةِ، أَنْ يَقْرأَ الإِمامُ في صَلاتِها، بِـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) و(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ) أَو يَقرأَ سُورَةَ (الجُمُعة) وسُورَةَ (المنافِقُون) ورَدَ ذلكَ في صَحِيْحِ مُسْلِم.
وَمِنْ سُنَنِ يَومِ الجُمُعَةِ أَنْ يَقْرأَ المُسْلِمُ سورَةَ الكَهْفِ؛ فَعَنْ أَبِيْ سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ -رَضيَ الله عنه- قَالَ: "مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الكَهْفِ، أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّوْرِ فِيْمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ العَتِيْق".
وفي يَومِ الجُمُعَةِ ساعَةٌ يُجابُ فيها الدُّعاءُ، يُشْرَعُ للمُسْلِمِ أَنْ يَتَحرَّاها، ويَبْتَهِلَ إِلى اللهِ فيها، وقَد اخْتَلَفَ الُعُلَماءُ في تَعييِنِها؛ قَالَ ابنُ بازٍ -رَحِمَهُ الله-: "وَجَمِيْعُ أَوْقَاتِ الجُمُعَةِ مَحَلُّ دُعَاءٍ، إِذَا دَعَا بَعْدَ صَلاةِ الجُمُعَةِ، أَوْ في الصَّبَاحِ، أَو في أَيْ جُزْءٍ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَة تُرجَى فِيْهِ الإِجَابَةُ. لَكِّنَّ هَاتَانِ السَّاعَتَانِ أَرْجَى السَّاعَاتِ لِلإِجَابَةِ، وَهُمَا: "مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ على المِنْبَرِ إِلى أَنْ تُقْضَى الصَّلاَةُ، وما بَيْنَ صَلاةِ العَصرِ إِلى غُرُوبِ الشَّمْس".
والصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَضِيْلَةٌ في كُلِّ حِيْن، وفي يَومِ الجُمُعَةِ جاءَ النَّصُّ فيها، فأَكْثِرُوا من الصَّلاةِ على رَسًولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فإِنَّ رَسُولَ للهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَال: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ واحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عليه بِها عَشْرًا"(رواه مسلم)، وفي القُرآنِ قالَ رَبُنا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد.
اللهمَّ أحينا مسلمين..
التعليقات