عناصر الخطبة
1/ التعرف على الله تعالى بالتفكر في خلقه 2/ حِكم وعبر من فصل الربيع 3/ حث فصل الربيع المؤمن على الاجتهاد 4/ تذكير فصول السنة الأربعة بالآخرة 5/ أمور تُخرج الترويح عن المباح 6/ المحافظة على نعم الله تعالى بالتزام طاعته.اهداف الخطبة
اقتباس
وفصل الربيع أطيب فصول السنة، وهو يُذكّر بنعيم الجنة وطيب عيشها، وينبغي أن يحث المؤمن على مواصلة الاجتهاد يطلب الجنة بالأعمال الصالحة؛ فإذا جاء الربيع تحركت الطبائع، وظهرت المواد الكامنة في الشتاء، فخرج النبات، وأخذت الأرض زخرفها وازينت وأنبتت من كل زوج بهيج، وتحرك الحيوان للتناسل...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
أيها الناس: المؤمن بالله حقا لا يرى شيئًا في هذه الدنيا إلا تذكّر به ما وعد الله بجنسه في الآخرة، وعلم أن ذلك دليلاً يُعرّفه بخالقه -جل جلاله وتقدست أسماؤه، قال بعض السلف: "ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق لهم ربهم حتى أيقنت قلوبهم، وحتى كأنما عبدوا الله عن رؤيته".
فكل ما في الدنيا يدل على خالقه ويذكر به، ويدل على صفاته، فما فيها من نعيم وراحة يدل على كرم خالقه وفضله وإحسانه وجوده ولطفه بأهل طاعته، وما فيها من نقمة وشدة وعذاب يدل على شدة بأسه وبطشه وقهره وانتقامه ممن عصاه. ونبات الأرض واخضرارها في الربيع بعد محولها ويبسها في الشتاء، وإيناع الأشجار واخضرارها بعد كونها خشبًا يابسًا، يدل على بعث الموتى من الأرض.
ونحن، هذه الأيام، نعيش في فصل الربيع، وهي من نعم الله علينا في هذه البلدة التي اخضرت وازيَّنَتْ وأنْبتت من كل زوج بهيج، تسرُّ الناظرين، وتُفْرِحُ المتفرجين، فالحمد لله كثيرا على نعمته وامتنانه.
وفصل الربيع -إخوتي في الله- فيه حِكَمٌ وعِبر وفوائد، فمنها أنه يدل على البعث بعد الموت، وقد جلاّه الحق -جل وعلا- بمثال من عالم الشهادة؛ فالأرض التي ظلت هامدة خاشعة مقحلة لما أنزل الله عليها ماء من السماء أنبتت من كل زوج بهيج.
عن أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى؟ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ؟ قَالَ: "أَمَا مَرَرْتَ بِوَادٍ لَكَ مَحلًا ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضِرًا؟ ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ مَحلًا ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضِرًا؟"، قَالَ: بَلَى. قَالَ: "فَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى، وَذَلِكَ آَيَتُهُ فِي خَلْقِهِ" أخرجه أحمد، وابن ماجه، وقال البوصيري: سنده صحيح. فبيّن -عليه الصلاة والسلام- لهذا الصحابي أن الله -تعالى- سيحيي الموتى كما يحيي الأرض بعد موتها.
وفي ذلك يقول المولى -سبحانه وتعالى-: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) [ق:7-11]، ويقول: (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) [الزخرف:11] ، ويقول: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) [الروم:19]، والآيات في هذا كثيرة.
وفصل الربيع أطيب فصول السنة، وهو يُذكّر بنعيم الجنة وطيب عيشها، وينبغي أن يحث المؤمن على مواصلة الاجتهاد بطلب الجنة بالأعمال الصالحة؛ فإذا جاء الربيع تحركت الطبائع، وظهرت المواد الكامنة في الشتاء، فخرج النبات، وأخذت الأرض زخرفها وازينت وأنبتت من كل زوج بهيج، وتحرك الحيوان للتناسل.
