عناصر الخطبة
1/ التحذير النبوي من الهلاك كأهل الكتاب بالغلو 2/ نتائج الغلو في الدين 3/ غلو الخوارج والرافضة 4/ منهج وفكر الخوارج 5/ سماتهم 6/ وقفات مع تأريخهم الأسوداهداف الخطبة
اقتباس
وهذِه الطائفة، الخوارج، حكّمت أهواءها، وخالفت الإجماع، وتعلقت بظاهر الكتاب على زعمها، ونبذت القرآن في الذي أمرهم الله به وأجمعت الصحابة على صحته، فقالت: لا حكم إلا لله والرسول. فقال علي -رضي الله عنه-: "كلمة حق أريد بها باطل".
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، فمن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
قال -سبحانه-: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) [المائدة: 77].
عاب الله -سبحانه- على أهل الكتاب غلوهم في الدين، حيث تغالوا في محبة العزير وعيسى -عليهما السلام- فوصفوهما بصفات الربوبية، ومنحوهما من الألوهية فعبدوهما، فنهانا ديننا أن نقتدي بأهل الكتاب ونغالي في عبادتنا، في جليل الأمور ودقيقها.
وجعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- حصى الجمرات التي ترمى في الحج إذا كانت كبيرة من الغلو في الدين، فنهى عن ذلك، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ: "هَاتِ، الْقُطْ لِي"، فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ، فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ، قَالَ: "بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ! فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ" رواه النسائي.
إن الغلوَّ في دين الله والتطرُّفَ في العبادة قد يؤدي بالغالي إلى التعالي على عباد الله، والتكبر عليهم، ويظن نفسه أعلى مقاما منهم، فيوظِّف من نفسه معترضا على الآخرين، ومنتقصا من علومهم، فيرى أنهم على غير الصواب والهدى، قد وقعوا في الردى والهوى، فيقع في التبديعِ والتفسيق، ثم التضليلِ والتكفير.
وبدا ذلك جليًّا في بدعةِ الخروج والرفض، بقيادة اثنين من شرِّ خلق الله -سبحانه-: حرقوص بن زهير ذو الخويصرةِ التميمي، وعبدُ الله بن سبأ الرافضي، وكلاهما اتفقا على تكفير المسلمين، واستحلال دمائهم وأعراضهم.
وخطبتنا هذه لا تتسع للتوسع في الحديث عنهما، ولا للكلام عن صفاتهما، ولنلقِ ومضات على صفات الفرقة الأولى: الخوارج.
ثبت عن أبى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قالَ: بَعَثَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ -رضى الله عنه- إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِى أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ -أي: مدبوغ بالقرظ، وهو شجر يدبغ بورقه، ولونه إلى الصفرة- لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، -أي: لم تخلص وتنقى-. قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ [الفّزَارىَّ]، وَأَقْرَعَ بْنِ حَابِسٍ [الحَنْظَلِىِّ ثم المُجاشِعِىَّ], وَزَيْدِ الْخَيْلِ [الطائِيِّ ثم أَحَدِ بني نَيْهانَ]، وَالرَّابِعُ: إِمَّا عَلْقَمَة [بن عُلاثةَ العامِريّ ثم أحد بنى كِلابٍ]؛ وَإِمَّا عَامِر بْن الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلاَءِ! قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: "أَلاَ تَأْمَنُونِى وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِى السَّمَاءِ يَأْتِينِى خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً؟!".
وفي روايةٍ معلقةٍ: فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ؛ قَالُوا: يُعْطِى صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا؟! قَالَ: "إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ".
فقد يكون عند ولي الأمر من الفوائد والمصالح ودرء المفاسد ما لا يعلمه عموم الأمة، فقد ينكرون العمل مع صوابه.
"إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ"، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِر الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِف الْوَجْنَتَيْنِ، نَاشِز الْجَبْهَةِ. وفي روايةٍ: ناتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اتَّقِ اللَّهَ! يعترض على رسول الله، ويأمره بالتقوى! وفيه اتهام للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعدم التقوى، وهذا القول كفر! ومع ذلك لم يكفره النبي -صلى الله عليه وسلم-! قَالَ: "وَيْلَكَ! أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِىَ اللَّهَ؟!". وفى روايةٍ: "مَن يُطِعِ اللهَ إذا عَصَيْتُ؟!". قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، قَالَ: خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: "لاَ؛ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّى", فَقَالَ خَالِدٌ: وكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِى قَلْبِهِ؟ وصدق خالد -رضي الله تعالى عنه-، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّى لَمْ أُؤمَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ".
إن هذا الذي يجب اتباعه: عدم التنقيب عما في قلوب الناس، فلنا الظواهر والله يتولى السرائر، قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهْوَ مُقَفٍّ -أي: ذاهب- فَقَالَ: "إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ -أي: من نسل- هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ"، أي: لا يرفع فيما يرفع من العمل الصالح... ولم يتمكن في قلوبهم كثير شيء من اليقين به، وإنما يحفظونه بالألسن، وهي مقاربة الحناجر. "يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ"، و"الدين" هنا: الطاعة، يريد أنهم يخرجون من طاعة الأئمة كخروج السهم من الرمية. وهذا صفات الخوارج الذين لا يدينون للأئمة ويخرجون للناس يستعرضونهم بالسيف، "ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ" أي: في الطاعة "حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ"، وهو موضع الوتر من السهم، "يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ [أَنَا] أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثمودَ"، وفى روايةٍ: "عَادٍ". قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: "سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ". أَوْ قَالَ: "التَّسْبِيدُ"، أي: الاستئصال.