وفصل الربيع برزخ بين الشتاء والصيف ينتقل فيه الحيوان من برد هذا إلى حر هذا بتدريج وترتيب، حكمة بالغة، وآية قاهرة، فتبارك الله رب العالمين وأحسن الخالقين!.
وفصول السنة كلها -أيها الناس- تُذكّر بالآخرة، فشدة حر الصيف يُذكّر بحر جهنم، وهو من سمومها، وشدة برد الشتاء يُذكّر بزمهرير جهنم، وهو من زمهريرها، والخريف يَكْمُل فيه اجتناء الثمرات التي تبقى وتُدّخر في البيوت، فهو منبه على اجتناء ثمرات الأعمال في الآخرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله، الترويح عن النفس في الإسلام أمر مشروع ومرغب فيه، وذلك بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا حنظلة! ساعة وساعة" رواه مسلم.
وقد أنعم الله علينا هذا العام بالأمطار ورطوبة الجو، وازينت الأرض بالخضرة والنبات، فانتعش الناس، واستبشروا بخير من ربهم؛ ثم [أنعم بعد كل هذا علينا بنعمة] الأمن على الأنفس والأموال والأعراض، أمن سابغ، وطمأنينة تامة، فلا حروب ولا قلاقل: (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) [سبأ:15].
ألا فلَنحفظْ أمننا بطاعة ربنا، وقيامنا بشرعه، ورعاية أسرنا، ومناصحة من ولاهم الله أمرنا بالأخذ على أيدي سفهائنا.
فالترويح يخرج عن دائرة المباح، ويخشى عقوبته إذا ضيعت بسبه الصلاة، نوم عن صلاة الفجر، وربما عن صلاة الظهر أو العصر!.
والترويح يخرج عن دائرة المباح إذا ضيع الإنسان فيه بناته وصرن يأتين ما شئن من الأماكن والحدائق إلى ساعات الليل المتأخرة.
وليس الترويح مباحاً بحضور الأماكن المختلطة بين النساء والرجال؛ لأن الاختلاط يفضي إلى إثارة الشهوات، والوقوع في المحرمات.
وليس الترويح والاستجمام في سماع المعازف ولا الأغاني؛ لأنها مما حرم الله سماعه.
أيها الآباء: ليس من الترويح في شيء أن يُمكّن الأبناء على صغر سنهم من السيارات أو الدبابات فيهلكوا أنفسهم، ويحصدوا أنفساً بريئة بتهورهم.
وتذكّروا أنكم في نعمة محسودون عليها من الداخل والخارج، والبلاد من حولنا تموج بالحروب، والزلازل ومؤنة العيش، وكلفة الحياة، فاحفَظُوا هذه النعمة بالعمل الصالح، وأصلحوا ما فسد من أحوالكم، واشكروا الله على ما من بكم بألسنتكم وقلوبكم، واستعينوا بها على طاعة الله تعالى، وتعوذوا بالله من زوالها وحلول نقمة الله بكم.
فاللهم إنا نعوذ من زوال نعمتك وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك وجميع سخطك، اللهم وفقنا لما يرضيك عنا وجنبنا ما يسخطك علينا، وأعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك.
اللهم أحْسِن عاقبتنا في الأمور كلِّها، وأجِرْنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم أقل عثرات المسلمين وردهم إليك رداً جميلاً، اللهم اجمع كلمتهم على الحق والهدى وألّف بين قلوبهم ووحد صفوفهم وارزقهم العمل بكتابك وسنة نبيك، وانتصر لعبادك المستضعفين في كل مكان، اللهم واحقن دماءهم وصن أعراضهم، وتولّ أمرهم، وسدد رميهم، وعجّل بنصرهم، وفرّج كربهم، وانصرهم على القوم الظالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].
التعليقات