ومن طريقٍ أخرى عنه -أي: أبي سعيد- قالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهْوَ يَقْسِمُ قَسْمًا؛ إذْ أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ، وَهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اعْدِلْ. فَقَالَ: "وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ؟! قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ". فَقَالَ عُمَرُ -ولا مانع أن يقول كل من خالد وعمر رضي الله عنهما العبارة-: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: "دَعْهُ؛ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا"، وهؤلاء هم الذين قاتلوا عليًّا -رضي الله عنه-، ووصفهم -عليه السلام- بالآيات التي وجدت.
وهذِه الطائفة، الخوارج، حكّمت أهواءها، وخالفت الإجماع، وتعلقت بظاهر الكتاب على زعمها، ونبذت القرآن في الذي أمرهم الله به وأجمعت الصحابة على صحته، فقالت: لا حكم إلا لله والرسول. فقال علي -رضي الله عنه-: "كلمة حق أريد بها باطل".
ومن طريقِ أَبِى سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ، فَسَأَلاَهُ عَنِ الْحَرُورِيَّةِ: أَسَمِعْتَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَالَ: لاَ أَدْرِى مَا الْحَرُورِيَّةُ؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "يَخْرُجُ فِى هَذِهِ الأُمَّةِ"، وَلَمْ يَقُلْ مِنْهَا، "قَوْمٌ من قِبَلِ المشرِقِ"، وفي رواية: وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْعِرَاقِ، "يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، [وعمَلَكم معَ عَمَلِهِمْ]، يَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ" وفى طريقٍ: "حُلوقَهُم، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ, [فـ] ينظرُ [الرَّامي] إلى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ -وَهْوَ قِدْحُهُ- فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ".
وفى طريق: "فَيَتَمَارَى فى الفُوقَة؛ هلْ عَلِقَ بها مِن الدَّمِ شيء؟، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ؛ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْىِ الْمَرْأَةِ"، أَوْ "مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ, وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ".
قَالَ: أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّى سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ، فَأُتِىَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الَّذِى نَعَتَهُ. قالَ: فنَزَلَتْ فيهِ: (ومِنْهُم مَنْ يَلْمِزُكَ في الصَّدَقاتِ).
إنهم الخوارج، فقد كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللهِ، وَقالَ: "إنَّهُمُ انْطَلَقُوا إلى آياتٍ نَزَلَتْ في الْكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلى المُؤمِنينَ".
عن عَليّ -رضي الله عنهُ-: إذَا حَدَّثْتكم عَنْ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- حَدِيثاً، فَوَ اللهِ! لأنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إليَّ مِنْ أنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإذَا حَدَّثْتُكمْ فِيمَا بَيْني وَبَيْنَكمْ فَإنَّ الحَرْبَ خُدْعَةٌ، وَإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقولُ: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ في آخِرِ الزَّمَانِ حُدَّاثُ -وفي روايةٍ: حُدَثَاءُ- الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قوْلِ البَرِيَّةِ، لَا يُجَاوزُ إيَمانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّميَّةِ، فَأيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتلُوهُمْ، فَإنَّ في قَتْلِهِمْ أجْراً لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ" مختصر صحيح الإمام البخاري.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
وبعد: إن قوله: "ويدعون أهل الأوثان"، قيل لما خرج إليهم عبد الله بن خباب رسولاً من عند علي جعل يعظهم، فمر أحدهم بتمرة لمعاهد فوضعها في فيه، فقال له بعض أصحابه: تمرة معاهد استحللتها؟ قال لهم عبد الله بن خباب: أنا أدلكم على ما هو أعظم منها حرمةً: رجل مسلم، يعني: نفسه.
وقُتل عَبْد اللَّهِ بْن خباب، قتله الخوارج، كان طائفة منهم أقبلوا من البصرة إِلَى إخوانهم من أهل الكوفة، فلقوا عَبْد اللَّهِ بْن خباب ومعه امرأته، فقالوا له: من أنتَ؟ قال: أنا عَبْد اللَّهِ بْنُ خبَّابٍ صاحب رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فسألوه عن أَبِي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فأثنى عليهم خيرًا، فذبحوه فسال دمه في الماء، وقتلوا المرأة وهي حامل متم، فقالت: أنا امرأة، ألا تتقون اللَّه؟! فبقروا بطنها، وذلك سنة سبع وثلاثين، وكان من سادات المسلمين، رضي اللَّه عنه. [أسد الغابة].
فلما قتلوه، أرسل إليهم عليٌّ -رضي الله تعالى عنه- أن أقيدونا به. قالوا: وكيف نقيدك به وكلنا قتله؟! فقاتلهم، فقتل أكثرهم. قيل: كانوا خمسة آلاف. وقيل: كانوا عشرة آلاف.
ولما مات معاوية -رضي الله تعالى عنه- خرجوا، فلم يزالوا على ذلك إلى أن قُتِل ابن الزبير -رضي الله تعالى عنه-، وأجمع الناس على عبد الملك، فخرج إليهم المهلب بن أبي صفرة فشرَّد بهم وقتلهم، إلا أنهم كلما كانت فترة ضعف وتفرق في دولة الإسلام وثبوا، إلى أن وليَ عمر بن عبد العزيز، فخرجوا فأرسل إليهم عنبسة بن سعيد فقال لهم: كنتم تقاتلون الناس حتى يعملوا بعمل هذا الرجل، فلم خرجتم عليه؟ قالوا: لم يبرّنا من عدونا. يعنون من ولي قبله. قال: وكيف يبركم؟ قالوا: لم يلعنهم. قال: فما عهدكم بلعن فرعون وهامان وقارون؟ قالوا: ما لنا بذلك من عهد. قال: أفتلومون من لم يلعن من هو على الإسلام وأنتم لا عهد لكم بلعن فرعون وهامان وقارون؟ فرجعوا.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد المصطفى، وآله النجباء، وصحبه الكرماء، ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
اللهم...
التعليقات